الرئيسية / الخطب والمحاضرات/ الخطب /الإعلام بفضل السلام
الإعلام بفضل السلام 2022-12-30 04:11:38


*خطبة جمعة بعنوان :(الإعلام بفضل السلام)*
*لشيخنا المبارك أبي بكر الحمادي حفظه الله*
*سجلت بتأريخ ٢٠ محرم /١٤٤٤هجرية*
 
*مسجد النور الزرعان مدينة القاعدة محافظة إب حرسها الله وسائر بلاد المسلمين*
 
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد:فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ علَى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِراعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ قالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ علَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنَ المَلائِكَةِ، جُلُوسٌ، فاسْتَمِعْ ما يُحَيُّونَكَ؛ فإنَّها تَحِيَّتُكَ وتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فقالَ: السَّلامُ علَيْكُم، فقالوا: السَّلامُ عَلَيْكَ ورَحْمَةُ اللَّهِ، فَزادُوهُ: ورَحْمَةُ اللَّهِ، فَكُلُّ مَن يَدْخُلُ الجَنَّةَ علَى صُورَةِ آدَمَ، فَلَمْ يَزَلِ الخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حتَّى الآنَ.البخاري (6227)، ومسلم (2841)
في هذا الحديث بين نبينا عليه الصلاة والسلام أن الله عز وجل خلق آدم على صورته، وخلقه بهذا الطو خلقه وهو ستون ذراعا في السماء، وبين النبي عليه الصلاة والسلام أن أهل الجنة يدخلون الجنة على صورة أبيهم آدم عليه الصلاة والسلام، وأن الخلق لن يزل يتناقص إلى عهده عليه الصلاة والسلام، فانتهى التناقص إلى عهده عليه الصلاة والسلام إلى أمته، وقبل ذلك كان يتناقص شيئا فشيئا، وأول الخلق من البشر هو آدم عليه الصلاة والسلام، وكان كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام ستين ذراعا في السماء، ثم لم يزل الخلق يتناقص إلى عهده عليه الصلاة والسلام، وفي هذا الحديث يأمر ربنا سبحانه وتعالى آدم عليه الصلاة والسلام بعد أن خلقه أن يذهب إلى نفر من الملائكة جلوس، وأن يسلم عليهم حتى ينظر بمن يجيبونه، فإنها تحية آدم عليه الصلاة والسلام، وتحية ذريته من بعده، وهذا مما يدل على أهمية هذه التحية، وهي السلام، فإن الله سبحانه وتعالى علم آدم هذه التحية من أول الأمر، بعد أن خلقه ربه سبحانه وتعالى، أمره أن يتعلم هذه التحية، وعلمه ربه هذه التحية فأمره أن يذهب إلى أولئك النفر من الملائكة، قال : اذهب إلى أولئك النفر من الملائكة جلوس، فسلم عليهم فانظر بما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال لهم السلام عليكم، فأجابوه السلام عليك ورحمة الله، فزادوه ورحمة الله، فهذه التحية المباركة تحية آدم عليه الصلاة والسلام، وتحية ذريته من بعده، وهي كلمات طيبات مباركات نافعات، فإن السلام اسم من أسماء الله عز وجل، جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال:" لا تقولوا السلام على الله، فإن الله هو السلام.
فالسلام اسم من أسماء الله عز وجل، السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر، وجاء عند البخاري في الأدب المفرد(1039) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :"السَّلامُ اسمٌ من أسماءِ اللهِ تعالَى وضعه في الأرضِ ، فأفشُوه بينكم.
فالسلام اسم من أسماء الله عزوجل وجل، والمسلم إذا سلم على أخيه المسلم فقال له : السلام عليكم أو السلام عليك، فكأنه يقول حلت عليك بركة اسم الله السلام، وفيه أيضا الدعاء بالسلامة، فإن المسلم إذا سلم على أخيه وقال له: السلام عليكم فإنه يدعو له بالسلامة، ويسلمه من جهته، ويؤمنه من جهته، فكأنه يقول: لن تلقى مني سوءا، لن تلق مني شرا، لن تلقى مني أذية، بل تلقى مني عكس ذلك، تلقى مني الخير، تلقى مني السلامة في القول وفي الفعل، بل أنا ادعو لك أن يسلمك الله عز وجل، من كل شر، من شرور الجن أو من شرور الإنس، فيدعو له بالسلامة، ويدعو له بحلول بركة اسم الله عز وجل عليه، وهو اسم الله السلام، فالله هو السلام، ودين الله المقبول هو دين الإسلام، وجنة الله سبحانه وتعالى التي أعدها للمؤمنين هي دار السلام، وتحية المسلمين التي جعلها الله سبحانه وتعالى لهم هي السلام، وهي تحية المؤمنين عند لقاء ربهم سبحانه وتعالى، {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ}[الأحزاب:44]
وهكذا الملائكة يحيون المؤمنين في الجنة بالسلام،{وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُم}[الرعد:24]
فيسلمون عليهم، ويحيونهم بالسلام، الذين يدخلون الجنة طيبين،{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ۙ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (32)}[النحل:32]
فالملائكة يسلمون على المؤمن في الجنة بلفظ السلام،{وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)}[الزمر:73].
فهي تحية مباركة جعلها الله سبحانه وتعالى لآدم عليه الصلاة والسلام ولذريته، اذهب إلى هؤلاء النفر من الملائكة جلوس فسلم عليهم فانظر بما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك من بعدك، فالسلام في هذا المعنى العظيم المبارك، السلامة من الآفات ومن الشرور، وحلول بركة اسمه السلام سبحانه وتعالى على العبيد، وإذا أضاف إلى ذلك الرحمة فيزداد الخير ويعظم، وإذا زاد على ذلك البركة فيثبت الخير ويستديم، فإن المُسَلم على أخيه المُسِلم إن قال له السلام عليكم ورحمة وبركاته، دعا له بالسلام من الشرور والآفات، ودعا له بنيل الخيرات، فإن من نال رحمة الله عز وجل فقد نال جميع الخير، وإذا ما دعى له بالبركة فقد دعا له باستدامة ذلك الخير، وببقائه ما بقى في هذه الدنيا، ثم له الخير الأخروي، الذي لا ينقطع في جنة الخلد، فيقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أسأل الله عز وجل أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين، وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم.
 
