القول المزبور في ذم التكلف في الأمور 28 صفر 1447هـ 2025-08-23 21:02:16
خطبة جمعة بعنوان القول المزبور في ذم التكلف في الأمور
لشيخنا الفاضل أبي بكر الحمادي حفظه الله ورعاه
سجلت بتاريخ ٢٨ صفر ١٤٤٧ه
سجلت في مسجد السنة الأكمة إب اليمن حفظها الله وسائر بلاد المسلمين
إن الْحَمْدُ للهِ نَحْمَدُه ونستعينُه ، ونستغفرُه ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ، ومن سيئاتِ أعمالِنا ، مَن يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له ، ومَن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[ آل عمران : 102] .
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًاكَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}[ النساء : 1 ]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}[الأحزاب : 70 ،71].
أما بعد : فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم :{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86)}[ص:86]. فنزه الله سبحانه وتعالى نبيه عليه الصلاة والسلام أن يكون من المتكلفين، فلا تكن يا عبد الله من المتكلفين، وكن منقاداً مع شرع الله عز وجل، سائراً على دين الله لا إفراط ولا تفريط، فدين الله سبحانه وتعالى يسر، قال سبحانه وتعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة:185].
قال تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا (28)}[النساء:28].
قال تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ}[البقرة:286].
قال تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}[الطلاق:7].
قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين، لا تتكلف ما لم تأتي به الشريعة لا إفراط ولا تفريط، استقم كما أمرك الله سبحانه وتعالى، فاستقم كما أمرت، فيستقم العبد كما أمره رب العالمين سبحانه وتعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ}[المائدة:3].
لا تكلف نفسك أمرا شاقا لم تأتي به الشريعة، فإن نبينا علي الصلاة والسلام نهى عن ذلك ودين الله سبحانه وتعالى دين اليسر، ولن يشاد أحد الدين إلا غلبه، كما قال ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام كما في البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إن هذا الدين يسر ولن يشاد أحد الدين إلا غلبه، وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : ما خير النبي عليه الصلاة والسلام بين شيئين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ولمعاذ حين بعثهما إلى اليمن يسرا ولا تعسرا.
قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين، لا تتكلف ما لم تأتي به الشريعة، لا تكن من المتكلفين، إذا أردت أن تعبد الله سبحانه وتعالى فاعبد الله بما شرع، إذا أردت أن تتحبب إلى ربك سبحانه وتعالى فتحبب إلى الله عز وجل بما شرع، في حديث أبي هريرة في البخاري قال عليه الصلاة والسلام يقول الله عز وجل :" وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، وقال سبحانه وتعالى:{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ }[آل عمران:31].
فإذا أردت محبة الله عز وجل فعليك أن تتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذه المحبة الصادقة، ولا تكن من المتكلفين، لا تتكلف في صلاتك خلاف ما جاءت به الشريعة فإن الله سبحانه وتعالى لا يحب منك أن تكون من المتكلفين، ولو كنت في صلاة فلا تكن فيها من المتكلفين، جاء في الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى حبلاً معلقاً بين ساريتين فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما هذا ؟ فقالوا : هذه زينب تصلي فإذا فترت تعلقت به، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : حلوه فليصلي أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد، لا تكلف نفسك ما يشق عليك فإن هذا لا يحبه الله عز وجل، فقال عليه الصلاة والسلام : حلوه أي حل ذلك الحبل الذي كانت تعتمد عليه زينب في صلاتها في قيامها بالليل، فقال حلوه فليصلي أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد، ولم يقل فليتعلق بالحبال ويكلف نفسه ما يشق عليه، وإنما قال فإذا فتر فليقعد، ولو كنت في صلاة لا تكن من المتكلفين، وهكذا إذا كنت في صيام لا تكن في صيامك من المتكلفين فإن هذا لا يحبه الله عز وجل منك، جاء في الصحيحين عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان في سفر فرأى زحاماً ورأى رجلاً قد ضلل عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما هذا ؟ قالوا: صائم ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : ليس من البر الصيام في السفر، وفي لفظ لمسلم " عليكم برخصة الله التي رخص لكم. أي لا تجهد نفسك إلى هذا الحد تصوم في السفر وقد شق عليك ذلك، وهذا الرجل شق عليه الصيام في السفر مشقه شديدة حتى أنه أغشي عليه من شدة التعب والإرهاق ويظن أنه في قربة عظيمة لله عز وجل، وهذا لا يحبه الله سبحانه وتعالى منك، لا إفراط ولا تفريط خذ برخصة الله التي رخص لك، قال سبحانه وتعالى:{فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ}[البقرة:184].
