الرئيسية / الخطب والمحاضرات/ الخطب /النبراس في كيد الشيطان في اللباس
النبراس في كيد الشيطان في اللباس 2022-12-31 16:22:59


بسم الله الرحمن الرحيم
النبراس في كيد الشيطان في اللباس
*وهي عبارة عن خطبة جمعة للشيخ الفاضل: أبي بكر بن عبده بن عبدالله بن حامد الحمادي حفظه الله*
 
*وكانت بتاريخ 16/شوال/١٤٤٢ هجرية*
*في مسجد المغيرة بن شعبة*
 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرا
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [الأحزاب: 70، 71]
أما بعد:
اعلموا أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة.
 
يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)}[الأعراف:26].
فبين ربنا سبحانه وتعالى في هذه الآية المباركة شيئاً من مننه وفضله ونعمته،أنه سبحانه وتعالى أنزل علينا لباساً نواري به سوآتنا،أي نستر به عوراتنا،وأنزل لنا ربنا سبحانه وتعالى ريشاً،والمراد بالريش الثياب الظاهرة التي يتزين بها الإنسان، فأنزل الله سبحانه وتعالى علينا ما نستر به عوراتنا،وما نتزين به ظاهراً،وهذا من فضل الله عزوجل،ومن كرمه وإحسانه وجوده{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ} ثم بين لنا ربنا سبحانه وتعالى أن أفضل اللباس هو لباس التقوى،فإن هذا اللباس يستر المعايب،ويتزين به الشخص زينة عظيمة {وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} وبين لنا ربنا سبحانه وتعالى أن من كيد الشيطان لبني آدم أنه يسعى في كشف العورات،وهذا أول ما حصل منه من مكره وكيده في بني آدم،أول ما حصل منه من الكيد والمكر في جنس الإنسان،في أبينا آدم وأمنا حواء،ما يتعلق بكشف العورات،هذا أول ما كاد به،كما بين لنا ربنا سبحانه وتعالى ذلك في كتابه الكريم، فقال سبحانه وتعالى{يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا ض ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)}[الأعراف:27].
فبين لنا ربنا سبحانه وتعالى هذا المكر،وهذا الكيد والخداع الذي حصل من الشيطان مع أبينا آدم وأمنا حواء عليهم السلام،كيف سعى في كشف عوراتهما؟ بأن زين لهم الأكل من تلك الشجرة، التي حرمها رب العالمين سبحانه وتعالى عليهما،فاستجابا لمكر الشيطان وكيده،فلما استجابا لذلك حصل ما أراد من كشف العورات،فحذرنا ربنا سبحانه وتعالى من هذا الأمر،وأمرنا أن نتفطن لكيد الشيطان،فلا نجري وراءه في هذا الأمر ولا في غيره،لا نجري وراء الشيطان في هذه الخطوات التي يسعى بها إلى كشف العورات، وقد جرى الشيطان في هذا الأمر بخطوات متعددة،وأوقع كثير من الناس في كشف العورات بأمور متنوعة،كاد الشيطان بذرية آدم عليه الصلاة والسلام، وكان من كيد الشيطان في هذا الباب لذرية آدم ما كان يحصل من المشركين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزين لهم الشيطان أن الطواف حول البيت لا يصح بثياب قد عصوا ربهم سبحانه وتعالى بها،فأدخل هذه الشبهه في قلوبهم،كيف نعبد الله سبحانه وتعالى بثياب قد عصينا الله سبحانه وتعالى بها؟ فكان أحدهم إن لم يكن عنده ثواب جديد يطوف به حول البيت ينزع ثيابه ويطوف عارياً،ومن كان له ثوب جديد فإنه يطوف به،لأن ذلك الثوب ما قد عصا ربه سبحانه وتعالى به،وكان كفار قريش قد استثنوا أنفسهم من هذا الأمر،فكانوا يطفون بثيابهم، وغيرهم لا يطوف إلا بثوب جديد أو بثوب يستعيره من المشركين من كفار قريش، فإما أن يعيرونه ثوباً من ثيابهم،وإما أن يطوف بثوب جديد،وإذا ما طاف بثوب جديد مجرد أن ينتهي من طوافه يرمي به،ولا يتنفع به بعد ذلك،وإذا لم يحصل له لا هذا ولا هذا لم يعره قرشي ثواباً من ثيابه ولم يكن عنده ثوب جديد فإنه يطوف حول البيت عارياً،الرجال والنساء على ذلك سواء،كاد برجالهم الشيطان،وكاد بنسائهم،وكن  النساء غالبا إذا طفن طفن  بالليل من أجل التستر بظلام الليل،فقال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم مبينا هذا الأمر الذي حصل من جهة الشيطان وكاد به على هؤلاء القوم،قال سبحانه وتعالى{وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ۖ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28)قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ۖ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۚ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ ۗ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (30)يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)}[الأعراف:28-31].
