النداء بما يشرع وما لا يشرع من الازدراء 2023-01-01 15:20:27
*خطبة جمعة بعنوان:(النداء
بما يشرع وما لا يشرع من الازدراء)*
*لشيخنا
المبارك:أبي بكر بن عبده
بن عبدالله الحمادي حفظه الله*
*سجلت بتأريخ ٢٧/ذي الحجة /١٤٤٢ للهجرة.*
*مسجد المغيرة بن
شعبة*
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره،
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل
فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده
ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ
وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا
وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ
كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا
سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ
فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد: اعلموا أن خير الحديث كتاب الله،
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة
بدعة.
معاشر المسلمين اعلموا أن الإزدراء والإفتقاد
منه ما لا يشرع بحال،ومنه ما هو مشروع ومن فضائل الأعمال، فالإزدراء برب العالمين
سبحانه وتعالى أو بنبيه الكريم عليه الصلاة السلام أو بدين الإسلام أو بشيء من
شرائع الدين كفر بالله سبحانه وتعالى،فإن ربنا سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم
عن نوح عليه الصلاة السلام أنه قال لقومه:{مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ
وَقَارًا (13)}[نوح:13].
ويقول سبحانه وتعالى{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ
لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ
وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65)لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم
بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}[التوبة:65،66].
كفرهم رب العالمين سبحانه وتعالى بسبب ما حصل
لهم من الإزدراء به وبنبيه الكريم عليه الصلاة والسلام وبآيات الله
عزوجل،فالإزدراء برب العالمين كفر أكبر مخرج عن ملة الإسلام،وهكذا الإزدراء
والإستهزاء برسول الله عليه الصلاة والسلام،أو بدين الله،أو بشيء مما شرعه رب
العالمين سبحانه وتعالى،كل ذلك من الكفر الأكبر المخرج عن ملة الإسلام، جاء عند
البزار وعند غيره من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:"بعَث النَّبيُّ
صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مرَّةً رجُلًا إلى رجُلٍ مِن فرَاعِنَةِ العرَبِ أنِ
ادْعُه لي فقال يا رسولَ اللهِ إنَّه أعتى مِن ذلكَ فقال اذهَبْ إليه فادْعُه فأتاه
فقال له يدعوكَ رسولُ اللهِ فقال رسولُ اللهِ؟ وما اللهُ؟ أمِن ذهَبٍ هو أو مِن
فضَّةٍ أو مِن نُحاسٍ؟ فرجَع إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأخبَره وقال
قد أخبَرْتُكَ يا رسولَ اللهِ أنَّه أعتى مِن ذلكَ فقال ارجِعْ إليه فادْعُه فأتاه
فأعاد عليه القولَ الأوَّلَ فأعاد عليه مِثْلَ جوابِه الأوَّلِ فرجَع إلى
النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأخبَره فقال ارجِعْ إليه فادْعُه فرجَع إليه
الثَّالثةَ فبَيْنما هما يتراجَعانِ الكلامَ بَيْنَهما إذ بعَث اللهُ عزَّ وجلَّ
بسَحابةٍ حِيالَ رأسِه فرعَدَتْ وأبرَقَتْ ووقَع منها صاعقةٌ ذهَبَتْ بقِحْفِ
رأسِه فأنزَل اللهُ عزَّ وجلَّ {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ
يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ}.
رواه الطبراني(3/96 )
الإزدراء برب العالمين سبحانه وتعالى
والسخرية به كفر أكبر مخرج عن ملة الإسلام،وهكذا الإزدراء لرسول الله عليه الصلاة
والسلام،أو بشيء من شرع الله عزوجل،ومن الكبائر العظام الإزدراء بالمؤمنين بمعنى
الإحتقار فالإزدراء هو الإحتقار فالإزدراء بالمؤمنين كبيرة من كبائر الذنوب، وفي حديث عبدالله بن مسعود الذي رواه الإمام
مسلم في صحيحه(91) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا يَدْخُلُ
الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ قالَ رَجُلٌ: إنَّ
الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا ونَعْلُهُ حَسَنَةً، قالَ: إنَّ
اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وغَمْطُ
النَّاسِ".
