العظة والتذكرة ببعض أسباب الخسران في الآخرة
2022-12-31 15:58:49
*خطبة جمعة بعنوان:العظة والتذكرة ببعض أسباب الخسران في الآخرة.*
*لشيخنا المبارك:أبي بكر بن عبده بن عبدالله الحمادي حفظه الله*
*سجلت بتأريخ ١٤/ذي الحجة/لعام ١٤٤٢ للهجرة*
*مسجد هائل مقبل*
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره،
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل
فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده
ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ
وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا
وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ
كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا
قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
[الأحزاب: 70-71]
أما بعد:اعلموا أن خير الحديث كتاب الله،
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة
بدعة.
يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم{فَمَن
زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ
الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)}[آل عمران:185].
فهذا هو الفوز الحقيقي أن يزحزح العبد من نار
جهنم،وأن يدخله رب العالمين سبحانه وتعالى الجنة،ومن خسر الآخرة فذلك هو أعظم
الخسران،وهو أشد الخسران، قال الله{قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا
أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ
الْمُبِينُ (15)}[الزمر:15].
فليس هنالك خسران أعظم من خسران الآخرة، أن
ينتقل العبد من الدنيا إلى الدار الآخرة، ويكون العبد لا حظ له في الآخرة، هذا هو
الخسران المبين ،هذا هو الخسران العظيم، الخسران في الدنيا ليس فيه كبير ضرر،أن
يخسر الإنسان في تجارته،أن يخسر في بيعه وشرائه،فليس في ذلك كبير ضرر،فإن الدنيا
وما فيها من الشهوات والأمتعة لا تعدل عند الله - سبحانه وتعالى - جناح بعوضة، فهي
حقيرة هينة عند رب العالمين سبحانه وتعالى،وإنما الخسران الحقيقي أن يخسر العبد
الدار الآخرة،قال الله{قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ
وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ
(15)}
يخسر العبد نفسه فلا ينتفع بنفسه فإنه من
أصحاب السعير،ولا ينتفع بأهله إن كانوا من أهل الجنة وهو في النار فقد خسرهم
خسراناً عظيماً،ولا يجتمع من كان من أهل النار من الكافرين ومن كان من أهل الجنة
من المؤمنين أبد الآبدين،وإن كان في نار جهنم والكل في عذاب الله - عزوجل - فهو قد
خسر أهله أيضاً،فهذا هو الخسران المبين،وهذا هو الخسران العظيم،فليهتم العبد بأمر
آخرته، وليحرص على آخرته أكثر من حرصه على دنياه،وإنما يحرص العبد على آخرته
بالمسارعة في مرضات الله عزوجل،والمسابقة إلى رضوان الله،قال الله{وَسَارِعُوا
إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ
أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ
وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ
يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)}[آل عمران:133-134].
فهؤلاء هم الذين جعل الله - سبحانه وتعالى -
لهم الجنة،وهؤلاء هم الفائزون برضوان الله عزوجل،وهؤلاء الذين نجاهم رب العالمين
سبحانه وتعالى من الخسارة،وهؤلاء لهم النصيب الأعظم من رضوان الله عزوجل،ومن جنات
الله،قال الله{سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا
كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ
وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو
الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)}[الحديد:21].
وقال الله {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي
نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا (63)}[مريم:63].
فالتقي هو العبد القائم بأوامر الله
عزوجل،والمنتهي عن نواهي الله سبحانه وتعالى،وأعظم ذلك توحيد الله سبحانه
وتعالى،والإبتعاد عن الشرك،من أعظم تقوى الله سبحانه فهو التوحيد وهو أصل
التقوى،وهكذا الإبتعاد عن الشرك عن أكبره وأصغره، فإن هذا أصل من أصول التقوى،ولا
يعتبر العبد متقياً لله - عزوجل - حتى يأتي بالتوحيد،ويتقي الإشراك برب العالمين
سبحانه وتعالى،وبعد ذلك أن يحافظ العبد على أركان الإسلام،ومن أعظم أركان الإسلام
بعد الشهادتين الصلاة المكتوبة المفروضة، فإنه لا حظ في الإسلام لمن ترك
الصلاة،كما قال ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه،لا حظ في الإسلام
لمن ترك الصلاة،وقد قال نبينا عليه الصلاة والسلام:"إن بين الرجل وبين الشرك
والكفر: تركَ الصلاة" أخرجه الإمام مسلم (82) عن جابر بن عبدالله رضي الله
عنه.
