الرئيسية / الخطب والمحاضرات/ الخطب /علو الهمة في تحقيق وصايا الرسول للأمة
علو الهمة في تحقيق وصايا الرسول للأمة 2023-01-02 02:29:16


*خطبة جمعة بعنوان:( علو الهمة في تحقيق وصايا الرسول للأمة)*
 
*لشيخنا المبارك: أبي بكر بن عبده بن عبدالله الحمادي حفظه الله*
 
*سجلت بتأريخ ٩/ربيع الأول/١٤٤٣ هجرية*
*مسجد السنة قرية خنوة مدينة القاعدة محافظة إب حرسها الله*
 
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد:فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
 
يقول الله في كتابه الكريم:{فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181)فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (182)}[البقرة:181،182].
بين سبحانه وتعالى أن من بدل وصية الميت التي أوصى بها، من بدلها وغيرها فإن  الإثم على من بدل ذلك، ولا إثم على الميت لأن التصرف حصل من غيره، فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم، فمن بدل وغير في وصية الموصي فالإثم عليه إن كان في هذه التبديل شيء من الظلم لبعض الورثة، شيء من الإثم فإن الإثم لا يكون على الميت، وإنما يكون على من بدله، ثم بين سبحانه وتعالى أن من خاف حصول الجنف أو الإثم من الموصي فسعى في الإصلاح فإن هذا محسن فيما سعى إليه، فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً، أي خاف ميلاً إلى الباطل، خاف ميلاً  إلى الظلم من غير عمدٍ، أو إثما أن يحصل ذلك عن طريق العمد، فسعى في الإصلاح فهذا ليس عليه إثم لأنه محسن فيما حصل منه، لأنه مصلح وليس بمفسد، فإذا كان الشخص حاضرا عند بعض الذين هم قد قرب أجلهم فأوصوا بوصية فيها شيء من الجنف، أي فيها شيء من الميل إلى الباطل عن غير عمد، لكن بسبب جهل ذلك الشخص بأحكام الشريعة بما يجوز وبما لا يجوز، فربما يوصي وصية باطلة، أو كان ذلك الذي نزل به مرض الموت وأوصى وصية ظالمة عن عمد يعلم أن ذلك لا يجوز، لكنه لم يبالي بحدود الله عز وجل وهذا هو الإثم، جنفاً أو إثماً، فالجنف هو الميل إلى الباطل عن غير عمد، والإثم الظلم المتعمد يعلم صاحبه أنه ظالم لكنه لا يبالي، فإذا سعى بالنصيحة والإصلاح فنصح ذلك المريض الذي أوصى بتلك الوصية الباطلة وسواء كان مريضا أو كانت الوصية في حالة صحته، على أي حال، إن نصحه وقوم تلك الوصية وسعى في إصلاحها فهذا محسن فيما فعل، وهكذا إذا مات الميت وتلك الوصية على حالها وهي وصية مخالفة لشريعة الإسلام لما فيها من الظلم، لما فيها من الإثم، لما فيها من مخالفة الشريعة، فجاء إلى الورثة وسعى في إصلاحها، في إزالة الخطأ في تلك الوصية وتصحيح الصحيح، وجعل تلك الوصية موافقة لشرع الله عز وجل، وموافقة لمرضات الله سبحانه وتعالى فلا إثم عليه في هذا التغير لأنه محسن للميت، ومحسن للورثة، فمن خاف من موص جنفاً أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم، فالوصايا يُهتم بها، يهتم بتنفيذها كما أمر الميت إن لم تكن ظالمة، إن لم يكن فيه شيء من الظلم والإثم، وإن كان فيها شيء من الظلم فلا بد من إصلاحها، وإزالة الظلم فإن هذا مما أمر الله به، فإذا لم يكن فيها شيء من الظلم فالواجب أن تنفذ الوصية، ولا يغير الأولياء فيها، ولا يبدلونها، فإن هذا مما لا يجوز، ومحرم في دين الله عز وجل، واعلموا معشر المسلمين إن من أعظم الوصايا بعد وصية رب العالمين سبحانه وتعالى للعباد، وصية النبي الكريم عليه الصلاة والسلام لأمته، ونبينا عليه الصلاة والسلام أوصى أمته بوصايا عظيمة، والواجب  على الأمةأن تسعى بتنفذيها فإنها وصية خير الخلق عليه الصلاة والسلام، إذا كان الشخص يهتم بوصية أبيه، ويهتم بوصية أمه، ويهتم بوصية أقربائه، فكيف لا تهتم بوصية رسول الله عليه الصلاة والسلام، وصية خير الخلق عليه الصلاة والسلام، أوصانا النبي عليه الصلاة والسلام بوصايا متعددة، من ذلك ما جاء في مسند الإمام أحمد(17144)،وعند أبي داود(4607)
