طوق الحمامة في شرح حديث أبي أمامة 2023-01-02 02:03:23
*خطبة جمعة بعنوان:(طوق
الحمامة في شرح حديث أبي أمامة)*
*لشيخنا
المبارك/أبي بكر بن عبده
بن عبدالله الحمادي حفظه الله*
*سجلت
بتأريخ ١١/محرم/١٤٤٣
للهجرة*
*في مسجد المغيرة بن شعبة*
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره،
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل
فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده
ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ
وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا
وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ
كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا
قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
[الأحزاب: 70-71]
أما بعد:فإن خير الحديث كتاب الله، وخير
الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
روى الإمام أحمد في مسنده(22283)من حديث أبي
أمامة الباهلي رضي الله عنه قال:"خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشيخة
من الأنصار بيض لحاهم فقال:يا معشر الأنصار حمروا وصفروا، وخالفوا أهل الكتاب،قال:
فقلنا: يا رسول الله ، إن أهل الكتاب يتسرولون، ولا يأتزرون ؟فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: تسرولوا ، وائتزروا ؛ وخالفوا أهل الكتاب،قال: فقلنا: يا
رسول الله ، إن أهل الكتاب يتخففون ولا ينتعلون،قال: فقال النبي صلى الله عليه
وسلم:فتخففوا وانتعلوا وخالفوا أهل الكتاب،قال: فقلنا: يا رسول الله إن أهل الكتاب
يقصون عثانينهم ويوفرون سبالهم ، قال: فقال النبي صلى الله عليه
وسلم: قصوا سبالكم ووفروا عثانينكم وخالفوا أهل الكتاب".
هذا الحديث حث فيه نبينا عليه الصلاة والسلام
على مخالفة أهل الكتاب في أمور متعددة،وذلك أن من ظهور الدين ومن قوة الدين مخالفة
المشركين،ومخالفة اليهود والنصارى، ومخالفة المجوس،ومخالف سائر الكافرين،فإن الدين
يظهر ويقوى بمخالفة هؤلاء،روى ابن داود من حديث أبي هريرة رضي الله أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال:"لا يزالُ الدِّينُ ظاهرًا ما عجَّلَ النَّاسُ الفِطرَ
لأنَّ اليَهودَ والنَّصارى يؤخِّرونَ".
فقوة الدين بمخالفة المشركين،
وبمخالفة اليهود والنصارى،وبمخالفة سائر
الكافرين،خرج النبي عليه الصلاة والسلام كما يقول أبو أمامة الباهي رضي الله عنه
على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم فقال النبي عليه الصلاة والسلام:يا معشر الأنصار
خالفوا أهل الكتاب حمروا وصفروا:أي غيروا الشيب،إما باللون الأحمر،وإما باللون
الأصفر،حمروا وصفروا خالفوا أهل الكتاب،فيستحب تغيير الشيب بغير السواد،إما
التحمير وإما التصفير، كما بين ذلك نبينا
عليه الصلاة والسلام،أو غير من الألوان غير السواد،جاء في مسلم(2102)من حديث جابر
بن عبدالله رضي الله عنهما قال:"أُتِيَ بأَبِي قُحَافَةَ يَومَ فَتْحِ
مَكَّةَ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا، فَقالَ رَسولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: غَيِّرُوا هذا بشيءٍ، وَاجْتَنِبُوا
السَّوَادَ"
هذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه من
حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما،فأُتي بأبي قحافة والد الصديق في يوم الفتح
وكأن رأسه ولحيته كالثغامة بياضاً،والثغامة نبت ثمرته بيضاء،زهرته بيضاء وثمرته
بيضاء،يضرب بها المثل من شدة البياض،والمعنى أن بياضه كان بياضاً شديداً،لا سواد
فيه،فقال النبي عليه الصلاة والسلام غيروا هذا بشيء أي بأي لون من الألوان،وبأي
صبغ من الأصبغة،غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد،فنهى النبي عليه الصلاة والسلام عن
السواد،فإن السواد فيه تغيير لخلق الله عزوجل،فيصير الشيخ شاباً في أنظار
الناس،وهذا نوع تغيير بخلق الله عزوجل،فنهى النبي عليه الصلاة والسلام عن صبغ
الشيب بالسواد فقال:غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد،وجاء عند أبي داود(4212)وعند
غيره من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يَكونُ قومٌ يخضِبونَ في آخرِ الزَّمانِ بالسَّوادِ كحواصلِ الحمامِ لا يريحونَ رائحةَ الجنَّةِ".
