تحذير السالك عن بعض ما خافه النبي على أمته من أسباب المهالك
2023-01-01 15:42:28
*خطبة جمعة بعنوان:( تحذير السالك عن بعض
ما خافه النبي على أمته من أسباب المهالك)*
*لشيخنا المبارك أبي
بكر الحمادي حفظه الله*
*سجلت بتأريخ ٨/شعبان/١٤٤٣ هجرية*
*مسجد المغيرة بن
شعبة مدينة القاعدة محافظة إب حرسها الله وسائر بلاد المسلمين*
إن الحمد لله، نحمده
ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله
فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}
[آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا
النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ
مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ
اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ
رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد:فإن خير
الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور
محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
يقول سبحانه
وتعالى في كتابه الكريم :{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ
عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ
(128)}[سورة التوبة:128].
فهكذا وصف ربنا
سبحانه وتعالى نبينا عليه الصلاة والسلام، وصفه بالحرص علينا، ووصفه بالرحمة
والرأفة على أمته، حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم، وصفه بأنه يشق عليه الذي يشق
علينا، ومن أجل هذا فإن نبينا عليه الصلاة والسلام دلنا على كل خير، وحذرنا من كل
شر، في مسلم(1844) من حديث عبدالله بن عمرو العاص رضي الله عنهما، عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال :"إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلا كَانَ
حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ،
وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ
عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاءٌ، وَأُمُورٌ
تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَتَجِيءُ
الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ
وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ هَذِهِ، فَمَنْ أَحَبَّ
أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ
وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي
يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ، وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ
يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ
يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ»، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقُلْتُ لَهُ:
أَنْشُدُكَ اللهَ آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟
فَأَهْوَى إِلَى أُذُنَيْهِ، وَقَلْبِهِ بِيَدَيْهِ، وَقَالَ: «سَمِعَتْهُ
أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي»، فَقُلْتُ لَهُ: هَذَا ابْنُ عَمِّكَ مُعَاوِيَةُ،
يَأْمُرُنَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ، وَنَقْتُلَ
أَنْفُسَنَا، وَاللهُ يَقُولُ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً
عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ
رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29] قَالَ: فَسَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: «أَطِعْهُ
فِي طَاعَةِ اللهِ، وَاعْصِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ.
فدلنا نبينا عليه
الصلاة على كل خير، وحذرنا من كل شر، وخاف النبي عليه الصلاة والسلام على أمته من
أنواع الشرور، وأخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام عن أشياء أنها من أشد الأشياء،
ومن أعظمها ضررا على هذه الأمة، وخاف أمته من تلك الأشياء، ومن أجل هذا نبههم
وحذرهم من تلك الشرور التي سوف تنتشر في أمته عليه الصلاة والسلام، فمن ذلك ما
رواه الطبراني(220 / 2)
، والبيهقي في
كتابه الشعب(2 / 37 / 2) من حديث عبدالله بن زيد، ورواه أبو داود في الزهد، من
حديث شداد بن أوس رضي الله رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
قال:"يا نعايا العرب يا نعايا العرب ثلاثا إن أخوف ما أخاف عليكم الرياء
والشهوة الخفية.
هكذا يقول نبينا
عليه الصلاة والسلام، فيقول : يا نعايا العرب أي ادعو العرب، فإن هذه الأمور من
أسباب الهلاك، ما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام وحذر أمته منه فإنه من أسباب
الهلاك، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام يا نعايا يا نعايا العرب يا نعايا العرب أي
ادعوا العرب، إن أخوف ما أخاف عليكم الرياء والشهوة الخفية. خاف النبي عليه الصلاة
والسلام على أمته، منها بين المرضين الرياء، أن يأتي العبد بالعبادة ما هي من أجل
الله عز وجل، وإنما من أجل أن يراه الناس، ويثني الناس عليه خيرا، والرياء مفسد
للعمل، يقول الله وجل في الحديث القدسي:"أنا أغْنَى الشُّركاءِ عنِ الشِّركِ
، مَنْ عمِلَ عملًا أشركَ فيه معِيَ تركتُهُ وشِركَهُ"؛ أخرجه مسلم(2985) عن
أبي هريرة رضي الله عنه.
فالله سبحانه
وتعالى لا يقبل من العمل إلا ما أريد به وجهه سبحانه وتعالى، وكان على سنة نبيه
عليه الصلاة والسلام، قال الله:{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}[الزمر:3].
وقال الله :{وَمَا
أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
حُنَفَاءَ}[البينة:5].
