الرئيسية / الخطب والمحاضرات/ الخطب /تدفق النهر في شرح حديث سب الدهر
تدفق النهر في شرح حديث سب الدهر 2023-01-01 15:44:39


*خطبة جمعة بعنوان:(تدفق النهر في شرح حديث سب الدهر)*
 
*لشيخنا المبارك: أبي بكر بن عبده بن عبدالله الحمادي حفظه الله*
 
*سجلت بتأريخ ٣/صفر/١٤٤٣ هجرية*
*مسجد المغيرة مدينة القاعدة محافظة إب حرسها الله وسائر بلاد المسلمين*
 
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد: اعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
روى البخاري(7491)ومسلم(2246)
في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه،  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: يُؤْذِينِي ابنُ آدَمَ؛ يَسُبُّ الدَّهْرَ، وأنا الدَّهْرُ، بيَدِي الأمْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ والنَّهارَ.
فربنا سبحانه تعالى في هذا الحديث القدسي، أخبر عز وجل عن أذية ابن آدم له فقال سبحانه وتعالى:"يُؤْذِينِي ابنُ آدَمَ؛ يَسُبُّ الدَّهْرَ" أي أنه يعيب الزمان، والدهر هو الزمان مرور الأيام والليالي، مرور الشهور والسنين، الليل والنهار هذا هو الدهر، فمن سب الدهر فإنما يسب ربه سبحانه وتعالى، لأن الدهر ليس له تصرف من جهة نفسه، الأيام لا تتصرف بنفسها، والليالي لا تتصرف بنفسها، والشهور والسنين لا تتصرف بنفسها، فالمتصرف بالكون هو رب العالمين سبحانه وتعالى، فإذا قال القائل يا خيبة الدهر إذا نزلت به بعض الشدائد والمحن، وقال يا خيبة الدهر أو نحو ذلك من العبارات فهو في الحقيقة يسب ربه سبحانه وتعالى، وهذا من أذية الله عز وجل،  من أذية الله سبحانه وتعالى، وبنو آدم قد يؤذون ربهم سبحانه وتعالى ولا يضرونه، قال سبحانه وتعالى:{وَلَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ۚ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا}[آل عمران:176].
فالعباد لا يتمكنون من الاضرا، برب العالمين سبحانه وتعالى، فإن الله هو الملك، وهو القهار، وهو على كل شيء قدير، وهو المنيع الله،سبحانه وتعالى منيع الجناب لا يصل إليه الخلق بشيء من الضرر، فهو منيع الجناب سبحانه وتعالى، لكن قد يحصل من العباد أذية من غير ضرر، والإنسان قد يتأذى بما لا يتضرر منه، يتأذى الإنسان بالكلام القبيح وإن كان لا يضره، ويتأذى الإنسان بسماع أصوات الكلاب مثلا وإن كان الكلب لا يدخل عليه الضرر فقد يتأذى الشخص بما لا يضره، ورب العالمين سبحانه وتعالى  قد يتأذى من كلام بعض العباد وإن كان لا يتضرر بذلك، فنؤمن بما أخبر عنه نبينا عليه الصلاة والسلام مع اعتقادنا أن الله سبحانه وتعالى لا يمثاله شيء، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فما يحصل له من الأذى ليس كما يحصل لبني آدم، فإن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فعلى كل العبد قد يؤذي ربه ولا يتضرر رب العالمين سبحانه وتعالى بشيء من جهة المخلوق تعالى الله عن ذلك وتنزه، غير أن الكلام الذي لا يليق يتأذى به رب العالمين سبحانه وتعالى، وهذا من الكلام الذي لا يليق فيتأذى منه رب العالمين سبحانه وتعالى، في البخاري(4974) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل:"قالَ اللَّهُ تبارَك وتعالى كذَّبني ابنُ آدمَ ولم يَكن ينبغي لهُ أن يُكذِّبني وشتَمني ابنُ آدمَ ولم يَكن ينبغي لهُ أن يشتُمَني أمَّا تَكذيبُه إيَّايَ فقولُه إنِّي لا أعيدُه كما بدأتُه وليسَ آخِرُ الخلقِ بأعزَّ عليَّ من أوَّلِه وأمَّا شتمُه إيَّايَ فقولُه {اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} وأنا اللَّهُ [الأحدُ] الصَّمدُ لم ألِد ولم أولَد ولم يَكن لي كفُوًا أحدٌ.