، والترمذي(2676)، وابن ماجة(42)،من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، قال :"وعَظَنَا رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَوْعِظَةً وجِلَتْ منها القلوبُ، وذَرَفَتْ منها العيونُ ، قال : فقلْنَا : يا رسولَ اللهِ، كأَنَّ هذه مَوْعِظَةُ مُودِّعٍ فماذا تَعْهَدُ إلينا ؟ فقال : أُوصِيكُمْ  بتقوى الله والسَّمْعِ والطَّاعَةِ، فإنه مَنْ يَعِشْ منكم بعدي فسَيَرَى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنَّتِي، وسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِييْنَ مِنْ بَعْدِي، تَمَسَّكُوا بها، وعَضَّوا عليها بالنَّواجِذِ ،وإيَّاكُم ومُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فإِنَّ كلَّ بدعةٍ ضلالةٌ.
فأوصى النبي عليه الصلاة والسلام بهذه الوصية العظيمة التي هي شبيهة بوصية المودع الذي قد شارف الموت، فأوصى النبي عليه الصلاة والسلام بتقوى الله، فإن من حقق تقوى الله عز وجل فقد حقق الخير كله، وابتعد عن الشر كله، فإن تقوى الله سبحانه وتعالى تشمل الدين، من اتقى الله عز وجل فإنه يستقيم على أمره، وينزجر عن نهيهه، فتقوى الله عز وجل هي الإستقامة على دين الإسلام، وأوصى النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أوصى أمته بالتمسك بسنته، والتمسك بسنة الخلفاء الراشدين المهديين، وأمر النبي عليه الصلاة والسلام أمته أن يتمسكوا بها تمسكاً عظيماً، يتمسكوا بها ويعضوا عليها بالنواجذ، وهذا فيه مبالغة في التمسك بسنته وسنة خلفائه الراشدين، وأوصى النبي عليه الصلاة والسلام أمته بالابتعاد عن البدع ومحدثات الأمور، وبين لهم نبيهم عليه الصلاة والسلام أن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، والبدعة ما أحدث في دين الله عز وجل ما ليس منه، ما لم يأتي بكتاب الله عز وجل، أو لم يأتي بسنة رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، فهذه وصية رسول الله عليه الصلاة والسلام، والواجب على أمته أن يأخذوا بها،وألا يغيروا ويبدلوا في وصية رسول الله عليه الصلاة والسلام، {فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم}
وهكذا من وصايا رسول الله عليه الصلاة والسلام لأمته مارواه الطبراني في معجمه الكبير، وغيره، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه أنه قال:"سمعتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو على ناقتِه الجدعاء في حجة الوداع، يقول: أُوصيكم بالجارِ ، حتى أكثرَ ، فقلتُ : إنه يُوَرِّثُه.
قال هذا النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، في ذلك اليوم العظيم الذي اجتمع فيه من كثير من البلدان، اجتمعوا بالأعداد الكثيرة، فخطب فيهم نبينا عليه الصلاة والسلام وكان من جملة وصية رسول الله عليه الصلاة والسلام لأمته أن قال:" أوصيكم بالجار.
أوصيكم بالجار هي وصية رسول الله عليه الصلاة والسلام، ووصية رب العالمين سبحانه وتعالى:{ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ}[ النساء:36].
وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :"ما زالَ يُوصِينِي جِبْرِيلُ بالجارِ، حتَّى ظَنَنْتُ أنَّه سَيُوَرِّثُهُ"،البخاري (6014)، ومسلم (2624).
أي يأتي الوحي من الله عز وجل بأن يجعل الجار وارثاً،
ظن النبي عليه الصلاة والسلام أن جبريل سوف ينزل له بالوحي بتوريث الجار، مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه.
في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:"مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيصْمُتْ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جارَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ"،البخاري (6018)، ومسلم (47).
وفي لفظ لمسلم :"فلْيُحسِنْ إلى جارِه".
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، فلا يؤذي جاره، فليحسن إلى جاره، هكذا يقول نبينا عليه الصلاة والسلام.
 