فبين سبحانه وتعالى هذه الفاحشة، وهي فاحشة كشف العورات،التي أحدثها المشركون في تلك الأزمان ،وتابعوا آبائهم عليها،وكلها من كيد الشيطان، كيف أنهم  ينسبون ذلك لرب العالمين سبحانه وتعالى، أنهم وجدوا آبائهم على هذا الأمر،وينسبون ذلك إلى رب العالمين سبحانه وتعالى، وأن الله عزوجل قد أمر بذلك،فقال {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا  ۗقُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ۖ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28)} الله عزوجل لا يأمر بالفحشاء، لا يأمر بكشف العورات، إنما الذي يأمر  بكشف العورات الشيطان من أول الأمر ،حين كاد بأبينا آدم وأمنا حواء عليهم السلام، فهذا مما يأمر به الشيطان ويدعو إليه، الذي أمر الله سبحانه وتعالى به هو أخذ الزينة عند كل مسجد،وأعظم المساجد المسجد الحرام {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا  عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)}.
فكل هذا من خطوات الشيطان ببني آدم من أجل كشف العورات، ولما جاء  الإسلام وانتشر أزال الله سبحانه وتعالى هذا الأمر،وأزال ربنا سبحانه وتعالى هذه الفاحشة، فنهى النبي عليه الصلاة والسلام أن يطوف حول البيت عريان،فانتهى الأمر وزال كيد الشيطان ببعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبانتشار الدين ودخول الإسلام إلى مكة المكرمة، ومازال الشيطان يسعى في هذا الأمر ،جاداً مجتهداً بأنواع الحيل،يريد من بني آدم أن يكشفوا عوراتهم كما كاد بأبينا آدم وأمنا حواء عليهم الصلاة والسلام، فأراد أن يكيد أيضاً بالذرية،وللشيطان في ذلك الخطوات المتنوعة،.وكلامنا في أهل الاسلام،وأما ما يتعلق بالكافرين فأمرهم في هذا واضح،فقد كاد بهم كيداً لا نظير له وحصل منهم التكشف في هذا الباب مما لا نظير له فيما سبق من الأزمان المتقدمة،فكاد بأهل الإسلام، وسعى بخطوات متنوعة، بأن يكيد بهم لكشف عوراتهم،في رجالهم،وفي نسائهم،فأول ما حصل من جهة الشيطان أنه زهدهم في لباس العرب،في لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي لباس الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين، وكان لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم الإزار والقميص، وهكذا كان العرب يلبسون، وهذا اللباس فيه مافيه من الحشمة،وفيه مافيه من الستر وهو أبعد ما يكون من كيد الشيطان في هذا الباب،فزين لهم أن يبتعدوا عن لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولباس الصحابة،ولباس العرب،إلى لباس السراويلات،أو التي يقال لها السراويل والبنطلونات، وتركوا لباس الأزر والقمص الذي كان هو لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولباس الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين،من أجل أن يدخل لهم في هذا الباب إلى تكشف العورات،فإنه لم يتمكن من ذلك في الباب الأول،في باب الأزر والقمصان،فجاءهم لهم من هذا الباب، ومشى بهم بخطوات متنوعة،ومكر بالمسلمين مكراً شديدا في هذا الباب،فمكر بهم في أول أمرهم باللباس الضيق وكان الناس يلبسون ألبسة ضيقة جداً تحجم العورات،فلبسها كثير من الناس، بل ولبساها أكثر الناس إلا من رحم الله عزوجل، وفيها ما فيها من تحجم العورات،وكل هذا من خطوات الشيطان إلى كشف العورات ومن كيده ومكره والعياذ بالله،ثم نقلهم بعد ذلك إلى لباس آخر، زين لهم أن يطيلوا السراويل والبنطلونات من أسفل وأن تقصر من الأعلى،والأمر بالعكس من ذلك أليق،فإن أعلى موضع العورات فهو موضع التستر،والأسفل هو موضع الكشف،فإن نبينا عليه الصلاة و السلام يقول:"مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْإِزَارِ فَفِي النَّارِ" رواه البخاري (5787)عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي حديث أبي ذر في مسلم(106)،
