حث الساجد على أداء الصلاة في المساجد
2023-01-01 15:51:26
*خطبة جمعة بعنوان:(حث الساجد على أداء
الصلاة في المساجد)*
*لشيخنا المبارك: أبي بكر بن عبده بن
عبدالله الحمادي حفظه الله*
*سجلت بتأريخ ٢٥/جماد ثاني/١٤٤٣هجرية*
*مسجد هائل مقبل
مدينة القاعدة محافظة إب حرسها الله وسائر بلاد المسلمين*
إن الحمد لله،
نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده
الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}
[آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا
النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ
مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ
اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ
رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد:فإن خير
الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور
محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
روى الإمام مسلم
في صحيحه(654)، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:"مَن سَرَّهُ أَنْ
يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ علَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ
حَيْثُ يُنَادَى بهِنَّ، فإنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عليه
وسلَّمَ سُنَنَ الهُدَى، وإنَّهُنَّ مَن سُنَنَ الهُدَى، ولو أنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ
في بُيُوتِكُمْ كما يُصَلِّي هذا المُتَخَلِّفُ في بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ
نَبِيِّكُمْ، ولو تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَما مِن رَجُلٍ
يَتَطَهَّرُ فيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إلى مَسْجِدٍ مِن هذِه
المَسَاجِدِ، إلَّا كَتَبَ اللَّهُ له بكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً،
وَيَرْفَعُهُ بهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عنْه بهَا سَيِّئَةً، وَلقَدْ رَأَيْتُنَا
وَما يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلقَدْ كانَ
الرَّجُلُ يُؤْتَى به يُهَادَى بيْنَ الرَّجُلَيْنِ حتَّى يُقَامَ في الصَّفِّ.
هكذا يقول عبد
الله بن مسعود رضي الله عنه، مبينا عظم أداء الصلوات في بيوت الله عز وجل، وأن
أداء الصلوات في بيوت الله سبحانه وتعالى من سنن الهدى، من سره أن يلقى ربه غدا
مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، وكلنا يريد ذلك، كلنا يريد أن
يلقى ربه سبحانه وتعالى غدا وهو على الإسلام، فمن سره أن يلقى ربه سبحانه وتعالى
على الإسلام فعليه أن يحافظ على أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهو ركن
الصلاة، يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ
وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)}[سورة البقرة:].
ويقول النبي عليه
الصلاة والسلام:"بينَ الرجلِ وبينَ الشركِ والكفرِ تركُ الصلاةِ"؛أخرجه
مسلم (82) عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه.
وقال عليه الصلاة
والسلام:"العهدُ الذي بينَنا وبينَهم الصلاةُ، فمَن تركَها فقد
كفرَ"؛أخرجه الترمذي (2621)، والنسائي (463)، وابن ماجه (1079)، وأحمد
(22987)عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه.
فبين نبينا عليه
الصلاة والسلام عظم هذه الصلاة، وأنها الأمر الفاصل بين أهل الاسلام، وبين أهل
الشرك والعياذ بالله، وهذه الصلوات أمر الله سبحانه وتعالى بالمحافظة عليها في
بيوت الله عز وجل، من سره أن يلقى ربه غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث
ينادى بهن، والنداء يكون في بيوت الله عز وجل، والمنادي ينادي الناس بحي على
الصلاة، حي على الفلاح، أي هلموا إلى الصلاة، هلموا إلى ما فيه الفلاح لكم في
الدنيا وفي الآخرة، فهو ينادي الناس أن يأتوا إلى بيوت الله عز وجل، وأن يقبلوا
إلى هذه المساجد، التي ما بنيت إلا من أجل
اداء الصلوات، أو أعظم الأسباب في بنائها إقامة الصلاة، ولهذا سميت مساجد، مأخوذ
من السجود لرب العالمين سبحانه وتعالى، فهي أماكن السجود لرب العالمين سبحانه
