نجوم الفلك في ذكر بعض من يعجب منه الله ويضحك 2023-01-02 03:45:10
*خطبة جمعة بعنوان:(نجوم الفلك في ذكر
بعض من يعجب منه الله ويضحك)*
*لشيخنا المبارك: أبي بكر بن عبده بن
عبدالله الحمادي حفظه الله*
*سجلت بتأريخ ٢٧ /جماد أول/١٤٤٣ هجرية*
*مسجد المغيرة بن
شعبة مدينة القاعدة محافظة إب حرسها الله وسائر بلاد المسلمين*
إن الحمد لله،
نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده
الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}
[آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا
النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ
مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ
اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ
رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد:فإن خير
الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور
محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
روى البخاري ومسلم
في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله عليه الصلاة
والسلام قال :"إنَّ اللَّهَ تَبارَكَ وتَعالَى يقولُ لأهْلِ الجَنَّةِ: يا
أهْلَ الجَنَّةِ، فيَقولونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنا وسَعْدَيْكَ، فيَقولُ: هلْ
رَضِيتُمْ؟ فيَقولونَ: وما لنا لا نَرْضَى وقدْ أعْطَيْتَنا ما لَمْ تُعْطِ أحَدًا
مِن خَلْقِكَ؟ فيَقولُ: أنا أُعْطِيكُمْ أفْضَلَ مِن ذلكَ، قالوا: يا رَبِّ،
وأَيُّ شَيءٍ أفْضَلُ مِن ذلكَ؟ فيَقولُ: أُحِلُّ علَيْكُم رِضْوانِي، فلا أسْخَطُ
علَيْكُم بَعْدَهُ أبَدًا"، البخاري (6549)مسلم (2829).
والله سبحانه وتعالى يقول
:{وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
(72)}[سورة التوبة:72].
ورضوان من الله
أكبر فهذا أعظم ما يناله العبد من رب العالمين سبحانه وتعالى أن ينال الرضوان من
رب العالمين سبحانه وتعالى، فإذا نال العبد الرضوان من رب العالمين سبحانه وتعالى
فقد نال الخير، ومن نال سخط الله عز وجل فقد نال الشر،
هنالك من ينال
رضوان الله عز وجل، وهنالك من ينال سخط الله سبحانه وتعالى، وإنما ينال العبد
رضوان الله بسبب عمله، وينال سخط الله عز وجل وينال غضب الله سبحانه وتعالى بسبب
عمله، فأعظم ما يتقي سخط رب العالمين سبحانه وتعالى، في مسلم من حديث أبي قتادة رضي
الله عنه أن عمر رضي الله عنه حين غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"
أعوذ بغضب الله وغضب رسوله.
من يغضب الله
سبحانه وتعالى عليه فقد خسر وهو من الهالكين والعياذ بالله، ومن ضحك الله سبحانه
وتعالى له فهو من المفلحين الفائزين، من غضب الله سبحانه وتعالى عليه فهو من
الخاسرين، والله سبحانه وتعالى يغضب من العبد إذا ما انتهك ما نهاه عنه، قال
سبحانه وتعالى:{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ
خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا
عَظِيمًا (93)}[سورة النساء:93].
فمن وقع في هذا
الذنب الكبير العظيم فإن الله سبحانه وتعالى يغضب عليه، ومن غضب الله سبحانه
وتعالى عليه فقد خسر،
قال تعالى
{ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ
الصَّادِقِينَ (9)}[ سورة النور:9].
أي إذا صدق الزوج
في رمي زوجته بالفاحشة فإن عليها الغضب من رب العالمين سبحانه وتعالى، ومن غضب
الله سبحانه وتعالى عليه خسر وهلك والعياذ بالله، في الصحيحين من حديث عبدالله بن
مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَن حَلَفَ علَى
يَمِينِ صَبْرٍ، يَقْتَطِعُ بها مالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَقِيَ اللَّهَ وهو عليه
غَضْبانُ فأنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذلكَ: {إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بعَهْدِ
اللَّهِ وأَيْمانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77] إلى آخِرِ الآيَةِ. 6677-
فَدَخَلَ الأشْعَثُ بنُ قَيْسٍ، فقالَ: ما حَدَّثَكُمْ أبو عبدِ الرَّحْمَنِ؟
فقالوا: كَذا وكَذا، قالَ: فِيَّ أُنْزِلَتْ، كانَتْ لي بئْرٌ في أرْضِ ابْنِ
عَمٍّ لِي، فأتَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ:
بَيِّنَتُكَ أوْ يَمِينُهُ قُلتُ: إذًا يَحْلِفُ عليها يا رَسولَ اللَّهِ، فقالَ
رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَن حَلَفَ علَى يَمِينِ صَبْرٍ، وهو
فيها فاجِرٌ، يَقْتَطِعُ بها مالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَقِيَ اللَّهَ يَومَ
القِيامَةِ وهو عليه غَضْبانُ"، البخاري (6676)، ومسلم (138).