فإذا عملت عملا
فلا ترجو ثوابا من الناس، ولا ترائي الناس بعملك، فإن الناس لا ينفعونك، ولا يضرونك،
إن مدحوك ما نفعوك، وإن ذموك ما ضروك، الذي بيده النفع والضر هو رب العالمين
سبحانه وتعالى، وفي المسند(23630) من حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه، عن رسول
الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:"إنَّ أخْوَفَ ما أخافُ عليكم الشِّركُ
الأصْغَرُ، قالوا: وما الشِّركُ الأصْغَرُ يا رسولَ اللهِ؟ قال: الرِّياءُ يقولُ
اللهُ عزَّ وجلَّ لهم يومَ القِيامةِ إذا جُزِيَ الناسُ بأعمالِهم: اذْهَبوا إلى
الذين كنتُم تُراؤون في الدُّنيا، فانظُروا هل تَجِدون عِندَهُم جزاءً؟!.
فلا يجدون جزاء من
أحد، الثواب بيد الله عز وجل، الجزاء بيد رب العالمين سبحانه وتعالى، فهؤلاء ممن
خسروا أعمالهم، وممن تعبوا، وصار عملهم وبالا عليهم والعياذ بالله،وهذا المرض
منتشر انتشارا واسعا في هذه الأمة، ولهذا فإن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر أنه
أخوف ما يكون على الناس من هذا، أخوف ما يخاف على أمته من هذا المرض، وينتشر هذا
المرض
غالبا أو بكثرة في
الأعمال المتعدية النفع، العمل الذي يتعدى نفعه كالصدقات، وغير ذلك من أفعال
الخير، والمعروف، والإحسان، فإن الرياء فيه منتشر ولا يكاد يسلم من ذلك إلا من
سلمه الله عز وجل، فبين النبي عليه الصلاة والسلام أن أخوف ما يخاف علينا الرياء
والشهوة الخفية، الشهوة الخفية كما قال أبو داود الطيالسي رحمة الله عليه :هي
الرئاسة، الرئاسة حب العلو في الأرض، حب الملك، حب الشرف، كل هذا مما خافه علينا
نبينا عليه الصلاة والسلام، فإن من أراد العلو أرض لا حظ له في الآخرة، كما قال
سبحانه وتعالى:{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ
عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ
(83)}[القصص:83].
فجعل الله سبحانه
وتعالى الآخرة لمن لا يريد العلو في الأرض، ولم يريد الفساد، فمن العلو في الأرض
فقد بين ربنا سبحانه وتعالى أن الآخرة ما جعلها له، وإنما جعل الآخرة للمتقين، جعل
الله سبحانه وتعالى الدار الآخرة لمن كان تقيا لربه سبحانه وتعالى،{تِلْكَ
الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي
الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)}
في حديث كعب بن
مالك عند الترمذي(2376)، وعند أحمد(15794)، وعند غيرهما، عن رسول الله عليه الصلاة
والسلام أنه قال:"ما ذئبان جائعان أُرسِلا في غنمٍ بأفسدَ لها من حِرصِ
المرءِ على المالِ والشرفِ لدِينِه.
والمعنى أن من كان
حريصا على المال، ومن كان حريصا على الشرف، على العلو في الأرض، فإن ذلك من أفسد
الأمور على دينه، يدخل عليه الفساد من هذين الأمرين أعظم من دخول الفساد على الغنم
من ذئبين جائعين، فساد الحرص على المال وفساد الحرص على الشرف على دين المرء أعظم
من فساد الذئبين الجائعين إذا ما أرسل على غنم، كما أخبرنا بذلك نبينا عليه الصلاة
والسلام، فهذا مما خافه علينا نبينا عليه الصلاة والسلام، في المسند من حديث عمر
بن الخطاب رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :"إنَّ
أخوَفَ ما أخافُ على أمَّتي كلُّ منافقٍ عليمِ اللِّسانِ.
خاف النبي عليه
الصلاة والسلام على أمته من هؤلاء المنافقين الذين عندهم حسن البيان، فإن المنافق
إن ابتلي بحسن المنطق حصل منه الضرر العظيم على المسلمين، وفي البخاري(5767) من
حديث عبد الله بن عمر قال عليه الصلاة والسلام :"إنَّ من الـبَيَان لسِحْرًا،
أو: إنَّ بعْضَ الـبَيَان لسِحْرٌ.
وهكذا جاء بنحوه
في مسلم من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه وإن من البيان لسحرا.
