الرئيسية / الخطب والمحاضرات/ الخطب /الجواهر الثمان من فضائل شهر رمضان
الجواهر الثمان من فضائل شهر رمضان 2022-12-31 04:13:15


*خطبة جمعة بعنوان:( الجواهر الثمان من فضائل شهر رمضان )*
 
*لشيخنا المبارك أبي بكر الحمادي حفظه الله*
 
*سجلت بتأريخ ٢٩/شعبان/١٤٤٣ هجرية*
 
*مسجد المغيرة بن شعبة مدينة القاعدة محافظة إب حرسها الله وسائر بلاد المسلمين*
 
 
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد:فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[البقرة:183،185]
وها نحن في أواخر شهر شعبان في التاسع عشرين منهم، وعلى أبواب شهر رمضان، قد تكون الليلة القادمة أول ليالي شهر رمضان، وقد تكون الليلة التي تليها،  وصيام شهر رمضان ركن من أركان الإسلام كما هو معلوم، في الصحيحين من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:"بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ.البخاري(8، 4515) ومسلم(16)
فهذه أركان الإسلام الخمسة، منها صيام شهر رمضان، وشهر رمضان موسم عظيم من مواسم الخيرات، لابد للمسلم أن يعلم عِظَم هذا الشهر؛ عظم شهر رمضان، وما فيه من الخيرات ومن والبركات، فإن من علم عظم الشيء وعلم مفاسد الشيء اهتم به، وحافظ عليه، وخاف من ضياعه، وخاف من تفويته، ومن كان جاهلا بمفاسد الشيء الذي عنده ربما أهمله، فإذا أهدي لشخص هدية لا يدري ما قيمة هذه الهدية وما فيها من النفاسة وما فيها من الثمن البالغ ربما لا يبالي بها، ربما ضيعها ولم يحافظ عليها، وإذا علم ما لها من النفاسة، وما لها من القيمة البالغة، فإنه يحافظ عليها ويحرص عليها حرصا بالغا، فهكذا في مواسم الخيرات، ومواسم الطاعات، إذا علم العبد ما لشهر رمضان من الخير والبركة، وما له من النفاسة، وما له من المكانة، فإن هذا ما يدعو المؤمن على الحرص عليه، وألا يضيع هذا الشهر العظيم بشيء تافه حقير، شهر رمضان كتبه الله سبحانه وتعالى وفرضه علينا، وفرض الله سبحانه وتعالى الصيام على من كان قبلنا من الأمم، قال الله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)}[البقرة:183].
فهو شهر التقوى يحقق المؤمن فيه تقوى الله عز وجل، بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، شهر رمضان هو شهر القرآن، عظمه الله سبحانه وتعالى، في نزول أفضل الكتب فيه، فإن القرآن الذي أنزله ربنا سبحانه وتعالى على نبينا عليه الصلاة والسلام هو أعظم الكتب، وهو المهيمن على سائر الكتب،{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}
فهو شهر القرآن، وإذا كان شهر القرآن فالذي ينبغي فيه الحرص على قراءة القرآن، وليس مجرد القراءة بل الحرص على العمل بما في القرآن، والحرص على التحاكم بأحكام القرآن، وتدبر آيات القرآن، وهكذا الاتعاظ بمواعظه، قال الله:{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)}[ص:29].
وقال الله :{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)}[ محمد : 24]
وقال الله:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)}[النساء:82]
وقال الله:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (22)}[القمر:22].
وقال الله :{وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30)}[الفرقان:30].
فشهر رمضان هو شهر القرآن، وثبت عند الترمذي(2910) من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:"
منْ قرأَ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها لا أقولُ آلم حرفٌ ، ولَكِن ألِفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ.
والله سبحانه وتعالى يضاعف الحسنات إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، فشهر رمضان هو شهر القرآن، شهر رمضان هو شهر الغفران، من اعظم مواسم الغفران هو شهر القرآن وهو شهر الغفران، في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.البخاري (38)، ومسلم (760).
 وقال أيضا في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام:"مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.البخاري (37)، ومسلم (759). 
وفيهما أيضا عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:"مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.البخاري (1901)، ومسلم (759).