ومن لقى ربه
سبحانه وتعالى وهو عليه غضبان فإنه من الخاسرين، الذي يأخذ حقوق الناس ظلما والناس
ما عندهم بينة فيستغل هذا الضعف الحاصل لأصحاب الحق فيحلف الأيمان الكاذبة على أن
ذلك له وليس لفلان فإن يلقى ربه سبحانه وتعالى وهو عليه غضبان، والله سبحانه
وتعالى لا يخفى عليه شيء من أمر العباد، يعلم كل شيء ولا يخفى عليه شيء، فمن أخذ
حق غيره بغير حق وحلف الأيمان الكاذبة على ذلك فإنه يلقى ربه سبحانه وتعالى وهو
عليه غضبان، من غضب الله سبحانه وتعالى عليه هلك، ومن ضحك الله سبحانه وتعالى له
أفلح، هنالك من الناس من يضحك لهم رب العالمين سبحانه وتعالى، وهذا يدل على أن رب
العالمين قد رضي عنهم، فمن ضحك الله سبحانه وتعالى له فقد رحمه ورضي عن عمله، جاء
في مسند الإمام أحمد من حديث نعيم بن همار الغطفاني رضي الله عنه عن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم
قال:"وإذا ضحِك ربُّك إلى عبدٍ في الدنيا فلا حسابَ عليه .
أي أنه يدخل الجنة
من غير حساب ولا عذاب، يدخل الجنة دخولا أوليا فلا يحاسب على أعماله ولا يعاقب، بل
يتجاوز الله سبحانه وتعالى عنه، ويعفو الله سبحانه وتعالى عنه،
وإذا ضحِك ربُّك إلى عبدٍ في الدنيا فلا حسابَ عليه .
وإنما يضحك الله
سبحانه وتعالى من العبد إذا رضي عمله، إذا رضي عمله وأحبه وأحب ذلك العامل فإنه
يضحك له سبحانه وتعالى، وروى ابن ماجة (181) ، وأحمد (16187) ، والطبراني في
"الكبير" (469) عَنْ وَكِيعِ بْنِ حُدُسٍ ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي رَزِينٍ
، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ضَحِكَ
رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ ، وَقُرْبِ غِيَرِهِ ) قَالَ : قُلْتُ : يَا
رَسُولَ اللَّهِ، أَوَ يَضْحَكُ الرَّبُّ، قَالَ: (نَعَمْ) ، قُلْتُ: لَنْ
نَعْدَمَ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرًا .
أي سينال منه
العباد الخير العظيم، إذا كان الله سبحانه وتعالى موصف بذلك؛ موصف بالضحك يضحك مما
يضحك منه على وجه الكمال سبحانه وتعالى، على وجه الكمال لا يشبه ضحك المخلوقين،
فإن الله سبحانه وتعالى قال عن نفسه { ليس كمثله شيء وهو السميع العليم }.
لن نعدم من رب
يضحك خيرا، فالله سبحانه وتعالى يضحك من بعض العاملين وهذا الضحك كما عرفنا يدل
على رضاه سبحانه وتعالى، ومحبته لذلك العبد الذي فعل ذلك الأمر، جاء في الصحيحين
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
قال:"يَضْحَكُ اللَّهُ لِرَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أحَدُهُما الآخَرَ كِلاهُما
يَدْخُلُ الجَنَّةَ، قالوا: كيفَ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: يُقْتَلُ هذا فَيَلِجُ
الجَنَّةَ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ علَى الآخَرِ، فَيَهْدِيهِ إلى الإسْلامِ، ثُمَّ
يُجاهِدُ في سَبيلِ اللهِ، فيُسْتَشْهَدُ"،أخرجه البخاري (2826)، ومسلم
(1890).