فبين ربنا سبحانه وتعالى أن هذا الأمر يحصل من بني آدم وما كان لهم أن يقولوا ذلك، فيحصل الشتم من بني آدم لرب العالمين سبحانه وتعالى، وما كان لهم أن يحصل منهم ذلك لربهم سبحانه وتعالى الذي خلقهم، الذي أوجدهم، الذي رزقهم، وما بهم من نعمة فإنما هي من الله عز وجل، قال الله :{وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}[النحل:53].
وقال الله:{وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (18)}[النحل:18]
لكن هذا حاصل من بني آدم يشتم العبد ربه سبحانه وتعالى، ومن أعظم الشتم تنقص الله سبحانه وتعالى بأن يُجعل له الولد، فإن هذا من أعظم الشتم لرب العالمين سبحانه وتعالى، قال الله :{ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا (88) لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا (93) لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)}[مريم:95،88]
فهذا من شتم رب العالمين سبحانه وتعالى، وهكذا من تكذيب الله عز وجل إنكار المعاد، فإن الله سبحانه وتعالى يقول:{كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ۚ وَعْدًا عَلَيْنَا ۚ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)}[الأنبياء:104].
فمن كذب بالمعاد فقد كذب رب العالمين سبحانه وتعالى وهذا لا يليق بالعبد، ومن كذب ربه فقد كفر، ومن شتم ربه فقد كفر، ومن تعمد أذية ربه سبحانه وتعالى فقد كفر، غير أن من يسب الدهر لا يتعمد ذلك غالبا، وإلا فإن من تعمد أن يؤذي ربه سبحانه وتعالى فإنه من الكافرين، والأذى يطلق على ما خف أمره وضعف شره من المكروه، على أدنى شيء يطلق الأذى، والله سبحانه وتعالى يقول:{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا (57)}[الأحزاب:57].
فالذي يؤذي ربه سبحانه وتعالى ولو بأدنى القول وتعمد ذلك فإنه ملعون؛ لعنه الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة، واللعن هو الطرد أي أنه مطرود من رحمة الله عز وجل في الدنيا والآخرة، وهو من الكافرين، أعد الله سبحانه وتعالى له العذاب الأليم، مقام الله سبحانه وتعالى عظيم، ينبغي للعبد أن يتكلم ربه سبحانه وتعالى بأعظم الأدب، قال الله :{مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13)وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14)}[نوح :14،13].
ما لكم لا تعظمون الله سبحانه وتعالى حق تعظيمه، ما لكم لا ترجون لله وقارًا وقد خلقكم أطوارا، فيا عباد الله ينبغي على العبد ويجب أن يتأدب مع ربه سبحانه وتعالى غاية الأدب، يتأدب مع الله سبحانه وتعالى فإن أذية رب العالمين سبحانه وتعالى من الأمور العظيمة، من الأمور المهلكة، هلاك لك في الدنيا وفي الآخرة إن لم تتب إلى ربك سبحانه وتعالى، وكم نسمع من الكلام القبيح،  وينقل إلينا من الكلام القبيح الذي لا يليق أن يتلفظ به العبد مع مثله من المخلوق ثم كيف بالخالق سبحانه وتعالى، فتأدب يا عبد الله مع ربك سبحانه وتعالى غاية الأدب، تأدب مع من خلقك، مع من رزقك، ومع من ناصيتك بيده، مع من هو على كل شيء قدير، أمرك بيده وحده لا شريك له، هذا هو الواجب علينا أن نتأدب مع رب العالمين سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى يصبر على العباد يصبر وإذا أخذ العباد أخذهم أخذ عزيز مقتدر إن لم يتوبوا إلى ربهم سبحانه وتعالى،قال الله:{وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)
}[هود:102].
في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال:"
لا أحَدَ أصْبَرُ علَى أذًى يَسْمَعُهُ مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ، إنَّه يُشْرَكُ به، ويُجْعَلُ له الوَلَدُ، ثُمَّ هو يُعافيهم ويَرْزُقُهُمْ"،البخاري(6099)ومسلم(2804).
