الرئيسية / الخطب والمحاضرات/ الخطب /تزيين الأرائك في أسباب ذكر الله وثنائه لعبده عند الملائكة
تزيين الأرائك في أسباب ذكر الله وثنائه لعبده عند الملائكة 2023-01-01 15:47:37


*خطبة جمعة بعنوان:(تزيين الأرائك في أسباب ذكر الله وثنائه لعبده عند الملائكة)*
 
*لشيخنا المبارك:أبي بكر بن عبده بن عبدالله الحمادي حفظه الله*
 
*سجلت بتأريخ ١٤/ ربيع الأول/١٤٤٣هجرية*
*مسجد المغيرة بن شعبة مدينة القاعدة محافظة إب حرسها الله وسائر بلاد المسلمين*
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد:فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
 
روى الترمذي(3267) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا رسولَ اللَّهِ إنَّ حمدي زينٌ وإنَّ ذمِّي شينٌ، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: ذاكَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ.
وجاء بنحوه في المسند في مسند الإمام أحمد(15991)
عن الأقرع بن حابس أنه قال ذلك لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: ذلك الله عز وجل.
فالله سبحانه وتعالى إذا حمد العبد نال الخير، ونال الرفعة، إذا حمد العبد زينه، وإذا ذم العبد أصابه العيب والنقص، ذلك الله عز وجل، أما البشر فإن حمدوا شخصا وهم مذموم عند رب العالمين سبحانه وتعالى فحمدهم لا ينفع، وإن ذموا شخصا وهو محمود عند رب العالمين سبحانه وتعالى فإن ذمهم لا يضر، الضر والنفع بيد الله عز وجل، الرفعة بيد الله وتعالى، فالله عز وجل هو مالك الملك، بيده الخير سبحانه وتعالى، فمن أثنى عليه رب العالمين سبحانه وتعالى فهو الرفيع، ومن ذمه رب العالمين سبحانه وتعالى هو الوضيع، فعلى العبد أن يسعى في أن يحمده ربه سبحانه وتعالى، وأن يثني عليه رب العالمين سبحانه وتعالى، ولا يطلب محامد الخلق، ولا يطلب الثناء من الخلق، فإن ذلك يضره في إخلاصه لربه سبحانه وتعالى ولا ينفعه، بل يتضرر من ذلك غاية الضرر، فليحرص العبد على أن يكون الثناء له من رب العالمين سبحانه وتعالى، وأن لا يذمه ربه سبحانه وتعالى، وليلتمس العبد أسباب الثناء والذكر الجميل عند رب العالمين سبحانه، وإنما ينال العبد الرفعة وينال الثناء الجميل بطاعته بربه سبحانه وتعالى، واستقامته على دين رب العالمين، وبإبتعاده عن مساخط ربه عز وجل، فالله سبحانه وتعالى يثني على من اقترب منه في الملأ الأعلى،  في ملأ الملائكة الكرام عليهم الصلاة والسلام، ويباهي بمن يشاء من عباده الطائعين عند ملائكته الكرام، فمن هذا القبيل مباهاة رب العالمين سبحانه وتعالى لمن أدى مناسك الحج، ووقف في يوم عرفة، في ذلك الركن العظيم، وفي ذلك المشهد العظيم، وكان مخلصا لرب العالمين سبحانه وتعالى، جاء في مسلم(1348) من حديث عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ما من يومٍ أكثرُ من أن يعتِقَ اللهُ فيه عبيدًا من النَّارِ من يومِ عرفةَ ، وأنه لَيدنو ، ثم يباهي بهم الملائكةَ فيقول : ما أراد هؤلاءِ ؟ اشهَدوا ملائكتي أني قد غفرتُ لهم.
 
