الرئيسية / الخطب والمحاضرات/ الخطب /روائع الجُمل في شرح حديث معاذ بن جبل
روائع الجُمل في شرح حديث معاذ بن جبل 2023-01-02 01:59:51


*خطبة جمعة بعنوان:(روائع الجُمل في شرح حديث معاذ بن جبل)*
 
*لشيخنا المبارك: أبي بكر بن عبده بن عبدالله الحمادي حفظه الله*
 
*سجلت بتأريخ ٢٣/ ربيع الأول/١٤٤٣ هجرية*
 
*مسجد المغيرة بن شعبة مدينة القاعدة محافظة إب حرسها الله وسائر بلاد المسلمين*
 
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد:فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
 
روى الترمذي في جامعه، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال:"قلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار؟ قال: لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه.
يسأل رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر عظيم وهو دخول الجنة، وهذا الأمر العظيم يسير على من يسره الله سبحانه وتعالى عليه، فالتيسير من الله سبحانه وتعالى، قال الله :{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ (7) وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ (9)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ (10)}[ الليل :10،5].
فطريق الجنة ميسر على من يسره الله سبحانه وتعالى له، وطريق النار ميسر على من يسره الله سبحانه وتعالى لهم، فمن أعطى واتقى وصدق بالحسنى فهذا العبد الذي سوف ييسره ربه سبحانه وتعالى لليسرى، فالأمر لله عز وجل، التيسير من الله سبحانه وتعالى، والواجب على العبد أن يقبل على الخير، وأن يدعو ربه سبحانه وتعالى بالتيسير.
اعملوا فكل ميسر لما خلق له، فمن كان من أهل السعادة يسر لعمل أهل  السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة يسر لعمل أهل الشقاوة، كما قال ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام في الصحيحين من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فالتيسير من الله عز وجل، فيطلب العبد التيسير من الله سبحانه وتعالى، رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري، هكذا ذكر ربنا سبحانه وتعالى عن كليمه موسى عليه الصلاة والسلام أنه دعا ربه بذلك" ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري" فمن شرح الله سبحانه وتعالى صدره للخير ويسر له فعل الخير فذلك العبد المفلح في الدنيا والأخرة،  ومن ضيق عليه صدره من فعل الخير ولم يسر له ذلك فلن يستطيع أن يفعل شيئا من الخير، ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يقول واهدني ويسر هدي إلي، كما جاء في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، واهدني ويسر هدي إلي يدعو ربه سبحانه وتعالى بالتيسير، يقول النبي عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل لقد سألت عن عظيم، سألت عن عظيم وهو دخول الجنة والعمل لها، قال الله:{فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)}[ آل عمران:185].
هذا هو الفائز وهذا هو المفلح، من زحزح عن النار وأدخل الجنة، ليس المفلح من كثر ماله، ولا من كثر ولده، المفلح هو من زحزح عن النار وأدخل الجنة، فهذا هو المفلح وهذا هو الفائز
{فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)}[ آل عمران:185].
دنيا فانية، فيها ما فيها من الكربات، وفيها ما فيها من الآلام والشدائد، فيها ما فيها من الأمراض والأوجاع، إن سرت أيام سائت أيام، إن سرت يوما فإنها تسوء الأيام والليالي، هذه حال الدنيا، ما يغتر بها إلا مغرور، :{فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ }.
قال عليه الصلاة والسلام لمعاذ:" لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان" وتحج البيت إن فعلت ذلك كنت من أهل الجنة. بين له النبي عليه الصلاة والسلام الطريق الموصل إلى الجنة، المحافظة على أركان الإسلام كما أمر الله سبحانه وتعالى، وكما أمر رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، يعبد العبد ربه ولا يشرك به شيئا، لا يشرك شركاً أكبر ولا شركاً أصغرا، يترك الشرك بالكلية، يبتعد عنه ويخلص التوحيد لرب العالمين سبحانه وتعالى، فلا يذبح إلا لله، ولا ينذر إلا لله، ولا يستغيث إلا بالله، ولا يدعو إلا الله، ولا يستعين إلا بالله، وإذا ما حلف حلف بالله، لم يحلف بالإمانة، ولم يحلف بالعيش والملح، ولا برأس أولاده، ولا بالكعبة، ولا غير ذلك من الأيمان الشركية، إن حلف حلف بربه سبحانه وتعالى، فإن الحلف تعظيم، والله سبحانه وتعالى هو المستحق للتعظيم.
تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة المفروضة وهي الصلوات الخمس، تقيم الصلاة كما أمرك الله عز وجل، وعلى هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام القائل:" صلوا كما رأيتموني أصل"
والجنة حرام على من ترك الصلاة، فإن تارك الصلاة من المجرمين، قال الله :{أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35)مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)}[ القلم : 35،36].
وقال الله:{ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43)}[ المدثر : 43،38].
فتارك الصلاة من المجرمين، وما يجعل الله عز وجل المسلمين كالمجرمين، ومن ترك الصلاة ومات على ذلك فإنه من أهل السعير والعياذ بالله، يسرت له نار جهنم ولم تيسر له الجنة.
ويؤدي العبد الزكاة المفروضة التي فرضها الله سبحانه وتعالى عليه، ولا يبخل بمال الله، فإن المال هو مال الله سبحانه وتعالى، قال الله :{وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}[ النور:32].
فهو مال الله سبحانه وتعالى، فكيف يبخل العبد بمال غيره، فأنت وما تملك لرب العالمين سبحانه وتعالى.
وهكذا يصوم العبد شهر رمضان، ويحج البيت إن استطاع إلى ذلك سبيلا، فإن حافظ على أركان الإسلام فإنه يُرجى له الخير، ويُرجى له الفلاح والسعادة، ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل: ألا أدلك على أبواب الخير، أي من نوافل العبادات، فإن من تقرب إلى الله عز وجل بالنوافل بعد الفرائض أحبه رب العالمين سبحانه وتعالى، جاء عند البخاري(6502) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه :"يقولُ اللَّهَ تبارك وتعالى: ما تقرَّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أفضل من أداء ما افترضتُ عليْهِ، وما يزالُ يتقرَّبُ عبدي إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أحبَّهُ.
فقال له النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن أمره بالفرائض: ألا أدلك على أبواب الخير ؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم قرأ قول الله سبحانه وتعالى:{تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)}[ السجدة:16].
 فأمرهم بالتنفل بنافلة الصيام، وأخبرهم أن الصوم جنة أي وقاية من السيئات في الدنيا، ووقاية من عذاب الله في الآخرة، والصدقة تطفئ الخطيئة، الخطايا نار مشتعلة، والصدقة كالماء تطفئ الخطيئة فتكفر الذنوب والخطايا، قال الله:{إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)}[ البقرة:271].
يكفر الله سبحانه وتعالى السيئات بالصدقات.
وقيام الرجل في جوف الليل: أي يكفر الله سبحانه وتعالى بها السيئات أن تقوم في جوف الليل، أي الآخر، روى الترمذي (3579) من حديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:"أقربُ ما يكونُ الربُّ من العبدِ في جوفِ الليلِ الآخرِ.
ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم الآيتين في بيان فضل قيام الليل، فقال سبحانه وتعالى:{تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} أي تبتعد وتنأى عن موضع نومهم واستراحتهم، تركوا لذيذ النوم خوفا من رب العالمين سبحانه وتعالى، ورجاء لما عند الله عز وجل، {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)}.
لهم من النعيم ما لا يعلمه إلا رب العالمين، في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:"قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ، ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ. قالَ أبو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17]،البخاري (4779)، ومسلم (2824).
هذا واستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.
 