وقال نبينا عليه الصلاة والسلام:"العهدُ
الذي بينَنا وبينَهم الصلاةُ، فمَن تركَها فقد كفرَ"أخرجه الترمذي (2621)،
والنسائي (463)، وابن ماجه (1079)، وأحمد (22987) عن بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي
الله عنه.
لا تخسر الآخرة بتركك لهذه الفريضة التي
افترضها الله سبحانه وتعالى عليك،فإنه لا نصيب ولا حظ في الآخرة لمن ترك هذه
الفريضة،مأواه السعير إن لم يتب إلى ربه سبحانه وتعالى قبل موته.
معاشر المسلمين: احرصوا على آخرتكم قبل يوم
الندم،يقول سبحانه وتعالى{ كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا
دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)وَجِيءَ
يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ۚ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ
الذِّكْرَىٰ (23)يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24)}[الفجر:21-24].
يندم غاية الندم ويقول يا ليتني قدمت
لحياتي،وليس المراد بالحياة الحياة الدنيوية فإنها حياة تافهة،وإنما الحياة
الحقيقية هي حياة الآخرة،قال الله{وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ
الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)}[العنكبوت:64].
هي الحياة الحقيقية،وهي الحياة الباقية،عباد
الله لا تخسروا الآخرة، كم من أُناس لا خلاق لهم في الآخرة،أي لا نصيب لهم محرومون
من الآخرة، لأنهم ضيعوها في الدنيا،ما اتقوا ربهم سبحانه وتعالى،ولا حافظوا على
شعائر الإسلام،فهؤلاء لا خلاق لهم في الآخرة،كما بين ذلك ربنا سبحانه وتعالى في
كتابه الكريم،وبين ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام،فقد جاءت الأدلة المتكاثرة في
أُناس أنهم لا نصيب لهم في الآخرة وأنهم لا خلاق لهم في الآخرة كما قال سبحانه
وتعالى في كتابه الكريم{فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي
الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200)}[البقرة:200].
أي ليس له نصيب في الآخرة لأنه لا يريد إلا
الدنيا،فمن أراد الدنيا ولم يرد الآخرة فليس له في الآخرة من خلاق،أي ليس له نصيب
من الآخرة،قال الله{مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ
إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15)أُولَٰئِكَ
الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا
فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)}[هود:15-16].
فهؤلاء لا خلاق لهم في الآخرة،الذين ليس لهم
هم إلا الدنيا،ليس لهم هم إلا أن يجمعوا شهوات الدنيا وملذاتها، فرحتهم الدنيا،وحزنهم على الدنيا، وعملهم من
أجل الدنيا،وسائر سعيهم من أجل الدنيا،فهؤلاء لا خلاق لهم الآخرة،لا نصيب لهم في
الآخرة،قال الله {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ
ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا
يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا
يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)}[آل عمران:77].
الذين يأخذون أثمان الدنيا ويضيعون عهد الله
سبحانه وتعالى عليهم، وينقضون العهود التي بينهم وبين ربهم سبحانه وتعالى،فهؤلاء
لا خلاق لهم في الآخرة،أي لا نصيب لهم في الآخرة،وهكذا الذين ينقضون الأيمان،
وهكذا الذين يعقدون الأيمان الكاذبة ليأخذوا شيئاً من متاع الدنيا ومن شهواتها
وملذاتها،فهؤلاء لا خلاق لهم في الآخرة،لا أي لا نصيب لهم،يحلفون الأيمان الكاذبة
من أجل بعض حظوظ الدنيا،كما قال عليه الصلاة والسلام:"ثلاثةٌ لا يُكلِّمُهم
اللهُ ولا ينظرُ إليهم يومَ القيامةِ ، ولا يُزكِّيهم ، ولهم عذابٌ أليمٌ . قلتُ :
من هم يا رسولَ اللهِ ! قد خابوا وخسِروا ؟ فأعادها ثلاثًا ، قلتُ : من هم خابوا
وخسِروا ؟ فقال : المسبلُ ، والمَنَّانُ ، والمُنَفِّقُ سِلعتَه بالحلِفِ الكاذبِ
أو الفاجرِ"أخرجه مسلم (106) من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه.