بطر الحق: أي دفعه ورده.
وغمط الناس: أي إزدراء الناس واحتقارهم،فهذا
كبيرة من كبائر الذنوب،وهو دليل من أدلة وجود الكبر في القلب،ومن كان في قلبه
مثقال ذرة من كبر لا يدخل الجنة كما أخبرنا بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام، وهكذا
معاشر المسلمين:من الإزدراء الذي حرمه رب العالمين سبحانه وتعالى،وحرمه النبي
الكريم عليه الصلاة والسلام،إزدراء النعم إحتقار
النعم،يكون العبد في نعمة من نعم الله عزو جل فلا يشكر نعمة الله سبحانه
وتعالى عليه،بل يزدري تلك النعمة ويحتقر تلك النعمة،ونعم الله سبحانه وتعالى
عظيمة،نعم الله عظيمة ليست بحقيرة،نعم الله عظيمة لو تأمل الإنسان في نعمة البصر
لوجد أن هذه النعمة من النعم العظيمة التي إذا طُلب للإنسان أن يتخلى عن نظره
بأموال الدنيا لما قبل،وهكذا نعمة السمع،وهكذا نعمة الهواء،نعمة التنفس،وغير ذلك
من النعم،ومن ذلك أيضاً نعمة العقل،نِعم لو دفع للإنسان الأموال الطائلة والكثيرة
على أن يتخلى منها ما قبل،وهكذا غير ذلك من النعم،فنعم الله سبحانه وتعالى
عظيمة،وسواء نعمة المطعم والمشرب والمسكن والمركب أو غير ذلك من النعم،فنعم الله
سبحانه وتعالى عظيمة،لا يزدري العبد نعمة من نعم الله عزو جل،لا يحتقر شيئاً نعم
الله سبحانه وتعالى،فإنه يخشى عليه من زوالها،فإن من شكر نعم الله سبحانه وتعالى
زاده الله من فضله،ومن كفر أخذ الله سبحانه وتعالى تلك النعمة منه ونقلها إلى
غيره،جاء في مسلم(2963)من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قال:"انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو
أجدر ألا تزدروا نعمة الله".
أزدر : بمعنى أحرى وأحق.
ألا تزدروا: أي ألا تحتقروا نعمة الله سبحانه
وتعالى.
فإذا نظر الإنسان في أمر الدنيا إلى من هو
أسفل منه وجد نفسه في نعمة،إذا نظر إلى الأمراض وهو صحيح البدن أداه ذلك إلى شكر
الله عزو جل على نعمة الصحة،إذا نظر إلى أصحاب الحاجة الشديدة ونظر إلى نفسه وما
منً الله سبحانه وتعالى عليه فإن ذلك يدعوه إلى شكر الله عزوجل على نعمه،لكن إذا
نظر إلى من هو أعلى منه في أمر الدنيا دعاه ذلك إلى أن يحتقر نفسه ويحتقر ما عنده
من شهوات الدنيا وملذاتها،ومثل هذا الإزدراء يدعوه إلى أن ينافس أهل الدنيا في
دنياهم، وينشغل في أمر دنياه وينسى آخرته، وينكب عن الدنيا ويضيع الآخرة لأنه يريد
أن يكون مثل فلان،ولا يرضى بقسمة الله سبحانه وتعالى التي قسمها له،وكل شيء مقسوم
ومقدر، قسم الله سبحانه وتعالى بين العباد الأعمار،وقسم الله سبحانه وتعالى
الأرزاق،وقسم الله سبحانه وتعالى الأخلاق،وكل شيء مقسوم بقدر الله سبحانه
وتعالى،على العبد أن يرضى
بقدر الله سبحانه وتعالى،ويشكر ربه سبحانه
وتعالى على نعمته،ولا يزدري نعمته الله سبحانه وتعالى عليه،فإن هذا يدعوه إلى
كفران النعم،والله يقول:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ
لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)}[إبراهيم:7].
