نصب المَعلَم في بيان من هو أظلم
2023-01-05 17:14:07
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد:فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم،
وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
روى الإمام مسلم في صحيحه(2577)، من حديث أبي ذر رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يقول الله عز وجل:"يا عِبَادِي، إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا.
فحرم رب العالمين سبحانه وتعالى على نفسه الظلم، وحرم على الناس أن يتظالموا فيما بينهم، وأظلم الظلم هو الإشراك بالله عز وجل، كما قال الله عز وجل عن لقمان أنه قال لابنه:{يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)}[لقمان:13].
والظلم يا عباد الله منه ظلم الإنسان لنفسه، ومنه ظلم الإنسان لغيره ، وهو متفاوت وليس على حد سواء ، ولا بمنزلة واحدة ، بل هو متفاوت ودرجات ، فهنالك من الظلم ما هو أعظم من غيره، وأعظم ذلك الإشراك بالله عز وجل، وهكذا ما دون الإشراك بالله عز وجل من أنواع الظلم، فإنه متفاوت، وهكذا الكفر بالله عز وجل هو أيضا من الظلم العظيم، وربنا سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم :{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۗ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21)}[الأنعام:21].
ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا، فالذي افترى على الله الكذب واقع في ظلم عظيم، وواقع في كفر عظيم ، وهو كافر برب العالمين سبحانه وتعالى، وهكذا من كذب بعض آيات الله عز وجل فإنه واقع في ظلم عظيم وكافر برب العالمين سبحانه وتعالى،{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۗ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21)}
قال الله:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ ۗ}[الأنعام:93]فإنه واقع في ظلم عظيم، الذي يفتري الكذب على الله عز وجل، أو يدعي أن الله سبحانه وتعالى أوحى إليه ولم يوحي الله إليه بشيء، ومن قال أنه سوف ينزل مثل ما أنزل الله عز وجل من الآيات المتلوة فإنه واقع في ظلم عظيم وكافر برب العالمين سبحانه وتعالى، وقال الله عز وجل :{وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ ۗ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنثَيَيْنِ ۖ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَٰذَا ۚ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِّيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144)}[الأنعام:144].
فهذا واقع في ظلم عظيم ، الذي يفتري على الله سبحانه وتعالى الكذب فيحرم أشياء من عند نفسه قد أحلها رب العالمين سبحانه وتعالى، ويحرم أشياء من جهة نفسه وهواه وقد أحلها رب العالمين سبحانه وتعالى، فيحرم ما أحل الله ويحل ما حرم الله، من أحل ما حرم الله عز وجل، ومن حرم ما أحل الله عز وجل فهو واقع في ظلم عظيم، ومفتر على الله سبحانه وتعالى الكذب،:{وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ}[116].
فلا تفتري على الله سبحانه وتعالى الكذب فإن هذا من الظلم العظيم،كما أخبرنا بذلك ربنا سبحانه وتعالى، وهكذا من الظلم العظيم أن يكتم العبد الشهادة ، يكتم الشهادة سواء كانت شهادة من جهة الله عز وجل ،أن يكتم ما أخبر الله به من العلم ، ومن الوحي، ومن الهدى، أو يكتم الشهادة فيما يتعلق بحقوق الناس،:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ ۗ}[البقرة:140].فالشهادة إذا كانت من جهة الله عز وجل فكتمانها ظلم عظيم، بأن يكتم الإنسان الحق، وأن يكتم الإنسان الهدى، وأن يكتم الإنسان شيئا من الوحي حتى لا يطلع الناس على ذلك فيهتدوا، فيريد أن يضل الناس وأن يبقى الناس في غيهم، وفي ضلالهم، وفي انحرافهم، وفي بعدهم عن الهدى، فيكتم شيئا من الحق مما علمه من أجل ذلك، فهذا واقع في ظلم عظيم، وهو متشبه بأهل الكتاب، فإن أهل الكتاب كانوا يكتم الحق الذي يعرفونه، سواء ما يتعلق بتبشير الأنبياء والرسل، بمبعث نبينا عليه الصلاة والسلام، أو بغير ذلك،:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)}[البقرة:159].