 قال عليه الصلاة والسلام:"ثلاثةٌ لا يُكلِّمُهم اللهُ يومَ القيامةِ ولا ينظرُ إليهم ولا يُزكيهم ولهم عذابٌ أليمٌ قال فقالها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ثلاثَ مراتٍ قال فقال أبو ذرٍّ خابوا وخسروا خابوا وخسِروا خابوا وخسِروا من هم يا رسولَ اللهِ قال المُسبلُ إزارَه والمنَّانُ والمُنفِّقُ سلعتَه بالحلفِ الكاذبِ"
 
فأسفل البدن موضع الكشف، فجعله الشيطان موضع الستر،وأعلى البدن موضع الستر،فجعله الشيطان موضع الكشف،فصار هذا اللباس ضيق ،قصيراً من الأعلى وطويلاً من الأسفل ولا يكاد يستر العورة من الأعلى،بل ينكشف شيء من عجيزة الرجل ولا سيما عند جلوسه،أو عند ركوعه وسجوده،ومن كان عنده شيء من الحشمة فإنه يتستر بألبسة داخلية،ومن قل حياؤه فإنه لا يتستر وبما صلى على هذه الهيئة وصلاته باطلة لما في ذلك من انكشاف العورة المغلظة ولا تصح الصلاة لانكشاف العورة،وأول ما سمعت بظهور هذه الألبسة استبعدت غاية الاستبعاد أن يلبسه المسلمين،وأن تنتشر في أوساط المسلمين مثل هذه الألبسة التي فيها ما فيه من الخنو  ومن سوء الأدب،وفيها ما فيها من الأمور التي لا تليق بأهل الإسلام، بأهل الحشمة،وأهل المروءة، وإذا بها تنتشر بعد ذلك في أوساط المسلمين انتشاراً بالغاً لا نظير له،ولم يكد يسلم من ذلك إلا القلة القليلة من أبناء المسلمين،وكل ذلك من كيد الشيطان في كشف العورات والعياذ بالله،هذا واستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.
 
الخطبة الثانية:
الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد،
معاشر المسلمين : مازال الشيطان له خطوات متعددة،وقد نهانا ربنا سبحانه وتعالى عن تتبع خطواته،وعن السير مع كيده ومكره،وفي هذا الباب في باب الألبسة،فيما يتعلق بالرجال،فبعد أن حصل هذا الأمر وانتشر في أوساط المسلمين انتشاراً بالغاً،ولم يسلم من ذلك إلا من سلمه الله عزوجل،إذا بالشيطان يخطو بالناس في خطوة أخرى،فإذا بألبسة تخرج في أوساط الناس بألبسة مخرقة ومرقعة لا تظهر فيها البشرة،في غاية من سوء المنظر،ومع هذا تكالب عليه كثير من الناس، وقاموا بشرائها،وانتشرت في أوساط المسلمين انتشاراً بالغاً حتى صارت كالأمر المعتاد الذي لا ينكر،ثم بالشيطان يزين لهم بعد ذلك ويخطو بهم إلى خطوة أخرى فتصير تلك الرقع زائلة،وتصير تلك الثياب مخرقة من غير ترقيع، وإذا بالبشرة تظهر في أماكن متنوعة،كظهور الركبتين،وأسفل الفخذين،وما إلى ذلك من الأماكن ثياب مخرقة ليس فيها ستر،كان الناس قديما إذا اخترق عليهم الثوب يستحي للبسه،واستحوا من ترقيعه  ورموا به وأتلفوه والآن في هذه الأزمان صار الناس يتتابعون ويجرون وراء الثياب المخرقة،ويشترونها بالأموال الطائلة،وكانت قبل ذلك حكمها إلى القمائم ،لا ينتفعون بها،أو يجعلونها خرقاً للتنظيف وما إلى ذلك من أمور منازلهم ،وإذا بها تصير موضة في أوساط الناس، ويتتابع عليها كثير من الناس،وتشترى بالأموال الطائلة بعد أن كانت لا قيمة لها،ويظهر فيها ما يظهر من كشف العورة كظهور بعض الفخذ منها،ولا يبعد أن يظهر ما فوق ذلك مع الأيام، فإن للشيطان خطوات في كشف العورات، شيئاً فشيئاً،من أين جاءنا هذا البلاء؟ ومن أين دخل في المسلمين مثل هذا الشر؟دخل إليهم من أعدائهم،تعلقت قلوب كثير من جهال الناس بالكافرين، من اليهود ومن النصارى ومن غيرهم،فما إن يأتوا بأمر منكر شنيع إذا بكثير من المسلمين يتسابقون إليه، يتسابقون إليه، ويتسارعون إليه، مصداق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:"لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُم شِبْرًا بشبْر، وذراعًا بذراع، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْر ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ"رواه البخاري (3456) ومسلم (2669)
والضب دويبة معروفة وجحرها من أضيق الجحور،ومن أنتنه،والمعنى أن أهل الإسلام سوف ينقادون وراء أعدائهم في الأمور الضيقة،والأمور الممتنة القذرة والعياذ بالله، لا يتحاشون من شيء،وهذا واقع المسلمين،الواجب علينا أن نبتعد عن أعدائنا، أن نتمسك بكتاب ربنا ،وسنة نبينا عليه الصلاة و السلام، لنا في رسول الله قدوة حسنة،مالنا باليهود والنصارى قدوة حسنة،أولئك إخوان القردة والخنازير، أصحاب الرذائل،وأصحاب الشر،والفجور،والفسق،علينا أن تعتز بديننا،نعتز بكتاب ربنا ،وبسنة نبينا عليه الصلاة و السلام، وأن نهتدي بهدي رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإن ربنا سبحانه وتعالى يقول{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب:21].
ولا يزال الشيطان يمكر ببني آدم ،ويمكر بأهل الإسلام إلى أن ينزع عنهم اللباس بالكلية والعياذ بالله، وهذا سيحصل في آخر الزمان كما جاء في مسلم(2937)من حديث  النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خروج الريح الطيبة التي تأخذ المسلمين سيحصل هذا لأهل الكفر وينتشر انتشار كبير في أوساط أهل الكفر كما في هذا الحديث  فقال النبي عليه الصلاة والسلام  ثم يبقى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ"
الهرج: بمعنى الجماع،أي أنهم يتجامعون في طرقاتهم كما تفعل الحمر،يكشفون عوراتهم،ويقعون في الفواحش في مرأى من الناس كما تفعل الحمر والعياذ بالله، وفي مصنف ابن أبي شيبة وعنده غيره ،عن عبدالله عمرو بن العاص رضي الله عنه مرفوعاً وموقوفاً والموقوف أصح وله حكم الرفع، قال:"لا تقومُ السَّاعةُ حتَّى يتسافَدوا في الطَّريقِ تسافُدَ الحميرِ . قلتُ إنَّ ذلِكَ لكائِنٌ ؟ قال : نعَم ليَكونَنَّ" وهو في صحيح دلائل النبوة للشيخ مقبل الوادعي رحمه الله.
فيحصل في الناس هذا الأمر الذي أخبر عنه نبينا عليه الصلاة و السلام، علينا بالحشمة، ونعلم أبنائنا الحشمة،نعم أبنائنا الأدب،ونبتعد عن مكر الشيطان وعن كيده،وعلينا بلباس رسول الله عليه الصلاة والسلام، وبلباس الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين، وبألبسة العرب،فإنها ألبسة الخير،وألبسة الستر،وألبسة الحشمة،ولا يدخل كيد الشيطان فيها غالباً، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرفع عن المسلمين كل بلاء وفتنة،اللهم اغفر لنا ذنوبنا كله دقه وجله وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وارحمنا واهدنا واهدي بنا ،وجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين،اللهم اغفر لموتى المسلمين أجمعين، اللهم يسر على المعسرين،واقض الدين عن المدينين، وعاف مبتلى المسلمين، واشف مرضاهم وأرحم موتاهم إنك أنت الغفور الرحيم، ربنا إننا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.



جميع الحقوق محفوظة لـ الموقع الرسمي للشيخ أبي بكر الحمادي