وقال الله:{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي
مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ
رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ
غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ
وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ
وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا ۖ
وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ
وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا
السَّيْرَ ۖ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18) فَقَالُوا
رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ
أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ
لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)}[سبأ:19،15].
فهؤلاء ما شكروا نعمة الله سبحانه وتعالى
عليهم،وازدروا تلك النعم فعاقبهم الله سبحانه وتعالى بزوالها،وقال الله:{وَكَمْ
أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ۖ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ
تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ
(58)}[القصص:58].
فلا تزدروا نعمة الله سبحانه
وتعالى عليكم،واشكروا نعم الله سبحانه وتعالى يزيدكم{وإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ
لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}.
هذا واسأل الله عزوجل أن يرحمنا برحمته إنه
هو الغفور الرحيم.
*الخطبة الثانية:*
الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل
فلا له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى
الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد،
اعلموا معاشر المسلمين: أن هنالك من الإزدراء
ما لا يجوز،وقد ذكرنا شيئاً من ذلك،وهنالك من الإزدراء والإحتقار ما هو من قبيل
فضائل الأعمال من ما هو محمود ومرغب فيه،وذلك كازدراء الكافرين والمنافقين،فإن
إزدراء الكافرين من العمل الصالح،إزدراء الكافرين بما في ذلك من التنفير عن
الكفر،وإبعاد الناس عن الكافرين، وتحذير الناس من الاغترار بهم،وقد احتقرهم رب
العالمين سبحانه وتعالى وبين حقارتهم في آيات كثيرة من كتابه الكريم،كقوله سبحانه
وتعالى:{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ
لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا
وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ
أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)}[الأعراف:179].
وقال الله :{وَالَّذِينَ كَفَرُوا
يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى
لَّهُمْ (12)}[محمد:12].
وقال سبحانه وتعالى{مَثَلُ الَّذِينَ
حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ
أَسْفَارًا}[الجمعة:5].
مثلهم الله سبحانه وتعالى بالحمير،
وبالدواب،وبين سبحانه وتعالى أنهم أضل من الأنعام،{فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ
مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ (50) فَرَّتْ
مِن قَسْوَرَةٍ (51) }[المدثر:49،51].
وقال الله:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ
أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)}[البينة:6].
أي شر الخليقة،وقال الله:{يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ
الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا}[التوبة:28].
فازدراهم رب العالمين سبحانه وتعالى
واحتقرهم،فمن ازدارء الكافرين واحتقرهم فإنه في عمل صالح وفي قربة لما في ذلك من
التمثيل عن الكفر وأهله،فإن هنالك من الناس من دخل في قلبه عظمة الكافرين،صار يعظم
الكافرين،ويثني عليهم،ويمدح الكافرين بأنواع المدائح وربما فضل الكفار على
المسلمين،وهذا أمر عظيم، يفضل أولاد
القردة والخنازير من هم أضل من الأنعام ،من سبوا رب العالمين سبحانه وتعالى،ومن
قتلوا الأنبياء والمرسلين،ومن هم يكيدون في الليل والنهار على الإسلام وأهله، يفضل
هؤلاء على أهل التوحيد الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمد
رسول الله صلى الله عليه وسلم،هذا أمر عظيم،
شأن هؤلاء كمن قال الله سبحانه وتعالى فيهم:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا
نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ
لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا
(51)أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن
تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52)}[النساء:52،51].
هؤلاء ملعونون،الذي يفضل الكافرين على
المسلمين ملعون، لعنه رب العالمين سبحانه وتعالى،فازدراء الكفار عمل صالح،إزدراء
أهل البدع والأهواء عمل صالح لما فيه من إبعاد الناس عن البدع والأهواء،وقد ازدرا
الله أهل البدع والأهواء فقال سبحانه وتعالى عن أهل الأهواء في شأن الذي أتاه الآيات:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ
نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ
الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175)وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا
وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ
الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ ذَّٰلِكَ
مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ
لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)}[الأعراف:176].
