جني الثمار من حديث عمار 2023-01-01 16:26:45
جني الثمار من حديث عمار
للشيخ : أبو بكر الحمادي
١٤٤٣/ شعبان / ٢٣
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا،
ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد:فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه
وآله وسلم،وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
روى الإمام أحمد(18351)،
والنسائي(1305)في سننه عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه كان من دعاء
رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اللهمَّ بعِلْمِكَ الغيبَ وقُدْرَتِكَ عَلَى
الخلَقِ ، أحْيِني ما علِمْتَ الحياةَ خيرًا لِي ، وتَوَفَّنِي إذا عَلِمْتَ
الوفَاةَ خيرًا لي ، اللهمَّ إِنَّي أسألُكَ خشْيَتَكَ في الغيبِ والشهادَةِ ، و
أسأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا والغضَبِ ، وأسألُكَ القصدَ في الفقرِ
والغِنَى ، وأسألُكَ نعيمًا لَا ينفَدُ ، و أسالُكَ قرَّةَ عينٍ لا تنقَطِعُ ،
وأسألُكَ الرِّضَى بعدَ القضاءِ ، وأسألُكَ برْدَ العيشِ بعدَ الموْتِ ، وأسألُكَ
لذَّةَ النظرِ إلى وجهِكَ ، والشوْقَ إلى لقائِكَ في غيرِ ضراءَ مُضِرَّةٍ ، ولا
فتنةٍ مُضِلَّةٍ ، اللهم زيِّنَّا بزينَةِ الإيمانِ ، واجعلنا هُداةً مهتدينَ.
دعوات مباركات كان النبي عليه الصلاة والسلام يدعو بها، وهذا الشأن في
دعاء رسول الله عليه الصلاة والسلام فيه جوامع الكلم، وفيه المعاني الحسنة، وأحسن
الدعاء ما كان يدعو به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان النبي عليه الصلاة
والسلام في هذا الدعاء يتوسل إلى الله عز وجل بعلمه الغيب، وبقدرته على الخلق،
توسل النبي عليه الصلاة والسلام بين يدي دعائه بعلم الله الغيب وبقدرته على الخلق،
فلا يعلم الغيب إلا الله عز وجل، والله سبحانه وتعالى هو الخالق، وهو على كل شيء
قدير، قال الله :{قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ
إِلَّا اللَّهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)}[النمل:65].
توسل النبي عليه الصلاة بهذا ثم سأل ربه سبحانه وتعالى فقال: أحيني ما
علمت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي، فالحياة التي يعيشها
الإنسان في طاعة الله عز وجل هي الحياة المباركة، وأما الحياة في معصية الله عز
وجل فهي شر وشؤم، والله سبحانه وتعالى ما خلقنا في هذه الحياة إلا لعبادته، قال
الله:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)مَا أُرِيدُ
مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57)إِنَّ اللَّهَ هُوَ
الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)}[الذاريات:56،58].
وكون الإنسان يطيل الله سبحانه وتعالى في عمره لعلمه سبحانه وتعالى أن
ذلك خيرا له، فهذا خير أن تعمر في طاعة الله عز وجل، فتزداد خيرا إلى خيرك، وتزداد
إقبالا إلى اقبالك، وتزداد استغفارا وتوبة من ذنوبك ومعاصيك، فمن طال عمره وحسن
عمله فهذا من خير الناس، ومن طال عمره وساء عمله فإنه من شر الناس، جاء عند
الترمذي، وعند غيره، عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه أنه قيل لرسول الله صلى الله
عليه وسلم من خير الناس؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام :"خيرُ الناسِ مَنْ
طالَ عمرُه وحَسُنَ عمَلُه.
وفي حديث أبي بكرة رضي الله عنه،
أنَّ رجلًا قالَ : يا رسولَ اللَّهِ أيُّ النَّاسِ خيرٌ ؟ قالَ : مَن
طالَ عمرُهُ ، وحَسنَ عملُهُ ، قالَ : فأيُّ النَّاسِ شرٌّ ؟ قالَ : مَن طالَ
عمرُهُ وساءَ عملُهُ. رواه الترمذي(2330).
