التنبيهات المهمات على حرمة الترحم على الكفار وبيان خطر المنظمات
2022-12-31 04:08:39
*خطبة جمعة بعنوان :( التنبيهات المهمات
على حرمة الترحم على الكفار وبيان خطر المنظمات)*
*لشيخنا المبارك: أبي بكر الحمادي
حفظه الله*
*سجلت بتأريخ ١٢/ شوال/١٤٤٣ هجرية*
*مسجد المغيرة بن
شعبة مدينة القاعدة محافظة إب حرسها الله وسائر بلاد المسلمين*
إن الحمد لله،
نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده
الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}
[آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا
النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ
مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ
اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ
رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد:فإن خير
الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور
محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
يقول سبحانه
وتعالى في كتابه الكريم :{مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۗ
وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ
الْعَظِيمِ (105)}[البقرة:105]
فبين لنا ربنا
سبحانه وتعالى في هذه الآية المباركة ما في قلوب الكافرين، وما في قلوب المشركين
من الحقد العظيم، ومن الحسد العظيم على أهل الإسلام والمسلمين، فبين سبحانه وتعالى
أن المشركين وأن أهل الكتاب من اليهود ومن النصارى لا يحبون في نفوسهم أن ينزل
الله سبحانه وتعالى من خير على المسلمين، عظم ذلك الخير أو قل، ما ما يود الذين
كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم.
وهذا يدل على ما
في قلوبهم من الحسد، وما في قلوبهم من الحقد العظيم على الإسلام والمسلمين، يقول
سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ
يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم
مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ}[البقرة:109]
فهذا الذي في نفوس
كثير من اليهود ومن النصارى، وفي نفوس أيضا كثير من المشركين ومن أنواع الملحدين،
وقال سبحانه وتعالى:{وَدَّت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ
يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69)}[آل
عمران:69].
أخبرنا ربنا
سبحانه وتعالى عما في نفوس الكافرين، وهو خبر من عليم خبير، الذي لا يخفى عليه شيء
في الأرض ولا في السماء، فلا تحسن الظن بأعدائك، لا تحسن الظن بكافر، لا تحسن الظن
بيهودي، ولا بنصراني، ولا بمشرك، لا تحسن الظن بهؤلاء، ولا تظن أن هؤلاء يريدون
خيرا للإسلام والمسلمين، كيف يريدون خيرا وقد أخبرنا الله سبحانه ما في
قلوبهم، وأنهم لا يريدون أي نوع من أنواع
الخير قل أو عظم للمسلمين، وأنهم ساعون في إضلال المسلمين، ويودون ويحبون أن يضل
المسلمون، وأن يرتد المسلمون عن دينهم، هكذا أخبرنا بذلك ربنا سبحانه وتعالى وهو
العليم الخبير،{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن
دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا}[آل عمران:118]
يسعون في إدخال
الفساد، الخبل من الفساد، لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم ما يشق عليهم على المسلمين يحبونهم، فإذا حصلت
شرور في أوساط المسلمين فإنهم يحبون ذلك، إذا حصل الشدة في عيش المسلمين وحصل فقر
وحاجة ونكبات وأزمات على المسلمين فهذا الذي يحبونه في قلوبهم، وإن تظاهروا بخلاف
ذلك فهم يكذبون بألسنتهم، والذي في قلوبهم خلاف ما يتلفظون به، فالذي في قلوبهم هو
أنهم يحبون ذلك، كل ما فيه عنت ومشقة وحرج وشدة على المسلمين هم يحبون ذلك، قال
الله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ
لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ
أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ
الْآيَاتِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَا أَنتُمْ أُولَاءِ
تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}[آل عمران:118،119].