 
فيقول ماذا أراد هؤلاء وهو أعلم سبحانه وتعالى بمراد عباده، الذين قطعوا المسافات البعيدة، وأنفقوا الأموال الكثيرة، وتحملوا المشاق، وتحملوا أنواع المصاعب والشدائد من أجل رب العالمين سبحانه وتعالى، هؤلاء قوم يدنو منهم ربهم سبحانه وتعالى، ويباهي بهم الملائكة، ومن هذا القبيل من جلس في مجالس العلم والذكر، فإن الله سبحانه وتعالى يذكره بالخير، ويثني عليه ربه سبحانه وتعالى في أوساط الملائكة الكرام، فهذا هو الشرف، وهذه هي الرفعة، وهذه هي المكانة الرفيعة العالية، جاء في صحيح الإمام مسلم(2701)،أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه:"خَرَجَ مُعَاوِيَةُ علَى حَلْقَةٍ في المَسْجِدِ، فَقالَ: ما أَجْلَسَكُمْ؟ قالوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ، قالَ آللَّهِ ما أَجْلَسَكُمْ إلَّا ذَاكَ؟ قالوا: وَاللَّهِ ما أَجْلَسَنَا إلَّا ذَاكَ، قالَ: أَما إنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَما كانَ أَحَدٌ بمَنْزِلَتي مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَقَلَّ عنْه حَدِيثًا مِنِّي، وإنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ خَرَجَ علَى حَلْقَةٍ مِن أَصْحَابِهِ، فَقالَ: ما أَجْلَسَكُمْ؟ قالوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ علَى ما هَدَانَا لِلإِسْلَامِ، وَمَنَّ به عَلَيْنَا، قالَ: آللَّهِ ما أَجْلَسَكُمْ إلَّا ذَاكَ؟ قالوا: وَاللَّهِ ما أَجْلَسَنَا إلَّا ذَاكَ، قالَ: أَما إنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فأخْبَرَنِي، أنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بكُمُ المَلَائِكَةَ.
يباهي الله سبحانه وتعالى ملائكته الكرام بمن جلس في بيت من بيوت الله، يذكر ربه سبحانه وتعالى، ويحمد ربه سبحانه وتعالى على ما منّ عليه من الخير، على ما منّ عليه من الإسلام، على ما هداه ربه سبحانه وتعالى للإسلام، إذا قعد العبد في بيت من بيوت الله يتلو آيات من كلام الله عز وجل، ويذكر ربه سبحانه وتعالى، أو يستمع إلى الخير، يستمع إلى ذكر الله، يستمع للعلم النافع، يستمع للموعظة الحسنة، فإن الله سبحانه وتعالى يذكر هؤلاء بالذكر الحسن، ويباهي رب العالمين سبحانه وتعالى بهم الملائكة، كما في هذا الحديث، وجاء في مسلم(2699)من حديث أبي سعيد، وأبي هريرة رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ما اجتمَعَ قومٌ في بيتٍ من بيوتِ اللَّهِ يتلونَ كتابَ اللَّهِ ، ويتدارسونَهُ فيما بينَهم إلَّا نزلَت عليهِم السَّكينةُ ، وغشِيَتهُمُ الرَّحمةُ ، وحفَّتهُمُ الملائكَةُ ، وذكرَهُمُ اللَّهُ فيمَن عندَهُ، تجلس يا عبد الله في بيت من بيوت الله تتلو كتاب الله سبحانه وتعالى وتذكر ربك سبحانه وتعالى فإذا بالسكينة من رب العالمين سبحانه وتعالى تنزل على قلبه، فتشعر بالطمأنينة، وتشعر بالراحة النفسية، إن فعلت ذلك، وإذا برحمة الله عز وجل تغشاك، تغشاك من كل جهة، تغشاك من فوقك، وعن يمينك، وعن يسارك، ومن أمامك، ومن خلفك، ومن جميع جهاتك، فإن النبي عليه الصلاة والسلام ذكر الغشي فقال عليه الصلاة والسلام وغشيتهم الرحمة،  أحاطت بهم الرحمة من جميع جهاتهم، ومن أحاطت به رحمة رب العالمين سبحانه وتعالى فهو المفلح السعيد في الدنيا وفي الآخرة، والملائكة تحف الجالسين في بيوت الله عز وجل، تحيط بهم فرحا وسرورا بهم، وبما يقومون به، فتحفهم الملائكة، وتحيط بهم ملائكة الرحمن سبحانه وتعالى، ويذكرهم رب العالمين سبحانه