فمن كان عنده حسن
المنطق، وكان من أهل النفاق، فإنه يفتن الناس، ويضل الناس، ويجعل الناس ينحرفون من
الحق إلى الباطل، فخاف النبي عليه الصلاة والسلام على أمته من هؤلاء، وهؤلاء إن
وجدوا في أوساط الناس وكانوا هم المتكلمين في أوساط الناس سمع لهم كثير من الناس،
وضلوا ضلالا بعيدا، وفي المسند من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال عليه
الصلاة والسلام:"أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلين.
فإذا كان هنالك
أئمة يقتدى بهم، أئمة لهم المكانة في أوساط الناس، ولهم العلو في أوساط الناس،
ولهم الشرف في أوساط الناس، ولهم السلطان في أوساط الناس، وهم من أهل الضلال
والانحراف حصل ما حصل منهم من الشر، وحصل ما حصل منهم من البلاء، وحصل ما حصل منهم
من الفتنة، وحصلت منهم المحنة، فيحصل
ويدخل الضرر العظيم على أمته عليه الصلاة والسلام، فخاف النبي عليه الصلاة والسلام
على أمته من هؤلاء من الائمة المضلين، أصحاب الضلال والانحرف، فإذا كانوا أئمة فإن
البلاء بهم يعظم، والشر بهم يشتد والعياذ بالله، فهذا مما خافه علينا نبينا عليه
الصلاة والسلام، في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن رسول الله
عليه الصلاة والسلام أنه
قال:"أَخْوَفُ ما أخافُ علَيْكُم ما يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُمْ مِن زَهْرَةِ
الدُّنْيا قالوا: وما زَهْرَةُ الدُّنْيا؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: بَرَكاتُ
الأرْضِ قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وهلْ يَأْتي الخَيْرُ بالشَّرِّ؟ قالَ: لا يَأْتي
الخَيْرُ إلَّا بالخَيْرِ، لا يَأْتي الخَيْرُ إلَّا بالخَيْرِ، لا يَأْتي
الخَيْرُ إلَّا بالخَيْرِ، إنَّ كُلَّ ما أنْبَتَ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ، أوْ
يُلِمُّ، إلَّا آكِلَةَ الخَضِرِ، فإنَّها تَأْكُلُ، حتَّى إذا امْتَدَّتْ
خاصِرَتاها اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسَ، ثُمَّ اجْتَرَّتْ وبالَتْ وثَلَطَتْ، ثُمَّ
عادَتْ فأكَلَتْ، إنَّ هذا المالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فمَن أخَذَهُ بحَقِّهِ،
ووَضَعَهُ في حَقِّهِ، فَنِعْمَ المَعُونَةُ هُوَ، ومَن أخَذَهُ بغيرِ حَقِّهِ،
كانَ كالَّذِي يَأْكُلُ ولا يَشْبَعُ.البخاري (6427)، ومسلم (1052).
فخاف علينا نبينا
عليه الصلاة والسلام من زهرة الحياة الدنيا، من فتنة الدنيا، مما فيها من الأموال،
مما فيها من الأمتعة، مما فيها من الشهوات، فإن فتنة الدنيا وقع فيها أكثر الخلق،
وما نجى منها إلا القليل، فتنة الدنيا هلك فيها الخلق، وما نجى من ذلك إلا القليل،
كم ضيعت من واجبات، وهتكت من حرمات بسبب الدنيا، وكم قطعت من أرحام بسبب الدنيا؟
وكم سفكت من دماء؟ بسبب الدنيا، وكم سفكت من دماء بسبب الدنيا، وكم أحدثت من شرور،
ومن بدع، وأهواء بسبب الدنيا، وكم حصل ما حصل من أنواع المحن والفتن في أوساط
الناس كل ذلك بسبب الدنيا، فخاف علينا نبينا عليه الصلاة والسلام الدنيا إذا ما
فتحت علينا، فإنها من أسباب هلاكنا والعياذ بالله، فيتق العبد ربه سبحانه وتعالى، وليعلم أن
الدنيا ليست بدار مقر ومستقر، وإنما العبد في الدنيا على سفر لا يدري متى يحط
رحله، فإن الموت يأتي بغير ميعاد، قال الله:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ
وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ
النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا
إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)}[آل عمران:185].