فلا يليق بالمسلم
أن يظهر المحبة لأعدائه، تحب عدوك وهو لا يحبك، يكيد لك في الليل والنهار وأنت
تظهر له المودة، وتظهر له الخير وهو يمكر بك في الليل والنهار، ويريد أن يدخل عليك
المشقة والعنت، { هَا أَنتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ
وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا
خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ۚ قُلْ مُوتُوا
بِغَيْظِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِن
تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ۖ
وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ
بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}[آل عمران:119]
هذا هو حال أعداء
المسلمين من المنافقين، وهم أشد الكافرين، وحال أعداء المسلمين ايضا من المشركين
ومن أهل الكتاب يودون ما فيه العنت والمشقة على المسلمين، إن نزلت المصائب
بالمسلمين وهي السيئات فإنهم يفرحون بذلك، وإن نزلت حسنات على المسلمين وهي النعم
والخيرات فإنهم يبغضون ذلك ولا يودون ذلك، هذا حال عدو الله، وحال عدوك، فلا تغتر
بأعدائك، ولا تغتر بما يقولونه، أو ما يتظاهرون به، فهم كاذبون، وقد أخبرنا الله
سبحانه وتعالى عن حقيقة أمرهم وعما في قلوبهم، يمكرون بالمسلمين في الليل والنهار،
قال الله:{إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ
كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ
رُوَيْدًا (17)}[الطارق:15،17].
وقال
الله:{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54)}[آل
عمران:54].
وقال
الله:{وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
(50)}[النمل:50].
وقال الله
:{وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22)}[نوح:22].
يمكرون بأهل
الإسلام بالليل والنهار، ويخططون على تدميرهم في الليل والنهار، ويخططون على
إخراجهم من دينهم في الليل والنهار، ويبثون في أوساطهم أنواع الفسق والفجور، حتى
ينحل المسلمين عن دينهم شيئا فشيئا، يخططون لذلك ويمكرون بالليل والنهار، وهناك من
أهل الإسلام من هو مغفل بحال عدوه من اليهود ومن النصارى ومن غيرهم، فلا تكن مغفلا
وكن متيقظا، واسمع إلى ما يقول ربك العليم الخبير بعباده، ما يقول في حال
الكافرين، وفي مقاصدهم، وفي مرادهم، وما يسعون إليه، يسعون إلى كل شر، يسعون إلى
التشكيك في دين المسلمين، حتى يخرج المسلمون عن دينهم، ببث الشبهات الكثيرة في أوساط
الجاهلين حتى يتشكك المسلم عن دينه فيرتد ويخرج عن دينه، يسعون بإثارة الفتن في
أوساط المسلمين، قال الله:{كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا
اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ
الْمُفْسِدِينَ (64)}[المائدة:64].
يشعلون الفساد في
أوساط المسلمين،
إذا تأمل المسلمون
في الفتن الحاصلة في بلدانهم من وراءها؟ وجد أن وراءها اليهود والنصارى وسائر
المشركين، هم الذين يشعلون الفتن في أوساط المسلمين، وهم الذين يبثون الفساد في
أوساط المسلمين، الفساد الخلقي، وغير ذلك من أنواع الفساد، ومنه الفساد الخلقي، من
أين جاءت؟ دخل إلى المسلمين الفساد في الخلق، من أين جاءت؟ من الرذائل والقبائح
إلا من جهة أعدائهم، من جهة اليهود، ومن جهة النصارى، بثوا في أوساط المسلمين
المسلسلات الخليعة، والصور الفاتنة، ونشروها عبر الوسائل المعروفة وأدخلوا ما
أدخلوا من الشر والفساد في أوساط كثير من المسلمين، ويسعون في الأرض فسادا، كلما
أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، ويسعون في الأرض فسادا، يشعلون الفتن في أوساط
المسلمين، ويهيجونها في أوساط المسلمين،
كما هو معلوم، يحرصون على فتنة المسلمين في باب الدنيا، وينفقون الأموال الكثيرة
من أجل إفساد المسلمين، وإخراج المسلمين عن دينهم، وعن أخلاقهم عن طريق الأموال،
قال سبحانه وتعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ
لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ
حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ
(36)}[الأنفال:36].
ينفقون الأموال
الطائلة ليصدوا عن سبيل الله، وإن تظاهروا بخلاف ذلك، وإن قالوا هذه منظمات خيرية
تسعى في نشر الخير، وفي إزالة الفقر، وفي التعاون مع المحتاجين وفي الإحسان إلى
الناس، وفي كذا وكذا، هم كاذبون، كاذبون في أقوالهم، إنما هي دعاوى ظاهرة، وفي
حقيقة الأمر يسعون إلى إخراج المسلمين عن دينهم بأموالهم، وإلى إفساد الأخلاق،
ونشر الرذائل والفسق والفجور في أوساط المسلمين عن طريق المال وعن طريق مثل هذه
المنظمات، والله يقول :{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ
لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ}
لا ينفقون مالا في
أوساط المسلمين لأنهم يريدون الخير، يريدون السعة للمسلمين، يريدون كشف الكربات عن
المسلمين، كيف يريدون هذا والله سبحانه وتعالى يقول :{مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا
مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ
خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ} ما يودون هذا في قلوبهم فكيف يسعون إلى هذا بأموالهم وهم
لايحبون ذلك، قال الله سبحانه وتعالى:{وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} لا
يسعون في إصلاح حال المسلمين، وإنما يسعون في الأرض الفساد، وقال سبحانه
وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ
لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ}[آل عمران:118].