وهكذا أيضا كتمان الشهادة المتعلق بحقوق الخلق، إذا كان الحق يضيع إلا بشهادتك فلا يجوز لك أن تكتم الشهادة فيضع حق الناس بسبب كتمانك، والله عز وجل يقول :{وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)}[البقرة:238].
واقع في إثم، وفي فجور، وفي فسق، والله سبحانه وتعالى يقول:{وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ}[البقرة:282].
إما لتحمل الشهادة، وإما لأدائهما، وإما لهما معا، ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا، ويقول سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)}[النساء:135].
أدوا الشهادة بالحق ولو كانت الشهادة على أنفسكم، فلا تكتموا الشهادة، أو على الوالدين، أو على الأقربين، ولو كانت الشهادة في غني على فقير لا ترحم الفقير وتقول هذا الغني سوف يطالب الفقير بما لا طاقة للفقير على أداءه، لا تكتم الشهادة إذا كانت الشهادة من الغني على الفقير، ولا تحاب غنيا إذا كانت الشهادة لفقير ضد غني ، فإن الله سبحانه وتعالى يقول في هذه الآية{إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)}
وفي الوصية قال الله عز وجل:{وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الْآثِمِينَ (106)}[المائدة:106]
فأدِ الشهادة ولا تضيع حقوق الناس بكتمانها فإن هذا من الإثم، ومن معصية الله سبحانه وتعالى، وجاء في مسلم(1719) من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" أَلا أُخْبِرُكُمْ بخَيْرِ الشُّهَداءِ الذي يَأْتي بشَهادَتِهِ قَبْلَ أنْ يُسْأَلَها.
فهؤلاء خير الشهداء، الذين يبادرون بأداء الشهادة وهي شهادة عدل قبل أن يُسأل، لأنه يريد العدل، ويريد إزالة الظلم، ويريد إحقاق الحق، ويريد إبطال الباطل، فهؤلاء هم خير الشهداء كما أخبرنا بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام، وكتم الشهادة من الظلم كما سبق:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ ۗ }
وأما قول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث عمران في الصحيحين في شأن من يأتي في آخر الزمان قال :" ثم يأتي من بعدهم أي من القرون المفضلة قوم يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون، فالمراد بذلك شهداء الزور الذين يبادرون في الشهادة من غير أن يطلب منهم ،فهم شهداء الزور الذين يكذبون ويفترون الكذب على عباد الله عز وجل من أجل أن ينالون شيئا من حظوظ الدنيا.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم.
*الخطبة الثانية:*
الحمد الله، نحمده تعالى ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ،أما بعد : اعلموا معاشر المسلمين أن من جملة الظلم الذي حذر الله سبحانه وتعالى منه أن يعرض العبد عن الموعظة، وعن الذكرى، فلا ينتفع بذلك وقد وصلت إليه، قال سبحانه وتعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۖ وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57)}[الكهف:57].
فهؤلاء وقعوا في الظلم الذين ذكروا بآيات الله ووعظوا بالمواعظ الزاجرة، فلم ينتفعوا ولم ينتهوا عن غيهم، وعن ظلمهم، وعن معصيتهم لربهم سبحانه وتعالى ، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } نسى ذنوبه ومعاصيه، أحصاه الله ونسوه، فلم يتب إلى الله سبحانه وتعالى مما جنت يداه، ولم يرجع إلى ربه سبحانه وتعالى، فيسمع الذكرى ويسمع الموعظة ولا يتعظ بذلك ولا ينزجر، وكأنه ليس بمخاطب بموعظة الواعظ، وبذكرى المذكر ، قد قسى قلبه والعياذ بالله، فلم ينتفع بتلك المواعظ والعبر، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا ۚ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ (22)}[السجدة:22].
