الرئيسية / الخطب والمحاضرات/ الخطب /محاسن الحِكَم في حديث معاوية بن الحكم
محاسن الحِكَم في حديث معاوية بن الحكم 2023-01-02 03:32:59


*خطبة جمعة بعنوان:(محاسن الحِكَم في حديث معاوية بن الحكم)*
 
*لشيخنا المبارك: أبي بكر بن عبده بن عبدالله الحمادي حفظه الله*
 
*سجلت بتأريخ ١٩/جماد ثاني/١٤٤٣هجرية*
 
*مسجد المغيرة بن شعبة مدينة القاعدة محافظة إب حرسها الله وسائر بلاد المسلمين*
 
 
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد:فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
روى الإمام مسلم في صحيحه(537)من حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال:"بيْنَا أنَا أُصَلِّي مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ، فَقُلتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَرَمَانِي القَوْمُ بأَبْصَارِهِمْ، فَقُلتُ: واثُكْلَ أُمِّيَاهْ، ما شَأْنُكُمْ؟ تَنْظُرُونَ إلَيَّ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بأَيْدِيهِمْ علَى أفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَبِأَبِي هو وأُمِّي، ما رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ ولَا بَعْدَهُ أحْسَنَ تَعْلِيمًا منه، فَوَاللَّهِ، ما كَهَرَنِي ولَا ضَرَبَنِي ولَا شَتَمَنِي، قالَ: إنَّ هذِه الصَّلَاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شيءٌ مِن كَلَامِ النَّاسِ، إنَّما هو التَّسْبِيحُ والتَّكْبِيرُ وقِرَاءَةُ القُرْآنِ أَوْ كما قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، إنِّي حَديثُ عَهْدٍ بجَاهِلِيَّةٍ، وقدْ جَاءَ اللَّهُ بالإِسْلَامِ، وإنَّ مِنَّا رِجَالًا يَأْتُونَ الكُهَّانَ، قالَ: فلا تَأْتِهِمْ قالَ: ومِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ، قالَ: ذَاكَ شيءٌ يَجِدُونَهُ في صُدُورِهِمْ، فلا يَصُدَّنَّهُمْ، قالَ ابنُ الصَّبَّاحِ: فلا يَصُدَّنَّكُمْ، قالَ قُلتُ: ومِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ، قالَ: كانَ نَبِيٌّ مِنَ الأنْبِيَاءِ يَخُطُّ، فمَن وافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ قالَ: وكَانَتْ لي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لي قِبَلَ أُحُدٍ والْجَوَّانِيَّةِ، فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَومٍ فَإِذَا الذِّيبُ قدْ ذَهَبَ بشَاةٍ مِن غَنَمِهَا، وأَنَا رَجُلٌ مِن بَنِي آدَمَ، آسَفُ كما يَأْسَفُونَ، لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً، فأتَيْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَعَظَّمَ ذلكَ عَلَيَّ، قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أفلا أُعْتِقُهَا؟ قالَ: ائْتِنِي بهَا فأتَيْتُهُ بهَا، فَقالَ لَهَا: أيْنَ اللَّهُ؟ قالَتْ: في السَّمَاءِ، قالَ: مَن أنَا؟ قالَتْ: أنْتَ رَسولُ اللهِ، قالَ: أعْتِقْهَا، فإنَّهَا مُؤْمِنَةٌ.
هذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه، وكان قريب عهد بجاهلية، لا يعلم كثيرا من أحكام الإسلام، فجاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام في قرب دخوله في الإسلام، كان قبل ذلك في جاهلية وأسلم قريبا، وكان يجهل الشيء الكثير من أمور الإسلام، فصلى مع رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو لا يدري أن الله سبحانه وتعالى حرم الكلام، وقد كان الكلام في الصلاة من الأمور المباحة في أول الإسلام، ثم نهى الله سبحانه وتعالى عن ذلك، جاء في الصحيحين من حديث ابن الأرقم رضي الله عنه قال:"كُنَّا نَتَكَلَّمُ في الصَّلَاةِ يُكَلِّمُ أحَدُنَا أخَاهُ في حَاجَتِهِ حتَّى نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ: {حَافِظُوا علَى الصَّلَوَاتِ والصَّلَاةِ الوُسْطَى وقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} فَأُمِرْنَا بالسُّكُوتِ.
