الرئيسية / الخطب والمحاضرات/ الخطب /فتح الرب الودود في بيان موانع الانتصار على اليهود
فتح الرب الودود في بيان موانع الانتصار على اليهود 2023-01-02 02:48:27


*[فتح الرب الودود في بيان موانع الانتصار على اليهود]*
 
*وهي عبارة عن خطبة جمعة لشيخنا المبارك: أبي بكر بن عبده بن عبدالله بن حامد الحمادي*
 
سجلت بتأريخ ٩/شوال/١٤٤٢ هجرية.
في مسجد المغيرة بن شعبة
 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرا
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]
 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]
 { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [الأحزاب: 70، 71]
أما بعد:
اعلموا أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة.
يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ}[الأنعام:20].
فأخبرنا ربنا سبحانه وتعالى عن شأن اليهود والنصارى أنهم يعرفون نبينا عليه الصلاة والسلام معرفةً ليس فيها لبس ولا شك ،كما يعرفون أبناءهم،كما أنهم لا يلتبس عليهم أبنائهم بأبناء غيرهم،هكذا لا يلتبس عليهم حال نبينا عليه الصلاة والسلام بحال غيره، فقد عرفوه وعلموا أنه هو النبي الذي بشر وذكر في التوراة وفي الإنجيل،لكن منعهم من الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم ما في قلوبهم من الكبر والحسد والعياذ بالله،وفي البخاري(3941)
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام:"لو آمن بي عشرة من اليهود لآمن بي اليهود"
والمراد بذلك سادات اليهود في زمنه عليه الصلاة والسلام،ورؤساء اليهود في زمنه ،وكبراء اليهود في زمنه،لو آمن منهم عشرة كما أخبرنا بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام لآمن به سائر اليهود،لأنهم تبع لأسيادهم،تبع لكبرائهم وعظمائهم،لو آمن بي عشرة من اليهود لآمن بي اليهود،وهذا لم يحصل ،وإنما آمن بالنبي عليه الصلاة السلام القلة منهم، لما في قلوبهم من الكبر والحسد،فهم أهل الكبر وهم أهل الحسد والعياذ بالله، يقول سبحانه وتعالى{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ}[النساء:54].
وقال سبحانه وتعالى{وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم}[البقرة:109].
فهم أهل الحسد وهم أهل الكبر،وعند ابن ماجة(856)من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي عليه الصلاة والسلام قال:"ما حسدَتْكمُ اليهودُ على شيءٍ ما حسدَتْكم على السلامِ والتأمينِ"
فهم قومٌ يحسدون أهل الإسلام بما منّ الله سبحانه تعالى عليهم من الخير، وما منّ الله سبحانه وتعالى عليهم من البركة،وفي قلوبهم ما فيها من الكبر والعلو والعياذ بالله،مع أنهم حقراء عند رب العالمين سبحانه وتعالى، وأذلة عند رب العالمين سبحانه وتعالى،فإن الله سبحانه وتعالى لعنهم كما قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) }[المائدة:78-78].
 
وقال سبحانه{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ}[المائدة:64].
 
وقال سبحانه{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47)}[النساء:47].
 
في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها وابن عباس رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ"رواه البخاري (1390)، ومسلم (529).
 
