المتجر الرابح في استغلال الأوقات المباركة في العمل الصالح
2022-12-31 16:15:11
*خطبة جمعة بعنوان:( المتجر الرابح في
استغلال الأوقات المباركة في العمل الصالح )*
*لشيخنا المبارك: أبي بكر بن عبده بن
عبدالله الحمادي حفظه الله*
*سجلت بتأريخ ١/شعبان/١٤٤٣ هجرية*
*مسجد المغيرة بن
شعبة مدينة القاعدة محافظة إب حرسها الله وسائر بلاد المسلمين*
إن الحمد لله،
نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده
الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}
[آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا
النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ
مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ
اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ
رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد:فإن خير
الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور
محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
روى الإمام احمد
في مسنده
(21753)، والنسائي في سننه((2357) من حديث أسامة بن زيد
رضي الله عنه، انه قال:"
يا رسولَ اللَّهِ
! لم ارك تَصومُ شَهْرًا منَ الشُّهورِ ما تصومُ من شعبانَ ؟ ! قالَ : ذلِكَ
شَهْرٌ يَغفُلُ النَّاسُ عنهُ بينَ رجبٍ ورمضانَ ، وَهوَ شَهْرٌ تُرفَعُ فيهِ
الأعمالُ إلى ربِّ العالمينَ ،فأحبُّ أن يُرفَعَ عمَلي وأَنا صائمٌ.
فبين نبينا عليه
الصلاة والسلام في هذا الحديث السبب في كثرة صيامه لهذا الشهر، الذي نحن في أوله
في شهر شعبان، أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن اهتمامه البالغ في صيام أكثر هذا
الشهر، وأن هذا الشهر شهر يغفل عنه الناس بين رجب وبين رمضان، هذا السبب الأول، والسبب
الآخر أن الشهر ترفع فيه الأعمال الصالحات إلى رب العالمين سبحانه وتعالى، فأحب
عليه الصلاة والسلام أن يرفع عمله وهو صائم، هكذا أخبرنا نبينا صلاة والسلام، فكان
عليه الصلاة والسلام يصوم شعبان كله، يصوم شعبان إلا قليلا، كما قالت ذلك عائشة
رضي الله عنها فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه، وصيام النبي عليه الصلاة لأكثر شعبان وارد في الصحيحين من حديثها، وجاء
عن غيرها رضي الله عن الصحابة أجمعين، ويستفاد من هذا الحديث؛ حديث أسامة بن زيد
أن العبد يحرص على العمل الصالح في في الأوقات المباركة، من جملة هذه الأوقات المباركة
في هذا الحديث أوقات الغفلة، يحرص العبد ألا يكون مع الغافلين، إذا ما غفل الناس
فلا يكن من جملة الغافلين، وإنما يكون من أهل اليقظة في الوقت الذي يغفل عنه
الناس، فإذا كان من أهل اليقظة في الوقت الذي يغفل منه الناس فهو عبد موفق، وله ما
له من الأجر العظيم، والثواب الكبير، من رب العالمين سبحانه وتعالى. من هذا القبيل
ما جاء في مسلم(2948)
من
حديث معقل بن يسار رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
قال:"الْعِبادَةُ في الهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إلَيَّ.
العبادة بالهرج أي
في وقت الفتن، فإذا ما كثرت الفتن، وانتشرت الفتن، واختلطت أمور الناس، وصار الناس
مشغولون بالفتن، فانشغل العبد بعبادة ربه سبحانه وتعالى فهو كالمهاجر إلى رسول
الله عليه الصلاة والسلام، العبادة في الهرج كهجرة إلي، وذلك أن أيام الفتن أيام
الغفلة، قلة من الناس من يرجع إلى ربه،
ومن يعبد ربه سبحانه وتعالى في أيام الفتن، فإذا ما استغل العبد هذا الوقت
من أوقات الغفلة كان كالمهاجر إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، ليس كالمهاجر من
بلد كافر إلى بلد مسلم في أي زمن من الأزمان، وإنما كالمهاجر إلى خير الخلق، وإلى
إمام المرسلين عليه الصلاة والسلام، العبادة في الهرج كهجرة إلي، هكذا يقول نبينا
عليه الصلاة والسلام، ومن هذا القبيل أن يعرض العبد ربه في وقت غفلة الناس في وقت
نومهم، كأوقات الأسحار، وهكذا غير ذلك من أوقات النوم والغفلة، في الصحيحين من
حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام
أنه:"كُنْتُ أنَا وأَصْحَابِي الَّذِينَ قَدِمُوا مَعِي في السَّفِينَةِ
نُزُولًا في بَقِيعِ بُطْحَانَ، والنبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالمَدِينَةِ،
فَكانَ يَتَنَاوَبُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عِنْدَ صَلَاةِ العِشَاءِ
كُلَّ لَيْلَةٍ نَفَرٌ منهمْ، فَوَافَقْنَا النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
أنَا وأَصْحَابِي، وله بَعْضُ الشُّغْلِ في بَعْضِ أمْرِهِ، فأعْتَمَ بالصَّلَاةِ
حتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ، ثُمَّ خَرَجَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
فَصَلَّى بهِمْ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ، قالَ لِمَن حَضَرَهُ: علَى رِسْلِكُمْ،
أبْشِرُوا، إنَّ مِن نِعْمَةِ اللَّهِ علَيْكُم، أنَّه ليسَ أحَدٌ مِنَ النَّاسِ
يُصَلِّي هذِه السَّاعَةَ غَيْرُكُمْ.