فالأول قُتل في
سبيل الله عز وجل قتله أحد الكافرين، ثم تاب الله سبحانه وتعالى على ذلك الكافر
حين أسلم فقاتل فستشهد في سبيل الله فكان القاتل والمقتول من الشهداء دخلوا في
رحمة الله عز وجل فيضحك الله سبحانه وتعالى لهما، يضحك الله لهما للقاتل والمقتول،
لأن القاتل قتله في حال كفره كان من الكافرين، قتل ذلك المسلم فنال ذلك المسلم الشهادة في سبيل الله عز وجل،
ثم تاب الله سبحانه وتعالى على ذلك الكافر فقاتل الكافرين في سبيل الله فاستشهد في
سبيل الله فكان من الشهداء، فضحك الله سبحانه وتعالى على القاتل والمقتول كما في
هذا الحديث، وهكذا في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء رجلٌ إلى
النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني مجهودٌ، فأرسل إلى بعضِ نسائِه، فقالت:
والذي بعثك بالحقِّ ما عندي إلا ماءٌ، ثم أرسل إلى أخرى، فقالت مثلَ ذلك، حتى
قُلْنَ كلهن مثلَ ذلك: لا والذي بعثك بالحقِّ ما عندي إلا ماءٌ. حاجة شديدة كانت
لرسول الله عليه الصلاة والسلام ولأهل بيته، أراد أن يضيف ذلك الرجل الذي بلغ به
من الجهد ما بلغ وليس عنده شيء، فيرسل إلى نسائه امرأة امرأة امرأة وهن يقلن لرسول
الله عليه الصلاة والسلام:" والذي بعث بالحق ما عندنا إلا الماء.
فقال النبيُّ -صلى
الله عليه وسلم-: "من يُضيفُ هذا الليلةَ؟"، فقال رجلٌ من الأنصار: أنا
يا رسولَ اللهِ، فانطلقَ به إلى رحلِه، فقال لامرأته: أكرِمِي ضيف رسول الله -صلى
الله عليه وسلم-. وفي رواية قال لامرأته: هل عندك شيءٌ؟، فقالت: لا، إلا قوتَ
صِبيَاني، قال: فعَلِّليهم بشيءٍ، وإذا أرادوا العشاءَ فنوّمِيهم، وإذا دخلَ ضيفُنا
فأطفِئي السِّراجَ، وأرِيهِ أنَّا نَأكلُ، فقعدوا وأكلَ الضيفُ، وباتا طاويين،
فلمَّا أصبحَ غدا على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: "لقد عَجِبَ اللهُ
من صَنِيعِكما بضَيفِكما.
هكذا يقول نبينا
عليه الصلاة والسلام، وأنزل الله سبحانه وتعالى في فضل ذلك الرجل والمرأة قول الله
عز وجل:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن
يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)}[ سورة الحشر:9].
اسأل الله سبحانه
وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين، وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم.
*الخطبة الثانية:*
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى
آله وصحبه وسلم أما بعد:
فهؤلاء ممن يضحك
الله سبحانه وتعالى لهم لحسن صنيعهم، ورضا الله سبحانه وتعالى عنهم وعن
أعمالهم، وإذا ضحك الله لعبد في الدنيا
فلا حساب عليه، كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام، عند الطبراني في معجمه الكبير
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:"عن عبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ أنَّهُ
قالَ ألا إنَّ اللَّهَ يضحَكُ إلى
رجلينِ رجلٌ قامَ في ليلةٍ باردةٍ من فراشِه ولحافِه ودثارِه
فتوضَّأَ ثمَّ قامَ إلى الصَّلاةِ فيقولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ
لملائِكتِهِ ما حملَ عبدي هذا على ما صنعَ فيقولونَ ربَّنا رجاءَ ما عندَك وشفقةً
ممَّا عندَك فيقولُ فإنِّي قد أعطيتُه ما رجا وأمَّنتُه ممَّا يخافُ.