 وتعالى في الملأ الأعلى، وكفى بهذا شرفا وفخرا أن يذكرك رب العالمين سبحانه وتعالى باسمك، فيسميك ربك سبحانه وتعالى في الملأ الأعلى عند الملائكة الكرام، ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده، أين تجد هذه المكارم في غير بيوت الله عز وجل، وفي غير هذه المجالس المباركة مجالس العلم، مجالس الذكر، مجالس الوعظ، لا تجد هذه المكارم إلا في هذه المجالس المباركة في بيوت الله سبحانه وتعالى، وفي مسند الإمام أحمد(6946)، وعند ابن ماجة(801)
 من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال:"صلينا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - المغرب فرجع من رجع وعقب من عقب، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسرعًا قد حَفَزه النفس قد حسر عن ركبته، فقال: أبشروا! هذا ربكم قد فتح بابًا من أبواب السماء يباهي بكم، يقول: انظروا إلى عبادي قد صلوا فريضة وهم ينتظرون أخرى.
فما يضرك إن صليت صلاة المغرب ثم مكثت في بيت من بيوت الله عز وجل، إلى أن تأتي صلاة العشاء مكثت منتظرا للفريضة الأخرى، مكثت ذاكرا لرب العالمين سبحانه وتعالى، مكثت تالياً لكتاب الله، أو مستمعا للوعظ،  أو مستمعا للعلم النافع في وقت قصير، فيباهي بك رب العالمين سبحانه وتعالى الملائكة الكرام، ويذكرك رب العالمين سبحانه وتعالى في الملأ الاعلى، الثناء المطلوب هو ثناء رب العالمين سبحانه وتعالى، والحمد النافع هو حمد الله سبحانه وتعالى، ليس بحمد المخلوق ولا بثنائهم، ولا يضرك ذم المخلوقين إن كنت طائعا لرب العالمين، ولا ينقصك لا في الدنيا ولا في الآخرة، ومن هذا القبيل ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
يقولُ اللَّهُ تَعالَى: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ"،البخاري (7405)، ومسلم (2675) باختلاف يسير.
 إن كنت ذاكرا لربك سبحانه وتعالى الله معك، يسددك وينصرك ويحوطك ويحفظك رب العالمين سبحانه وتعالى، فإن كنت ذاكرا لربك سبحانه وتعالى في نفسك ذكرك الله في نفسه، وهذا شرف عظيم، ورفعة كبيرة، وإن كنت ذاكرا لربك سبحانه وتعالى في ملأ من الناس مخلصا لرب العالمين سبحانه وتعالى لم تقل ذلك رياء وسمعة فإن رب العالمين سبحانه وتعالى يذكرك باسمك، ويثني عليك خيرا في الملأ الأعلى، في أوساط الملائكة الكرام، فيا عبد الله اطلب الحمد من ربك، اطلب الثناء الحسن من ربك، بطاعته، والإستقامة على دينه، والمسارعة في مرضاته، ولا تبالي بالناس حمدوك  أو ذموك، إن حمدك الله فلا تبالي بمن ذمك، وإن ذمك الله فإنه لا ينفعك من حمدك من الناس،  فالرفعة هي لله عز وجل، والسقوط بيد الله سبحانه وتعالى، هو مالك الملك، وهو الخالق، وهو على كل شيء قدير، وهو بيده جميع الأمور، فالأمر له وحده لا شريك له، هذا واستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.
 
