ما حكم أصل إنشاء الجمعيات، وكيف الرد على من يقول كان للعثيمين وابن باز جمعيات وأنَّ الوادعي إنَّما يذكر ما فيها لا أصلها؟ 2023-01-23 09:07:40
السؤال :
ما حكم أصل إنشاء الجمعيات، وكيف الرد على من يقول: كان
للعثيمين وابن باز جمعيات وأنَّ الوادعي إنَّما يذكر ما فيها لا أصلها ؟
الجواب
:
على كلٍ الجمعيات الموجودة والمعروفة في الساحة جمعيات حزبية
تتستر بأفعال الخير وهي تدعو إلى الحزبية وتدعو إلى أفكارها المخالفة لمنهج السلف،
فصارت ستاراً للحزبية، هذا هو المعروف في الجمعيات أنَّها صارت ستاراً للحزبيات، فالجمعيات
صارت كالمخزن الذي يُتغذى منه ويُتقوى به على المناهج المخالفة لمنهج السلف، فتجميع
الأموال فيها من أجل تقوية الباطل، فأسست الجمعيات على هذا الأمر، من أجل دعوة الناس
إلى البدع والضلالات، هذا هو المعروف في الجمعيات الموجودة في هذه الأزمان، كجمعية
إحياء التراث، وهكذا فروعها في كثير من البلدان تحت مسميات كثيرة كجمعية الحكمة وجمعية
الإحسان وغير ذلك من الجمعيات الكثيرة المتكاثرة، فهم يدعون الناس إلى مناهجهم وإلى
عقائدهم ويستعملون المادة في دعوة الناس إلى باطلهم، فالجمعيات في منشأ أمرها كانت
حزبيات متسترة تحت ستار فعل الخير والغرض منها هو نشر الباطل وتغذية الباطل بما يجمع
من الأموال، وكون الشيخ ابن باز رحمة الله عليه كان عنده شيء من الجمعيات فهذا خارج
عمَّا نحن فيه، فإنَّ الشيخ ابن باز رحمة الله عليه لم يكن شحاتاً يجمع الأموال من
موضع إلى موضع، ومن تاجر إلى تاجر، ولم يكن موزعاً للظروف بين التجار، ولم يهن نفسه عند التجار وفي دول الخارج كما يفعل أصحاب الجمعيات،
فإنَّهم يفعلون جميع ما سبق ويلقي أحدهم المحاضرات البليغة التي يبكي فيها ويبكي السامعين ثم على إثرها يتجه إلى الشحاتة باسم الدين، فالعلامة ابن
باز لم يكن هكذا رحمة الله عليه، وإنَّما كانت له المكانة الرفيعة في أوساط الناس ويعرفه
التجار فيدفعون له الأموال الكثيرة، فجعل له مؤسسة من أجل ترتيب توزيع الأموال التي
تصل إليه، وليس في مؤسسته شيء من الحزبية
وكان نزيهاً رحمة الله عليه، فحال الشيخ ابن
باز رحمة الله عليه ما هو كحال غيره، والاحتجاج بما كان يحصل من الشيخ ابن باز
على مشروعية هذه الجمعيات الموجودة في الساحة من التلبيس على الناس وشتان بين الأمرين،
فهذه الجمعيات الموجودة المشهورة في الساحة تدعو إلى الحزبية وتدعو إلى الباطل، وتدعو
إلى الأفكار المخالفة لمنهج السلف، وتدعم هذه الأفكار بالأموال، ويجذبون الناس إلى
باطلهم بالأموال، وكان الشيخ مقبل رحمه الله يقول في عبد الرحمن بن عبد الخالق: فتن
الناس بديناره لا بأفكاره، ففتنوا كثيراً من الناس في بلاد اليمن وفي بلاد الحجاز وفي
بلاد السودان وفي بلاد مصر وفي كثير من البلدان وفرقوا الدعوة السلفية ونشروا الباطل
بالدنانير الكويتية، فهذا هو المعروف في الجمعيات أنَّها ستار من أسترة الباطل فالواجب
الابتعاد عنها والحذر منها، على أنَّ الإنسان حتى لو أنشأ جمعية ما فيها دعوة إلى الحزبية
لكنَّها موضع شحاته، فإنَّ هذا مما لا يشرع، فلا يشرع للمسلم أن يسأل الناس أموالهم حتى ولو أراد فعل الخير، فلا
يسأل الناس أموالهم ويعرض نفسه للإهانة ويعرض دعوته للإهانة فدعوة الأنبياء كانت دعوة
نزيهة قال الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} [الأنعام: 90].