وهو حديث ثابت عن رسول الله عليه الصلاة
والسلام،وفيه هذا الوعيد الشديد في من غير الشيب بالسواد، يكون قوم في آخر الزمان
يغيرون شعورهم أو يصبغون بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة ،الألوان
كثيرة يغير الإنسان الشيب بأي لون شاء والألوان كثيرة، لكن هكذا النفوس تتجه إلى ما حرم الله
عزوجل،النفوس تميل إلى المحرمات مع كثرة المباحات إلا من رحم الله عزوجل،والنفوس
تميل إلى ما تُمنع وتشتهي ما تُمنع وإن كان الممنوع قليل والمباح كثير،فالألوان
كثيرة،والممنوع إنما هو لون واحد حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
السواد،فإن غَيَرَ الإنسان الشيء بما شاء غير السواد جاء عند أهل السنن من حديث
ابي ذر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إنَّ أحسنَ ما
غيَّرتُم به الشيبَ الحناءُ والكتم".
أي يخلط الحناء مع الكتم ثم يصبغ به الشيب
ويغير الشيب بذلك،قال أبو أمامة رضي الله عنه خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم فقال يا معشر الأنصار حمروا وصفروا خالفوا أهل
الكتاب،فقالوا يا رسول الله إن أهل الكتاب يتسرلون ولا يأتزرون، فقال تسرولوا
وائتزروا خالفوا أهل الكتاب،فقالوا يا رسول الله إن أهل الكتاب يتخففون ولا
ينتعلون،فقال تخففوا وانتعلوا خالفوا أهل الكتاب،
فأهل الكتاب كانوا يلازمون لبس السراويلات،يتسرولون ولا يأتزرون،
والأزر هي لباس العرب،وكان أهل الكتاب أيضاً
يلازمون لبس الخفاف ولا ينتعلون،والنعال هي لباس العرب
وهي عبارة عن زمام يكون بين الإصبعين وسياران
عن الجانبين أشبه ما يكون بالنعال ذات الإصبع بالأحذية ذات الإصبع المعروفة في مثل
هذه الأزمان،وأما الخفاف فهي من الجلد تغطي القدم إلى الساق،وسميت خفافاً
لخفتها،فكان أهل الكتاب لا ينتعلون ويلازمون لبس الخفاف،وهكذا لا يأتزرون لا
يلبسون الأزر ويلازمون لبس السراويلات،فنهى النبي عليه الصلاة والسلام عن مشابهة
أهل الكتاب فقال: تسرولوا وائتزروا خالفوا أهل الكتاب،وقال تخففوا وانتعلوا خالفوا
أهل الكتاب،أي لا تلازموا لبس أهل الكتاب وتستمروا عليه وتتركوا لباس العرب من
الأزر ومن النعال،وفي مسند الإمام أحمد بإسناد صحيح(1/153)عن عمر بن الخطاب رضي
الله عنه أنه قال:"عن عمرَ بنِ الخطَّابِ رضيَ اللَّهُ عنهُ أنَّهُ قالَ :
اتَّزروا وارتَدوا وانتعِلوا وألقوا الخفافَ والسَّراويلاتِ، وألقوا الرُّكبَ ،
وانزوا وعليكُم بالمعدِّيَّةِ ، وارموا الأغراضَ ، وذروا التَّنعُّمَ ، وزيَّ
العجمِ ، وإيَّاكم والحريرَ ، فإنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ :
قد نَهَى عنهُ وقالَ : لا تلبِسوا منَ الحريرِ إلَّا ما كانَ هَكَذا ، وأشارَ
رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بإصبعيهِ"
اتَّزروا وارتَدوا وانتعِلوا وألقوا الخفافَ
والسَّراويلاتِ:أي لازموا لباس العرب،
ولازموا لباس العرب وابتعدوا عن لباس أهل
الكتاب فعزة الإسلام وظهور الإسلام وقوة الإسلام بمخالفة أهل الكتاب،وبمخالفة
المشركين، وبمخالفة المجوس،فقالوا يا رسول الله إن أهل الكتاب يتسرولون ولا
يأتزون،قال تسرولوا وائتزروا خالفوا أهل الكتاب،فقالوا يا رسول الله إن أهل الكتاب
يتخففون ولا ينتعلون، فقال عليه الصلاة والسلام تخففوا وانتعلوا خالفوا أهل
الكتاب،في كل جواب وفي كل مسألة يحث نبينا عليه الصلاة والسلام على مخالفة أهل
الكتاب،في مسلم(302) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:"كانتِ اليَهودُ
إذا حاضَتِ المرأةُ منهُم لم يؤاكلوهنَّ ولم يشارِبوهنَّ ولم يجامِعوهنَّ في
البيوتِ ، فسَألوا نبيَّ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عن ذلِكَ فأنزلَ
اللَّهُ عزَّ وجلَّ : وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى الآية
فأمرَهُم رسولُ اللَّهِ أن يؤاكِلوهنَّ ويشارِبوهنَّ ويجامِعوهنَّ في البيوتِ ،
وأن يصنَعوا بِهِنَّ كلَّ شيءٍ ، ما خَلا الجماعَ".