ينال العبد مغفرة الله عز وجل لهذه الأمور الثلاثة، بصيام رمضان إيمانا واحتسابا، وبقيامه إيمانا واحتسابا، وبقيام ليلة منه وهي ليلة القدر إيمانا واحتسابا، فإن فعل العبد ذلك غفر الله له ما تقدم من ذنبه، فهو شهر القرآن، وهو شهر الغفران، وهو شهر العتق من النيران، وهو شهر تصفيد الشيطان، في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إذا دخَل رمضان، فُتحِت أبواب الجَنَّة، وغُلِّقت أبوابُ النار، وسُلسِلت الشياطين"، البخاري 3/ 1194 (3103)، ومسلم 2/ 758 (1079).
وفي لفظ :وسلسلت الشياطين. فالشيطان يسلسل ويصفد، أي أنه يقيد بالقيود فيقل شره، ويفتح الله سبحانه وتعالى أبواب الجنان، ويغلق الله سبحانه وتعالى أبواب النيران، ويصفد الشيطان، فأبواب الخير متاحة، وأبواب الشر مغلقة، وأعظم أبواب الخير أبواب الجنة، هي أبواب الخير، وأبواب الشر أبواب جهنم، فيفتح الله سبحانه وتعالى للعباد أبواب الجنان لأنهم فتحوا أسباب دخولها وهي الأعمال الصالحة، وأغلق الله سبحانه وتعالى على العباد أبواب النيران لأنهم أغلقوا أسباب دخولها وهي المعاصي والسيئات، فتفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران، ويصفد الشيطان، أي أنه يقيد بأنواع القيود، ولا يقتل الشيطان وإنما يصفد ويسلسل، وهذا يدل على أن شره يقل ولا يزول بالكلية، شر الشيطان يخف ولا يزول الكلية، فإن النبي عليه الصلاة والسلام لم يقل وقتلت الشياطين، وإنما بين النبي عليه الصلاة والسلام أنها تسلسل وتصفد تربط بالقيود، والمقيد له شيء من الحركة الضعيفة، وهكذا الشيطان يضعف كيده، ويضعف شره، وكل هذا منة من الله عز وجل حتى يسارع العباد في مرضاة الله عز وجل، فكأنه يقال لهم هذا عدوكم الذي تضيفون إليه سيئاتكم، هذا عدوكم الذي تقولون أنه هو الذي يصدكم عن الخير، وهو الذي يصدكم عن الأعمال الصالحة، ها هو قد سلسل وصفد، فما عذركم في ترك المسارعة في مرضات الله عز وجل، وفي الوقوع في معصية الله  سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى قد هيأ لنا أبواب الخير، فتح الله سبحانه وتعالى لنا أبواب الجنان وغلق الله عنا أبواب النيران، وعدونا الذي يكيل بنا في الليل والنهار حمانا الله عز وجل من شره، فتسلسل الشياطين فلا عذر للعبد إذا ما تكسال عن العمل الصالح في شهر رمضان، إن حصل منه ذلك فمن سوء نفسه، أوتي من جهة نفسه الأمارة بالسوء، أوتي من جهة نفسه لا من جهة الشيطان، فإن الشيطان قد سلسل وصفد في شهر رمضان، فهذه منة من الله عز وجل، وهذا فضل عظيم في هذا الشهر؛ في شهر رمضان، إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين، وهو كما قلنا شهر العتق من النيران، شهر تفتح فيها أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، ويصفد الشيطان، ويعتق الله سبحانه وتعالى فيها من شاء من النيران، فهذا فضل عظيم من رب العالمين سبحانه وتعالى، جاء عند الترمذي(682)، وعند ابن ماجة
(1642) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إذا كان أولُ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ صُفِّدَتِ الشياطينُ ومَرَدةُ الجنِّ ، وغُلِّقتْ أبوابُ النارِ فلم يُفتحْ منها بابٌ ، وفُتِّحَتْ أبوابُ الجنةِ فلم يُغلقْ منها بابٌ ، ويُنادي منادٍ كلَّ ليلةٍ : يا باغيَ الخيرِ أقبلْ ، ويا باغيَ الشرِّ أقْصرْ ، وللهِ عتقاءُ من النارِ ، وذلك كلَّ ليلةٍ.
ينادي مناد من ملائكة الله عز وجل، ينادي العباد، ينادي الناس بأمر الله عز وجل، يا باغي الخير أقبل هذا أوانك، هذا موسم طاعتك، هذا موسم المسارعة في الخيرات، قد أتاح الله سبحانه وتعالى لك أسباب ذلك، فغلقت أبواب النيران، وفتحت أبواب الجنان، وصفد الشيطان، فمن كان مريدا للخير والعمل الصالح فهذا أوانه، ومن كان مسارعا في معصية الله عز وجل فأقصر، أقصر عن معصية الله عز وجل فهذا الشهر ليس بشهر عصيان، وإنما هو شهر المسارعة في مرضات الله عز وجل، وينادي مناد يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، قال : ولله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة، فضل من الله عز وجل، ويكون ذلك عند الإفطار، كما جاء في المسند(21698)من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إنَّ للهِ تعالى عند كلِّ فطرٍ عُتَقاءَ من النارِ ، وذلك في كلِّ ليلةٍ.
إذا تم اليوم وقضى العبد عبادة يومه وصام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وأتم صيام يوم فإن الله سبحانه وتعالى يعتق من شاء عند الإنتهاء من كل يوم، وعند حصول الإفطار من كل يوم من أيام رمضان، وإن لله عند كل فطر عتقاء، هكذا قال نبينا عليه الصلاة والسلام، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرحمنا برحمته، وأن يغفر لنا إنه هو الغفور الرحيم.
 