وفي المسند وفي غيره عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام فسلم عليه وهو يصلي، أي النبي عليه الصلاة والسلام، فلم يرد عليه النبي عليه الصلاة والسلام السلام، قال فوقع في نفسي ما وقع، فلما قضى النبي عليه الصلاة والسلام صلاته قال له:" إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإن الله أحدث إلى نبيه عليه الصلاة والسلام ألا تكلموا.
فنهى ربنا سبحانه وتعالى عباده المؤمنين من الكلام في الصلاة، وكان الناس قبل ذلك يتكلمون، يكلم الرجل صاحبه، فمعاوية بن الحكم السلمي كان يجهل هذا الأمر لقرب عهده بالجاهلية، فسمع رجلا عطس في صلاته فقال له وهو يصلي: يرحمك الله، وهو لا يدري أن هذا لا يجوز، يرحمك الله، فلما سمع الناس كلام معاوية بن الحكم السلمي إذا بهم ينظرون إليه حتى يكف عن الكلام، قال : فرماني الناس بأبصارهم، ولا يدري ما هو السبب، فزاد كلاما أشد من الأول، فقال واثكل أمياه ما لكم تنظرون إلي؟ فضرب بعد ذلك القوم أيديهم بأفخاذهم، قال فعلمت أنهم يصمتونني لكني سكت،  لما فهم مرادهم سكت، فلما قضى النبي عليه الصلاة والسلام صلاته كان خير معلم عليه الصلاة والسلام، كان النبي عليه الصلاة والسلام رفيقا بالجاهلين، وهذا الرفق أثر في نفوس الكثير من أصحابه رضي الله عنهم أجمعين، قال الله:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[سورة آل عمران:159]
فالرفق واللين مع الجاهلين من الأخلاق الحسنة، التي تحلى بها رسول الله عليه الصلاة والسلام، الجاهل يعلم برفق وإن عظم خطأه، إذا كان الخطأ عن طريق الجهل ولم يكن متعمدا، ذلك الأعرابي دخل المسجد والنبي عليه الصلاة والسلام فيه مع أصحابه فجاء بأمر عظيم، بال في المسجد، وهذا أمر في غاية النكارة، بال في بيت من بيوت الله عز وجل، وفي مسجد من؟ في مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي
هو خير المساجد بعد المسجد الحرام، أفضل مسجد على وجه الأرض بعد المسجد الحرام، فهم به الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، فنهاهم النبي عليه الصلاة والسلام ثم علمه برفق، علمه برفق وانكر عليه ذلك المنكر برفق، فهذا حال رسول الله عليه الصلاة والسلام مع الجاهلين، وسواء كان الجاهل من الكبار أو من الصغار، فالخطأ قد يحصل من الكبير لجهله، وقد يحصل الخطأ من الصغير لجهله، فينبغي أن يعلم برفق، سواء كان من جهة الوالدين مع الأولاد، أو من جهة غيرهم إن وجد خطأ من جاهل من صغير فعل أمرا لا ينبغي، فالأصل أنه ينكر عليه برفق إن كان السبب في ذلك هو الجهل، وعدم العلم، وإنما يغلظ على من وقع في الخطأ عن علم وعناد، فهذا الذي يغلظ عليه، وهذا الذي يزجر، لأنه لم يؤتى من جهة الجهل، وإنما أتى من جهة العناد، فمن كان جاهلا يعلم برفق، كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام فقال بأبي هو وأمي: والله ما رأيت معلما قبل ولا بعد أحسن تعليما من رسول الله عليه والصلاة والسلام، والله ما كهرني؛ أي من انتهرني، ولا ضربني، ولا شتمني، وإنما قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن، فالمصلي في صلاته لا يتكلم، في صلاته بغير ذكر الله عز وجل، لا يتكلم في صلاته بغير ذكر الله سبحانه وتعالى، من قراءة القرآن، ومن التسبيح، ومن التكبير، ومن الدعاء، وغير ذلك من أنواع ذكر الله عز وجل، فلما وجد هذا الصحابي رضي الله عنه هذا الخلق العظيم من رسول الله عليه الصلاة والسلام انشرح صدره إلى أن يسأل رسول الله عليه الصلاة والسلام عما يجهله، لو أن النبي عليه الصلاة والسلام نهره، أو شتمه واغلظ عليه ربما ما سأل عن شيء مما يحتاج إليه  من أمر دينه، فلما وجد هذا الخلق الحسن من رسول