وقال: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} [الفرقان: 57].
وقال: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص: 86 - 88].
وقال ذاكراً قول نوح عليه الصلاة والسلام لقومه: {وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} [هود: 29].
وقال عنه أنَّه قال: { وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 109].
وقال نبي الله هود لقومه: {يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [هود: 51].
وقال عنه أنَّه قال: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 127].
وقال الله تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 141 - 145].
وقال الله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 160 - 164].
وقال الله تعالى: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 176 - 180].
وقال الله تعالى: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [يس: 20، 21].
هذه هي دعوة الأنبياء ودعوة الصالحين ودعوة العلماء، فيها العفة والنزاهة.
قال
ابن مفلح رحمه الله في "الآداب الشرعية" (1/164): "فَصْلٌ
فِي طَبَقَاتِ الْقَاضِي أَبِي الْحُسَيْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ نَقَلَ عَنْ
إمَامِنَا أَشْيَاءَ مِنْهَا قَالَ قُلْتُ لِأَحْمَدَ إنَّ فُلَانًا يَعْنِي أَبَا
يُوسُفَ رُبَّمَا سَعَى فِي الْأُمُورِ مِثْلَ الْمَصَانِعِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْآبَارِ،
فَقَالَ لِي أَحْمَدُ: لَا، لَا، نَفْسُهُ أَوْلَى بِهِ.
وَكَرِهَ
أَنْ يَبْذُلَ الرَّجُلُ وَجْهَهُ وَنَفْسَهُ لِهَذَا، وَذَكَرَهُ أَيْضًا الْخَلَّالُ
وَأَبُو يُوسُفَ هُوَ الْغَسُّولِي" اهـ.
فكره الإمام أحمد أن يعرِّض الإنسان نفسه لمثل هذا، أي:
يهين نفسه ويبقى شحاتاً ويقول: أريد أن أفعل الخير! حتى ولو كان صادقاً في إرادة فعل
الخير، فالخير مفتوح يُحث الناس عليه، والناس يتجهون إليه بأنفسهم، فيبنون بأنفسهم المساجد، ويحفرون بأنفسهم
الآبار، ويتصدقون بأنفسهم ولا يجعل الإنسان نفسه موضعاً للتهمة، ولا يذل الإنسان نفسه ودعوته عند أصحاب الأموال،
فالعلم أغلى من الدنيا وما فيها والدعوة إلى الله عز وجل أغلى من الدنيا وما فيها،
فالدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة فهي هينة،
فلا يهين الإنسان العلم بالدنيا وبالشحاتة الذهاب إلى التجار وسؤال الناس أموالهم،
فيا طالب العلم قد أكرمك الله عز وجل بالعلم والسنة فأنت كريم أمَّا الدنيا فهي هينة
حقيرة فلا تهين نفسك ولا تهين العلم بمثل هذه الأمور.
ورحم الله أبا الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني حيث قال:
يَقُولُونَ لِي فِيكَ انْقِبَاضٌ وَإِنَّمَا ... رَأَوْا رَجُلًا عَنْ مَوْقِفِ الذُّلِّ أَحْجَمَا
أَرَى النَّاسَ مَنْ دَانَاهُمُ هَانَ عِنْدَهُمُ ... وَمَنْ أَكْرَمَتْهُ عِزَّةُ النَّفْسِ أُكْرِمَا
وَلَمْ أَقْضِ حَقَّ الْعِلْمِ إِنْ كَانَ كُلَّمَا ... بَدَا طَمَعٌ صَيَّرْتُهُ لِي سُلَّمَا
إِذَا قِيلَ هَذِي مَنْهَلٌ قُلْتُ قَدْ أَرَى ... وَلَكِنَّ نَفْسَ الْحُرِّ تَحْتَمِلُ الظَّمَا
وَلَمْ أَبْذُلَنْ فِي خِدْمَةِ الْعِلْمِ مُهْجَتِي ... لِأَخْدُمَ مَنْ لَاقِيتُ لَكِنْ لِأُخْدَمَا
أَأَشْقَى بِهِ غَرْسًا وَأَجْنِيهِ ذِلَّةً ... إِذًا فَاتِّبَاعُ الْجَهْلِ قَدْ كَانَ أَسْلَمَا
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ صَانُوهُ صَانَهُمْ ... وَلَوْ عَظَّمُوهُ فِي النُّفُوسِ لَعُظِّمَا
وَلَكِنْ أَذَلُّوهُ فَهَانَ وَدَنَّسُوا ... مُحَيَّاهُ بِالْأَطْمَاعِ حَتَّى تَجَهَّمَا