فقالت اليهود لما بلغهم الخبر ما يريد هذا
الرجل ما يأتي من أمر من أمورنا إلا
يخالفنا فيه،فهذا كان من هدي رسول الله عليه
الصلاة والسلام مخالفة أهل الكتاب من اليهود والنصارى،ومخالفة المشركين،ومخالفة
المجوس،ومخالفة سائر الكافرين،هذا واسأل الله عزوجل أن يرحمنا برحمته إنه هو
الغفور الرحيم.
*الخطبة الثانية:*
الحمد لله نحمده تعالى
ونستعينه ونستغفره،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا،ومن سيئات أعمالنا،من يهده الله فلا
مضل له ومن يضلل فلا هادي له،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم اما بعد:
معاشر المسلمين في هذا الحديث
حديث أبي امامة الباهلي رضي الله عنه الذي
رواه الإمام أحمد في مسنده قالوا يا رسول الله إن أهل الكتاب يقصون عثانينهم لهم ويوفرون سبالهم،فقال النبي عليه الصلاة
والسلام قصوا سبالكم ووفروا عثانينكم خالفوا أهل الكتاب،إن أهل الكتاب يقصون
عثانينهم أي يقصون لحاهم،فكان يأخذون من لحاهم يقصون ولم يكونوا يحلقونها،فإن
الحلق أشد وأشد،فكان أهل الكتاب يقصون عثانينهم أي يقصون لحاهم وويفرون سبالهم أي
شواربهم يعظمون من شواربهم،ويربون شواربهم،وأما لحاهم فكانوا يأخذون منها
بالقص،فقال النبي صلى الله عليه وسلم قصوا سبالكم لكم أي قصوا شواربكم واوفروا
عثانينكم أي لحاكم خالفوا أهل الكتاب،وقد جاء الأمر بذلك في غير ما حديث عن رسول
الله عليه الصلاة والسلام،جاء في الصحيحين من حديث عبد الله ابن عمر رضي الله
عنهما عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:"خَالِفُوا المُشْرِكِينَ؛
وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ. "البخاري (5892)، ومسلم
اوفروا لحاكم واحفوا شواربكم أي بالغوا في قص
شواربكم،وجاء في صحيح الإمام مسلم(260) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"جُزُّوا الشَّواربَ ، و أَرْخوا الِّلحى ،
خالفوا المجوسَ"
جزوا شواربكم أي بالغوا في حلقها
وقصها،وارخوا لحاكم أي وفروها وأكثروها،وارخوا لحاكم خالفوا المجوس،فأمر النبي
عليه الصلاة والسلام بمخالفة المشركين،وأمر النبي عليه الصلاة والسلام بمخالفة
المجوس،وفي صحيح الإمام مسلم(261) من حديث عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أنه قال:"عَشْرٌ من الفِطْرَةِ : قَصُّ الشارِبِ ، و إعْفاءُ
اللِحيَةِ".فذكر النبي عليه الصلاة والسلام
قص الشوارب وإعفاء اللحى فهي من الفطرة التي
فطر الله سبحانه وتعالى عليها الخلق،وإنما حصل التغيير والتبديل لهذه الفطرة من
جهة الناس، وإلا فإن الفطرة التي فطر الله
سبحانه تعالى علي الخلق إعفاء اللحى وقص الشوارب،اسأل الله سبحانه وتعالى أن
يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم،اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين،اللهم
اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها أولها وآخرها وعلانيتها وسرها،اللهم اغفر لنا ما
أسررناوما أعلنا وما أسرفنا وما أنت أعلم به منا أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله
إلا أنت،ربنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيراً وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا
مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم،اللهم أصلح البلاد والعباد،اللهم
ادفع عن بلادنا كل سوء ومكروه،وكل بلاء وفتنة إنك على كل شيء قدير،اللهم أمنا في
أوطاننا،اللهم اغفر لموتى المسلمين أجمعين وارحمهم برحمتك يا أرحم
الراحمين،وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه إنك انت الغفور الرحيم،ربنا آتنا في
الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار،والحمد لله رب العالمين.