ساعة نوم وغفلة في
عبادة لله عز وجل، فالعبادة في وقت غفلة الناس لها شأن،ولها ما لها من الثواب
الكبير من رب العالمين سبحانه وتعالى، فكان النبي عليه الصلاة والسلام يصوم شعبان
لأن هذا الوقت وقت غفلة، يغفل عنه الناس، شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان،
والأمر الآخر أن هذا الشهر يرفع الله سبحانه وتعالى فيه الأعمال الصالحة، والوقت
الذي ترفع فيه الأعمال الصالحة وقت مبارك، يستغل الإنسان الوقت الذي ترفع فيه
الأعمال الصالحة، فشهر شعبان شهر ترفع فيه الأعمال الصالحة، فإياك أن تعمل
السيئات، إياك أن تعمل السيئات، فترفع السيئات إلى ربك سبحانه وتعالى في وقت رفع
الأعمال، احرص في هذا الشهر على العمل الصالح أكثر من غيره، لأنه شهر ترفع فيه
الأعمال الصالحة، والوقت الذي ترفع فيه الصالحة وقت مبارك، وهذا قد يكون في شهر،
وقد يكون في أيام معلومة، كالإثنين والخميس، فإنه جاء في مسلم(2565) من حديث أبي
هريرة رضي الله عنه، عن رسول عليه الصلاة والسلام أنه قال:"
تُفْتَحُ أبْوابُ
الجَنَّةِ يَومَ الإثْنَيْنِ، ويَومَ الخَمِيسِ، فيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لا
يُشْرِكُ باللَّهِ شيئًا، إلَّا رَجُلًا كانَتْ بيْنَهُ وبيْنَ أخِيهِ شَحْناءُ،
فيُقالُ: أنْظِرُوا هَذَيْنِ حتَّى يَصْطَلِحا،
فشاهدنا من ذلك أن
يوم الإثنين ويوم الخميس أيضا من الأيام التي
ترفع فيهما
الأعمال الصالحة، وتعرض على رب العالمين
سبحانه وتعالى، في هذين اليومين من أيام الأسبوع، في كل يوم إثنين، وفي كل يوم
خميس، فليحرص العبد على أن ترفع له الأعمال الصالحة المتقبلة التي يحبها رب
العالمين سبحانه وتعالى، وليبتعد عن الأعمال السيئة، يبتعد عن الأعمال المحرمة،
فهاذان الوقتان من الأوقات المباركة التي يحرص العبد فيها على العمل الصالح، هكذا
من الأوقات المباركة التي يحرص العبد فيها على العمل الصالح الوقت الذي يتنزل فيه
رب العالمين سبحانه وتعالى، فإنه وقت رحمة وبركة، ووقت خير، فليحرص العبد فيه على
أن ينال رضوان الله عز وجل، وليكثر من العمل الصالح، والله سبحانه وتعالى ينزل إلى
السماء الدنيا في ثلث الليل الآخر كما تواترت بذلك الأدلة عن رسول الله عليه
الصلاة والسلام، فينزل الله عز وجل في ثلث الليل الآخر، فيقول : هل من داع فأستجيب
له ؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه؟ يتنزل رب العالمين سبحانه وتعالى
في ذلك الوقت، فالوقت الذي يتنزل فيه رب العالمين سبحانه وتعالى هو وقت العمل
الصالح، وقت القربة إلى رب العالمين سبحانه تعالى بأنواع الطاعات، ونظير ذلك ما
جاء في مسلم(1348) من حديث عائشة رضي الله عنها، عن رسول الله عليه الصلاة أنه
قال:"ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ
النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ، وإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهِمُ
المَلَائِكَةَ، فيَقولُ: ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟.
