الرئيسية / الخطب والمحاضرات/ الخطب /اللطائف المليحة في الصحبة والمقارنة الحسنة والقبيحة
اللطائف المليحة في الصحبة والمقارنة الحسنة والقبيحة 2022-12-31 16:12:32


*خطبة جمعة بعنوان:( اللطائف المليحة في الصحبة والمقارنة الحسنة والقبيحة)*
 
*لشيخنا المبارك: أبي بكر بن عبده بن عبدالله الحمادي حفظه الله*
 
*سجلت بتأريخ ٣/رجب/١٤٤٣ هجرية*
 
*مسجد المغيرة بن شعبة مدينة القاعدة محافظة إب حرسها الله وسائر بلاد المسلمين*
 
 
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد:فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)}[سورة الأنعام:1].
فحمد الله سبحانه وتعالى نفسه، الذي خلق السماوات السبع، وخلق الأراضين السبع، والذي جعل الظلمات والنور، فالذي جعل الظلمات والنور هو رب العالمين سبحانه وتعالى، وربنا سبحانه وتعالى جمع الظلمات لأنها كثيرة، وأفرد النور لأنه واحد، فالطريق الموصل إلى رب العالمين سبحانه وتعالى هو طريق واحد، وأما طرق الضلالة فهي متعددة، لكثرة أنواعها، ولكثرة سبلها، قال سبحانه وتعالى:{وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}[سورة الأنعام:153].
فذكر الله سبحانه وتعالى صراطا واحداً وهو الطريق الموصل إليه سبحانه، وذكر السبل، فأمر بالاستقامة على الصراط الواحد، ونهى عن إتباع السبل المتعددة المتفرقة، وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، هو صراط واحد، ولا تتبعوا السبل، وهذا لكثرة طرق الضلالة، وهنا سبحانه وتعالى بين أن الظلمات كثيرة، وأن النور واحد، إذا تبين هذا فإن من قارن النور حصل له الخير، ومن قارن الضلالة حصل له الشر، فليحرص العبد على مقارنة الخير، وعن الابتعاد عن الشر، من قارن الخير بأنواعه فإنه ينال من بركة ذلك الخير، على قدر اقترانه به، فمن قارن الحق فإنه يعلو بعلو الحق، ومن قارن الباطل فانه يسفل بسفول الباطل، قال سبحانه تعالى في كتابه الكريم لنبيه عليه الصلاة والسلام:{فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۖ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79)}[سورة النمل:79].
يأمره ربه سبحانه وتعالى أن يتوكل عليه، وبين له سبحانه وتعالى أنه على الحق، وعلى تدل على العلو، فلما كان الحق عاليا كان من قارن الحق واخذ به وتمسك به عاليا بعلو الحق، ولهذا جاء هذا الحرف وهو حرف على الذي يدل على العلو، فإنك على الحق، ولم يقل سبحانه وتعالى فإنك في الحق، فإنك في الحق المبين، وإنما قال سبحانه وتعالى فإنك على، وذلك أن الحق عاليا،  فمن تمسك به علا، ومن قارنه نال من بركته وحصل له العلو على قدر تمسكه بالحق، قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم :{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (24)}[سورة سبإ:24].
لما ذكر الله سبحانه وتعالى الهدى عدّاه بحرف علا الذي يدل على العلو، ولما ذكر الله سبحانه وتعالى الضلالة عدّا ذلك بحرف في الذي يدل على الولوج في الشيء، والدخول فيه، والانغماس فيه، فقال سبحانه وتعالى وإنا أو إياكم لعلى هدى، فإن الهدى رفيع عال، ومن كان على هدى فإنه مرتفع عال، وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال، أما الضلال فعدي بـ في، أي منغمس في الضلالة، ومنحط في الضلالة، ومتسفل في الضلالة، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها، فمن كان الحق هو قرينه فإنه يعلو بعلو الحق، بقدر تمسكه بالحق يعليه الله سبحانه وتعالى في الدنيا وفي الآخرة، قال الله:{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139)}[سورة آل عمران:139].
وقال الله:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا (28)}[سورة الفتح:28].
وقال الله:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)}[سورة الصف:9].