يعقد الأيمان الكاذبة،فهؤلاء ممن لا خلاق له
في الآخرة كما بين ذلك لنا ربنا سبحانه وتعالى،في مسلم(137)من حديث أبي أمامة رضي
الله عنه عن رسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:"
من اقتطع حقَّ امرئٍ مسلمٍ
بيمينِه حرَّم اللهُ عليه الجنةَ وأوجب له النارَ ، فقال رجلٌ وإنْ شيءٌ يسيرٌ قال
: وإنْ قضيبٌ من أراكٍ وإنْ قضيبٌ من أراكٍ"
أي ولو كان عوداً من سواك،من أشجار
السواك،وهي أشجار الأراك،ولو كان عوداً من أراك إذا أخذه الإنسان ظلماً بيمينه
الفاجرة بيمينه الكاذبة فإن الله- سبحانه وتعالى - حرم عليه الجنة،وأوجب عليه
النار،فكيف بمن يأخذ أموال الناس الكثيرة المتكاثرة ولا يخاف من ربه سبحانه
وتعالى، كيف يكون مآله؟إذا كان من أخذ هذا المقدار اليسير ولو أخذ عوداً من أراك
بيمين فاجرة وذلك العود لغيره فإنه يلقى ربه - سبحانه وتعالى - وهو عليه
غضبان،ويحرم عليه ربه سبحانه وتعالى الجنة،ويجعل له نار جهنم والعياذ بالله،ولو
كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ قال النبي عليه الصلاة والسلام ولو كان عوداً من
أراك،فيا عباد الله لا تضيعوا الآخرة فإن الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك
نعله،والنار مثل ذلك،كما أخبرنا بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام، الجنة قريبة لمن
طلبها،والنار قريبة لمن طلبها،وإنما تطلب الجنة بالأعمال الصالحة،وتطلب النار
بالأعمال السيئة،بمعصية رب العالمين سبحانه وتعالى، هذا واستغفر الله إنه هو
الغفور الرحيم
الخطبة الثانية:
الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه
ونستغفره،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا،ومن سيئات أعمالنا،من يهده الله فلا مضل
له،ومن يضلل فلا هادي له،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن
محمداً عبده ورسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد،يقول سبحانه وتعالى
في كتابه الكريم{وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ
مِنْ خَلَاقٍ}[البقرة:102].
وهذه الآية في شأن السحرة في شأن من يتعاطى
السحر،فإنهم لا خلاق لهم في الآخرة،بمعنى لا حظ لهم ولا نصيب لهم في الآخرة بسبب
كفرهم برب العالمين سبحانه وتعالى،فإن الساحر يعتبر من الكافرين كما بين ذلك لنا
ربنا وتعالى في كتابه الكريم في مواطن متعددة.
معاشر المسلمين :احرصوا على الحظ والنصيب في
الآخرة،ولا تضيعوا الآخرة بمعصية الله عزوجل، جاء في صحيح الإمام مسلم(91) من حديث
عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا
يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ"
هذا المقدار اليسير مانع من دخول الجنة،مثقال
ذرة من كبر لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر،وجاء في الصحيحين من
حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال:"
لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعٌ" أخرجه
البخاري(5984)ومسلم(2556)
لا يدخل الجنة قاطع أي قاطع الرحم، من سعى في قطع رحمه فإن النبي عليه الصلاة
والسلام أخبر أنه لا يدخل الجنة،لا يدخل الجنة قاطع، في الصحيحين من حديث حذيفة بن
اليمان رضي الله عنه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:"لا يَدْخُلُ
الجَنَّةَ نَمَّامٌ،لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَتّاتٌ"أخرجه
البخاري(6056)ومسلم(105)
وفي رواية لمسلم(105)"لا يدخل الجنة
نمام".