وفي الصحيحين من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام:"لعن اللهُ اليهودَ حُرِّمَتْ عليهم الشحومُ أن يأكلوها ، فجمَّلوها فباعوها فأكلوا أثمانَها"أخرجه البخاري (2223)، ومسلم (1582)
فهم ملعونون لعنهم رب العالمين سبحانه وتعالى كما في الآيات السابقة،ولعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الحديثين الماضيين،وفي غير ذلك من الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكتب الله سبحانه وتعالى عليهم الذلة،وكتب الله سبحانه وتعالى عليهم المسكنة،وباءوا بغضب من رب العالمين سبحانه وتعالى، فهم المغضوب عليهم،الذين أمرنا أن ندعو الله عزوجل أن يجنبنا سبيلهم،قال الله{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)}[الفاتحة:6-7].
فهم المغضوب عليهم، وقال سبحانه وتعالى{وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)}[البقرة:61].
ضرب الله عزوجل عليهم الذلة والمسكنة،والمسكنة على قول جماعة من أهل العلم المراد بذلك الفقر،فالفقر في وجوههم وفي قلوبهم وإن كثر المال في أيديهم،ففيهم المسكنة،وإن كثر المال في أيديهم فإن الغنى من النفس،كما أخبرنا بذلك نبينا عليه الصلاة و السلام.
وقال سبحانه وتعالى{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ}
الحبل من الله عزوجل قال بعض العلماء الإسلام، إن أسلموا زالت عنهم الذلة ،وقال بعض العلماء المراد بذلك دفع الجزية،وحبل من الناس قال بعض العلماء: المراد بذلك الأمان، إن أُمنوا إن حصل لهم الأمان من بعض المسلمين فإن الأمان يحصل لهم بذلك {
وقال سبحانه وتعالى{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (112)}[آل عمران:112].
فهم أهل الغضب ،وهم أهل الذلة والمسكنة، مع مافي قلوبهم من الكبر لكن هذا حالهم عند ربهم سبحانه وتعالى، وعند الخلق،هم أهل الذلة والمسكنة وإن تعالوا في الأرض وتكبروا وتجبروا،وهم إخوان القردة والخنازير، كما قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم{فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166)}[الأعراف:166].
وقال سبحانه{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65)}[البقرة:65].
وقال سبحانه{قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ (60)}[المائدة:60].
فهم إخوان القردة والخنازير،تأذن ربنا سبحانه وتعالى أن يسلط عليهم من يسومهم سوء العذاب إلى يوم القيامة وعد من رب العالمين سبحانه وتعالى، قال سبحانه{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ ۖ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (167)}[الأعراف:167].
توعدهم الله سبحانه وتعالى بأن يسلط عليهم من يسومهم العذاب الشديد إلى يوم القيامة، وهم أخبث الناس قلوباً،وأنجس الخلق قلوباً،قال سبحانه وتعالى عنهم{أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41)}[المائدة:41].
قلوبهم نجسة،ما أراد الله سبحانه وتعالى أن يطهر قلوبهم ،فقلوبهم في غاية النجاسة ،هم أنجس القلوب،قلوبهم أنجس القلوب وأخبث القلوب والعياذ بالله، هم شر الخليقة، قال سبحانه{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)}[البينة:6].
أي شر الخليقة.
 
سماعهم أخبث السماع وأكلهم أخبث الطعام،قال سبحانه وتعالى{سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ}[المائدة :42].
سماعهم أخبث السماع، فهم سماعون للكذب،يسمعونه وينقادون له،ويعملون به والعياذ بالله، والكذب هو من أخبث الكلام،وإذا ما أكلوا أكلوا الحرام ،فهم أكالون للسحت،أكالون صيغة مبالغة، أي أنهم مكثرون من أكل السحت والعياذ بالله، فسماعهم أخبث السماع، وطعامهم أخبث الطعام،قال سبحانه{فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160)وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161)}[النساء:60-61].
وهكذا هم أمة الخيانة،قال الله{ولا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ}[المائدة:13].
فهم أمة الخيانة على مر التأريخ،وقد حصل لهم من خيانة مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، فسلم الله سبحانه وتعالى رسوله من كيدهم ومن شرهم،هؤلاء هم اليهود،وهكذا أشباههم من النصارى والعياذ بالله، في قلوبهم مافيها من الحقد العظيم على الإسلام والمسلمين، ليس في قلوبهم رحمة على أهل الإسلام، ولا شفقة على أهل الإسلام، ولا يريدون بأهل الإسلام الخير،ما يريدون بهم الخير،قال الله{مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)}[البقرة:105].
أعلنوا العداوة على أهل الإسلام منذ الأزمان القديمة،وأشعلوا نيران الفتن في أوساط المسلمين، كما قال سبحانه وتعالى{كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)}[المائدة:64].
اسأل الله عزوجل أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين، وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.
 