ومعنى ليظهره أي ليعليه، فالظهور هو العلو، فأعلى الله سبحانه وتعالى نبيه، وأعلى الله سبحانه وتعالى كل من تمسك بسنة نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام، فإن من قارن واقترن بالسنة وكانت السنة قرينته وتمسك بها ظاهرا وباطنا فان الله يعليه بقدر تمسكه بسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، من قارن الحق وتمسك به، لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين" أي عالين إلى يوم القيامة كما جاء ذلك في الصحيحين،من حديث المغيرة بن شعبة، ومن حديث معاوية، وجاء في مسلم من حديث ثوبان، وجابر بن عبد الله، وجابر بن سمرة رضي عن الصحابة أجمعين، فمن كان الحق هو قرينه فإن الله سبحانه وتعالى يعليه ويرفعه، فقارن الخير تنل من بركته، وهكذا من قارن العلم النافع والعمل الصالح فكان العلم قرينه وصديقه، وكان العمل الصالح كذلك مقارنا له وملازما له، فإنه ينال من بركة ذلك، فإن العمل الصالح موصل إلى الجنان، وهكذا العلم النافع موصل الجنان، ومن رافق العلم والعمل فإنهما يقودانه إلى الجنة، في الصحيحين من حديث أبي هريرة،  ومن حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:"من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا به إلى الجنة.
فالعلم موصل إلى الجنة، فمن كان العلم قرينه أوصله إلى الجنة، العلم والعمل موصلان إلى جنات رب العالمين سبحانه وتعالى، من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال:"
إنَّ الصِّدقَ يَهْدِي إِلَى البرِّ، وَإِنَّ البر يَهدِي إِلَى الجَنَّةِ"؛أخرجه البخاري (6094)، ومسلم (2607).
فمن كان قرينه هذا العمل الصالح الصدق مع الله سبحانه وتعالى ظاهرا وباطنا، والصدق مع خلق الله عز وجل فإن مائله إلى الجنة، من قارن الصدق فإن مائله الجنة، لأن الجنة هي دار الصادقين، فمن لازم الصدق واقترن به وحققه فإن الصدق يقوده إلى الجنة، كما أخبرنا بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام مقارنة الخير خير، ينال العبد أنواع البركات وأنواع الخيرات، قال الله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)}[سورة التوبة:119]
هكذا يقول لنا ربنا سبحانه وتعالى، يأمرنا أن نكون مع الصادقين، فاذا كنا معهم نلنا من بركات ذلك، وكنا من الناجين بإذن رب العالمين سبحانه وتعالى، الاقتران بالخير خير، ومن كان أهل الخير هم جلساءه فإنه ينال من بركة هذه المقارنة والمصاحبة، ينال من البركة الشيء العظيم، ومن قرن أصحاب الشر بالعكس من ذلك، فإن نزلت البركة على أهل الخير نالته إن كان مقارنا لهم ومجالسا لهم ومصاحبا لهم، وبالعكس إن كان مقارنا لأهل الشر ومجالسا لهم فإنه ينال من الشر، إذا نزل الشر على أهل الشر وصل الشر إليه والعياذ بالله، في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:"يَغْزُو جَيْشٌ الكَعْبَةَ، فإذا كانُوا ببَيْداءَ مِنَ الأرْضِ، يُخْسَفُ بأَوَّلِهِمْ وآخِرِهِمْ. قالَتْ: قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، كيفَ يُخْسَفُ بأَوَّلِهِمْ وآخِرِهِمْ وفيهم أسْواقُهُمْ ومَن ليسَ منهمْ؟ قالَ: يُخْسَفُ بأَوَّلِهِمْ وآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ علَى نِيَّاتِهِمْ"؛البخاري (2118)، ومسلم (2884)
ينزل الشر بأهل الشر، فمن كان مقارنا لهم وإن لم يكن منهم فإن الشر يناله يناله شؤم ذلك الشر، ومن قارن أهل الخير وكان معهم فإن نزلت البركة عليهم وصلت إليه، في القوم الذين يجلسون يذكرون الله عز وجل، في حديث أبي هريرة في الصحيحين يقول الله سبحانه لملائكته في آخر الأمر:"أشهدكم أني قد غفرت لكم، فيقول ملك من الملائكة إن فيهم فلان ليس منهم، وإنما جاء لحاجة، فيقول الله عز وجل: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم، غفر الله سبحانه وتعالى له، كما غفر للجالسين الذين جلسوا من أجل ذكر الله عز وجل، فغفر لمن قارنهم ومن جالسهم وإن لم يكن منهم، فبركات الله عز وجل إذا نزلت نزلت على أهل الخير، ومن قارنهم، وعذاب الله سبحانه وتعالى إن نزل فإنه يعم أصحاب الشر ومن قارنهم، فكن قرينا لأهل الخير والصلاح، ولا تكن قرينا لأهل الشرك والكفر وأهل الظلم والبغي، حتى لا ينالك ما نالهم من سخط الله عز وجل، ومن عذابه، ومن نقمته،
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا، وأن يرحمنا برحمته، إنه هو الغفور الرحيم.
 