*الخطبة الثانية:*
 الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا لا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ(156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) البقرة: 155 – 157]
يقول سبحانه وتعالى:{ولنبلونكم} وكد الله سبحانه وتعالى الإبتلاء بثلاث مؤكدات، بالقسم، واللام،  والنون، فهذا أمر مؤكد لا محالة له، لابد أن تبتلى يا عبد الله، ولا مفر من ابتلاء رب العالمين سبحانه وتعالى لك، ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والأنفس والثمرات، بشيء من الخوف والجوع، ما هو بجميع الخوف، ولو ابتلانا الله عز وجل بجميع الخوف لهلكنا، ولا بجميع الجوع ولو ابتلانا رب العالمين بجميع الجوع لهلكناه، ويبتلينا ربنا سبحانه وتعالى بشيء من ذهاب الأنفس،ولا يذهب الله عز وجل جميع الأنفس،
ولو أذهب الأنفس جميعا لزال الخلق، ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، هكذا ينقص الله عز وجل الأموال من باب الإبتلاء، ولا يذهب الله وجل بجميع المال، وينقص الله عز وجل الثمرات من باب الابتلاء، ولا يذهب رب العالمين سبحانه وتعالى بجميع الثمرات، فلا بد أن يبتلى العبد، ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين، وبشر الصابرين لهم البشارة العظمى، البشارة الكبيرة بثواب الله عز وجل، وبفضله، وإحسانه، وكرمه، وجوده، وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة، بين الله عز وجل من هؤلاء الذين لهم البشرى؟ وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، إذا نزلت عليهم المصائب لم يتسخطوا على تلك المصائب النازلة، ولم يظهروا التضجر من تلك المصائب، ولم يعترضوا على رب العالمين سبحانه وتعالى في قضائه وقدره، وإنما قالوا إنا لله، أي نحن مملوكون لرب العالمين سبحانه وتعالى، واللام لام الملك، إنا لله نحن مملوكون لرب العالمين سبحانه وتعالى، ونحن عبيد لله أيضا، نحن مملوكون ونحن عبيد لله عز وجل يتصرف فينا بما يشاء،  نحن ملكه يفعل فينا ما يشاء، يتصرف فينا بما يشاء، قد رضينا بتصرف رب العالمين سبحانه وتعالى فينا، فإن رب العالمين سبحانه وتعالى حكيم، إن تصرف بملكه لا يتصرف بملكه ظلما، فلا يظلم الله سبحانه وتعالى الخلق، إن أخذ الله سبحانه وتعالى شيئا من مالك، أو شيئا من ولدك، أو أصابك الله عز وجل بأنواع الشدائد والمحن فإن ربك لا يظلمك، ربك يكرمك، يريد أن يكفر عنك السيئات، وأن يرفع لك الدرجات، يريد لك الرفعة في الدنيا والآخرة، ورب العالمين لا يظلم العباد، يتصرف فينا بما يشاء، فنحن ملكه، إنا لله، ونحن عبيده، إنا لله وإنا إليه راجعون، ومصيرنا إليه، نحن تاركون للدنيا وما فيها، ومفارقون للدنيا ومافيها، إن فارقت شيئا من مالك فاعلم أنك سوف تفارق الدنيا وما فيها، إن فارقك بعض أصحابك فاعلم أنك سوف تفارق جميع الناس، إن فارقك شيئا من متاع الدنيا فاعلم أنك سوف تفارق الدنيا وما فيها، وأنك راجع إلى ربك سبحانه وتعالى لا محالة، وإذا ما رجعت إلى ربك وقد صبرت على مر القضاء فلك الأجر العظيم من رب العالمين سبحانه وتعالى، وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، قال سعيد بن جبير رحمة الله عليه: كلمة الإستراجع جعله الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة، ومنّ الله سبحانه وتعالى بها على هذه الأمة دون سائر الأمم، ولهذا نبي الله يعقوب عليه الصلاة والسلام حين فقد يوسف قال : يا اسفاه على يوسف، ولم يقل هذه الكلمة لأنه كلمة امتن الله سبحانه وتعالى بها على هذه الأمة دون سائر الأمم، وهي كلمة عظيمة فيها الإعتراف بملك الله عز وجل لك، وبعبوديتك له، وأنك راجع إليه ومصيرك إليه وحده لا شريك له، إنا لله وإنا إليه راجعون، فإذا ما قال العبد هذه الكلمة نال الخيرات، ونال البشرى من رب العالمين سبحانه وتعالى، أولئك عليهم صلوات من ربهم، وهو الثناء الحسن، وهو شاهدنا من كلام الله عز وجل، يثني الله عز وجل عليك الثناء الحسن إن صبرت على مر القضاء، وقلت عند نزول المصائب إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم، يصلي عليك ربك، أي يثني عليك ربك الثناء الحسن في الملأ الأعلى، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة، وإذا ما صلى عليك ربك فأنت قريب منه، فتنال القرب من ربك بصلاة ربك عليك، تنجو من عذاب الله عز وجل ومن سخطه ومن ألم عقابه برحمة الله عليك، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون، ينجيك الله سبحانه وتعالى من الضلال والغي، يضل من يضل من الخلق وأنت بهداية، فكم لك من المكرومات، تخرج من ربك بصلاته عليك، فتكن قريبا من مولاك وحده لا شريك له، تنجو من سخط الله ومن عذابه ومن نقمته  برحمة الله لك، تنجو من الضلال والغي، بهداية الله لك، كل هذا إذا ما استرجعت وصبرت على مر القضاء، فكم ينال العبد من الخيرات، في صحيح مسلم(918) من حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"مِن مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فيَقولُ ما أمَرَهُ اللَّهُ: {إنَّا لِلَّهِ وإنَّا إلَيْهِ راجِعُونَ}،[البقرة:156] اللَّهُمَّ أْجُرْنِي في مُصِيبَتِي، وأَخْلِفْ لي خَيْرًا مِنْها، إلَّا أخْلَفَ اللَّهُ له خَيْرًا مِنْها، قالَتْ: فَلَمَّا ماتَ أبو سَلَمَةَ، قُلتُ: أيُّ المُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِن أبِي سَلَمَةَ؟ أوَّلُ بَيْتٍ هاجَرَ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ إنِّي قُلتُها، فأخْلَفَ اللَّهُ لي رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قالَتْ: أرْسَلَ إلَيَّ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ حاطِبَ بنَ أبِي بَلْتَعَةَ يَخْطُبُنِي له، فَقُلتُ: إنَّ لي بنْتًا وأنا غَيُورٌ، فقالَ: أمَّا ابْنَتُها فَنَدْعُو اللَّهَ أنْ يُغْنِيَها عَنْها، وأَدْعُو اللَّهَ أنْ يَذْهَبَ بالغَيْرَةِ.
وأخلفه خيرا منها: يبدلك الله سبحانه وتعالى بأعظم مما فاتك من أنواع الخيرات والمكرومات، فطلب الثناء والحمد من ربك ولا تبال بالخلق مدوحك أو ذومك إن كنت ممدوحا عند رب العالمين سبحانه وتعالى، اسأل الله سبحانه و تعالى أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين، وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها، اللهم اهدنا إلى الصراط المستقيم، واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والأخرة، ربنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.



جميع الحقوق محفوظة لـ الموقع الرسمي للشيخ أبي بكر الحمادي