الإسفار عن حرمة الترحم والاستغفار للكفار
2022-12-29 03:48:15
*خطبة جمعة بعنوان:(الإسفار عن حرمة
الترحم والاستغفار للكفار)*
*لشيخنا المبارك أبي
بكر الحمادي حفظه الله*
*سجلت بتأريخ ١٩/شوال/١٤٤٣ هجرية*
*مسجد المغيرة بن
شعبة مدينة القاعدة محافظة إب حرسها الله وسائر بلاد المسلمين*
إن الحمد لله،
نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده
الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}
[آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا
النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ
مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ
اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ
رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد:فإن خير
الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور
محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
يقول سبحانه
وتعالى في كتابه الكريم:{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ
أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا ۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ ۖ
وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88)}[النساء:88].
فنهى الله سبحانه
وتعالى في هذه الآية المباركة صحابة نبيه عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم
أجمعين، حين اختلفوا في شأن بعض المنافقين، فوعظهم الله سبحانه وتعالى هذه
الموعظة، وزجرهم بهذا الزاجر، وبين لهم أنه ما كان ينبغي لكم أن تختلفوا في
المنافقين الذين قد ظهر كفرهم، وبان كفرهم، وظهرت ضلالتهم، فهم ممن أضله الله عز
وجل، أتريدون أن تهدوا من أضل الله، هذا شيء لا يكون، من أضله الله سبحانه وتعالى
فلا هادي له، ومن هداه الله سبحانه وتعالى فلا مضل له، فلا ينبغي أن يختلف
المسلمون في شأن المنافقين، وهكذا لا ينبغي للمسلمين أن يختلفوا في شأن الكافرين،
سواء كانوا من اليهود أو كانوا من النصارى أو كانوا من المجوس، وعلاما الاختلاف في
هؤلاء، وقد أضلهم الله سبحانه وتعالى، وقد بين رب العالمين سبحانه وتعالى حالهم،
وبين رب العالمين سبحانه وتعالى كفرهم، وبين رب العالمين سبحانه وتعالى مآلهم، فإن
مآل الكافرين إلى الجحيم والعياذ بالله، قال سبحانه وتعالى:{إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ
فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)}[البينة:6].
فبين سبحانه
وتعالى أن أهل الكتاب من جملة الكافرين، وأنهم مع إخوانهم المشركين في نار جهنم،
وأنهم هم شر البرية أي شر الخليقة، فهذا حكم الله سبحانه وتعالى في الكافرين من
اليهود ومن النصارى ومن سائر المشركين، أنهم مخلدون في نار جهنم، وأنهم شر البرية،
علاما يختلف المسلمون فيهم، قال سبحانه وتعالى في شأن النصارى:{لَقَدْ كَفَرَ
الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ وَقَالَ
الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ
إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ
وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72)}[المائدة:72]
كفرهم الله عز
وجل، وأخبر أن مصيرهم إلى النار والعياذ بالله، الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن
مريم، وهؤلاء هم النصارى، الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة، الذين قالوا المسيح هو
ابن الله، فهؤلاء كفرهم رب العالمين سبحانه وتعالى، وأخبر أن الجنة عليه حرام،
وأنهم من أهل السعير، لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم، كفرهم الله
سبحانه وتعالى بذلك، وأخبر الله سبحانه وتعالى عن المسيح أنه قال لقومه أنه من
يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار، فمآل
الكافرين من اليهود ومن النصارى ومن سائر المشركين في نار جهنم والعياذ بالله، وهم
شر البرية، جاء في سنن ابن ماجة(1288)، من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، أن
النبي عليه الصلاة والسلام قال لأعرابي:"حيثُما مررتَ بقبرِ مشرِكٍ فبشِّرْهُ
بالنَّارِ.