فخير الناس من طال عمره وحسن عمله، فإن العبد يزداد خيرا إلى ما هو
فيه، ويرفع درجات عند ربه سبحانه وتعالى، جاء عند أبي داود(2524)،
وعند غيره، من حديث عبيد بن خالد السلمي رضي الله عنه قال:"آخى
رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ بينَ رجلينِ فقتلَ أحدُهما وماتَ
الآخرُ بعدَهُ بجمعةٍ أو نحوِها فصلَّينا عليْهِ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى
اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ ما قلتُم فقُلنا دعونا لَهُ وقلنا اللَّهمَّ اغفر لَهُ
وألحِقْهُ بصاحبِهِ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ فأينَ
صلاتُهُ بعدَ صلاتِهِ وصومُهُ بعدَ صومِهِ شَكَّ شعبةُ في صومِهِ وعملُهُ بعدَ
عملِهِ إنَّ بينَهما كما بينَ السَّماءِ والأرضِ.
ما السبب في ذلك؟ أنه طال عمر هذه الفترة اليسيرة، بقى بعد صاحبه هذه
الفترة اليسيرة مقدار الجمعة أو نحو ذلك، استغل هذه الفترة اليسيرة من عمره بطاعة
الله عز وجل ما ضيعها، وإنما استغلها بصلاة وصيام وبغير ذلك من الأعمال الصالحة،
فارتفع بذلك العمل اليسير تلك المنزلة الرفيعة، وكان ما بينهما أبعد ما بين السماء
والأرض، كما أخبرنا بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام، فكونك يطيل الله عز وجل لك من
العمر فتزداد خيرا فهذا من نعمة الله سبحانه وتعالى عليك، وأما أن يطيل الله
سبحانه وتعالى بك العمر فتزاد شرا فهذا من عقوبة الله سبحانه، ومن سخطه عليك،
فهناك من طال عمره وحسن عمله، وهنالك من طال عمره وساء عمله، قال الله:{لَا
أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ
اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ
(3) بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ (4) بَلْ
يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5)}[القيامة:1،5]
ليفجر أمامه يزداد في الفجور يوما بعد يوم، يريد هكذا أن يطيل الله
سبحانه وتعالى من عمره لا ليعمل صالحا وإنما ليفجر ليعمل سيئا، ليعصي ربه سبحانه
وتعالى قدما يوما بعد يوم، بل يريد الإنسان ليفجر أمامه، هذا حال الإنسان إلا من
رحم الله عز وجل، إلا من أخلصه الله سبحانه وتعالى واصطفاه ووفقه وهداه، وإلا فإن
هذا هو حال الإنسان كما أخبرنا بذلك ربنا سبحانه وتعالى، بل يريد الإنسان ليفجر
أمامه، فطول العمر مع حسن العمل نعمة من الله عز وجل، فاحرص يا عبد الله على العمل
الصالح ما دمت حيا، اغتنم الفرص ولا سيما الفرص المباركات العظيمات، ونحن قادمون
بمشيئة الله عز وجل على شهر رمضان، شهر رمضان قد اقتربت أيامه، منا من سوف يدركه
ويمن الله سبحانه وتعالى عليه بذلك، ومنا من قد كتبه الله سبحانه وتعالى في
الأموات، فالعلم عند الله عز وجل، فلا يضمن الإنسان ساعة من عمره، الأعمار بيد
الله عز وجل، والذي خلق الموت والحياة هو
رب العالمين سبحانه وتعالى، فإن عمرك الله عز وجل وأطال من عمرك فأدركت شهر رمضان
فاستغل هذا الشهر بمرضاة الله عز وجل، استغل هذا الشهر بطاعة الله عز وجل، فإنه
شهر الغفران، وشهر المسابقة في الأعمال الصالحة، من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر
له ما تقدم من ذنبه، من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه،
كما قال ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام، فمن منّ الله عليه بطول العمر فليكن من
خير الناس، لا يكن من شر الناس، لا تكن من شر الناس إن أطال الله بك العمر، ولو