فتلك أوقات
مباركة، الأوقات المباركة يحرص العبد فيها على الخير، وعلى العمل الصالح، ويسارع
فيها إلى رضوان الله عز وجل، هذا واسأل الله عز وجل أن يغفر لنا ذنوبنا، وأن
يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم.
*الخطبة الثانية:*
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى
آله وصحبه وسلم أما بعد: اعلموا معاشر المسلمين إن من الأوقات المباركة أوقات
الخيرات، وأوقات التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بأنواع الطاعات، الأوقات التي تفتح
فيها أبواب الجنة، وتفتح فيها أبواب السماء، فتلك الأوقات من الأوقات المباركات،
يحرص فيه العبد على العمل الصالح، فإن أبواب الجنة إذا فتحت فقد فتح الله سبحانه
وتعالى للعباد الخير، وفتح لهم البركة، فتلك أوقات مباركة، من جملة هذه الأوقات
بعد زوال الشمس قبل صلاة الظهر، إذا زالت الشمس فإن أبواب الجنة تفتح في ذلك الوقت،
كما في حديث عبدالله بن السائب في المسند، وعند الترمذي، وعند غيرهما، فكان النبي
عليه الصلاة والسلام يصلي في ذلك الوقت أربع ركعات، ولما سئل النبي عليه الصلاة
والسلام عن ذلك فقال:" هذا وقت تفتح له أبواب السماء.
فالوقت الذي تفتح
فيه أبواب السماء، أو أبواب الجنة وقت مبارك، يحرص العبد فيه على الخير، كما كان
نبينا عليه الصلاة والسلام يحرص على ذلك، وهكذا من الأوقات التي تفتح فيه أبواب
السماء من هذه الأوقات بين الأذان والإقامة، فقد جاء في مسند الإمام أحمد(14689)
، من حديث جابر
رضي الله عنه وله ما يشهد له، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه
قال:"إذا ثُوِّبَ بالصَّلاةِ، فُتِحَتْ أبوابُ السَّماءِ،
واسْتُجيبَ الدُّعاءُ.
فهذا الوقت وقت
مبارك ما بين الأذان والإقامة، فهو وقت استجابة الدعاء، فليتقرب العبد إلى ربه
سبحانه وتعالى بهذه العبادة؛ عبادة الدعاء، وهكذا أيضا في يوم الإثنين والخميس،
فقد جاء في المسند من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قال:" تفتح أبواب السماء كل إثنين وخميس.
وهكذا في شهر
رمضان وهو شهر الآتي بعد شهر شعبان، نحن في شهر شعبان، ويلي هذا شهر رمضان، في
الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
قال:"إذا جاء رمضانُ فُتِّحَتْ أبوابُ الرحمةِ ، و غُلِّقَتْ أبوابُ جهنَّمَ
، و سُلسِلَتِ الشياطينُ"؛ البخاري (3277)، ومسلم (1079).
فهو شهر مبارك،
شهر الخيرات، والمسابقة إلى رضوان الله عز وجل، وشهر الطاعات، فليحرص العبد على
الأوقات المباركة أوقات الغفلة، الأوقات التي ترفع فيها الأعمال الصالحة إلى رب
العالمين، الأوقات التي تفتح فيها أبواب السماء، أو تفتح فيها أبواب الجنة، يحرص
العبد على الأوقات التي يدنو فيها رب العالمين سبحانه وتعالى من العباد، هذه أوقات
مباركة، من حرص على العمل الصالح فيها فهو العبد الموفق، الذي أراد الله له الخير،
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين، وأن يرحمنا برحمته إنه هو
الغفور الرحيم، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها
وسرها، اللهم اغفر لموتى المسلمين أجمعين، اللهم يسر على المعسرين، واقض الدين عن
المدينين،وعاف مبتلى المسلمين، واشف مرضاهم، إنك على كل شيء قدير، اللهم ارحمنا
برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ
بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، ربنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا وإنه لا
يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم،
اللهم اغفر لنا ما قدمنا، وما أخرنا، وما أعلنا، وما أسررنا، وما أنت أعلم به منا،
اللهم اغفر لنا وارحمنا واهدنا واهد بنا، وجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين،
اللهم أمنا في أوطاننا، وارفع عن بلادنا كل بلاء وفتنة، وكل شر وفتنة، إنك على كل
شيء قدير، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي
الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.