الله عليه الصلاة والسلام إذا به يتجه إلى سؤال رسول الله عليه الصلاة والسلام عما هو موجود عندهم مما مما يجهل حكمه، فقال يا رسول الله إن فينا قوما يأتون الكهان، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام :"لا تأتهم" نهاه النبي عليه الصلاة والسلام عن إتيان الكهان، لأن الكهان قوم مفترون، أفاكون، كفرة فجرة، يدّعون علم الغيب الذي اختص الله سبحانه وتعالى به، ويحصل ما يحصل منهم من الفساد الكبير في أوساط الناس، الكهنة والسحرة والعرافين، هؤلاء قوم كفرة لا خير فيهم، لا يأتي الخير من جهتهم وأنا يأتي الخير ممن لا خير فيه، لا يأتي الخير ممن لا خير فيه، فهؤلاء أبعد الناس عن الخير، وأقرب الناس إلى الشر، بل أصل الشر فيهم، وهو الكفر بالله عز وجل، والشرك به، فنهاه النبي عليه الصلاة والسلام أن يأتيهم، وكم من أناس في هذه الأزمان الذي انتشر فيها العلم وانتشر فيها الإسلام، إذا بهم يتجهون إلى الكهنة والعرافين، في دقائق أمورهم وفي عظيمها، حال مزرية وقع فيها كثير من الناس، يأتون إلى الكهنة والعرافين والسحرة، إما يسألونهم عن المفقود، إن فقدوا شيئا من أموالهم، وإما عن ما يتعلق بسعادتهم وبشقائهم، وكأنهم يعلمون الغيب، ربما يأتي الشخص إذا جاءه المولود إلى الكهنة والعرافين من أجل أن يضع له نجما، أن يضع له تنجيما، وأن نجم ولدك كذا وكذا، وربما يأتي إليه من أجل يغير اسمه، إن كثر به الأمراض يأتي إلى الكهنة والعرافين والسحرة المشعوذين، فيقول له ذلك الكاهن وذلك الساحر هذا الإسم ثقيل على الولد، سمه بكذا وكذا، وكأن الإسم هو الذي جلب له الأمراض والآفات والآلام، عقائد فاسدة منتشرة في أوساط كثير من جهال الناس، وهي
عقائد شركية، شرك برب العالمين سبحانه وتعالى، الضر والنفع بيد الله، والذي يعلم الغيب هو رب العالمين سبحانه وتعالى.
هذا واستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.
 
 
*الخطبة الثانية:*
 
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، إما بعد:
هنالك من الناس من يأتي إلى الكهنة والعرافين والسحرة، إذاحصل بينه وبين أخيه نزاع دنيوي، إذا به ينتقم من أخيه بالسحر والعياذ بالله، ينتقم عليه بالسحر، ينتقم من أخيه لأبيه وأمه، وينتقم من عمه، وينتقم من ابن عمه، ويقطع أرحامه من أجل شيء من أمور الدنيا، والدنيا وما فيها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وربما يؤذي جاره بأنواع السحر بسبب بعض الخلافات، وقد يكون ما في خلافات، وإنما هو الحسد والعياذ بالله، بلاء منتشر في أوساط الناس لا يسلم من ذلك إلا من كان خائفا من ربه سبحانه وتعالى، ومن كان متقيا مراقبا لرب العالمين سبحانه وتعالى
 فقال رضي الله عنه :" وإن منا رجالا يتطيرون، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: ذلك شيء يجدونه في صدورهم، فلا يصدنهم، الطيرة بمعنى التشاؤم؛ يتشائمون من أشياء كثيرة، فبين النبي عليه الصلاة والسلام أن ذلك ليس له أساس، وليس له أصل، ولا حقيقة له، وإنما شيء يجدونه في نفوسهم لا حقيقة له، ولا أصل له،  فإن وجدوا ذلك الشيء في نفوسهم لا يمضوا معه، وإنما يتركونه ولا يلتفتون إليه، فإن جاء ووقع في نفسك شيء من ذلك فلا تمشي مع التشاؤم، فإن هذا شرك بالله عز وجل،  بعض الناس يمشي مع التشاؤم فيترك ما يحتاج إلى فعله، تشاؤما ربما يترك السفر، تشاؤما بأمر معين، وربما يترك النكاح تشاؤما بأمر معين، وربما يترك تجارة من أجل تشاؤم بأمر معين، وكل هذا من الشرك بالله عز وجل، فبين النبي عليه الصلاة والسلام أن الإنسان يتوكل على ربه، ولا يلتفت إلى التشاؤم، لا يلتفت إلى الطيرة، فإن الطيرة شرك، كما أخبرنا بذلك النبي عليه الصلاة