الخطبة الثانية:
الحمد لله ،نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ،ومن سيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضل له ،ومن يضلل فلا هادي له ،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد،
 
إن اليهود والنصارى هم الذين يشعلون الفتن في أوساط المسلمين، وقد قال سبحانه وتعالى عن اليهود{كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)}[المائدة:64]
فما يحصل في بلدان المسلمين في كل مكان وفي كل بقاع من الشرور والفتن، ومن البلاء والمحن،فإن الذي يوقد نار تلك الفتن هم اليهود والنصارى، بأساليب ماكرة مختلفة، شعر بذلك من شعر وجهل بذلك من جهل،فهم في حرب شديد على الإسلام والمسلمين، قال الله{وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}[البقرة:120].
هذا هو مرادهم وغاية أمانيهم أن يصير المسلم من جنسهم لما في قلوبهم من الحسد العظيم على أهل الإسلام، يقول سبحانه وتعالى{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}[المائدة:82].
فيهم ما فيهم من العداوة الشديدة، وما بين حين وآخر وإذا بهم يشعلون الفتن في أوساط المسلمين، وإذا ما حانت لهم الفرص إذا بهم يهجمون على بلدان المسلمين،ويقومون بتدميرها وسفك الدماء، وقطع الطرق،وما إلى ذلك من أنواع البلاء والفتن كما حصل في الأيام القريبة في بلاد فلسطين،وما يحصل أيضاً في غير ذلك من بلدان المسلمين، من الشر والفتن فهو بأيديهم، وهم الذين يشعلون نيرانها،
معاشر المسلمين: حال اليهود والنصارى معلوم ومذكور في كتاب الله عزوجل،وموضح في سنة النبي عليه الصلاة والسلام، فما هو الواجب علينا إذا أردنا الإنتصار عليهم والعلو عليهم فعلينا أن نرجع إلى ربنا سبحانه وتعالى، إذا أردنا أن ينجينا الله سبحانه وتعالى من كيدهم ومن شرهم ومن مكرهم فعلينا أن نرجع إلى ربنا سبحانه وتعالى، ونتوب من ذنوبنا ومعاصينا، فإننا إذا ساوينا اليهود والنصارى في الذنوب غلبونا بالقوة،فلهم من القوة ما ليس لنا،فإن ساوينهم بالذنوب والمعاصي فإنهم يغلبوننا بالقوة،وإنما نغلب أعدائنا بإيماننا بربنا قال سبحانه{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139)}[آل عمران:139].
بهذا الشرط لكم العلو على الأعداء بالإيمان، إن كنتم مؤمنين،فكلما حققنا الإيمان وأكملنا الإيمان كان لنا كمال العلو،وكمال النصر على الأعداء،وكلما سارعنا في الذنوب والمعاصي تسلط علينا الأعداء بسبب ذنوبنا ومعاصينا، قال الله{وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129)}[الأنعام:129].
وقال الله{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)}[آل عمران:165].
وهذا ما حصل للمسلمين في يوم أحد ،يقول الله عزوجل{قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ}.
وقال سبحانه{وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ (30)}[الشورى:30].
إن ساوينا اليهود والنصارى في حب الدنيا فإننا لا ننتصر عليهم،وقد ساويناهم في حب الدنيا، والإنهماك وراء الدنيا،وترك الفرائض والواجبات،من أجل شهوات الدنيا وملذاتها، إذا ساويناهم في ذلك أنى ننتصر عليهم،وربنا سبحانه وتعالى يقول عنهم{وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ }[البقرة:96].
فلهم الحرص العظيم على الحياة،يحرصون على الحياة ،وعلى البقاء فيها وعلى تعميرها ، وعلى مافيها من الزخارف، وما فيها من البهاء، فإن ساويناهم بذلك فأنى ننتصر عليهم؟ وأنى نعلو عليهم؟
بل يتسلط علينا الأعداء، في المسند(5/278) (22450) وعند أبي داود (4297)، من حديث ثوبان رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت"