وهنا قال نبينا عليه الصلاة والسلام: ليس من البر الصيام في السفر عليكم برحصة الله التي رخص لكم، ولو كنت في عبادة الصيام لا تكن من المتكلفين، لا تشق على نفسك ما لا تطيق، وجاءت الرخصة الشرعية باليسر والتسهيل، لا تكن من المتكلفين في ذلك، ولو كنت في عبادة الحج عليك بالحج كما أمرك الله عز وجل، وحج على وفق سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإن نبينا عليه الصلاة والسلام قال في حجة الوداع: خذوا عني مناسككم لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا، لا تكن في الحج أيضاً من المتكلفين، جاء في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً يهادى بين ابنيه فقال ما بال هذا؟ قالوا : نذر أن يمشي، نذر أن يحج ماشيا من المدينة إلى مكة وهو متعب لا يستطيع السير يهادى بين ابنيه من شدة ما به من التعب والإعياء، فقال النبي عليه الصلاة والسلام ما بال هذا؟ قالوا: نذر أن يمشي، فقال النبي عليه الصلاة والسلام:" إن الله من تعذيب هذا لنفسه لغني، ثم أمره النبي عليه الصلاة والسلام أن يركب، فالله عز وجل غني من أن يعذب الإنسان نفسه بخلاف المشروع ويكلف نفسه بما ليس بمشروع، الله أرحم بنا من آبائنا ومن أمهاتنا ومن إخواننا، وأرحم بنا من أنفسنا وأمرنا بالتيسير على وفق الشريعة لا على أهوائنا، لا نمشي على أهوائنا ونقول الدين يسر، الدين يسر الدين الذي شرعه الله وليس الدين الذي نشرعه نحن بأهوائنا، وإنما الدين الذي شرعه الله هو يسر في جميع موارده وفي جميع أحواله، فلا نترك تيسير الشريعة ثم نحدث من عند أنفسنا تيسيراً خلاف الشريعة ليس هذا هو مراد الله عز وجل، فإن هذا من تضييع الواجبات ومن التفريط في دين الله عز وجل الذي هو يسر، الدين يسر تمسك به كما من غير زيادة ومن غير نقصان، ولا تكن فيه من المتكلفين بما لم تأتي به الشريعة ولو كنت في الحج في هذه العبادة العظيمة، في الصحيحين من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن أخته نذرت أن تحج ماشية ثم أرسلته تستفتي النبي عليه الصلاة والسلام أي أرسلت أخاها تستفتي النبي عليه الصلاة والسلام فسأل النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك ؟ قال : لتمشي ولتركب، أي لتمشي جهدها فإن شق عليها ركبت لا تكلف نفسها ما لا تطيق، إن أردت رضوان الله عز وجل فليس رضوان الله أن تأتي بأشياء من عند نفسك، وأن تخترع أشياء من عند نفسك، وأن تحدث أشياء من عند نفسك، رضوان الله في طاعته فيما أمر، وفي اتباع هدى رسول الله عليه الصلاة والسلام،{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ}[آل عمران:31].
هذا هو الواجب على العبد أن يسير مع شرع الله عز وجل ظاهراً وباطناً ولا يكن من المتكلفين ولو كان في عبادة من العبادات، ولو كنت في عبادة الصدقة أيضاً لا تكن من المتكلفين فيها، قال الله سبحانه:{وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا (67)}[الفرقان:67].
لا بسط ولا منع لا بسط في العطاء ولا منع، قال سبحانه وتعالى: وكان بين ذلك قواما، بين هذا وهذا{وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا (29)}[الإسراء:29].
فلا تكن حتى في النفقة من المتكلفين، جاء عند أبي داود من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رجلا جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام ومعه كمثل البيضة من الذهب فقال: يا رسول الله خذ هذه صدقة أصبتها من معدن والله لا أملك غيرها، فأعرض عنه النبي عليه الصلاة والسلام، فجاءه من ركنه الأيمن وقال له ما قال مثل ما قال فأعرض عنه النبي عليه الصلاة والسلام، وجاءه من ركنه الأيسر فقال له مثل ما قال فأعرض عنه النبي عليه الصلاة والسلام، فجاءه من خلفه وقال له ما قال فأخذها النبي عليه الصلاة والسلام وحذفه بها ولو أصابته لأوجعته، ثم قال عليه الصلاة والسلام : يأتي أحدكم بما يملك ويقول هذا صدقة ثم يقعد يستكف الناس خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى لا تكن من المتكلفين حتى في الصدقة، لا تتصدق بجميع ما تملك ثم تقعد تسأل الناس وتستكف الناس وإنما بين وبين، فخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى أي ما أبقتك غنياً لا تحتاج إلى الناس، أما أن تتصدق بحيث تصير فقيراً وتسأل الناس فإن هذا ليس هو خير الصدقة، خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى أي ما بقيت بعده غنيا لا تحتاج إلى الناس، فلا تكن من المتكلفين حتى في الصدقة تصدق الصدقة المشروعة التي أمرك بها رب العالمين سبحانه وتعالى، {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا (29)}.