*الخطبة الثانية:*
 
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم، معاشر المسلمين: شهر رمضان شهر عظيم، من علم عظم هذا الشهر كما قلنا حرص عليه، وكم له من الفضائل، وكم له من الخصائص، وكم له من المزايا، وما ذكرناه بعض ذلك ولعل في ذلك كفاية، واعلموا معشر المسلمين أنه لا يجوز أن يتقدم العبد هذا الشهر بصيام يوم أو يومين، فإن نبينا عليه الصلاة والسلام قد نهى عن ذلك، كما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلا يَوْمَيْنِ إِلا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ"،البخاري (1914) مسلم (1082).
فنهى النبي عليه الصلاة والسلام عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، وسن النبي عليه الصلاة والسلام من كان له صيام معتاد؛ كالذي يصوم مثلا ثلاثة أيام من كل شهر، يصوم ذلك في آخر كل شهر اعتاد ذلك، أن يصوم ثلاثة أيام في آخر كل شهر مثلا، أو غير ذلك مثلا كالذي يصوم الأثنين والخميس فصادف ذلك في آخر الشهر، فله أن يصوم ذلك الصوم الذي اعتاد عليه، ومن باب أولى إذا كان عليه صيام واجب، كالذي عليه القضاء من رمضان السابق فيجب عليه أن يبادر، وأن يصم ما عليه من القضاء ولو بقى يوم، أو بقى يومان، ونحن في نهاية شهر شعبان قد يكون هذا اليوم هو آخر الأيام، وقد يبقى للشخص يوم يمكن فيه من القضاء وهو يوم السبت، إن مد الله سبحانه وتعالى من شهر شعبان، ومن فرط في القضاء من غير عذر حتى دخل رمضان الواجب عليه القضاء بعد أن يصوم رمضان المقبل، إذا انتهى من صيامه فالواجب عليه القضاء وعليه أن يكفر عن ذنبه بأن يطعم عن كل يوم مسكينا، كما أفتى بذلك صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين، يكفر عن ذلك الذنب وهذا في حق من فرط، وأما من يحصل له العذر ولم يحصل منه تفريط فعليه أن يقضي بعد رمضان عدة في أيام أخر، وليس عليه كفارة، واعلموا أن شهر رمضان لا يدخل عن طريق الحساب الفلكي، ولا عن طريق من أي أنواع الحساب، لا معرفة لنا  بدخول الشهر إلا بمعرفة دخول الهلال، وليس هنالك طريق شرعي لمعرفة دخول شهر رمضان وغير ذلك من الشهور إلا برؤية الهلال، إذا ما شاهد الناس الهلال بأبصارهم فإن الشهر يدخل، في مسلم(2379) من حديث أبي هريرة رضي، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:" صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعَدَدَ.
فلا نصوم إلا برؤية الهلال، ولا نفطر إلا برؤية الهلال، وليس معنا إلا هذا الطريق الشرعي، وما سوى ذلك فهي ظنون، والظن لا يغني من الحق شيئا، فلا يعتمد لا على حساب فلكي، ولا على غير ذلك، وإنما العبرة برؤية الهلال، كما أخبرنا بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام، في حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه، قال عليه الصلاة والسلام:"إنَّا أمَّة أمِّيَّة لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين"؛البخاري ( 1814 ) ومسلم ( 1080 ) .