*الخطبة الثانية:*
 
 الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد: اعلموا معشر المسلمين أن من قارن الخير نال من بركته، هكذا من قارن الشر فإنه ينال من شره وسخطه، فينال من عذاب الله عز وجل، وينال من أنواع الشرور بقدر ذلك، فمن جملة ذلك مقارنة الأوثان، من قارن الأوثان، وصار من عبدة الأوثان، ولازم الأوثان، فإنه معها في نار جهنم والعياذ بالله، فإنه ينال معها من الشر فيكون في نار جهنم، مع من قارن، قال سبحانه وتعالى:{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)}[سورة الأنبياء:98]
العابد والمعبود في نار جهنم، وهذا في غير الأنبياء والصالحين الذين عبدهم المشركون من دون الله عز وجل، وإنما المراد بذلك الجمادات التي عبدت من دون الله سبحانه وتعالى:{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)}
ومن قارن الشيطان فينال أيضا من الشؤم، وينال من الشر، بسبب مقارنة للشيطان، وإنما يكون قرينا للشيطان ببعده عن الرحمن سبحانه وتعالى، قال الله:{وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (37)}[سورة الزخرف:36،37].
إذا عصيت ربك سبحانه وتعالى فقد قارنت الشيطان على قدر تلك المعصية والعياذ بالله، ومن كان من قرناء الشيطان فإنه ينال من الشر ما يناله الشيطان، وإن كان ما يناله الشيطان أشد وأشد، لكن لا يخلو من شر والعياذ بالله، ولهذا يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)}[سورة إبراهيم:22].
فالكل في نار جهنم، هكذا من كان قرينا للشيطان، ولم يكن طائعا للرحمن، قال الله:{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (60)وَأَنِ اعْبُدُونِي ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (61)وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا ۖ أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)}[سورة يس:60،62]،
هكذا لا تكن البدعة قرينة لك، فإن البدعة مائلها إلى نار جهنم، فإن كانت البدعة قرينة لك نلت من شرها وشؤمها،  وربما تكون من أصحاب السعير والعياذ بالله، في حديث جابر بن عبد الله الذي رواه الإمام مسلم، وجاء عند النسائي بسند صحيح، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:" كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
فإن كنت ملازما لها مقارنا لها فيخشى عليك من نار جهنم والعياذ بالله، ابتعد عن البدع والأهواء، لتكن السنة هي قرينتك في ظاهرك وفي باطنك، وابتعد عن البدع والأهواء فإن البدع كما أخبرنا النبي عليه الصلاة والسلام ضلال، والضلالة بين النبي عليه الصلاة والسلام أنها في نار جهنم والعياذ بالله، فلا تكن البدعة قرينتك، ونحن في هذا الشهر شهر تكثر فيه البدع والخرافات في أوساط كثير من الناس، شهر رجب شهر العجب عند كثير من الناس، صار موسما من مواسم البدع والخرافة عند كثير من الناس، فليتق العبد ربه، وليحذر من البدع والأهواء، وليتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا، فإن السنة فيها الخير،  والبدعة لا خير فيها، لا تكن البدعة قرينتك، ولتكن السنة هي قرينتك حتى تنال من بركتها، ولا تنال من شؤم البدع والأهواء، لا تكن قرينا لمن يخوض في الباطل، فإن الشر ينزل عليهم وعليك  ومقت الله سبحانه  ينزل عليهم وعليك، قال الله:{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ}[سورة النساء:140].