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، نحمده وتعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد : يقول سبحانه وتعالى : قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين، لا تكن يا عبد الله من المتكلفين في شيء من الأشياء، حتى في باب الضيافة إذا نزل بك ضيف لا تكلف نفسك ما لا تطيق، لا تستدين دينا يشق عليك قضاءه من أجل الضيف وإنما ضيف الضيف بما تستطيع، لا أعني أنك لا تكرم الضيف أكرم الضيف لكن على استطاعتك وعلى مجهودك، إن كنت غنيا واسع الحال فأكرم الضيف على سعتك، وإن كنت متوسطاً فعلى حالك، وإن كنت فقيراً لا تتكلف ما لا تطيق لا تستدين دينا يشق عليك قضاءه، ويكثر المطالبون لك ويضيق حالك فلا تفعل ذلك ولا تكون من المتكلفين حتى في باب الضيافة، جاء عند الحاكم في المستدرك وعند غيره عن شقيق بن سلمة أبي وائل قال: دخلت مع صاحب لي عند سلمان الفارسي وقد دعانا إلى الطعام فقدم لنا خبزاً وملحاً وقال: لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا أن نتكلف للضيف لتكلفت لكم، فقال شقيق : فقال صاحبي لو كان في ملحنا هذا سعتر فأخذ سلمان ميضاءته إلى البقال ورهنها وأخذ سعترا ثم قدم السعتر لهم، فلما انتهوا من الطعام قال شقيق بن سلمة قال صاحبي : الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا، الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا، قال سلمان الفارسي رضي الله عنه: لو قنعت بما رزقك الله لما كانت ميضاءتي عند البقال، فالشاهد من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التكلف للضيف، لكن كما قلنا ليس المعنى أن من كان واسعاً في الرزق أنه لا يكرم ضيفه ويحتج بهذا الحديث ليس هذا هو المراد، إنما المراد أنك لا تستدين من أجل الضيف دينا يشق عليك، يشق عليك من أجل الضيف وأنت معسر وإنما جُد بما هو موجود عندك وأكرم الضيف بما يسر الله لك، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وإن بسط الله عز وجل عليك في الرزق فإكرام الضيف من الأخلاق الحسنة ومن مكارم الأخلاق ومن معالي الأمور، شاهدنا من ذلك أن الله سبحانه وتعالى لا يحب لنا التكلف في أي شيء من الأشياء، والواجب علينا أن لا نكون من المتكلفين، وأن نسير على شريعة الإسلام، إذا أردنا محبة الله عز وجل وأن نرضي ربنا سبحانه وتعالى نرضي ربنا بما شرع، بما شرع بالذي يحب، بالذي أمر الله به ولا نكن من المتكلفين، فالتكلف مذموم، وكثير من المتكلفين يضيعون الفرائض العظام والواجبات العظام ويتكلفون ما ليس بمشروع، بعض الناس ربما يكون عاقاً لوالديه عقوقا شديداً وإذا جاءت الجمعة إذا به ينحني ويقبل ركبة والديه ويرى أن هذا هو البر وقد أدى حق والده في الأسبوع وربما فعل ذلك من العيد إلى العيد، هذا الإنحناء ليس بمشروع الإنحناء إنما يكون سجوداً لرب العالمين سبحانه وتعالى، وليس هذا هو البر الذي أمر الله به :{وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)}[الإسراء:23،24].
هذا البر الذي أمرك الله به، أما أن تضيع الحقوق الواجبة وتعصي والديك ولا تحسن إليهما وتؤذي والديك في الليل وفي النهار ثم تتكلف ما ليس بمشروع وتنحني لتقبيل ركبة والديك أو لتقبيل القدم فلا تكن من المتكلفين استقم على شرع الله، بر في والديك البر الشرعي الذي أمر الله به، وأمر به النبي عليه الصلاة والسلام، وبعض من الناس يكون عاقاً لوالديه وفي بعض الأوقات يغسل قدم والديه ويقوم بشربه ويرى أن هذا من البر، لا تكن من المتكلفين بر البر الذي أمرك الله به، كن منقاداً لوالديك محسناً إليهما بكل ما تستطيع، كن منفقا على والديك، لا تجعل والديك في حاجة وأنت غني، لا تؤذي والديك لا بقول ولا بفعل كن ذليلاً منقاداً لوالديك هذا هو البر، لا تتكلف أشياء وأنت من العاقين لوالديك، لا تكن من المتكلفين في أي أمر من الأمور وسر على شرع الله في ذلك الخير والبركة.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها، اللهم اهدنا إلى الصراط المستقيم وجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم الطف بإخواننا في بلاد غزة، اللهم كن لهم ناصرا ومعينا، اللهم احفظهم بحفظك، وأيدهم بتأييدك، اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم ونعوذ بعظمتك أن يغتالوا من تحتهم، اللهم كن لهم ولا تكون عليهم، اللهم كن لهم ولا تكون عليهم، اللهم امكر لهم ولا تمكر بهم، اللهم عليك بأعدائهم من اليهود والنصارى وسائر الكافرين والمشركين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم دمرهم شر تدمير، اللهم دمرهم شر تدمير، اللهم دمرهم شر تدمير فإنك على كل شيء قدير، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.
فرغها أبو عبد الله زياد المليكي حفظه الله