فقال نحن أمة أمية : أي في باب معرفة دخول الشهر، لا نحتاج إلى كتاب ولا إلى حساب، في باب معرفة دخول الشهر، وليست أمية مطلقة في كل شيء، وإنما أمية تتعلق بهذا الأمر بمعرفة دخول الشهر، فلا نحتاج لمعرفة دخول الشهر إلى حساب وحاسبين، لا حساب ولا كتاب، وإنما الأمر معلق بالهلال، صموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، الشهر كهذا وهكذا يعني مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين، والضابط في ذلك هو الهلال، أما الحساب والكتاب في هذا الباب في هذا الموضع فيما يتعلق برؤية الهلال لم تأتي به شريعة الإسلام، والخطأ فيه كثير في الحساب الفلكي يحصل الخطأ الكثير، ولا عبرة بذلك شرعا، المواقيت الشرعية علقت بمواقيت ظاهرة، سواء المواقيت الشهرية، أو المواقيت اليومية، المواقيت الشهرية كميقات الصيام، ومقيت الحج، ومواقيت اليومية كمواقيت الصلوات، علقت على أمور ظاهرة بينة، إذا شاهد الناس الخيط الأبيض نظروا إلى جهة المشرق فشاهدوا الخيط الأبيض فإن وقت الفجر يدخل، ويجب الصيام، ويحرم الأكل والشرب في شهر رمضان، وإذا مازالت الشمس عن كبد السماء مالت عن كبد السماء فيدخل وقت الظهر، وإذا صار الظل مثله ماعاد فييء الزوال فإن وقت العصر يدخل حينئذ، وإذا اصفرت الشمس انتهى وقت العصر الاختياري، وإذا ما غربت الشمس انتهى وقت العصر الاضطراري، وإذا غربت الشمس دخل وقت المغرب، وإذا ذهب واختفى الشفق الأحمر دخل وقت العشاء، وصلاة العشاء إلى نصف الليل، وهو الوقت الاختياري، والوقت الاضطراري إلى طلوع الفجر، فعلقت المواقيت الشهرية والمواقيت اليومية بأمور ظاهرة يشاهدها الناس بأعينهم، لا حساب ولا كتاب، لا تخمين في هذه الأمور، وإنما هو يقين، يقين مأخوذ عن طريق مشاهدة بالأبصار، فقال عليه الصلاة والسلام:" نحن أمة أمية لا نحسب ولا نكتب الشهر هكذا وهكذا، يعني مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا والمسلمين لصيام شهر رمضان إيمانا واحتسابا، وأن يوفقنا لقيام رمضان إيمانا واحتسابا، وأن يوفقنا لقيام ليلة القدر إيمانا واحتسابا، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، ربنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم اغفر لموتى المسلمين أجمعين، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم أمنا في أوطاننا، اللهم ارفع عن بلادنا كل بلاء وفتنة، وكل شر وفتنة، إنك على كل شيء قدير، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.



جميع الحقوق محفوظة لـ الموقع الرسمي للشيخ أبي بكر الحمادي