وهكذا من الظلم العظيم : منع المساجد ،وتخريب المساجد ؛ إما التخريب الحسي بهدمها وإحراقها، وإما التخريب المعنوي بمنع الناس من ذكر الله عز وجل فيها، ومنع الناس من إحيائها بالصلوات، وبغير ذلك من الأمور النافعة التي بنيت المساجد من أجلها، فإن هذا من الظلم العظيم، وهذا ظلم كبير قد نهى الله سبحانه وتعالى عنه في كتابه الكريم:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114)}[البقرة:114]
توعدهم الله سبحانه وتعالى بهذا الوعيد الشديد حين منعوا مساجد الله عز وجل من أن يُذكر فيه اسمه، والمساجد بنيت لذكر الله عز وجل، {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36)رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ}[النور:36،37].
فبنيت المساجد لذكر الله عز وجل، وبنيت المساجد لإقامة الصلوات وهي من ذكر الله، وبنيت المساجد من أجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبنيت المساجد لتعليم الناس الخير، وبنيت المساجد لطاعة الله عز وجل ولعبادته، فمن سعى في خرابها إما خراب حسي بهدمها أو بإحراقها، أو خرابا معنوياً بمنع ذكر الله سبحانه وتعالى فيها فإنه واقع في ظلم عظيم، {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}[الفتح:25].
فهذا شأن الكافرين والعياذ بالله، وقال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَىٰ (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰ (10) أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَىٰ (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَىٰ (12)}[العلق:9،12]
وهي واردة في شأن المشركين حين تملأ أبو جهل ومن معه على أن يمنعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام، وأن يسجد لرب العالمين سبحانه وتعالى في المسجد الحرام، فتوعدهم الله سبحانه وتعالى بالوعيد الشديد، فقال سبحانه وتعالى:{ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَىٰ (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰ (10) أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَىٰ (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَىٰ (12)أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ (13) أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ (14) كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب ۩ (19)}[العلق:9،19].
سندع الزبانية: أي ملائكة العذاب ، فتوعدهم الله سبحانه وتعالى بالعذاب الأليم بسبب سعيهم في منع رسول الله عليه الصلاة والسلام من أن يسجد لربه سبحانه وتعالى في المسجد الحرام، فهذا ظلم حذر الله سبحانه وتعالى منه، يا معشر المسلمين الظلم محرم بكافة أنواعه وأشكاله، غير أن هنالك ظلم وصفه الله سبحانه وتعالى أظلم من غيره، فقال: ومن أظلم ممن فعل كذا، وجاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:قال الله تعالى "ومَن أظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي"؛ البخاري (7559)، ومسلم (2111).
والمراد بذلك المصورون، وقعوا في ظلم عظيم، ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، أي يصور الصور، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن ذلك، ونهى عن ذلك النبي عليه الصلاة والسلام فقال:" أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون. أخرجه البخاري (5950)، ومسلم (2109) عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.
وقال عليه الصلاة والسلام:" كلُّ مُصوِّرٍ في النَّارِ ، يُجْعَلُ له بكلِّ صورةٍ صوَّرها نفسٌ فتُعذِّبُه في جهنَّمَ"؛صحيح الجامع(4554) عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما.
التصوير كبيرة من كبائر الذنوب، وقد قال الله عز وجل: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي.
فالظلم على مراتب وليس على حد سواء، وهنالك ما هو أشد من غيره كما في هذه الأدلة، والظلم محرم على كافة أنواعه وصوره.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجنبنا الظلم، اللهم جنبنا الظلم، اللهم جنبنا الظلم، اللهم جنبنا الظلم، اللهم اغفر لنا واهدنا إلى الصراط المستقيم، واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم عافنا في الدنيا والآخرة، اللهم يسر على المعسرين، واقضي الدين عن المدينين، وعاف مبتلى المسلمين، واشفي مرضاهم وارحم مواتهم إنك أنت الغفور الرحيم، ربنا إننا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، والحمد لله رب العالمين.