وتعالى، من سره أن يلقى ربه غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن،
لا تصلي في بيتك، ولا تصلي في متجرك، ولا تصلي في أي موطن، حافظ على هذه الصلوات حيث ينادى بهن، إن كنت
تسر وتحب أن تلقى ربك غدا مسلما فحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، أي في
بيوت الله عز وجل، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، أي من طرق
الهدى، فمن حافظ على هذه الصلوات فقد سلك سبيل الهدى، سلك سبيل الرشاد، سلك سبيل
الخير، سلك سبيل العافية، فإنهن من سنن الهدى، ولو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا
المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، هكذا يقول رضي
الله عنه، لو صليتم في بيوتكم، أي حافظتم على الصلوات الخمس في بيوتكم، ولم تؤدوا
الصلوات الخمس في المساجد، في هذه البيوت التي أمر الله سبحانه وتعالى بإقامة
الصلاة فيها، إذا صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته قال: لتركتم سنة نبيكم
ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، فالهداية والخير في إتباع سنة رسول الله عليه الصلاة
والسلام، وسنة رسول الله هي طريقته وهديه، ويدخل في ذلك الواجبات، بل وأعظم
الواجبات داخلة في سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، أي في هديه في طريقته، ولو
تركتم سنة نبيكم لضللتم، ثم بين رضي الله عنه ما للعبد المسلم المحافظ على الصلوات
في بيوت الله عز وجل من الأجورةالعظيمة، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور، يتوضأ
وضوءا صحيحا، لا يخل بوضوءه، بل يتوضأ الوضوء الشرعي الذي أمر الله به، وضوءا
سابغا ليس فيه تقصير، ليس فيه نقص، فأحسن الطهور قال: إلا كتب الله له بكل خطوة
يخطوها حسنة، بكل خطوة يخطوها حسنة، كم لك من الحسنات، إذا ما تطهرت في بيتك ثم
اتجهت إلى بيت من بيوت الله من أجل أن تؤدي فريضة الله عز وجل، في كل خطوة تخطوها
حسنة، قال : ويحط عنه بها خطيئة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه سيئة، كم لك من
الفضائل والمكرمات من رب العالمين سبحانه وتعالى، في كل خطوة تخطوها إلى بيت الله
عز وجل من أجل أن تؤدي فريضة الله عز وجل في كل خطوة حسنة، وليس الأمر مقتصر على
ذلك، بل ويحط الله سبحانه وتعالى عنك بكل خطوة سيئة، وليس الأمر مقتصر على ذلك، بل
ويرفعك الله سبحانه وتعالى بكل خطوة درجة، ترتفع درجات عالية في جنات الله عز وجل،
فكم لك من المكارم، كم لك من الحسنات، وكم لك من الرفعة، وكم لك من حط السيئات، إن
حافظت على الصلوات في بيوت الله عز وجل حيث ينادى بهن، ثم قال رضي الله عنه: ولقد
رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، أي لا يتخلف عن الصلوات الخمس في
بيوت الله عز وجل إلا من كان منافقا معلوم النفاق، هكذا كان الحال في عهد رسول
الله عليه الصلاة والسلام، إذا رأوا الرجل يتخلف عن الصلوات الخمس في بيوت الله
علموا أنه من المنافقين، وهذه علامة ظاهرة بينة عندهم أنه منافق قد علم نفاقه وظهر
وبان واستبان، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان يؤتى
بالرجل يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف، فهكذا كان عندهم الحرص البالغ رضي
الله عنهم في أداء الصلوات في بيوت الله، حتى أن الرجل المعذور بالمرض لا تطيب نفسه
أن يصلي في البيت ويترك المسجد، ويذهب إلى المسجد وهو يهادى بين الرجلين، يمشي وهو
مستند على رجلين في شدة المرض والتعب، فيأتي إلى المسجد وهو في هذه الحالة لا
يستطيع أن يستقل بالمشي بنفسه، بل يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف، فهكذا من
كان مريضا منهم كان حريصا على أداء الصلاة في بيوت الله عز وجل، فكيف بمن كان صحيح
البدن، فهو أحرص وأحرص على أداء الصلوات في بيوت الله سبحانه وتعالى، ولقد رأيتنا
وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان يؤتى بالرجل يهادى بين الرجلين
حتى يقام في الصف، هكذا كان أولئك القوم عندهم هذا الحصر العظيم على أداء الفرائض
في بيوت الله عز وجل، فرفعهم الله سبحانه وتعالى وأعلى شأنهم بسبب تمسكهم بسنن
الهدى التي كان عليها رسول الله الصلاة والسلام،
هذا واستغفر الله
إنه هو الغفور الرحيم.