فالمشركون في نار
جهنم، والنصارى من أهل الشرك لأنهم عبدوا المسيح من دون الله عز وجل، وقالوا إن
الله ثالث، فحيث ما مررت بقبر مشرك فبشره بالنار، هكذا يقول له نبينا عليه الصلاة
والسلام، فمآل الكافرين من اليهود والنصارى أمر معلوم، فعلاما يختلف المسلمون
فيهم، فما لكم في المنافقين فئتين، أي اختلفتم إلى فئتين وإلى طائفتين، وأمرهم
ظاهر بين ليس فيه لبس ولا إشكال، وهكذا الاختلاف فيمن هو أظهر وأظهر، الاختلاف في
شأن اليهود أو في شأن النصارى أو في شأن المجوس فإن أمر هؤلاء ظاهر بين لا إشكال
فيه، كيف فيختلف المسلمون في شأن من كفر بالله عز وجل، هل يستغفر له أو لا يستغفر
له؟ هل يترحم عليه أو لا يترحم له؟ فعلاما الاختلاف في أمور ظاهرة بينة؟ فإن ربنا
سبحانه وتعالى قد نهى عن ذلك في كتابه الكريم، نهى من؟ نهى خير الخلق، نهى محمدا
عليه الصلاة والسلام، ومن معه من الصحابة الكرام، يترحم في شأن من؟ في شأن
قرابتهم،{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ
وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ
أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113)وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ
إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ
عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ
(114)}[التوبة:113،114].
فنهى ربنا سبحانه
وتعالى نبيه عليه الصلاة والسلام ومن معه من المؤمنين أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا من الأقرباء، وقد
جاء في الصحيحين من حديث المسيب أن هذه الآية نزلت في قول رسول الله عليه الصلاة
والسلام في شأن عمه أبي طالب:"لَأَسْتَغْفِرَنَّ لكَ ما لَمْ أُنْهَ
عَنْكَ.البخاري (4675)، ومسلم (24)
لَمَّا حَضَرَتْ
أبَا طَالِبٍ الوَفَاةُ دَخَلَ عليه النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وعِنْدَهُ
أبو جَهْلٍ وعَبْدُ اللَّهِ بنُ أبِي أُمَيَّةَ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه
وسلَّمَ: أيْ عَمِّ، قُلْ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أُحَاجُّ لكَ بهَا عِنْدَ
اللَّهِ، فَقالَ أبو جَهْلٍ، وعَبْدُ اللَّهِ بنُ أبِي أُمَيَّةَ: يا أبَا طَالِبٍ
أتَرْغَبُ عن مِلَّةِ عبدِ المُطَّلِبِ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه
وسلَّمَ: لَأَسْتَغْفِرَنَّ لكَ ما لَمْ أُنْهَ عَنْكَ، فَنَزَلَتْ: {ما كانَ
للنبيِّ والذينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ولو كَانُوا أُولِي
قُرْبَى، مِن بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لهمْ أنَّهُمْ أصْحَابُ الجَحِيمِ}.
فنهى الله سبحانه
وتعالى نبيه عن ذلك أن يستغفر لمن لعمه أبي طالب الذي نصر رسول الله عليه الصلاة
والسلام في مبدأ الأمر، وآزر النبي عليه الصلاة والسلام، وكان عونا له مع شركه ومع
كفره، فكان ناصرا ومحاميا ومدافعا عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومع هذا أراد
النبي عليه الصلاة والسلام أن يستغفر له فنهاه رب العالمين سبحانه وتعالى، مع ما
حصل منه من هذا الأمر في شأن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذود والحماية
والنصرة لرسول الله عليه الصلاة والسلام، لكن لما كان من أهل الشرك ولم يدخل في
الإسلام نهى رب العالمين سبحانه وتعالى نبيه عليه الصلاة والسلام أن يستغفر له،
فنهاه عن ذلك في هذه الآية المباركة، وبين ربنا سبحانه وتعالى أن ما حصل من
إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام كان قبل علمه، وقبل أن ينهاه ربه عن ذلك،
{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ
وَعَدَهَا إِيَّاهُ} أي في قوله {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ۖ إِنَّهُ كَانَ بِي
حَفِيًّا (47)}[مريم:47].
وأراد أن يستغفر
له قبل أن ينهاه رب العالمين سبحانه وتعالى، {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ
إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا
تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ
لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114)}
وبهذا قال الله
سبحانه وتعالى{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ
وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا
تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ
الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ
إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ
مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۖ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا
وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) }[الممتحنة:4].