والسلام، يتوكل العبد على ربه، ويستخير ربه سبحانه وتعالى في كل شيء، والخيرة ما اختاره رب العالمين سبحانه وتعالى للعبد، استخر ربك في كل شيء، وتوكل على ربك، واعتمد عليه، ولم تنال من ربك إلا الخير، إن توكلت الله، واعتمدت عليه بصدق، واستخرت ربك سبحانه وتعالى في كل شيء، تريد أن تقدم عليه فإنك لن تلقى إلا الخير من ربك سبحانه وتعالى، أما أن تتجه إلى التشاؤم والطيرة فلن تنال إلا الشر في قلبك، لن ترى إلا الشر، ولن تنال إلا الشقاء،  والقلق، والهم، والغم، فان الطيرة مجلبة لكل هم وغم، قال ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم، فقال يا رسول الله وفينا رجال يخطون، يستعملون الخطوط في التشاؤم والتفاؤل، هذا يفعله بعض الجهال، يخط خطوطا في الأرض ثم يمسح خطين خطين، فإن كان المتبقي خط واحد تفاءل وإن كان المتبقي عبارة عن خطين أو العكس، وكل هذا ليس له حقيقة، ولا أصل له، وهو من جملة التشاؤم، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك، والمعنى أن هذا لا يكون لغير ذلك النبي، فذلك النبي خصه الله عز وجل بهذا الأمر، وجعل هذا الأمر آية له، أطلعه الله سبحانه وتعالى على بعض أمر الغيب، بهذا الأمر، وهي آية من آيات الله عز وجل، لذلك النبي، فلا يمكن للشخص أن يدرك ذلك، فبين النبي عليه الصلاة والسلام أن هذا لا يكون لغير ذلك النبي، فإن الله عز وجل اختصه بذلك، وجعل ذلك آية له، والله سبحانه وتعالى يطلع أنبيائه ما شاء من غيبه، وإلا فإن الأنبياء والرسل لا يعلمون الغيب، لكن الله عز وجل يطلعهم بما شاء من غيبه بأسباب سخرها لهم سبحانه وتعالى، كهذا النبي الذي جعل الله له ذلك الخط آية من آياته، فقال بعد ذلك معاذ بن الحكم السلمي رضي الله عنه وذكر قصة حصلت له مع جارية، وهذا حصل بعد ذلك، له جارية كانت ترعى له الغنم، فجاء ذيب فذهب بغنمة من غنمه، هذه الجارية ليس لها سلطان على ذلك الذئب، ذئب هجم وأخذ غنمه من غنمه، شيء بقضاء الله وقدره، ليس لها سلطان، ولا تستطيع أن تمانع لأنها جارية، ما هي رجل يستطيع أن يمانع، وإنما جارية،  والجارية تطلق على البنت الصغيرة، فأخذ الذيب شاة من شاتها، فقال معاوية رضي الله عنه وأنا رجل من بني آدم أراد أن يعتذر لنفسه آسف كما يأسفون فصككتها صكة، ثم أتيت النبي عليه الصلاة والسلام وعظم ذلك في نفسه،  علم الخطأ الذي حصل منه، هناك من الناس من يخطئ ولا يريد الخطأ في نفسه، يخطئ ويظلم ويتعدى على الناس ولا يشعر بخطأه، ويفعل ما هو أعظم من هذا، ربما يسفك الدماء المحرمة، ولا يشعر بذنبه وخطأه، وربما يتولى ويتسلط على أموال الناس، يأخذ أراضي الناس ظلما.،  ويحتال على الناس في أموالهم، ويأخذ الأموال الطائلة ظلما وبغيا وغصبا، ولا يشعر بخطئه ويتمادى في خطئه يوما بعد يوم، لم يكن هكذا الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، هم بشر يحصل منهم شيء من الخطأ لكن يرجعون إلى ربهم سبحانه وتعالى، ويتحللون من المظالم، فقال: وأنا من بني آدم آسف كما يأسفون، فصككتها صكة ثم أتيت رسول الله عليه الصلاة والسلام فعظم ذلك في نفسي،فقلت يا رسول الله أعتقها وهي أمة عبد من العبيد،  أعتقها؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام أئت بها، فأتى بها، فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام أين الله؟ قالت: في السماء، قال من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال اعتقها فإنها مؤمنة،  أين الله؟ قالت: في السماء، جارية من الجواري علمت أين ربها، وأن ربها سبحانه وتعالى في السماء،  أي في العلو، قال الله:{الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ (5)}[سورة طه:5].