*الخطبة الثانية*
الحمد لله، نحمده
تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده
الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له، وأشهد أن محمدا عبد ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد: معاشر المسلمين اعلموا أن ربكم سبحانه
وتعالى أمر بالمحافظة على الصلوات في بيوت الله عز وجل، حيث ينادى بهن، فقال
سبحانه وتعالى :{وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)}[سورة البقرة:43]
أي صلوا مع
المصلين في بيوت الله عز وجل.
وقال سبحانه
وتعالى في كتابه الكريم:{وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}[سورة
الأعراف:29].
ويقول سبحانه
وتعالى:{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ
عَلَىٰ أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ ۚ أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي
النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17)إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ
يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ
(18)
}[سورة التوبة:17،18]
وعمارة المساجد أي
إحياؤها بعبادة الله عز وجل، فالمشركون لا يعمرون مساجد الله عز وجل، أي لا يحيون
بيوت الله بالعبادة لأنهم قد شهدوا على أنفسهم بالكفر، وإنما الذي يعمر مساجد الله
بالصلوات والعبادات من آمن بالله، من كان في قلبه الإيمان برب العالمين سبحانه
وتعالى، فإيمانه يدعوه إلى أن يحيي بيوت الله عز وجل، بالصلوات، وبالعبادات، ويقول
سبحانه في كتابه الكريم:{يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ
فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42)خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۖ وَقَدْ
كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43)}[سورة القلم:42،43].
قال بعض الصحابة
رضي الله عنهم: أي كانوا يدعون في الدنيا إلى السجود في بيوت الله عز وجل وهم
سالمون، ليس بهم مرض، فكانوا يتكبرون على ربهم سبحانه وتعالى، فيوم القيامة لا
يمكنون من السجود لله عز وجل، لأنهم كانوا في الدنيا يدعون أي بالنداء، ينادي
المنادي ويقول لهم حي على الصلاة حي على الفلاح، أي اقبلوا إلى بيوت الله، وأدوا
فريضة الله عز وجل في بيوته، وهؤلاء كانوا يتكبرون على ربهم سبحانه وتعالى، وقد
كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون، أي بالنداء والأذان إلى بيوت الله عز وجل،
يدعون إلى بيوت الله وهم سالمون، وكانوا يتكبرون عن عبادة الله عز وجل، فعاقبهم
الله سبحانه وتعالى تلك العقوبة، فالصلوات افترضها الله عز وجل في بيوته، وهذا أدب
مع الله عز وجل، كيف تترك بيوت الله عز وجل؟ وأحب البلاد إلى الله عز وجل، وتصلي في بيتك، تصلي المكتوبة في بيتك وتترك
بيوت الله عز وجل، أين الأدب مع رب العالمين سبحانه وتعالى؟ أين التعظيم لشعائر
الله عز وجل؟ في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله، عن رسول
الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:"وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لقَدْ
هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ يُحْتَطَبُ، ثُمَّ آمُرَ بالصَّلَاةِ فيُؤَذَّنَ
لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إلى
رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عليهم بُيُوتَهُمْ"؛ البخاري(7224)
ومسلم(651)
هم رسول الله عليه
الصلاة والسلام أن يحرق بيوت المتخلفين الذين لا يؤدون الصلاة في مسجده، لا يؤدون
الصلاة جماعة مع المسلمين في بيوت الله عز وجل، هم النبي عليه الصلاة والسلام أن
يحرق عليهم بيوتهم، وهذا يدل على أنهم وقعوا في منكر عظيم، ووقعوا في ذنب كبير،
حيث أنهم لم يحافظوا على فريضة الله عز وجل، في بيوت الله كما أمر الله سبحانه
وتعالى، في مسلم(653) من الحديث أبي هريرة رضي الله عنه،
قالَ: أَتَى
النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ،
إنَّه ليسَ لي قَائِدٌ يَقُودُنِي إلى المَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسولَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ له، فيُصَلِّيَ في بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ له،
فَلَمَّا وَلَّى، دَعَاهُ، فَقالَ: هلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بالصَّلَاةِ؟ قالَ:
نَعَمْ، قالَ: فأجِبْ.