أي ليس لكم أسوة
حسنة في إبراهيم في هذه المسألة؛ مسألة الإستغفار لأبيه لأنه حصل منه قبل أن ينهاه
رب العالمين سبحانه وتعالى، وقبل أن يتبين له أنه عدو لرب العالمين سبحانه وتعالى،
فلما تبين لإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام أن أباه عدو لله عز وجل فإنه تبرأ
من أبيه، تبرأ من أقرب الناس إليه، فإن الولاء والبراء من أجل الله عز وجل، لا من
أجل حظوظ النفس، ولا من أجل القرابة، إنما من أجل الله عز وجل، وهذا من أوثق عرى
الإيمان الحب في الله والبغض في الله، فنحب من أحبه الله عز وجل، ونبغض من أبغضه
رب العالمين سبحانه وتعالى، والله يحب المؤمنين، ويحب المتقين، ويحب الصالحين،
ويحب المحسنين، ويبغض ربنا سبحانه وتعالى الكافرين، من اليهود ومن النصارى ومن
غيرهم، في مسلم(967) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ":زَارَ قَبْرَ أُمِّهِ،
فَبَكَى وَأَبْكَى مَن حَوْلَهُ، فَقالَ: اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي في أَنْ
أَسْتَغْفِرَ لَهَا، فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ في أَنْ أَزُورَ
قَبْرَهَا، فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا القُبُورَ؛ فإنَّهَا تُذَكِّرُ المَوْتَ.
يستأذن خير الخلق
نبينا عليه الصلاة والسلام أن يستغفر لأقرب الناس من قرابته وهي أمه، أن يستغفر
لها وكانت ماتت على الشرك، ماتت على الشرك والكفر، فيستأذن رسول الله عليه الصلاة
والسلام ربه أن يستغفر لأمه فلا يأذن له رب العالمين سبحانه وتعالى، لأنها ماتت
على الشرك، ويستأذن ربه سبحانه وتعالى أن يزور قبرها فيأذن له رب العالمين سبحانه
وتعالى، فلا يجوز الإستغفار لمن مات على الكفر والشرك ولو كان من أقرب الناس، ولو
كان أقرب قريب، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرحمنا برحمته، وأن يغفر لنا ذنوبنا
أجمعين.
*الخطبة الثانية:*
الحمد لله، نحمده
تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهديه
الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
اعلموا معشر المسلمين أنه لا فرق بين الإستغفار للكافرين والمشركين، وبين الترحم
عليهم، لا فرق بين القضيتين، الكل محرم؛
حرمه رب العالمين سبحانه وتعالى، فلا يجوز أن
تقول لمن مات على الكفر والشرك: اللهم اغفر له، أو تقول : اللهم ارحمه، فإن المودى
واحد، وذلك أن من رحمه الله عز وجل فقد غفر له وأدخله الجنة، فإذا دعوت لشخص
بالرحمة فإنما تدعو أن يغفر الله له، وأن يدخله الجنة، فإن الجنة هي رحمة الله
المخلوقه، ولله رحمة صفة من صفاته، قال الله في الحديث القدسي في شأن
الجنة:"قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى لِلْجَنَّةِ: أنْتِ رَحْمَتي، أرْحَمُ
بكِ مَن أشاءُ مِن عِبادِي"؛أخرجه البخاري (4850)، ومسلم (2846) عن أبي هريرة
رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمن رحمه الله عز
وجل فإنه من أهل الجنة، من رحمه الله فقد غفر له، فلا يجوز أن تقول فيمن مات مشركا
أو كافرا أن تقول : اللهم ارحمه، لأن معنى ذلك اللهم اغفر له ذنبه، اللهم ادخله
الجنة، وهذا لا يكون في شأن من مات من أهل الشرك والكفر من اليهود ومن النصارى، أو
من غيرهم من أنواع الكافرين، رحمة الله سبحانه وتعالى لا تكون لمن مات على الكفر والشرك،
لا تكون للكافرين، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم :{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ
كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ
الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي
التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ
الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ
وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ
فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي
أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)}[الأعراف:156،157].
هؤلاء الذين جعل
الله سبحانه وتعالى لهم الرحمة، وهؤلاء الذين كتب الله لهم الرحمة الواسعة،
{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ
وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156)}
اليهود والنصارى
لا يتقون، ولا يؤتون الزكاة، ولا يؤمنون بآيات الله، { الَّذِينَ
يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ} واليهود والنصارى لا يتبعون
الرسول النبي الأمي، فليس لهم شيء من رحمة الله عز وجل، رحمة الله جعلها لهؤلاء،
جعلها لأهل الإيمان، وما جعلها رب العالمين سبحانه وتعالى لأهل الكفر والطغيان،
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ
الْمُحْسِنِينَ (56)}[الأعراف:56].