الخطبة الثانية:
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه : ألا أدلك على رأس الأمر، رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل، فرأس الأمر الإسلام، فمن لا إسلام له فلا رأس له، ومن لا رأس له فميت هالك، فلا يقبل الله سبحانه وتعالى من العبد شيئا إلا بالإسلام، ومن لا إسلام له فهو ميت، قال الله:{أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ}[ الأنعام:122].
أحياه الله عزوجل بالإسلام، أحياه الله عز وجل بالإيمان، وإلا هو في عداد الأموات، فرأس الأمر الإسلام، وعموده الذي يقوم عليه هذا الإسلام  الصلاة، عموده الصلاة فمن لا يصلي فلا إسلام له، لا يقوم له الإسلام  إلا بالصلاة، والصلاة كالفصطاد أي كالخيمة تقوم بالأعمدة بالعمود في وسطها، فإذا لم يوجد العمود في وسطها فإنها تسقط إلى الأرض، وهكذا الإسلام لا قيام له إلا بالصلاة، فمن لم يصلي فلا إسلام له يسقط الإسلام، ويتدمر الإسلام، والصلاة كالعمود الفقري بالنسبة للإنسان، لا قيام للجسد إلا بعموده وإلا صار كالهلكى، فعمود الدين الإسلام.
 وذروة سنامه: أي أعلى مافيه الجهاد في سبيل الله بما فيه من علو المسلمين، ومن رفعة المسلمين، ومن ظهور المسلمين على الكافرين، ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل: ألا أدلك على ملاك ذلك كله ؟ قلت : بلى يا رسول الله، على ملاك ذلك كله أي تملك جميع ما سبق من الخير، تملك جميع ما سبق من الخير ومن القربات، تملك وتقدر على أن تحافظ على أركان الإسلام، وأن تسارع بنوافل العبادات، وتسابق في مرضات الله عز وجل، ملاك ما سبق، ألا أدلك بملاك ذلك كله؟ قال: قلت بلى يا رسول الله، هذا أمر عظيم أملك جميع ما سبق، وأتمكن من جميع ما سبق من أفعال الخير، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أمسك عليك لسانك، فقال معاذ للنبي عليه الصلاة والسلام وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال له النبي عليه الصلاة والسلام ثكلت أمك يا معاذ وهل يكب الناس على مناخرهم أو قال على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم.
فإذا ملك الإنسان لسانه فقد ملك الخير، فإن سائر الجوارح تبع للسان، فإذا ما استقام اللسان استقامة الجوارح، وإذا ما فسدت اللسان فسدت الجوارح، كما النبي عليه الصلاة والسلام، ثبت عند الترمذي (2407) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:"إذا أصبح ابنُ آدمَ ؛ فإنَّ الأعضاءَ كلَّها تكفِّر اللسانَ، فتقول : اتقِ اللهَ فينا ؛ فإنما نحن بك ؛ فإن - استقمت استقمْنا وإنِ - اعوججتَ اعوججنا .
فجميع أعضاء بني آدم تكفر اللسان بمعنى تخضع وتذل للسان، فإنها منقادة للسان، وتخاطب اللسان بقولها اتقِ الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا، فإذا ما إستقامة اللسان استقامة الجوارح، فإذا ما اعوجت اللسان إعوجت الجوارح، وذلك بأن اللسان ترجمان القلب، اللسان هو ترجمان القلب، والقلب إذا ما صلح، قال النبي عليه الصلاة والسلام:"ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ."،
أخرجه البخاري (52)، ومسلم (1599)من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
وترجمان هذا القلب اللسان، فإذا صلح اللسان دل ذلك على صلاح القلب، وإذا فسد اللسان دل ذلك على فساد القلب، فإن اللسان هو الذي يخرج مافي القلب، فالقلب كالوعاء واللسان كالمغرف من ذلك الوعاء، اللسان يغرف ما في القلب ويظهره ويخرجه، فهو ترجمان القلب وهو المعبر عن القلب، ولهذا من حفظ منطقه من حفظه كلامه فلم يتكلم إلا بخير إن تأملت في حاله وجدته من أصلح الناس، من أصلح الناس في عمله، من أصلح الناس في استقامته على دين الله عز وجل، من أبعد الناس عن الذنوب والمعاصي والمنكرات، ومن كان بذي القول، سفيه اللسان، سبابا، لعانا، شتاما، يتكلم بما لا يليق إن تأملت في سائر أخلاقه وأفعاله وجدته من أبعد الناس عن الخير، من أبعد الناس عن طاعة الله عز وجل، من أبعد الناس عن الإستقامة على دين الله، وعلى المسارعة في مرضات الله عز وجل، فاللسان دليل القلب وترجمان القلب، إن صلح صلحت الجوارح، وإن فسد فسدت الجوارح، اتق الله فينا فإنما نحن بك إن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا، فليحفظ العبد على لسانه، يقول عقبة بن عامر للنبي عليه الصلاة والسلام من النجاة؟ فقال له النبي عليه الصلاة والسلام:" أملك عليك لسانك".
إن أردت النجاة من الشرور فأملك عليك لسانك، إن أردت النجاة من غضب الله عز وجل وسخطه فأملك عليك لسانك،"إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ) رواه البخاري (6477) ومسلم (2988)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وقال عليه الصلاة والسلام:"مَن يَضْمَن لي ما بيْنَ لَحْيَيْهِ وما بيْنَ رِجْلَيْهِ، أضْمَنْ له الجَنَّةَ"، أخرجه البخاري(6474) من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه .
فمن ملك لسانه دخل الجنة، فإن اللسان إن صلح صلحت الجوارح واستقامت الجوارح على طاعة الله عز وجل.
ألا أدلك على ملاك ذلك كله، فليحرص العبد على ملاك الخيرات، وملاك الأعمال الصالحات، بأن يحافظ على لسانه ويتق الله سبحانه وتعالى في لسانه.
نسأل الله أن يحفظ علينا ألستنا، وأن يحفظ إيماننا وإسلامنا، وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم، ربنا إننا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى والسداد إنك على كل شيء قدير، اللهم اهدنا ويسر هدانا إلينا، اللهم يسر على المعسرين واقض الدين عن المدينين وعاف مبتلى المسلمين واشف مرضاهم وارحم موتاهم إنك أنت الغفور الرحيم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.



جميع الحقوق محفوظة لـ الموقع الرسمي للشيخ أبي بكر الحمادي