هي متاع زائل لا
تبقى لأحد، فليتق العبد ربه سبحانه وتعالى، وليكن بالحياة الدنيا كالمسافر، ولا
يجعل الدنيا دار إقامة، فإنه إن جعل الدنيا دار إقامة خسرها، وخسر دار المقام، دار
الإقامة وهي الجنة، ومن جعل الدنيا دار سفر، وعمل لدار إقامته فإنه يفوز فوزا
عظيما لا خسران بعده أبدا، ذلك هو الفوز العظيم، أستغفر الله إنه هو الغفور
الرحيم.
*الخطبة الثانية:*
الحمد لله، نحمده
تعالى ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهديه الله
فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
روى الإمام أحمد
في مسنده، والترمذي في جامعه(2410)، من حديث سفيان بن عبدالله الثقفي رضي الله عنه
قال:" قلتُ يا رسولَ اللَّهِ حدِّثْني بأمرٍ أعتصِمُ بِهِ قالَ قُلْ ربِّيَ
اللَّهُ ، ثمَّ استقِم قلتُ : يا رسولَ اللَّهِ ، ما أخوَفُ ما تخافُ عليَّ ؟
فأخذَ بلسانِ نفسِهِ ثمَّ قالَ : هذا.
فأخوف ما يخاف
النبي عليه الصلاة والسلام على أمته أيضا اللسان، فاللسان إذا لم يمسكه الإنسان
فإنه أشد عليه من الثعبان، وأشد من اشتعال النيران، فخاف النبي عليه الصلاة
والسلام على أمته من اللسان، كم من شخص كفر بالله عز وجل بكلمة يتلفظ بها، كم من
عبد تكلم بكلمة كانت سببا لسفك دمه، وكم من عبد تكلم بكلمة كانت سببا لقطيعةرحمه،
وكم من عبد تكلم بكلمة كانت سببا لحصول فتنة عظيمة في أوساط الناس، وحصل الشر
والقتل والقتال بسبب كلمة يتكلم بها الإنسان، في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي
الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ
بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ.
في البخاري(6474)
من حديث سعد بن سهل الساعدي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قال:مَن يَضْمَن لي ما بيْنَ لَحْيَيْهِ وما بيْنَ رِجْلَيْهِ، أضْمَنْ له
الجَنَّةَ.
فإذا وقي الإنسان
شر لسانه وشر فرجه فإنه من أهل الجنة، ومن الفائزين كما أخبرنا بذلك نبينا عليه
الصلاة والسلام، عند الإمام أحمد، وعند الترمذي(2406)من حديث عقبة بن عامر رضي
الله عنه قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ ما النَّجاةُ؟ قال: أمسِكْ عليْكَ لسانَكَ،
وليسعْكَ بيتُكَ، وابْكِ على خطيئتِكَ.
وفي لفظ"
أملك عليك لسانك.
وفي لفظ"
أحرس لسانك.
إن أردت المخرج من
كل شر فأملك لسانك، وأمسك لسانك، واحرس لسانك تنجو من كل شر، عند الطبراني في
معجمه الكبير(10/ 243) عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قال:" أكثرُ خطايا ابنِ آدمَ في لسانِه .
هكذا أخبرنا بذلك
نبينا عليه الصلاة والسلام، وفي مصنف ابن أبي شيبة، من حديث عبد الله بن مسعود أنه
قال:وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ ، مَا عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ شَيْءٌ
أَحْوَجَ إِلَى طُولِ سِجْنٍ مِنْ لِسَانٍ.
وعند
الترمذي(2407)من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قال:"إذا أصبحَ ابنُ آدمَ فإنَّ الأعضاءَ كلَّها تُكفِّرُ اللِّسانَ
فتقولُ اتَّقِ اللَّهَ فينا فإنَّما نحنُ بِك فإن استقمتَ استقمنا وإن اعوججتَ
اعوججنا.
أي تخضع وتذل لأنه
كالسلطان عليها.
فهذه عدة أمور خاف
النبي عليه الصلاة والسلام على أمته، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه أخوف ما
يخاف على أمته من هذه الأمور وهي من أنواع الشرور والبلاء.
أسأل الله أن يغفر
لنا ذنوبنا أجمعين، وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم، اللهم اجعلنا هداة
مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، ربنا ظلمنا أنفسنا
ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت
الغفور الرحيم، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أمنا في
أوطاننا، اللهم من أراد ببلادنا شرا ومكرا وكيدا فاجعل كيده في نحره واجعل تدميره
في تدبيره، واكف المسلمين شره، إنك على كل شيء قدير، اللهم اغفر لموتى المسلمين
أجمعين وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه إنك أنت الغفور الرحيم، ربنا آتنا في
الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.