هل مسألة التحزيب والتبديع من المسائل الاجتهادية التي يُعذَر فيها المخالف؟ 2023-01-18 13:37:39
السؤال :
هل مسألة التحزيب والتبديع من المسائل الاجتهادية التي يعذر فيها المخالف ؟
الجواب :
هذا المسألة سبق الكلام عليها فيما مضى ، وأنَّ هذه شنشنة نعرفها من أخزم، وكل من جاء بفتنة من المتأخرين ، وجاء ببدعة ، وجاء بباطل، دندن حول هذه المسألة، و وهي أنَّ مسائل التبديع والتضليل مسائل اجتهادية، فليعذر بعضنا بعضًا، وهي قاعدة شبيهة بالقاعدة البنائية ، "ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه"، فأنت ترى أنَّ فلانًا حزبيًا وأنا لا أراه حزبيًا، لك ما ترى ولي ما أرى، فلا نختلف فهذه مسائل اجتهادية.
وقد كان يقول ذلك أو الحسن في أيام فتنته حين رد عليه العلماء في شأن دفاعه عن المغراوي وعن غير المغراوي من أهل البدع والأهواء، ويرى أنَّ هذا مسألة اجتهادية ، أنت ترى وأنا لا أرى، المسألة سهلة، وهي مسألة اجتهادية ، لك ما ترى ولي ما أرى، ومثل ذلك مثل بقية المسائل الاجتهادية، فأنت ترى أن كذا من الواجبات في المسائل الفقهية الاجتهادية ، وأنا أرى أنَّه من المستحبات، ما في داعي للتنازع والاختلاف والتفرق والردود، أنا أرى واجب وأنت ترى مستحب، أنا أحتج بكذا وأنت تحتج بكذا، هي مسألة اجتهادية فليعذر بعضنا بعضًا، كان يدندن حول هذا في أيام فتنته ويلبس على الناس بهذه التلبيسات ، ويدافع عن أهل البدع والأهواء ويراهم من أهل السنة، سواء كانوا من الإخوان المسلمين أو كانوا من السروريين، أو من القطبيين أو من غيرهم، ويدعي الاجتهاد في ذلك وأنَّ المسائل هذه واسعة .
وهكذا الفتنة التي بعدها، فتنة أصحاب الإبانة دندنوا نفس الدندنة وأصلوا نفس التأصيل، والفتنة التي جاءت بعد ذلك - وهي فتنة ابن حزام – فقد دندن بنفس الدندنة وأصل نفس التأصيل.
وإطلاق مثل هذا القول من الباطل، وهذا الأمر لم يكن معلومًا عن السلف، وهو أنَّهم كانوا يرون أنَّ هذه الأمور من مسائل الاجتهاد ، وأنَّ الإمام أحمد إذا قال في فلان: إنَّه جهمي أو كذا وبدعه أنَّ للغير أن يخالف ويقول: لا، هو سني، لك يا أحمد اجتهادك ، أنت مجتهد وأنا مجتهد، ما عُلم منهم مثل هذا، كان الإمام أحمد يحكم على الشخص بأنَّه جهمي بحجة وليس بالهوى، فمن خالفه فإنَّه لا يسكت عليه ويعذره على اجتهاده، بل كان يحكم على ذلك بالبدعة ويرى أن من جالس فلان يبين له وإلَّا يلحق به، فهذا معروف من مذاهب أئمة السلف، فمسائل التبديع والتحزيب لا تكون إلَّا بحجة، فإذا أقام العالم حجته الصحيحة فالواجب هو القبول لها، وأمَّا إن كان ما عنده حجة فكلامه مردود ، فإن تكلم وقال: فلان حزبي فلان مبتدع، وما عنده حجة شرعية ، فكلامه مردود عليه، لا يقبل منه ذلك، لكن إن أقام الحجة الصحيحة المعتبرة فكيف يقال مسألة اجتهادية! وهل هناك اجتهاد مع قيام الحجة؟! ما في اجتهاد مع الحجة، فمن أقام الحجة الشرعية الصحيحة فإذا جاء شخص وأراد أن يخالف ويدعي الاجتهاد فهو مبطل، وهذا كما قلنا إذا أقام الحجة الصحيحة المعتبرة، ولم يتكلم بهوى، فأمَّا الكلام بهوى فهذا لا يقبل لا من العالم ولا من الجاهل، فلا يقبل من شخص أن يقول فلان كذا. فيقال له: أيش حجتك ؟ يقول: هكذا أرى ! الذي ليس عنده حجة لا يقبل قوله، ومن أقام الحجة الشرعية الصحيحة المعتبرة فيجب القبول لحجته، ولا اجتهاد مع وجود الحجة، فمثل هذه الإطلاقات: التبديع والتحزيب مسائل اجتهادية، إنَّما جاءت من أولئك القوم، فهي قاعدة فتحت أبواب الشرور على الناس وضل بسببها من ضل، وليس المعنى من ذلك أنَّ العالم لا يخطئ أعني: في حكمه، قد يخطئ العالم في حكمه لبعض الأسباب، قد يكون بسبب، الناقل ، فالناقل ينقل نقلاً خاطئًا ، ويدعي أنَّ فلانًا يقول: كذا وكذا ولم يأتِ بالكلام على وجهه والعالم يثق ربما به.