أي ما به المشقة
عليكم، هم يحرصون على إدخال المشقة في أوساط المسلمين، فكيف يحرصون على رفع الفقر
من أوساط المسلمين، وإغاثة المهلوف، والإحسان إلى المحتاجين، وهم يريدون إدخال
العنت والمشقة على المسلمين، قال الله:{إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ
وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا}[آل عمران:112].
إذا نزلت السيئات
على المسلمين فرحوا بها، وإذا جاءت الحسنات والخيرات فإنهم يتألمون بذلك، فكيف
يسعون إلى بث الخير ونشر الخير في أوساط المسلمين، إنما هو المكر والكيد
بالمسلمين، وكثير من أهل الإسلام يغتر بهم لشدة إقباله على المال، ولشدة حرصه على
المال، لا يبالي بدينه إلا من رحم الله
سبحانه وتعالى، فلا خير في اليهود،
ولا خير في النصارى، ولا خير في أموالهم، ولا خير في مشاريعهم، ولا خير فيهم من
أولهم إلى آخرهم، هؤلاء هم أعداء الله، وأعداء الإسلام والمسلمين، فلا تغتر بهم،
كم سفكوا من دماء محرمة، وكم أثاروا من فتن ومن شرور، والعجب أن هنالك من أهل
الإسلام من يتألم على موت بعض الكافرين، ويظهر الترحم في موت بعض الكافرين، وكم
سفكوا من دماء المسلمين، كم تسفك من الدماء المحرمة في أوساط المسلمين من جهتهم؟
كما أبادوا من دول؟ وكم أثاروا من فتن؟ وكم أثاروا من شرور؟ والفتنة الحاصلة منهم
في الليل والنهار مازلت موجودة، وسفك الدماء من جهتهم في الليل والنهار، مازال
موجودا في أوساط المسلمين من جهة أعدائهم، وهنالك ممن يترحم إذا ما مات بعض
الكافرين، والله سبحانه وتعالى يقول:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا
أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ
مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113)}[التوبة:113].
لا تترحم على
يهوديا، ولا تترحم على نصرانيا، ولا تستغفر ليهودي، ولا تستغفر لنصراني، ولا تظهر
التألم على موته، أولئك حطب جنهم، أولئك شر الخليقة، قال الله:{إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ
فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)}[البينة:6].
أي شر الخليقة، هم
شر الخلق عند الله سبحانه وتعالى، هم وقود النار، هم الذين أثاروا الشر في أوساط
المسلمين، وكادوا للمسلمين في الليل والنهار، فلا تظهر الحزن عليهم، ولا تترحم على
أحد منهم، ولا تستغفر لأحد منهم، فإن ربك سبحانه وتعالى قد نهى نبيه، ونهى
المؤمنين عن ذلك ولو كان من أقربائك، فكيف إذا لم يكن كذلك، {مَا كَانَ
لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ
كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ
الْجَحِيمِ (113)}
هذا واسأل الله
عزوجل أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين، واستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.
*الخطبة الثانية:*
الحمد لله، نحمده
تعالى ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهديه الله
فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: يقول الله
سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ
أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ
عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ
يُحْشَرُونَ (36)}[الأنفال :36]
فمعاشر المسلمين
لا تفتنكم الدنيا عن دينكم، لا تضيعوا بناتكم، ولا تضيعوا أولادكم في هذه
المنظمات، التي قد علم ما فيها من الشر، وما فيها من الدعوة إلى الإنحلال عن الدين
باسم فعل الخيرات، والإحسان، وفعل المشاريع، وما إلى ذلك، ولهم مقاصد سيئة،
مقاصدهم ما أخبرنا ربنا سبحانه وتعالى، وهو العليم بعباده، قال الله سبحانه
وتعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن
سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ
يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)}
يقول عليه الصلاة
والسلام:"كُلُّكُمْ رَاعٍ ومَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ؛ فَالإِمَامُ رَاعٍ وهو
مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ في أهْلِهِ رَاعٍ وهو مَسْؤُولٌ عن
رَعِيَّتِهِ، والمَرْأَةُ في بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وهي مَسْؤُولَةٌ عن
رَعِيَّتِهَا، والخَادِمُ في مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وهو مَسْؤُولٌ عن
رَعِيَّتِهِ"؛ البخاري(2409) ومسلم(1829) من حديث عبدالله بن عمر رضي الله
عنهما.