وقال الله:{أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16)}[سورة الملك:16].
وقال الله:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)}[سورة الأعلى:1].
وبعض الناس إذا قيل له أين الله؟ قال الله في كل مكان، عقيدة من عقائد المبطلين، من عقائد الجهمية إن الله عز وجل في كل مكان، الله سبحانه وتعالى في السماء، تعالى الله أن يكون في كل مكان، الأمكنة فيها القاذورات، فيها الأوساخ، فيها أمكنة الخلاء، فيها القمائم، فيها ما فيها من الشر والبلاء، الله سبحانه وتعالى متنزه عن ذلك، ربنا سبحانه وتعالى في السماء، أي في العلو كما دلت على ذلك أدلة الكتاب والسنة، وهذه الجارية يسألها النبي عليه الصلاة والسلام فيقول لها أين الله ؟قالت: في السماء، قال لها من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: اعتقها فإنها مؤمنة، أثبت لها الإيمان، وهذه كفارة لهذه الخطيئة خطيئة الضرب واللطم، جاء في صحيح مسلم(1657)عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:"مَن لَطَمَ مَمْلُوكَهُ، أَوْ ضَرَبَهُ، فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يُعْتِقَهُ.
هذه كفارة لهذا الذنب، ولهذه الخطيئة، لا تعتدي على عبد بظلم، فإن كان ذلك العبد من ضعفاء الخلق،  كالجواري والعبيد فالظلم أعظم، وليعلم العبد أن الله سبحانه هو قادر عليه، وكم لك من ذنوب وخطايا مع ربك سبحانه وتعالى وهو قادر أن ينتقم منك، فيعاملك الله عز وجل بالعفو والصفح، فعامل عباد الله سبحانه وتعالى بذلك ولا تعتدي على من كان ضعيفا، لا تعتدي لا على قوي ولا على ضعيف، غير أن التعدي على الضعفاء أشد وأشد، جاء في مسلم(1659) عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال:" كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لي بالسَّوْطِ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِن خَلْفِي، اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الغَضَبِ، قالَ: فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إذَا هو رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَإِذَا هو يقولُ: اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، قالَ: فألْقَيْتُ السَّوْطَ مِن يَدِي، فَقالَ: اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، أنَّ اللَّهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ علَى هذا الغُلَامِ، قالَ: فَقُلتُ: لا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا. [وفي رواية]: غيرَ أنَّ في حَديثِ جَرِيرٍ، فَسَقَطَ مِن يَدِي السَّوْطُ مِن هَيْبَتِهِ.
فإياك والظلم والتعدي، قال أبو مسعود رضي الله عنه والله لا أضرب بعده مملوكا أبدا، وهكذا كانوا رضي الله عنهم أجمعين يستجيبون ويسارعون إذا ما حصل منهم شيء من الخطأ والزلل، يتوبون ويسارعون في التوبة، وينتهون أبدا حتى يأتيهم الموت رضي الله عنهم أجمعين، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا،  وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم، اللهم اجعلناه هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها، ربنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم أمنا في أوطاننا، اللهم يسر على المعسرين، واقض الدين عن المدينين وعاف مبتلى المسلمين، واشف مرضاهم، وارحم موتاهم، إنك أنت الغفور الرحيم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.



جميع الحقوق محفوظة لـ الموقع الرسمي للشيخ أبي بكر الحمادي