فرحمة الله عز وجل
قريبا من المحسنين، ومن هم المحسنون؟ أهم اليهود والنصارى؟ كلا، قال سبحانه
وتعالى:{الم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) هُدًى
وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ (3) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ
وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ
يُوقِنُونَ (4) أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)}[لقمان:1،5]
فهؤلاء هم
المحسنون، الذين جعل الله سبحانه وتعالى لهم الرحمة، الذين يحافظون على الصلوات
التي افترضها رب العالمين على عباده، ويؤدون الزكاة المكتوبة، وعندهم اليقين
بالبعث واليوم الآخر، ويؤمنون بالبعث والنشور، فهؤلاء الذين جعل الله لهم الرحمة،
وهؤلاء هم المحسنون، قال سبحانه وتعالى:{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
(71)}[التوبة:71]
فهؤلاء هم أهل
رحمة الله عز وجل، الذين أطاعوا الله، وأطاعوا رسوله عليه الصلاة والسلام، الذين
أقاموا الصلاة، وأتوا الزكاة، الذين أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، فهؤلاء هم
أهل رحمة الله عز وجل، لا يدخل في رحمة الله من كان مشركا، لا يدخل في رحمة الله
من كان كافرا، لا يدخل في رحمة الله اليهود والنصارى، رحمة الله جعلها لهؤلاء كما
بين ذلك ربنا سبحانه وتعالى، فكيف تترحم يا عبد الله على من مات على الكفر والشرك،
سواء كان من اليهود أو من النصارى أو من سائر المشركين، هذا لا يجوز، وأعظم من ذلك
وأعظم، وأشد من ذلك وأشد أن يصلي جماعة من جهال المسلمين صلاة الغائب على من مات
على الكفر، كما قد انتشرت بذلك الأخبار في شأن تلك المرأة النصرانية التي ماتت على
النصرانية، وماتت على الكفر، وماتت على الشرك برب العالمين سبحانه وتعالى، وإذا
بجهال المسلمين، أو بجماعة من جهال المسلمين يصلون على امرأة ماتت على الشرك صلاة
الغائب، هذا لا يجوز في دين الله عز وجل، يقول ربنا سبحانه وتعالى لنبيه عليه
الصلاة والسلام:{وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا
تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا
وَهُمْ فَاسِقُونَ (84)}[التوبة:84].
فهؤلاء قوم كفروا
برب العالمين سبحانه وتعالى، وكفروا برسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، وسبوا
ربهم مسبة ما سبها أحد من العالمين، وتنقصوا رب العالمين سبحانه وتعالى تنقصا
بالغا، فكيف تصلي على هؤلاء، وكيف تقم على قبورهم
للدعاء واستغفار، هذا لا يجوز في دين رب العالمين سبحانه وتعالى، معاشر
المسلمين ربنا يقول:{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ
أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا ۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ ۖ
وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88)}[النساء:88].
لا تختلفوا في قوم
من الكافرين، من اليهود ومن النصارى فإن أمرهم ظاهر بين في كتاب الله عز وجل، وفي
دين رب العالمين، وأعجب وأعجب وأشد ما يتلفظ به ممن ينتسب إلى الإسلام والإسلام
منه بريء، ويقول أن فلانة التي ماتت على النصرانية أفضل من العلماء، وأفضل من كذا
وكذا، والله سبحانه وتعالى يقول:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا
مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ
كَفَرُوا هَٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (51)أُولَٰئِكَ
الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ
نَصِيرًا (52)}[النساء:51،52].
من يفضل كافرا على
مسلم ملعون لعنه رب العالمين سبحانه وتعالى، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا
ذنوبنا أجمعين، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم عليك باليهود والنصارى
وسائر المشركين والكافرين، اللهم من أراد بالمسلمين سوء ومكرا وكيدا فاجعل كيده في
نحره واجعل تدبيره في تدميره، واكف المسلمين شره إنك على كل شيء قدير، ربنا ظلمنا
أنفسنا ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا
إنك أنت الغفور الرحيم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب
النار، والحمد لله رب العالمين.