وينعم سبحانه وتعالى، يعفو في الدنيا فلا ينزل العقوبة، ومن مات على ذلك فإنه من أصحاب السعير والعياذ بالله، ويعفو عمن تاب ورجع إليه، وأقلع عما حصل منه، فيعفو فلا يعجل بالعقوبة في الدنيا، وإلا فإن من مات على مثل هذه المقولة الخبيثة فإن مآله إلى السعير والعياذ بالله، لكن الله سبحانه وتعالى قد يعفو في الدنيا بمعنى أنه لا يعجل العقوبة،قال الله:{وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ۖ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ ۚ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا (58)}[الكهف:58]
 فالله سبحانه وتعالى هو الغفور ذو الرحمة فيعفو ويغفر، قد يعفو في الدنيا ويؤاخذ في الآخرة،وقد يعفو في الدنيا والآخرة في حق من تاب إليه ورجع إليه سبحانه وتعالى،  فالواجب علينا أن نتأذب مع رب العالمين سبحانه وتعالى في أقوالنا، وفي جميع أمورنا، فإن الأدب مع الله سبحانه وتعالى من الأمور المتحتمة من الفروض الواجبة، هذا واسأل الله سبحانه وتعالى أن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم.
 
*الخطبة الثانية:*
 
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
معاشر المسلمين إن أعظم الأذية الأذية لرب العالمين سبحانه، ثم الأذية لرسوله الكريم عليه الصلاة والسلام،قال الله:{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا (57)}[الأحزاب:57].
فقرن الله عز وجل بين أذيته وأذية رسوله، وجعل الله سبحانه وتعالى اللعنة لمن أذاه أو أذى رسوله، وأعد الله سبحانه وتعالى العذاب المهين في حق من أذاه أو أذى رسوله، وهذا في حق من تعمد ذلك،قال الله:{وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)}[الأحزاب:53]
 فما كان للمؤمنين أن يأذوا نبيهم عليه الصلاة والسلام، وقال سبحانه مؤدبا الصحابة رضي الله عنهم أجمعين:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ}[الأحزاب:53].
فالله سبحانه وتعالى أدب الصحابة بهذا الأدب العظيم ألا يفعلوا ما يؤذي رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإن لم يقصدوا ذلك، أما من قصد أذية رسول الله عليه الصلاة والسلام فإنه ملعون في الدنيا والآخرة، فكيف بمن يتطاول على رسول الله عليه الصلاة والسلام بأنواع السب والشتم بما هو أشد من مجرد الأذية، فإن السب والشتم أعظم من مجرد الأذية، كيف يكون حاله فإنه من أعظم الكافرين،  ومن أعظم المحاربين لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام، في الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه في شأن كعب بن أشرف قال النبي عليه الصلاة والسلام:"مَن لِكَعْبِ بنِ الأشْرَفِ؛ فإنَّه قدْ آذَى اللَّهَ ورَسولَهُ؟ فَقامَ مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ فقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أتُحِبُّ أنْ أقْتُلَهُ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَأْذَنْ لي أنْ أقُولَ شيئًا، قالَ: قُلْ، فأتاهُ مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ فقالَ: إنَّ هذا الرَّجُلَ قدْ سَأَلَنا صَدَقَةً، وإنَّه قدْ عَنَّانا، وإنِّي قدْ أتَيْتُكَ أسْتَسْلِفُكَ، قالَ: وأَيْضًا واللَّهِ لَتَمَلُّنَّهُ، قالَ: إنَّا قَدِ اتَّبَعْناهُ، فلا نُحِبُّ أنْ نَدَعَهُ حتَّى نَنْظُرَ إلى أيِّ شَيءٍ يَصِيرُ شَأْنُهُ، وقدْ أرَدْنا أنْ تُسْلِفَنا وَسْقًا أوْ وَسْقَيْنِ -وحَدَّثَنا عَمْرٌو غيرَ مَرَّةٍ، فَلَمْ يَذْكُرْ «وَسْقًا أوْ وسْقَيْنِ»، فَقُلتُ له: فيه «وَسْقًا أوْ وسْقَيْنِ»؟ فقالَ: أُرَى فيه «وَسْقًا أوْ وسْقَيْنِ»- فقالَ: نَعَمِ، ارْهَنُونِي، قالوا: أيَّ شَيءٍ تُرِيدُ؟ قالَ: ارْهَنُونِي نِساءَكُمْ، قالوا: كيفَ نَرْهَنُكَ نِساءَنا وأَنْتَ أجْمَلُ العَرَبِ؟! قالَ: فارْهَنُونِي أبْناءَكُمْ، قالوا: كيفَ نَرْهَنُكَ أبْناءَنا، فيُسَبُّ أحَدُهُمْ، فيُقالُ: رُهِنَ بوَسْقٍ أوْ وَسْقَيْنِ؟! هذا عارٌ عَلَيْنا، ولَكِنَّا نَرْهَنُكَ اللَّأْمَةَ -قالَ سُفْيانُ: يَعْنِي السِّلاحَ- فَواعَدَهُ أنْ يَأْتِيَهُ، فَجاءَهُ لَيْلًا ومعهُ أبو نائِلَةَ، وهو أخُو كَعْبٍ مِنَ الرَّضاعَةِ، فَدَعاهُمْ إلى الحِصْنِ، فَنَزَلَ إليهِم، فقالَتْ له امْرَأَتُهُ: أيْنَ تَخْرُجُ هذِه السَّاعَةَ؟ فقالَ: إنَّما هو مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ، وأَخِي أبو نائِلَةَ -وقالَ غَيْرُ عَمْرٍو: قالَتْ: أسْمَعُ صَوْتًا كَأنَّهُ يَقْطُرُ منه الدَّمُ، قالَ: إنَّما هو أخِي مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ، ورَضِيعِي أبو نائِلَةَ؛ إنَّ الكَرِيمَ لو دُعِيَ إلى طَعْنَةٍ بلَيْلٍ لَأَجابَ- قالَ: ويُدْخِلُ مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ معهُ رَجُلَيْنِ -قيلَ لِسُفْيانَ: سَمَّاهُمْ عَمْرٌو؟ قالَ: سَمَّى بَعْضَهُمْ؛ قالَ عَمْرٌو: جاءَ معهُ برَجُلَيْنِ، وقالَ غَيْرُ عَمْرٍو: أبو عَبْسِ بنُ جَبْرٍ، والحارِثُ بنُ أوْسٍ، وعَبَّادُ بنُ بشْرٍ- قالَ عَمْرٌو: جاءَ معهُ برَجُلَيْنِ، فقالَ: إذا ما جاءَ فإنِّي قائِلٌ بشَعَرِهِ فأشَمُّهُ، فإذا رَأَيْتُمُونِي اسْتَمْكَنْتُ مِن رَأْسِهِ، فَدُونَكُمْ فاضْرِبُوهُ -وقالَ مَرَّةً: ثُمَّ أُشِمُّكُمْ- فَنَزَلَ إليهِم مُتَوَشِّحًا وهو يَنْفَحُ منه رِيحُ الطِّيبِ، فقالَ: ما رَأَيْتُ كاليَومِ رِيحًا، أيْ أطْيَبَ. وقالَ غَيْرُ عَمْرٍو: قالَ: عِندِي أعْطَرُ نِساءِ العَرَبِ وأَكْمَلُ العَرَبِ، قالَ عَمْرٌو: فقالَ أتَأْذَنُ لي أنْ أشَمَّ رَأْسَكَ؟ قالَ: نَعَمْ، فَشَمَّهُ، ثُمَّ أشَمَّ أصْحابَهُ، ثُمَّ قالَ: أتَأْذَنُ لِي؟ قالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنَ منه، قالَ: دُونَكُمْ، فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ أتَوُا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فأخْبَرُوهُ"،أخرجه البخاري (4037)، ومسلم (1801) مطولاً
الشاهد أن النبي عليه الصلاة والسلام قال من لكعب بن الأشرف وهو من رؤوس اليهود، فقد آذى الله ورسوله، فحكم  من آذى الله وآذى رسوله عليه الصلاة والسلام القتل، لا حرمة له فإنه من أعظم الكافرين، ومن أعظم المحاربين، في الحديث الذي الذي ذكرناه في أول خطبتنا يقول الله عز وجل:" يؤذيني ابن آدم يسب الدهر" وهذا موجود في كلام كثير من الناس يعيبون الدهر، يتكلمون في الدهر، يسبون الدهر، يشتمون الدهر إذا ما نزلت بهم الشدائد والمصائب، والدهر هو الليل والنهار، المتصرف في الأيام هو رب العالمين سبحانه وتعالى،  