والقتات هو النمام الذي يسعى بالنميمة في
أوساط الناس،ويفرق بين الأحبة،وينقل كلام هذا إلى هذا على وجه الإفساد،فان النبي
عليه الصلاة والسلام أخبر أنه لا يدخل الجنة من كان كذلك،لا يدخل الجنة نمام لما
فيه من الإفساد العظيم في أوساط الناس، إن
كنت ناقلاً لخبر فانقل الخير واحرص على تآلف القلوب على اجتماعها،ولا تكن من المفرقين
بين الناس،لا تفرق بالنميمة بين الأخ وأخيه،وبين الصاحب وصاحبه،وبين المرأة
وزوجها،فإن هذا الذنب من الذنوب العظيمة الموبقة والعياذ بالله، في الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة
رضي الله عنه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:"مَنِ ادَّعَى إلى
غيرِ أَبِيهِ، وَهو يَعْلَمُ أنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ، فَالْجَنَّةُ عليه
حَرَامٌ"وهذا لفظ البخاري(6776)
فهذا العمل أيضاً من الأعمال الموبقة والعياذ
بالله،ينتسب الرجل إلى غير أبيه وهو يعلم،يعلم من هو أبوه وينتسب إلى غير أبيه فإن
هذا من كبائر الذنوب ممن توعد النبي عليه الصلاة والسلام من كان كذلك بعدم دخول
الجنة،وأنه لا يجد ريحها كما يفعل ذلك من يفعل،من يريد شيئاً من حطام الدنيا ينتسب
إلى غير أبيه من أجل حطام من حطام الدنيا،من أجل متاع زائل من أمتعة الدنيا،وجاء
في مسلم(2128) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام
أنه قال:"صِنْفانِ مِن أهْلِ النَّارِ لَمْ أرَهُما،
قَوْمٌ معهُمْ سِياطٌ كَأَذْنابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بها النَّاسَ، ونِساءٌ
كاسِياتٌ عارِياتٌ مُمِيلاتٌ مائِلاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ
المائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الجَنَّةَ، ولا يَجِدْنَ رِيحَها، وإنَّ رِيحَها
لَيُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ كَذا وكَذا".
فهؤلاء توعدهم النبي عليه الصلاة والسلام
بالنار من يسعى بظلم الناس وضربهم بالسياط ظلماً وعدوانا. وهكذا النساء المتبرجات
الفاتنات الكاسيات العاريات المميلات المائلات المتشبهات بالفاجرات من الكافرات،
فإن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر أنهن لا يجدن ريح الجنة.
وجاء عند أبي داود(4212)وعند
النسائي(5090)وعند غيرهما من حديث ابن عباس رضي الله عنه رضي الله عنهما عن رسول
الله عليه الصلاة والسلام قال:
يَكونُ قومٌ يخضِبونَ في آخرِ الزَّمانِ بالسَّوادِ كحواصلِ الحمامِ لا يريحونَ رائحةَ الجنَّةِ".
فهذه أعمال موبقة،أعمال مهلكة وغيرها
كثير،وكل الذنوب والمعاصي موبقة مهلكة ومعرضة لسخط الله، ومعرضة لعقاب الله
عزوجل،وفيها من خسران الآخرة على حسبها،فإن أعظم الخسران خسران الكافر والمشرك،ثم
بعد ذلك خسران من وقع في البدع والأهواء،ثم خسران من وقع في كبائر الذنوب،ثم خسران
من وقع في صغائر الذنوب،فالذنوب عموماً من أسباب الخسران،والخسران يتفاوت بتفاوتها
بحسب عظمها وخفتها،اسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين،اللهم اغفر
لنا ذنوبنا أجمعين وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين،اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها
دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها،اللهم اغفر لنا وارحمنا واهدنا واهد بنا
واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين،اللهم عافنا واعف عنا اللهم عافنا واعف
عنا اللهم عافنا في الدنيا والآخرة،ربنا إننا ظلمنا أنفسنا ظلماً كثيراً وإنه لا
يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم،اللهم
اغفر لنا ذنوبنا وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين،اللهم ارحم موتى المسلمين أجمعين
وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه إنك أنت الغفور الرحيم، ربنا آتنا في الدنيا
حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار،والحمد لله رب العالمين.