*الخطبة الثانية:*
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: -
اعلموا معاشر المسلمين أن العبد في هذه الدنيا لا تطيب له الحياة إلا بهذه الأمور الثلاثة؛ المذكورة في تحية الإسلام وهي السلامة من الشرور، ونيل الخيرات، ودوام ذلك الخير وبقاؤه، فتطيب الحياة بهذه الأمور الثلاثة، أن يسلمك الله عز وجل من الشرور، وأن يقيك ربك سبحانه وتعالى من أنواع المساوئ والمكاره، فتسلم في حياتك الدنيا، ويمن عليك بالمنة الأخرى وهي الخيرات، فتنال أنواع الخيرات، ويمن عليك سبحانه وتعالى بالنعمة الثالثة وهي دوام ذلك الخير الذي منه عليك، فإن الخير قد يأتي يسيرا وينقطع، فإذا ما دام الخير فإن النعيم يعظم، والبركة هي دوام الخير، ولهذا سميت البِركة بِركة الماء لأن الماء فيها دائم، والعين الماء فيها جار، فالبركة هي دوام ذلك الخير، فهذه التحية المباركة فيها الدعاء بهذه الأمور العظيمة، يسلمك الله سبحانه وتعالى من أنواع الشرور، ويرحمك الله عز وجل، ومن رحمة الله أن يفتح عليك أنواع الخيرات والمسرات، وأن يبارك لك ربك سبحانه وتعالى بما أنعم عليك من الخير والمسرة، بأن يدوم ذلك الخير عليك ويبقى كلمة مباركة
جعلها الله سبحانه وتعالى لآدم عليه الصلاة والسلام ولذريته، ولما علم الشيطان ما في هذه الكلمة من الخير والبركة فإنه زين لكثير من الناس أن يستبدلوها بغيرها، أو على أقل الأحوال أن يتركوا إفشاءها، وكل هذا من مكائد الشيطان، فدعا كثيرا من الناس أن يستبدلوها بغيرها، فصار هناك من الناس من يتلفظ بغيرها كصباح الخير، ومساء النور، وغير ذلك مما يتلفظ به الناس، وكان الناس في الجاهلية يقولون أنعمت صباحا وأنعمت مساء، ولا يعرفون هذه الكلمة، جاء في مسلم(2473) من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال:"فإنِّي لأَوَّلُ النَّاسِ حَيَّاهُ بتَحِيَّةِ الإسْلَامِ، قالَ: قُلتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ.
فكان أول من سلم على رسول الله عليه الصلاة والسلام بتحية الإسلام، تحية مباركة لا تستبدلها بغيرها،{أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ} تستبدل هذه الكلمات المباركات التي فيها ما فيها من المعاني العظيمة بغيرها من الألفاظ أو تبخل عن إفشائها وقد جاء في مسلم(54) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:"لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حتَّى تُؤْمِنُوا، ولا تُؤْمِنُوا حتَّى تَحابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ علَى شيءٍ إذا فَعَلْتُمُوهُ تَحابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بيْنَكُمْ.
وهذا من فوائد السلام، أنه أسباب من المحبة بين المؤمنين، وذلك من أسباب الإيمان، والإيمان من أسباب دخول الجنة، فالسلام طريق إلى المحبة،  والمحبة طريق إلى الإيمان، بل هي من الإيمان، وإذا كان العبد مؤمنا كان من أهل الجنة، أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم، وفي مسلم(39) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه:"أنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ الإسْلَامِ خَيْرٌ؟ قالَ: تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وتَقْرَأُ السَّلَامَ علَى مَن عَرَفْتَ ومَن لَمْ تَعْرِفْ.
لا يكون السلام بالمعرفة، وإنما على من عرفت ومن لم تعرفه، وفي الموطأ أن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لأبي اليقظان أو لغيره من التابعين، هيا بنا نذهب للسوق، فقال له وما تفعل بالسوق؟ فأنت لا تساوم على السلع، ولا تجلس في السوق، فلا تبيع ولا تشتري فما حاجتك أن تذهب إلى السوق؟ فقال له : نذهب إلى السوق نسلم على لقينا، فكان يخرج رضي الله عنه إلى السوق ولا حاجة له في بيع ولا شراء وإنما حاجته أن يفشي السلام في أوساط الناس فينال الأجر والثواب من رب العالمين سبحانه وتعالى،  فهذه عبادة عظيمة، منّ الله سبحانه وتعالى بها على آدم وعلى ذريته وأخذ بها أهل الإسلام، وتركها أهل الملل من اليهود ومن النصارى ومن المشركين، ومنّ الله سبحانه وتعالى بها على أهل الإسلام، فلا تغيروا ولا تبدلوه ولا تستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، وأفشوا السلام بينكم كما أمركم بذلك نبيكم عليه الصلاة والسلام.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين، وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم يسر على المعسرين واقض الدين على المدينين، وعاف مبتلى المسلمين، واشفي مرضاهم وارحم موتاهم إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم اني اسألك الجنة وما قرب إليها من قوم وعمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم نسألك العافية في الدين والدنيا والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.



جميع الحقوق محفوظة لـ الموقع الرسمي للشيخ أبي بكر الحمادي