وربما يقول العالم: فلان مبتدع ، فلان كذا ثم يتبين أنَّ الخطأ من جهة الناقل، فالخطأ قد يحصل في هذا الباب، فالعالم ما هو معصوم فقد يحصل له خطأ لسبب من الأسباب، لكن الكلام فيما إذا كانت الحجة صحيحة، والبراهين صحيحة ظاهرة بينة فيأتي شخص ويخالف الحجج بدعوى الاجتهاد فهذا كلام فاسد، كلام لا يقبل.
وهكذا العالم من العلماء قد يدافع عن بعض أهل البدع والأهواء لأنَّه لا يدري أنَّ ذلك من أهل البدع والأهواء، وربما يكون قد عرفه قديمًا على السنة، فإذا سئل عنه وقد صار من أهل البدع أثنى عليه بأنَّه من أهل السنة باعتبار الأمر السابق ولا يدري ماذا حصل له بعد ذلك، فما علم تغير حاله، وهكذا قد تجيئه أخبار من أناس يثق بهم لكنهم ما صدقوه الخبر، فأخبروه أنَّ فلاناً كذا وأنَّه على السنة وأنه كذا وكذا، لبسوا عليه، فدافع عنه وأثنى عليه خيرًا وأنَّه من أهل السنة ولا يعلم حاله الذي صار إليه ، وما وصلت إليه حجج العلماء في بيان انحراف ذلك الرجل، وفي بيان ما عنده من البدع والضلالات.
إذاً قد يخطئ العالم، فالعالم بشر يحصل منه الخطأ من هذا الباب، وقد يحصل الخطأ من باب آخر، لكن الغرض من هذا أنَّه لا يصح أن يطلق ويقال: إنَّ مسائل التبديع مسائل اجتهادية قابلة للأخذ والرد .
وهكذا إطلاق القول بأنَّ لنا أن نختلف في فلان، فنختلف في سيد قطب مثلاً، فمن قال: إنَّه سني، ومن قال: إنَّه مبتدع، لا ينكر على هذا ولا على هذا، وهكذا في أبي الحسن ، وهكذا في المغراوي ، وهكذا في عدنان عرعور ، وهكذا في غير هؤلاء من أهل الأهواء، وأنَّ من قال فلان سني والآخر مبتدع لكلٍ اجتهاده، فذاك له أجر في اجتهاده، وذاك له أجران، كما يُقال في المسائل الفقهية، فهذا فتح باب انحراف.
ويصير بعد ذلك الناس ينجذبون إلى أهل الأهواء، ويقولون: إذا كانت المسألة اجتهادية فلما نهجر فلانًا ؟! وهي مسألة اجتهادية ، ولما نمتنع عن الحضور عند فلان وهي مسألة اجتهادية ؟! فلان حكم عليه بالحزبية وفلان لم يحكم عليه بالحزبية، إذاً المسألة اجتهادية فلما نضيق هذا الباب ونورث الاختلاق والشقاق فيما بيننا، إذاً نحضر عند فلان، ونحضر عند فلان، ونجالس فلانًا وفلانًا، ويفتتح بذلك باب الشر على الناس، فعلى كلٍ هذا الكلام باطل وسيء ولا ينبغي للشخص أن يسير مع هذه الأمور، وأن يغتر بمثل هذه الأقوال الباطلة ، وبمثل هذه القواعد الباطلة، فمن عُرفت حزبيته فهو حزبي، شخص فرَّق جماعة المسلمين، وأحدث فرقة بين السلفيين، فرقة ظاهرة لا يتنازع رجلان على أنَّه فرق، ويوالي ويعادي من أجل منهجه وطريقته الفاسدة المخالفة لطريقة أهل السنة والجماعة، ولاء ظاهر وعداء ظاهر، هذه هي الحزبية، ما في شيء آخر لمعنى الحزبية ، هذا هو التحزب المذموم فإذا حُكم على شخص بالحزبية من أجل هذه الأمور، فهذه حجة ظاهرة بينة ما ينبغي أن يختلف فيها رجلان، فكيف إذا كان هناك ما هو أكثر من هذا من الأمور المنحرفة ومن القواعد الباطلة ومن غير ذلك من الأمور المخالفة لمنهج السلف فالأمر أظهر وأظهر، فلا ينبغي الخلاف بمثل هذه الأمور التي قد ظهرت وبانت، ظهرت حجتها وبانت وصارت من الأمور المعلومة البينة، فينبغي عدم التنازع في مثل هذه الأمور.