الذي يميت في الأيام هو الله، والذي يحيي هو الله، والذي يرزق بهذه السنين والأيام هو الله، ، والذي يتصرف في الكون في خيره وشر هو الله سبحانه وتعالى، والكون من تصرف رب العالمين سبحانه وتعالى، فإذا ما سببت الدهر وشتمت الدهر وتنقصت الدهر وتكلمت بالدهر فإنما تتكلم في ربك سبحانه وتعالى وهذا أذية لله عز وجل، يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر" أي أنا الذي أتصرف في الدهر، وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار، أي أن الله عز وجل هو المتصرف في الدهر، هو المقلب لليل والنهار، الأيام والليالي ليس فيها خير من جهة نفسها، ولا شر من جهة نفسها، ولا تصرف من جهة نفسها، الأمر لله عز وجل، وفي هذا المقام ننبه في هذا الشهر في شهر صفر أن هنالك من الناس من يتشاءم في شهر صفر، ومن يتشائم في هذا الشهر، ويتكلم عليه بما لا يليق، والشهر من الدهر ومن أيام الله عز وجل، شهر صفر كشهر محرم، وكشهر ربيع، وكشهر جماد، وكشهر شعبان، ورمضان، وشوال، وذي القعدة، والحجة، أشهر ليس بيدها خير ولا شر، الأمر لله سبحانه وتعالى،  التشاؤم في هذا الشهر من أمور الجاهلية، في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه،قال عليه الصلاة والسلام:"ولا صفَرَ"
قال بعض العلماء في أحد أقوال العلماء في تفسير قوله عليه الصلاة والسلام ولا صفر أي ليس فيه شؤم وشر، الشؤم والشر في أفعال العباد ما هي بالسنين  ولا بالأيام يرجع الإنسان إلى نفسه بالعيب، فإن العيب يأتي من جهة نفسه، أما الأيام والليالي لا تتصرف في خير ولا شر، وإنما الأمر بيد الله سبحانه وتعالى،  فلا يتشاءم الإنسان من شهر صفر، وكان الناس في الجاهلية أيضاً يتشائمون من شهر شوال في النكاح وغيره، وقالت عائشة رضي الله عنها كما في صحيح الإمام مسلم:"تزوّجَني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في شوالَ ، وبَنَى بي في شوالَ . وكانت عائشةُ تستَحِبّ أن يُبْنَى بنسائِها في شوالَ.
أي دخل علي في شوال فأي نساء رسول الله عليه الصلاة والسلام كن احظ عنده مني، أي ما نالت شرا، تزوجها النبي عليه الصلاة والسلام في شوال وبنى بها في شوال وكانت أحب النساء إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فما نالت من هذا الزواج في شهر شوال شرا، ما نالت شرا، وكان الناس في الجاهلية يتشائمون بشهر شوال،ومن الناس من يتشاءم في يوم الأربعاء وكل ذلك من الخطإ، الأيام يتصرف فيها رب العالمين سبحانه وتعالى، ليست متصرفة بنفسها، ولا تملك الخير ولا الشر، الأمر لله سبحانه وتعالى من قبل ومن بعد، يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار.
اسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها، اللهم اهدنا الصراط المستقيم واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين،  ربنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم الطف بالبلاد والعباد اللهم أمنا في أوطاننا، اللهم من أراد بلادنا سوء ومكرا وكيدا فاجعل كيده في نحره واجعل تدميره في تدميره واكفي المسلمين شره إنك على كل شيء قدير، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار،  والحمد لله رب العالمين.



جميع الحقوق محفوظة لـ الموقع الرسمي للشيخ أبي بكر الحمادي