وروى مسلم في صحيحه(46) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:"لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن لا يَأْمَنُ جارُهُ بَوائِقَهُ.
وفي رواية البخاري(6016) من حديث أبي شريح العدوي خويلد بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :"واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ. قيلَ: ومَن يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: الذي لا يَأْمَنُ جارُهُ بَوايِقَهُ.
أي الأمور العظام من الظلم والبغي والبهتان وغير ذلك، فهذا وصية رسول الله عليه الصلاة والسلام لأمته، أوصاهم بالجار فعلينا أن نأخذ بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نغير شيئا منها، {فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم }.
اسأل الله عز وجل أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين إنه هو الغفور الرحيم.
 
 
الخطبة الثانية:
الحمد لله، نحمده وتعالى ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
اعلموا معاشر المسلمين إن من جملة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته الوصية بالنساء خيراً،
في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:" اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ المرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا"،البخاري (3331)، ومسلم (1468).
فاستوصى النبي عليه الصلاة والسلام بالنساء خيرا، أي أوصى أمته بالإحسان إليهن، والصبر عليهن، وبين النبي عليه الصلاة والسلام أن النساء خلقن من ضلع، والضلع هو عظم فيه اعوجاج، واعوج مافي الضلع أعلاه، فالواجب على الرجل أن يصبر على أهله، يصبر على النساء فإن هذا من خلقهن، كما بين ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام، فلابد من اعوجاج في النساء، والواجب الصبر عليهن،لا يخرج رجل إمرأة إن كره منها خلقا رضي منها آخر كما روى مسلم في صحيحه(1469)،من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:"لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إنْ كَرِهَ منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخَرَ، أَوْ قالَ: غَيْرَهُ.
أي لا يبغض بغضاً تاما، لا تبغض المرأة بغضاً تاماً، فإنك إن وجدت منها خلقاً سيئاً فسوف تجد منها خلق حسناً، وهذا شأن النساء ليس فيهن الكمال من كل وجه، فيهن الخلق الحسن، والخلق السيء، لابد أن تكره منها خلقاً، لكن إن كرهت خلقا فسوف ترضى عن خلق آخر، وهذا شأن النساء، فلهذا النبي عليه الصلاة والسلام أوصى بهن، أوصى بالصبر عليهن، وهذه من وصية رسول الله عليه الصلاة والسلام لأمته، والوصية يجب أن تنفذ كما أوصى بها رسول الله عليه الصلاة والسلام، في مسلم(532)من حديث جندب رضي الله عنه قال:" سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قَبْلَ أنْ يَمُوتَ بخَمْسٍ، وهو يقولُ: إنِّي أبْرَأُ إلى اللهِ أنْ يَكونَ لي مِنكُم خَلِيلٌ، فإنَّ اللهِ تَعَالَى قَدِ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا، كما اتَّخَذَ إبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، ولو كُنْتُ مُتَّخِذًا مِن أُمَّتي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، ألَا وإنَّ مَن كانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أنْبِيَائِهِمْ وصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، ألَا فلا تَتَّخِذُوا القُبُورَ مَسَاجِدَ، إنِّي أنْهَاكُمْ عن ذلكَ.
فهذه وصية رسول الله عليه الصلاة والسلام لأمته ألا يتخذوا القبور مساجد، فإنه نهى أمته عن ذلك، واتخاذ القبور مساجد يكون ببناء المساجد على القبور، أو ببناء المساجد بالمقابر، أو ادخال الميت ودفنه في المساجد، كله هذا من اتخاذ القبور مساجد وقد نهانا عن ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن اتخاذ القبور مساجد أن يصلي الشخص في المقبرة، أو يصلي إلى قبر من القبور، فإنه إن فعل ذلك فقد اتخذ تلك القبور مسجدا أي موضعا للسجود، وهذا مما نهى عنه نبينا عليه الصلاة والسلام.
وهكذا من وصية رسول الله عليه الصلاة والسلام لأمته ما جاء في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:" مَرَّ أبو بَكْرٍ، والعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عنْهمَا، بمَجْلِسٍ مِن مَجَالِسِ الأنْصَارِ وهُمْ يَبْكُونَ، فَقالَ: ما يُبْكِيكُمْ؟ قالوا: ذَكَرْنَا مَجْلِسَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَّا، فَدَخَلَ علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فأخْبَرَهُ بذلكَ، قالَ: فَخَرَجَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وقدْ عَصَبَ علَى رَأْسِهِ حَاشِيَةَ بُرْدٍ، قالَ: فَصَعِدَ المِنْبَرَ، ولَمْ يَصْعَدْهُ بَعْدَ ذلكَ اليَومِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وأَثْنَى عليه، ثُمَّ قالَ: أُوصِيكُمْ بالأنْصَارِ، فإنَّهُمْ كَرِشِي وعَيْبَتِي، وقدْ قَضَوُا الذي عليهم، وبَقِيَ الذي لهمْ، فَاقْبَلُوا مِن مُحْسِنِهِمْ، وتَجَاوَزُوا عن مُسِيئِهِمْ"،البخاري (3799)، ومسلم (2510).
فإنَّهُمْ كَرِشِي وعَيْبَتِي بمعنى: أنهم خاصتي.
فأوصى نبينا عليه الصلاة والسلام بالأنصار وهم من الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين، أوصى بهم خيرا، أن نتجاوز عن مسيئهم، وأن نقبل من محسنهم، فهذه من وصايا رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الوصايا لأمته، والواجب أن تمضى هذه الوصايا كما أمر رسول الله عليه الصلاة والسلام، وألا تبدل ولا تغير، وأن تستقيم أمته على وصيته، فإن هذا من أعظم البراهين على محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى تعظيمه، وتبجيله، واحترامه، فإن هذا برهان صادق على ذلك، ومن غير وبدل في وصية رسول الله عليه الصلاة والسلام فهذا برهان على بغضه، وعدم محبته، وعدم تعظيمه واجلاله لرسول الله عليه الصلاة والسلام.
اسأل الله عز وجل أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا أجمعين وارحمنا يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها، ربنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم يسر على المعسرين، واقض الدين عن المدينين، وعاف مبتلى المسلمين، واشف مرضاهم، وارحم موتاهم، إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين أجمعين وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه، اللهم عافنا في الدنيا والآخرة، والحمد لله رب العالمين.



جميع الحقوق محفوظة لـ الموقع الرسمي للشيخ أبي بكر الحمادي