فإزدراء هؤلاء من العمل الصالح،إزدراء الدنيا
واحتقار الدنيا عمل صالح لأن هذا يدعو العبد إلى أن يزهد في الدنيا ويقبل على
الآخرة،قال الله:"قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ
لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77)}[النساء:77].
وقال الله:{وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ
(26)}[الرعد:26].
وقال الله:{فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ
وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ
الْغُرُورِ (185)}[آل عمران:185].
وقال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي
بن كعب الذي رواه عبدالله ابن أحمد،وعبد الله ابن أحمد في زوائد المسند(20733)
قال عليه الصلاة:"إن مطعم ابن آدم ضرب
للدنيا مثلا بما خرج من ابن آدم وإن قزحه وملحه فانظر ما يصير إليه".
فحقر النبي عليه الصلاة والسلام الدنيا وضرب
مثلاً لها للخارج من الإنسان بالغائط من الإنسان والعياذ بالله، وقال عليه والسلام:"لو كانتِ الدُّنيا
تعدلُ عندَ اللهِ جناحَ بعوضةٍ ما سقى كافرًا منها شربةَ ماءٍ"رواه
الترمذي(2320) عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.
وقال عليه الصلاة والسلام:"الدُّنيا
ملعونةٌ ، ملعونٌ ما فيها ، إلا ذكرَ اللهِ و ما والاه ، و عالِمًا أو
متعلمًا" صحيح الجامع(3414) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وقال النبي عليه الصلاة
والسلام:"واللَّهِ ما الدُّنْيا في الآخِرَةِ إلَّا مِثْلُ ما يَجْعَلُ
أحَدُكُمْ إصْبَعَهُ هذِه، وأَشارَ يَحْيَى بالسَّبَّابَةِ، في اليَمِّ،
فَلْيَنْظُرْ بمَ تَرْجِعُ؟"رواه مسلم(2858)
وقال عليه الصلاة والسلام:"أنَّ رَسولَ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مَرَّ بالسُّوقِ، دَاخِلًا مِن بَعْضِ
العَالِيَةِ، وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ، فَمَرَّ بجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ،
فَتَنَاوَلَهُ فأخَذَ بأُذُنِهِ، ثُمَّ قالَ: أَيُّكُمْ يُحِبُّ أنَّ هذا له
بدِرْهَمٍ؟ فَقالوا: ما نُحِبُّ أنَّهُ لَنَا بشيءٍ، وَما نَصْنَعُ بهِ؟ قالَ:
أَتُحِبُّونَ أنَّهُ لَكُمْ؟ قالوا: وَاللَّهِ لو كانَ حَيًّا، كانَ عَيْبًا
فِيهِ، لأنَّهُ أَسَكُّ، فَكيفَ وَهو مَيِّتٌ؟ فَقالَ: فَوَاللَّهِ لَلدُّنْيَا
أَهْوَنُ علَى اللهِ، مِن هذا علَيْكُم. غيرَ أنَّ في حَديثِ الثَّقَفِيِّ: فلوْ
كانَ حَيًّا كانَ هذا السَّكَكُ به عَيْبًا"رواه مسلم(2957) عن جابر بن
عبدالله رضي الله عنه.
والأحاديث في ذلك متعددة،حقر رب العالمين
سبحانه وتعالى الدنيا، وحقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم،فازدراء الدنيا عمل
صالح لأن ذلك يدعو إلى الزهد فيها والإقبال على الآخرة،وإذا زهد الإنسان في الدنيا
وأقبل على الآخرة فاز وأفلح،فاز الفوز العظيم وأفلح الفلاح الكبير.
اسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا
أجمعين، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كله دقها
وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، ربنا
ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك
وارحمنا إنك أنت الغفور، اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين،اللهم
عافنا في الدنيا والآخرة، اللهم الطف بالبلاد والعباد،اللهم أمنا في أوطاننا،اللهم
من أرادنا وبلادنا والإسلام والمسلمين بسوء أو مكر أو مكيدة اللهم فرد كيده في نحره
وجعل تدميره في تدبيره وكفي المسلمين شره إنك على كل شيء قدير، ربنا آتنا في
الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.