فهذا الرجل يضحك
الله سبحانه وتعالى له، يضحك الله له لحسن ما فعل، حيث أنه كابد مشقة النوم، وكابد
البرد، كابد مشقة النوم في ليلة باردة قام من فراشه ومن دثاره ومن لحافه وتوضأ في
تلك الليلة الباردة وصلى ما كتب الله له في تلك الليلة الباردة فضحك الله سبحانه
وتعالى له، ثم أعطاه الله سبحانه وتعالى ما رجا وأمنه الله سبحانه وتعالى مما خاف،
فمن ضحك الله له فلن يعدم خيرا، بل هو المفلح الفائز، وكما أن الله سبحانه وتعالى
يضحك لصنيع بعض الصالحين كذلك يعجب من بعض الأعمال الحسنة، ومن عجب الله سبحانه
وتعالى من عمله الحسن فيثيبه رب العالمين سبحانه وتعالى الثواب العظيم الثواب
الكبير، جاء في مسند الإمام احمد(17442)،عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"يعجبُ ربُّك من راعي غنمٍ في رأسِ شَظيةٍ
بجبلٍ يؤذنُ للصلاةِ ويصلي فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: انظروا إلى عبدي هذا يؤذِّنُ
ويقيمُ الصلاةَ يخافُ مني قد غفرتُ لعبدي وأدخلتُه الجنَّةَ.
على شظية أي على قطعة
في أعلى جبل يؤذن ويقيم، هو في منطقة بعيدة ما هو عند الناس، ما هو في مدن الناس،
ولا في قرى الناس، ما في عنده مسجد يصلي فيه، في موضع بعيد على رأس جبل في شظية
قطعة مرتفعة من جبل وعنده الغنم، فلما حان وقت الصلاة إذا به يرفع صوته في الأذان،
ينادي ويرفع صوته بالأذان ثم يقيم الصلاة، ثم يصلي، فيعجب سبحانه وتعالى منه، ومن
عجب الله سبحانه وتعالى من عمله الحسن فهو من الفائزين وهو من المفلحين، يثيبه
الله سبحانه وتعالى على عمله الثواب العظيم، هذا عبد راقب ربه سبحانه وتعالى، ما
عنده أحد يرائيه ما عنده إلا غنم، دخل الوقت وهو يراقب ربه سبحانه وتعالى ويخشى
ربه فلن يضيع فريضة الله سبحانه وتعالى
التي افترضها الله عليه، بل نادى بالأذان حين دخل الوقت وأقام الصلاة وصلى في ذلك
الموضع الذي ليس فيه أحد من الناس، إنما يشاهده ربه سبحانه وتعالى، فراقب ربه
سبحانه وتعالى واتقاه في ذلك الموطن فتعجب الله سبحانه وتعالى من صنيعه، فيا معشر
المسلمين احرصوا على رضوان الله عز وجل بطاعته، وابتعدوا عن سخطه بمعاصيه، فالمفلح
من أطاع ربه، والخاسر من عصى ربه والدنيا فانية، الدنيا فانية وغدا يكون الجزاء
وغدا قريب، غدا قريب والدنيا قد مر أكثرها وما بقى منها إلا الشيء اليسير، فلا
تغرنكم الحياة الدنيا وليغرنكم بالله الغرور.
اسأل الله سبحانه
وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين، وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم، اللهم
اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتنا وسرها، اللهم اغفر لنا
ذنوبنا يا أرحم الراحمين، اللهم إني اسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ
بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، ربنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا وإنه لا
يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم،
اللهم اغفر لموتى المسلمين أجمعين وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه، اللهم إنا
نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة
حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.
*لشيخنا المبارك: أبي بكر بن عبده بن عبدالله الحمادي حفظه الله*
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
أما بعد:فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال :"إنَّ اللَّهَ تَبارَكَ وتَعالَى يقولُ لأهْلِ الجَنَّةِ: يا أهْلَ الجَنَّةِ، فيَقولونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنا وسَعْدَيْكَ، فيَقولُ: هلْ رَضِيتُمْ؟ فيَقولونَ: وما لنا لا نَرْضَى وقدْ أعْطَيْتَنا ما لَمْ تُعْطِ أحَدًا مِن خَلْقِكَ؟ فيَقولُ: أنا أُعْطِيكُمْ أفْضَلَ مِن ذلكَ، قالوا: يا رَبِّ، وأَيُّ شَيءٍ أفْضَلُ مِن ذلكَ؟ فيَقولُ: أُحِلُّ علَيْكُم رِضْوانِي، فلا أسْخَطُ علَيْكُم بَعْدَهُ أبَدًا"، البخاري (6549)مسلم (2829).
والله سبحانه وتعالى يقول :{وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)}[سورة التوبة:72].