وفي الصحيحين من
حديث معقل بن يسار رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما مِنْ
عبدٍ يسترْعيه اللهُ رعيَّةً ، يموتُ يومَ يموتُ ، وهوَ غاشٌّ لرعِيَّتِهِ ، إلَّا
حرّمَ اللهُ عليْهِ الجنَّةَ"؛البخاري (7150)، ومسلم (142).
وفي البخاري(7150)
رواية :"ما مِن عَبْدٍ اسْتَرْعاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْها
بنَصِيحَةٍ، إلَّا لَمْ يَجِدْ رائِحَةَ الجَنَّةِ.
فأنت مسؤول عن
ابنك، ومسؤول عن ابنتك، اتق الله سبحانه وتعالى في أولادك، الكفار لا يريدون لنا
خيرا، وإنما يريدون لنا الشر، قال الله:{وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا
فَتَكُونُونَ سَوَاءً ۖ فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ}[النساء:89].
وقال الله :{وَلَا
يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ
اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ
فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ
أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)}[البقرة:217].
هذا الذي يريدونه
الكفار، لكن عن طريق المكر والكيد بأهل الإسلام، يظهرون الخير ويبطنون الشر،
يظهرون الإصلاح وهم يسعون في الإفساد، قال الله:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا
تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا
إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا
يَشْعُرُونَ (12)}[البقرة11،12].
نريد إصلاح الناس،
نريد إصلاح البلاد، نريد كذا وكذا من فعل الإغاثات والخيرات وهم في الحقيقة يريدون
الإفساد في أوساط المسلمين، يريدون أن يخرجوا أبناء المسلمين عن دينهم، وعن قيمهم،
وعن أخلاقهم، يريدون الشر والفسق والفجور في أوساط المسلمين والعياذ بالله، فاحذر
يا مسلم على دينك، واحذر على أولادك، احذر على بناتك وأبناءك، واتق الله سبحانه
وتعالى، ولا تغتر بالدنيا، الدنيا فانية، لا تبقى لك ولا تبقى فيها، مثل الدنيا
كمثل الخارج من الإنسان كما بين ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام، قال
:" قَزَّحَه وملَّحَهُ ، فانظُر إلى ما يَصيرُ.
الدنيا لا تعدل
عند الله جناح بعوضة، دينك هو رأسك مالك، احرص عليه، والدنيا دار عمل، ودار الجزاء
الآخرة، لا تضيع الدنيا والآخرة، فإن من ضيع دينه خسر الدنيا والآخرة، كيف يخسر
الدنيا؟ يخسر الدنيا لأنه لا يبقى فيها، يأتيه الموت ولا بد، ولا تبقى الدنيا
لأحد، كيف تخسر الآخرة لأن من لا دين له لا آخرة له، إنما جعل الله سبحانه وتعالى
الدار الآخرة للمتقين، قال الله:{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا
لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ
وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)}[القصص:83].
فهي لعباد الله عز
وجل للمتقين، لعباد الله الصالحين، لعباد الله المؤمنين، فلا تخسر الدين والدنيا
في لعاع من الدنيا حقير
أسأل الله سبحانه
وتعالى أن يصرف عن المسلمين كل سوء ومكروه، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين،
اللهم من أراد بالمسلمين مكرا وكيدا فاجعل كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره،
واكفالمسلمين شره إنك على كل شيء قدير، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، اللهم عليك
بأعداء الدين من اليهود والنصارى وسائر الكافرين والمشركين والملحدين، إنك على كل
شيء قدير، اللهم احفظ لنا إيماننا، واحفظ لنا ديننا، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم
الراحمين، اللهم اغفر لموتى المسلمين أجمعين، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها
من قول وعمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، ربنا آتنا في الدنيا
حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.