إلى أيام قلائل، فذلك الرجل أطال الله من عمره هذه الفترة اليسيرة جمعة أي مدة
أسبوع أو قريب من ذلك فازداد صلاة، وازداد صوما، وازداد عملا صالحا، فكان ما بينه
وما بين صاحبه أبعد ما بين السماء والأرض كما أخبرنا بذلك نبينا عليه الصلاة
والسلام، فاحرصوا على الخير، واحرصوا على مواسم الخير، وافرحوا بشهر رمضان فرحا
شرعيا، فرحا بطاعة الله عز وجل، فرحا لمغفرة الله، فرحا بالأعمال الصالحة، فإن
هنالك من يفرح بقدوم شهر رمضان من أجل التوسع في التجارات والبيع والشراء، وهناك
من يفرح به من أجل السمرات في معصية رب الأرض والسماوات، وهنالك من يفرح بشهر
رمضان لغير ذلك من الأسباب الأخرى، فالفرح الشرعي إنما هو الفرح بعبادة الله عز
وجل، برضوانه، بطاعة الله عز وجل، فبذلك فليفرحوا، يفرح العبد الفرح الشرعي الذي
يقربه من ربه سبحانه وتعالى، أسأل الله أن يغفر لنا ذنوبنا، وأن يرحمنا برحمته،
إنه هو الغفور الرحيم.
*الخطبة الثانية:*
الحمد
لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد : فإن من دعاء رسول الله عليه الصلاة والسلام في هذه الكلمات المباركات أن دعا ربه سبحانه وتعالى الخشية " أسألك
خشيتك في الغيب والشهادة" فإن هنالك من يتظاهر بخشية الله عز وجل عند الناس وإذا خلا بنفسه إذا به يجاهر ربه سبحانه وتعالى بأنواع الذنوب والمعاصي، قال الله:{يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ ۚ وَكَانَ
اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108)}[النساء:108]
استحي من ربك سبحانه وتعالى أعظم من استحيائك من الناس، فهذا دليل
خشيتك لربك سبحانه، ودعا النبي عليه الصلاة والسلام ربه كلمة الحق في الغضب
والرضا، فإن هنالك من الناس من إذا غضب تكلم في الباطل، أوقعه غضبه في الباطل، فلا
يتكلم بالحق، وإنما يتكلم بالباطل، وإذا ما رضي تغير حاله، لا يتكلم بالحق في
الحالين، في حال غضبه وفي حال رضاه، بل حال غضبه غير حال رضاه، فكون الإنسان يوفقه
الله عز وجل إلى كلمة الحق في حال الرضا وفي حال الغضب فهذا عبد أكرمه الله سبحانه
وتعالى ووفقه، وسأل النبي عليه الصلاة والسلام ربه القصد في الفقر والغناء، أي في
النفقة وفي الصدقة يكون مقتصدا غير مسرف ولا بخيل، قال الله:{وَالَّذِينَ إِذَا
أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا
(67)}[الفرقان:67]
فإن هنالك من الناس من إذا أغناه الله ربما توسع في النفقة والعطاء،
واذا ما افتقر إذا به يترك الصدقة بالكلية، فكون العبد متوسطا في حاليه في حال
غناه وفي حال فقره فهذه منة من الله عز وجل، :{وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ
يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا (67)}[الفرقان:67]
وسأل النبي عليه الصلاة والسلام ربه نعيما لا ينفذ أي لا ينقطع وهو
نعيم الجنة، قال الله :{مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ ۗ
وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
(96)}[النحل:96]
وسأل النبي عليه الصلاة والسلام ربه قرة عين لا تنقطع وهو سرور القلب،
فسأل ربه نعيم البدن الدائم، وسرور القلب الدائم، وإذا أنعم الله سبحانه وتعالى
على العبد بهاذين النعيمين فقد كمل في حقه النعيم، وإنما يكمل ذلك في جنات النعيم،
أسألك نعيما لا ينفد واسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضا بعد القضاء، فإن هنالك
من الناس إذا قبل أن تنزل به المصائب ربما يتظاهر بالرضا وأنه إذا حل به حل فسوف