ورضوان من الله أكبر فهذا أعظم ما يناله العبد من رب العالمين سبحانه وتعالى أن ينال الرضوان من رب العالمين سبحانه وتعالى، فإذا نال العبد الرضوان من رب العالمين سبحانه وتعالى فقد نال الخير، ومن نال سخط الله عز وجل فقد نال الشر،
هنالك من ينال رضوان الله عز وجل، وهنالك من ينال سخط الله سبحانه وتعالى، وإنما ينال العبد رضوان الله بسبب عمله، وينال سخط الله عز وجل وينال غضب الله سبحانه وتعالى بسبب عمله، فأعظم ما يتقي سخط رب العالمين سبحانه وتعالى، في مسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن عمر رضي الله عنه حين غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" أعوذ بغضب الله وغضب رسوله.
من يغضب الله سبحانه وتعالى عليه فقد خسر وهو من الهالكين والعياذ بالله، ومن ضحك الله سبحانه وتعالى له فهو من المفلحين الفائزين، من غضب الله سبحانه وتعالى عليه فهو من الخاسرين، والله سبحانه وتعالى يغضب من العبد إذا ما انتهك ما نهاه عنه، قال سبحانه وتعالى:{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)}[سورة النساء:93].
فمن وقع في هذا الذنب الكبير العظيم فإن الله سبحانه وتعالى يغضب عليه، ومن غضب الله سبحانه وتعالى عليه فقد خسر،
قال تعالى { وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)}[ سورة النور:9].
أي إذا صدق الزوج في رمي زوجته بالفاحشة فإن عليها الغضب من رب العالمين سبحانه وتعالى، ومن غضب الله سبحانه وتعالى عليه خسر وهلك والعياذ بالله، في الصحيحين من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَن حَلَفَ علَى يَمِينِ صَبْرٍ، يَقْتَطِعُ بها مالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَقِيَ اللَّهَ وهو عليه غَضْبانُ فأنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذلكَ: {إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بعَهْدِ اللَّهِ وأَيْمانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77] إلى آخِرِ الآيَةِ. 6677- فَدَخَلَ الأشْعَثُ بنُ قَيْسٍ، فقالَ: ما حَدَّثَكُمْ أبو عبدِ الرَّحْمَنِ؟ فقالوا: كَذا وكَذا، قالَ: فِيَّ أُنْزِلَتْ، كانَتْ لي بئْرٌ في أرْضِ ابْنِ عَمٍّ لِي، فأتَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: بَيِّنَتُكَ أوْ يَمِينُهُ قُلتُ: إذًا يَحْلِفُ عليها يا رَسولَ اللَّهِ، فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَن حَلَفَ علَى يَمِينِ صَبْرٍ، وهو فيها فاجِرٌ، يَقْتَطِعُ بها مالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَقِيَ اللَّهَ يَومَ القِيامَةِ وهو عليه غَضْبانُ"، البخاري (6676)، ومسلم (138).
ومن لقى ربه سبحانه وتعالى وهو عليه غضبان فإنه من الخاسرين، الذي يأخذ حقوق الناس ظلما والناس ما عندهم بينة فيستغل هذا الضعف الحاصل لأصحاب الحق فيحلف الأيمان الكاذبة على أن ذلك له وليس لفلان فإن يلقى ربه سبحانه وتعالى وهو عليه غضبان، والله سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء من أمر العباد، يعلم كل شيء ولا يخفى عليه شيء، فمن أخذ حق غيره بغير حق وحلف الأيمان الكاذبة على ذلك فإنه يلقى ربه سبحانه وتعالى وهو عليه غضبان، من غضب الله سبحانه وتعالى عليه هلك، ومن ضحك الله سبحانه وتعالى له أفلح، هنالك من الناس من يضحك لهم رب العالمين سبحانه وتعالى، وهذا يدل على أن رب العالمين قد رضي عنهم، فمن ضحك الله سبحانه وتعالى له فقد رحمه ورضي عن عمله، جاء في مسند الإمام أحمد من حديث نعيم بن همار الغطفاني رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:"وإذا ضحِك ربُّك إلى عبدٍ في الدنيا فلا حسابَ عليه .
أي أنه يدخل الجنة من غير حساب ولا عذاب، يدخل الجنة دخولا أوليا فلا يحاسب على أعماله ولا يعاقب، بل يتجاوز الله سبحانه وتعالى عنه، ويعفو الله سبحانه وتعالى عنه، وإذا ضحِك ربُّك إلى عبدٍ في الدنيا فلا حسابَ عليه .