فإذا كان هذا حالنا فإن الأعداء يتسلطون علينا والعياذ بالله، إذا شابهنا اليهود والنصارى في ترك أمر ربنا ،وفي ترك كتاب ربنا،وسنة نبينا عليه الصلاة و السلام فأنى ننتصر عليهم؟ قال الله{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا}[الجمعة:5].
فاليهود حمل التوراة لكنهم ما عملوا بها ،شأنهم كشأن الحمار الذي يحمل الكتب على ظهره أسفار العلم وهي كتب العلم ولا ينتفع بما في ظهره،فهكذا هو  حال اليهود أخذوا التوراة وما عملوا بها،فإن أخذنا كتاب ربنا سبحانه وتعالى، وسنة نبينا عليه الصلاة و السلام وما عملنا بها  فأنى ننتصر على أعدائنا، بل يتسلط علينا الأعداء، في حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال عليه الصلاة والسلام:"ولم يَنْقُضُوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه إلا سَلَّطَ اللهُ عليهم عَدُوَّهم من غيرِهم ، فأَخَذوا بعضَ ما كان في أَيْدِيهِم ، وما لم تَحْكُمْ أئمتُهم بكتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ ويَتَخَيَّرُوا فيما أَنْزَلَ اللهُ إلا جعل اللهُ بأسَهم بينَهم"أخرجه ابن ماجه (4019)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (4671)، والحاكم (8623) باختلاف يسير.
وعهد الله عزوجل إلينا كتابه،وعهد نبينا عليه الصلاة و السلام كتاب الله وسنته،فهذا عهد الله إلينا ،وعهد رسوله عليه الصلاة والسلام، فإذا تركنا ذلك وراء ظهورنا تسلط علينا الأعداء، وما تمكنا منهم وحصلت لنا الذلة والصغار بسبب ذلك والعياذ بالله، أنى ننتصر على أعدائنا وقد شابناهم في أكل الحرام ،وشابناهم في الظلم إلا من رحم الله سبحانه وتعالى، فالحرام منتشر في أوساط الناس والربا منتشر والظلم منتشر ،والله سبحانه وتعالى يقول عن اليهود{فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160)وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ}[النساء:160-161].
وفي حديث ابن عمر عند أبي داود(3462) قال عليه الصلاة والسلام:"إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ"
إذا تبايعتم بالعينة : هي نوع من أنواع الربا.
أصابنا الذل بسبب ذنوبنا ومعاصينا، أنى ننتصر على أعدائنا وقد تشبهنا بهم في كل صغير وكبير،تركنا هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام خلف ظهورنا،وتشبهنا بأعدائنا في كل صغير وكبير ونريد أن ننتصر على أعدائنا وقد تشبهنا بهم،وفي حديث ابن عمر عند أحمد(5114)وعند أبي داود(3512)
قال عليه الصلاة والسلام:"مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ"
فعلينا أن نرجع إلى ديننا،نرجع إلى كتاب ربنا،ونرجع إلى سنة نبينا عليه الصلاة و السلام، نستقم على دين الله، إن فعلنا ذلك أزال الله سبحانه وتعالى ما بنا من الشر،ورد الله سبحانه وتعالى كيد أعدائنا،نسأل الله عزوجل أن يرد كيد أعدائنا من اليهود والنصارى ومن والاهم، اللهم عليك باليهود والنصارى ومن والاهم وناصرهم على الإسلام والمسلمين، اللهم عليك عليك بمن أراد ببلادنا سوء ومكرا وكيدا فجعل كيده في نحره وجعل تدبيره في تدميره واكف المسلمين شره إنك على كل شيء قدير، اللهم أمنا في أوطاننا، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، الله اغفر لموتى المسلمين أجمعين وارحمنا إذا ما صرنا إلى ما صاروا إليه،اللهم فرج هم المهمومين وغموم المغمومين وكروب المكروبين ويسر على المعسرين، واقض الدين عن المدينين،وعاف مبتل المسلمين وعاف مرضاهم إنك على كل شيء قدير، ربنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم ارحمنا يا أرحم الراحمين، اللهم الطف بالبلاد والعباد، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.
 



جميع الحقوق محفوظة لـ الموقع الرسمي للشيخ أبي بكر الحمادي