يرضى، فليس هذا برضا وإنما هو عزم على الرضا، وإنما الرضا يكون بعد حلول المصيبة،
الإنسان قبل أن تحل به المصيبة ربما يحدث نفسه بالرضا، فإذا ما نزلت به المصيبة
إذا به يسخط وتنعكس به الأمور ولا يتحمل تلك المصائب، فسأل النبي عليه الصلاة
والسلام ربه الرضا بعد القضاء، فهذا هو موطن الرضا، أن يكون بعد القضاء، وسأل
النبي عليه الصلاة والسلام ربه برد العيش بعد الموت، وذلك أن العيش في الدنيا لا
برد فيه، العيش في الدنيا مليء بالنغائص والمحن، مليء بالشدائد والفتن، فبرد العيش
إنما يكون بعد الموت لمن كان من الصالحين، لمن كان من أهل الإيمان، وإلا فإن هنالك
من لا يبرد عيشه لا في دنياه ولا في أخراه، وهو من كان معرضا عن ربه سبحانه
وتعالى، واسألك برد العيش بعد الموت، واسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى
لقائك، لذة النظر إلى وجهك وهي أعظم نعيم الجنة، والشوق إلى لقائك هذا في الدنيا،
الشوق في الدنيا وهو أعظم نعيم الدنيا، أعظم نعيم الدنيا أن يكون العبد في شوق إلى
لقاء ربه سبحانه وتعالى، فينشرح صدره، ويقبل إلى ربه بالأعمال الصالحة، ويسارع في الخيرات، فإن الشوق يحدو العبد إلى
مرضاة الله عز وجل، وإلى العمل الصالح،
وإلى المسارع في مرضاة الله، وهذه العيشة الطيبة فلنحيينه حياة طيبة، فأعظم
نعيم أهل الدنيا الشوق إلى لقاء الله عز وجل، وأعظم
نعيم أهل الجنة النظر إلى وجه الله عز وجل، واسألك النظر إلى وجهك
والشوق الى القائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مظلة، سأل ربه ذلك، وسأل ربه أن يكون
ذلك من غير أن يتضرر في دنياه، ولا يفتن في دينه، من غير ضراء مضرة فيما يتعلق
بالدنيا، ولا فتنة مظلة، دعا ربه أن
يمنحه هذا النعيم من غير فتنة ولو محنة، غير محنة في الدنيا ولا فتنة
في الدين، يعافيه الله وجل في دينه ودنياه، ومن عافاه الله سبحانه وتعالى في الدين
والدنيا فذلك المفلح، وذلك الفائز السعيد، قال :اللهم زينا بزينة الإيمان فإنها
زينة الحقيقية، وأما زينة البدن فإنها لا تبقى، ولا تنفع، وإنما الزينة الحقيقية
التي ينتفع الإنسان بها زينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين الهداية العلم والعمل
به، ومن وفق للعلم النافع والعمل الصالح فهو المهتدي، واجعلنا هداة مهتدين أي نهدي
غيرنا، وندل غيرنا إلى الخير، وهذا كمال الخلق، كمال الإنسان أن يكون مهتديا في
نفسه، وأن يكون هاديا لغيره، أن يكون مهتديا في نفسه، وأن يهدي غيره، وأن يدعو
غيره إلى الخير، كما كان الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وهكذا من كان من
أتباعهم صادقا، من كان كذلك ومن منّ الله عليه بذلك فقد كمل خيره، كمل خيره أن
يكون هاديا في نفسه بالعلم النافع والعمل الصالح، وداعيا لغيره إلى الخير، اسأل
الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا، وأن يرحمنا برحمته، اللهم اغفر لنا ذنوبنا
أجمعين، اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم اغفر لنا وارحمنا
واهدنا واهدي بنا، اللهم أمنا في أوطاننا، اللهم من أراد ببلادنا سوءا ومكرا فاجعل
مكره في نحره واكف المسلمين شره إنك على كل شيء قدير، اللهم ربنا إننا ظلمنا
أنفسنا ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا
إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم يسر على المعسرين، واقضي الدين عن المدينين، وعاف
موتى المسلمين، واشف مرضاهم، وارحم موتاهم، إنك أنت الغفور الرحيم، ربنا آتنا في
الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.