وإنما يضحك الله سبحانه وتعالى من العبد إذا رضي عمله، إذا رضي عمله وأحبه وأحب ذلك العامل فإنه يضحك له سبحانه وتعالى، وروى ابن ماجة (181) ، وأحمد (16187) ، والطبراني في "الكبير" (469) عَنْ وَكِيعِ بْنِ حُدُسٍ ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي رَزِينٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ضَحِكَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ ، وَقُرْبِ غِيَرِهِ ) قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَ يَضْحَكُ الرَّبُّ، قَالَ: (نَعَمْ) ، قُلْتُ: لَنْ نَعْدَمَ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرًا .
أي سينال منه العباد الخير العظيم، إذا كان الله سبحانه وتعالى موصف بذلك؛ موصف بالضحك يضحك مما يضحك منه على وجه الكمال سبحانه وتعالى، على وجه الكمال لا يشبه ضحك المخلوقين، فإن الله سبحانه وتعالى قال عن نفسه { ليس كمثله شيء وهو السميع العليم }.
لن نعدم من رب يضحك خيرا، فالله سبحانه وتعالى يضحك من بعض العاملين وهذا الضحك كما عرفنا يدل على رضاه سبحانه وتعالى، ومحبته لذلك العبد الذي فعل ذلك الأمر، جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"يَضْحَكُ اللَّهُ لِرَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أحَدُهُما الآخَرَ كِلاهُما يَدْخُلُ الجَنَّةَ، قالوا: كيفَ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: يُقْتَلُ هذا فَيَلِجُ الجَنَّةَ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ علَى الآخَرِ، فَيَهْدِيهِ إلى الإسْلامِ، ثُمَّ يُجاهِدُ في سَبيلِ اللهِ، فيُسْتَشْهَدُ"،أخرجه البخاري (2826)، ومسلم (1890).
فالأول قُتل في سبيل الله عز وجل قتله أحد الكافرين، ثم تاب الله سبحانه وتعالى على ذلك الكافر حين أسلم فقاتل فستشهد في سبيل الله فكان القاتل والمقتول من الشهداء دخلوا في رحمة الله عز وجل فيضحك الله سبحانه وتعالى لهما، يضحك الله لهما للقاتل والمقتول، لأن القاتل قتله في حال كفره كان من الكافرين، قتل ذلك المسلم فنال ذلك المسلم الشهادة في سبيل الله عز وجل، ثم تاب الله سبحانه وتعالى على ذلك الكافر فقاتل الكافرين في سبيل الله فاستشهد في سبيل الله فكان من الشهداء، فضحك الله سبحانه وتعالى على القاتل والمقتول كما في هذا الحديث، وهكذا في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء رجلٌ إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني مجهودٌ، فأرسل إلى بعضِ نسائِه، فقالت: والذي بعثك بالحقِّ ما عندي إلا ماءٌ، ثم أرسل إلى أخرى، فقالت مثلَ ذلك، حتى قُلْنَ كلهن مثلَ ذلك: لا والذي بعثك بالحقِّ ما عندي إلا ماءٌ. حاجة شديدة كانت لرسول الله عليه الصلاة والسلام ولأهل بيته، أراد أن يضيف ذلك الرجل الذي بلغ به من الجهد ما بلغ وليس عنده شيء، فيرسل إلى نسائه امرأة امرأة امرأة وهن يقلن لرسول الله عليه الصلاة والسلام:" والذي بعث بالحق ما عندنا إلا الماء.
فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "من يُضيفُ هذا الليلةَ؟"، فقال رجلٌ من الأنصار: أنا يا رسولَ اللهِ، فانطلقَ به إلى رحلِه، فقال لامرأته: أكرِمِي ضيف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وفي رواية قال لامرأته: هل عندك شيءٌ؟، فقالت: لا، إلا قوتَ صِبيَاني، قال: فعَلِّليهم بشيءٍ، وإذا أرادوا العشاءَ فنوّمِيهم، وإذا دخلَ ضيفُنا فأطفِئي السِّراجَ، وأرِيهِ أنَّا نَأكلُ، فقعدوا وأكلَ الضيفُ، وباتا طاويين، فلمَّا أصبحَ غدا على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: "لقد عَجِبَ اللهُ من صَنِيعِكما بضَيفِكما.
هكذا يقول نبينا عليه الصلاة والسلام، وأنزل الله سبحانه وتعالى في فضل ذلك الرجل والمرأة قول الله عز وجل:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)}[ سورة الحشر:9].
اسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين، وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم.
فهؤلاء ممن يضحك الله سبحانه وتعالى لهم لحسن صنيعهم، ورضا الله سبحانه وتعالى عنهم وعن أعمالهم، وإذا ضحك الله لعبد في الدنيا فلا حساب عليه، كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام، عند الطبراني في معجمه الكبير عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:"عن عبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ أنَّهُ قالَ ألا إنَّ اللَّهَ يضحَكُ إلى رجلينِ رجلٌ قامَ في ليلةٍ باردةٍ من فراشِه ولحافِه ودثارِه فتوضَّأَ ثمَّ قامَ إلى الصَّلاةِ فيقولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ لملائِكتِهِ ما حملَ عبدي هذا على ما صنعَ فيقولونَ ربَّنا رجاءَ ما عندَك وشفقةً ممَّا عندَك فيقولُ فإنِّي قد أعطيتُه ما رجا وأمَّنتُه ممَّا يخافُ.
فهذا الرجل يضحك الله سبحانه وتعالى له، يضحك الله له لحسن ما فعل، حيث أنه كابد مشقة النوم، وكابد البرد، كابد مشقة النوم في ليلة باردة قام من فراشه ومن دثاره ومن لحافه وتوضأ في تلك الليلة الباردة وصلى ما كتب الله له في تلك الليلة الباردة فضحك الله سبحانه وتعالى له، ثم أعطاه الله سبحانه وتعالى ما رجا وأمنه الله سبحانه وتعالى مما خاف، فمن ضحك الله له فلن يعدم خيرا، بل هو المفلح الفائز، وكما أن الله سبحانه وتعالى يضحك لصنيع بعض الصالحين كذلك يعجب من بعض الأعمال الحسنة، ومن عجب الله سبحانه وتعالى من عمله الحسن فيثيبه رب العالمين سبحانه وتعالى الثواب العظيم الثواب الكبير، جاء في مسند الإمام احمد(17442)،عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"يعجبُ ربُّك من راعي غنمٍ في رأسِ شَظيةٍ بجبلٍ يؤذنُ للصلاةِ ويصلي فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: انظروا إلى عبدي هذا يؤذِّنُ ويقيمُ الصلاةَ يخافُ مني قد غفرتُ لعبدي وأدخلتُه الجنَّةَ.
على شظية أي على قطعة في أعلى جبل يؤذن ويقيم، هو في منطقة بعيدة ما هو عند الناس، ما هو في مدن الناس، ولا في قرى الناس، ما في عنده مسجد يصلي فيه، في موضع بعيد على رأس جبل في شظية قطعة مرتفعة من جبل وعنده الغنم، فلما حان وقت الصلاة إذا به يرفع صوته في الأذان، ينادي ويرفع صوته بالأذان ثم يقيم الصلاة، ثم يصلي، فيعجب سبحانه وتعالى منه، ومن عجب الله سبحانه وتعالى من عمله الحسن فهو من الفائزين وهو من المفلحين، يثيبه الله سبحانه وتعالى على عمله الثواب العظيم، هذا عبد راقب ربه سبحانه وتعالى، ما عنده أحد يرائيه ما عنده إلا غنم، دخل الوقت وهو يراقب ربه سبحانه وتعالى ويخشى ربه فلن يضيع فريضة الله سبحانه وتعالى التي افترضها الله عليه، بل نادى بالأذان حين دخل الوقت وأقام الصلاة وصلى في ذلك الموضع الذي ليس فيه أحد من الناس، إنما يشاهده ربه سبحانه وتعالى، فراقب ربه سبحانه وتعالى واتقاه في ذلك الموطن فتعجب الله سبحانه وتعالى من صنيعه، فيا معشر المسلمين احرصوا على رضوان الله عز وجل بطاعته، وابتعدوا عن سخطه بمعاصيه، فالمفلح من أطاع ربه، والخاسر من عصى ربه والدنيا فانية، الدنيا فانية وغدا يكون الجزاء وغدا قريب، غدا قريب والدنيا قد مر أكثرها وما بقى منها إلا الشيء اليسير، فلا تغرنكم الحياة الدنيا وليغرنكم بالله الغرور.
اسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين، وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتنا وسرها، اللهم اغفر لنا ذنوبنا يا أرحم الراحمين، اللهم إني اسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، ربنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم اغفر لموتى المسلمين أجمعين وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.