تنال من الشؤم والشر، اذا ما جالست أهل الباطل في باطلهم، وهم يخضون في الباطل، يتكلمون لما لا يجوز، يخوضون في آيات الله، يخوضون في دين الله بما لا يجوز، يتكلمون بما لا يحل لهم، إن كنت مقارنا لهم نالك ما نالهم من غضب الله عز وجل، ومن سخطه ومقته، فلا تقارن الشر، ولا تقارن أهل الشر، لا تكن الأخلاق القبيحة ملازمة لك وقرينة لك، فإن الأخلاق القبيحة في نار جهنم والعياذ بالله، فإن لازمتها وقارنتها يخشى عليك من النار، وأن تعذب بعذاب الله عز وجل، وجاء عند البخاري معلقا، من حديث ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام:"والخِداعُ في النَّارِ.
وجاء خارج الصحيح حديث عبد الله بن مسعود، ومن حديث أنس،ومن حديث أبي هريرة وعن غيرهم،  عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: المكر والخداع في النار. رواه ابن حبان (5559)، والطبراني (10/169) (10234)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (4/189).
فإن كانت هذه الأخلاق قرينة لك يخشى عليك من عذاب الله عز وجل، لا تكن من الماكرين، ولا تكن من أهل الخداع، لا تخادع عباد الله عز وجل،
 ولا تمكر بهم، عامل الناس بالصدق والنصح، كما تحب أن تعامل، كما تحب أن يعاملك الناس بالصدق والنصح، فعامل الناس بالصدق والنصح، لا تكن من الماكرين، ولا تكن من المخادعين، فإن المكر والخداع في النار، هكذا يقول نبينا عليه الصلاة والسلام، احذر من ذلك غاية الحذر، وابتعد عن ذلك غاية البعد، لا تكن قرينا لجلساء السوء فينالك من شرهم ومن أذاهم ومن مقت الله عز وجل ومن غضبه، في الصحيحين من حديث أبي موسى عن رسول الله عليه الصلاة أنه قال:"مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ والجَلِيسِ السَّوْءِ، كَمَثَلِ صاحِبِ المِسْكِ وكِيرِ الحَدَّادِ؛ لا يَعْدَمُكَ مِن صاحِبِ المِسْكِ إمَّا تَشْتَرِيهِ أوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وكِيرُ الحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أوْ ثَوْبَكَ، أوْ تَجِدُ منه رِيحًا خَبِيثَةً"؛البخاري (2101)، ومسلم (2628).
إن قارنت جلساء الخير نلت من الخير، وإن جالست وقارنت جلساء السوء نلت من السوء، قال الله:{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67)}[سورة الزخرف:67].
ويقول الله:{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27)يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28)لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا (29)}[سورة الفرقان:27،29].
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين، وأن يرحمنا برحمته إنه غفور رحيم، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نسألك العافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، اللهم أمنا في أوطاننا. اللهم يسر على المعسرين، واقض الدين عن المدينين، وعاف مبتلى المسلمين، واشف مرضاهم، وارحم موتاهم، إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم انا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، ربنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، والحمد لله رب العالمين.



جميع الحقوق محفوظة لـ الموقع الرسمي للشيخ أبي بكر الحمادي