وهو رجل أعمى،
وليس معه قائد يقوده إلى المسجد، ومع هذا لم يرخص له رسول الله عليه الصلاة
والسلام أن يصلي في بيته، وأمره أن يجيب داعي الله عز وجل، يجيب المنادي الذي
ينادي الناس أن يصلوا في بيوت الله عز وجل، هل تسمع النداء للصلاة؟ قال نعم، قال:
فأجب، فكيف يتخلف من هو من المبصرين، ومن الأصحاء، يصلي في بيته ويترك بيوت الله
عز وجل، المتاجر مفتوحة، والمنادي ينادي حي على الصلاة حي على الفلاح، ولسان حالهم
بخلاف نداء المنادي حي على الدنيا، حيا على البيع والشراء، والمنادي يدعوهم إلى ما
فيه الخير، أتظن يا عبد الله أنك إذا غلقت متجرك وذهبت إلى بيت من بيوت الله،
وأديت فريضة الله أن رزقك لا يأتيك؟ لقد ظننت ظن السوء بربك سبحانه وتعالى، فإن
الذي خلقك هو الله، والذي يرزقك هو الله، لا تملك لنفسك حولا ولا قوة، الله هو
المتصرف بحياتك وموتك، وهو المتصرف برزقك، لو لم يأذن الله عز وجل لك بشيء من
الرزق لن تستطيع أن تكسب فلسا واحدا،
فرزقك بيد الله عز وجل، القائل:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا
لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن
يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ
الْمَتِينُ (58)}[سورة الذاريات:56،58].
وقال
الله:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ
رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ (132)}[سورة طه:132].
إذا اتقيت ربك
سبحانه وتعالى، وحافظت على فرائض الله في بيوت الله، لا تظن أن الله يضيع شيء من
رزقك، رزقك محفوظ، لن تموت حتى تستوفي جميع الرزاق، ولن يفوتك من رزقك من شيء،
فحافظ على فرائض الله عز وجل، وطاعة الله بركة في الأرزاق، وهل تظن أنك إذا أطعت
ربك حرمك الله، وإن عصيته بارك لك في رزقك؟ هذا شأن المشركين الذين يظنون بربهم ظن
السوء، كما قال سبحانه وتعالى:{ وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ
نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ۚ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ
إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ
لَا يَعْلَمُونَ (57)}[سورة القصص:57].
فبين سبحانه
وتعالى أن الأمر بخلاف ذلك، فالمشركون كانوا يقولون : لو دخلنا في الإسلام لأهلكنا
الناس، نحن في أمن من جهة الناس، وكانوا أهل الحرم ، والناس يعظمونهم، ولا يسفكون
دمائهم، ولا يتعرضون لهم، ويقولون هؤلاء أهل الحرم، فجعل الله سبحانه وتعالى لهم
الأمن في حال شركهم، فظنون أنهم لو أسلموا لزال عنهم الأمن، ظنوا ظن السوء بربهم
سبحانه وتعالى، فقال سبحانه وتعالى:{وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ
نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ۚ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ
إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ
لَا يَعْلَمُونَ (57)}
الذي رزقكم وأمنكم
في حال شركركم وكفركم، هو الذي رزقكم ويؤمنكم في حال إسلامكم، وطاعتكم لربكم، {
أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا }.
والله
يقول:{ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ
مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}[سورة
الطلاق،2،3].
فمن اتقى ربه
بطاعته واجتناب معصيته بارك الله له في رزقه، وفرج الله سبحانه وتعالى عنه
الكربات، وأعطاه أنواع الخيرات، وأثابه الثواب العظيم في الدنيا وفي الآخرة، أسأل
الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور
الرحيم، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها،
اللهم اغفر لموتى المسلمين أجمعين وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه، الله فرج
كرب المكروبين، ويسر على المعسرين، واقض الدين عن المدينين، وعاف مبتلى المسلمين،
اللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة، ربنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا وإنه لا
يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، ربنا
آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.