الروضة الفيحاء على معنى حديث لتكفأن أمتي عن دينها كما تكفأن الإناء في البطحاء
2022-12-31 04:13:42
*خطبة
جمعة بعنوان :( الروضة
الفيحاء على معنى حديث لتكفأن أمتي عن دينها كما تكفأن الإناء في البطحاء)*
*لشيخنا المبارك: أبي بكر بن عبده بن
عبدالله الحمادي حفظه الله*
*سجلت بتأريخ ٧/ربيع الأول/١٤٤٣ هجرية*
*مسجد المغيرة بن
شعبة مدينة القاعدة محافظة إب حرسها الله وسائر بلاد المسلمين*
إن الحمد لله،
نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده
الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}
[آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا
النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ
مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ
اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ
رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد: اعلموا
أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور
محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
روى ابن أبي عاصم
في كتاب السنة(ص93)، وابن حبان في صحيحه(647)عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن قال خرج معي يوصيني ثم التفت إلى
المدينة التفاتة وقال :"إنَّ أهلَ بيتي هؤلاءِ يرَوْنَ أنَّهم أَوْلى
النَّاسِ بي وإنَّ أَوْلى النَّاسِ بي المتَّقونَ مَن كانوا وحيث كانوا اللَّهمَّ
إنِّي لا أُحِلُّ لهم فسادَ ما أصلَحْتَ وايمُ اللهِ لَيَكفَؤونَ أمَّتي عن
دِينِها كما يُكفَأُ الإناءُ في البَطحاءِ،
فبين نبينا عليه
الصلاة والسلام ما يحصل لهذه الأمة في آخر زمانها، ما يحصل لها من تغير، وما يحصل
لها من الإنتكاسة بعد الإستقامة، أن يحصل هذا في كثير منها، لكثير من أمته عليه
الصلاة والسلام، لتكفأن أمتي عن دينها كما يكفأ الإناء في البطحاء، والإناء إذا ما أكفئ في الأرض خرج ما فيه ولم
يبقى شيء فيه، واذا ما أكفئ الإناء على وجهه في الأرض فإنه لا يدخل فيه شيء، فإن
الإناء إذا قلب وجهه إلى الأرض أنى يدخل في جوفه شيء، بين نبينا عليه الصلاة
والسلام ما يحصل لأمته من التغير، ومن يحصل لكثير من أمته من الإنتكاسة في آخر
الأزمان، وقد أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام عن أمور متعددة تحصل لأمته من
الإنتكاسة بعد الإستقامة إلا من رحم الله سبحانه وتعالى، وهذا مما يدلنا على أن
قلوب العباد يصرفها رب العالمين سبحانه وتعالى، هو المصرف للقلوب، وهو الذي يقلب
القلوب وحده لا شريك له، جاء في المسند(13696)وعندالترمذي(2140)وابن ماجة(3834)من
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ
يُكثرُ أن يقولَ يا مقلِّبَ القلوبِ ثَبِّتْ قلبِي على دينِك فقلت يا نبيَّ اللهِ
آمنَّا بك وبما جئتَ به فهل تخافُ علينا؟ قال نعم إن القلوبَ بينَ إصبعينِ من
أصابعِ اللهِ يُقلِّبُها كيفَ يشاءُ.
فالهداية بيد الله
عز وجل، والثبات على الدين من الله سبحانه وتعالى، وإلا فإن قلوب العباد ضعيفة، لا
حول لنا ولا قوة إلا بربنا سبحانه وتعالى، لا حول لنا إلا بالله، ولا قوة لنا إلا
بالله، فالقلوب يصرفها رب العالمين سبحانه وتعالى، فعلى العبد أن يلتجئ إلى ربه
سبحانه وتعالى، وأن يسأل ربه الثبات على دينه حتى الممات، وهكذا جاء في صحيح
الإمام مسلم2654
، عن أبي هريرة
رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"- إنَّ قُلُوبَ بَنِي
آدَمَ كُلَّهَا بيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِن أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ،
يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ، ثُمَّ قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه
وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا
علَى طَاعَتِكَ.
وهو نبي معصوم من
الزيغ والإنحراف عليه الصلاة والسلام، خير الأنبياء والرسل، وأكرم الخلق على رب
العالمين سبحانه وتعالى، ومع هذا كان يعتمد على ربه ويلتجئ إلى ربه سبحانه وتعالى،
ويستعين بربه سبحانه وتعالى، ويدعو ربه عز وجل، فيقول: اللهم يا مصرف القلوب صرف
قلبي على طاعتك، فإذا كان هذا حال نبينا عليه الصلاة والسلام، فنحن أولى بأن ندعو
ربنا سبحانه وتعالى أن يصرف قلوبنا على طاعته، وألا يزيغ قلوبنا، وألا يقلب قلوبنا
من الحق إلى الباطل، ومن الإستقامة إلى الإنتكاسة، قال عليه الصلاة والسلام في
حديث معاذ لتكفأن أمتي عن دينها لتكفأن أمتي عن دينها كما تكفأن الإناء في
البطحاء، أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام عن تغيرات لأمته في آخر الزمان حتى
يبلغ الحال ببعض هذه الأمة إلى عبادة غير الله عز وجل، إلى عبادة غير الله سبحانه
وتعالى، في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:"لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تَضْطَرِبَ ألَياتُ نِساءِ دَوْسٍ، حَوْلَ
ذِي الخَلَصَةِ"،البخاري(7116)،ومسلم(2906).
ذي الخلصة، وهو
طاغية دوس، هو صنم الأصنام، كانت تعبده دوس في الجاهلية، فلا تقوم الساعة حتى يرجع
الناس إلى عبادة الأصنام والعياذ بالله، يتدرجون في الباطل تدرجا، وينتقلون من شر
إلى شر، حتى يصل بهم الحال إلى ما أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
عبادة الأوثان، وهذا إنما يحصل من بعض أمته، وإلا فإن هنالك من أمته عليه الصلاة
والسلام من هو على الحق ناقل لا يضره من خالفه ولا من خذله حتى تقوم الساعة، كما
أخبرنا ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام،
لكن شاهدنا من ذلك
أن هنالك من يحصل منه هذا الأمر فيرجع إلى عبادة الأوثان بعد أن طهر النبي عليه
الصلاة والسلام أمته من عبادة الأوثان،"لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى
تَضْطَرِبَ ألَياتُ نِساءِ دَوْسٍ، حَوْلَ ذِي الخَلَصَةِ.
وهو طاغية دوس أي
صنمهم الذي كانوا يعبدونه من دون الله سبحانه وتعالى، وفي المسند من حديث عائشة
رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا يذهب الليل
والنهار حتى تعبد اللات والعزى"،
أي هذا سيوجد في
أمته عليه الصلاة والسلام، من يرجع إلى عبادة تلك الأوثان التي حاربها رسول الله
عليه الصلاة والسلام، وأزالها من الأرض، وأزالها من قلوب الناس، حين بعثه ربه
سبحانه وتعالى بالتوحيد، بكلمة لا إله إلا الله، الذي معناها لا معبود بحق إلا
الله سبحانه وتعالى، فحارب نبينا عليه الصلاة والسلام الأوثان، وحارب نبينا عليه
الصلاة والسلام الأصنام، ثم أخبر أن هذا سوف يحصل في أمته في آخر الزمان، وكل هذه
من الإنتكاسة بعد الإستقامة، ومن الحور بعد الكور، وكان نبينا عليه الصلاة والسلام
يستعيذ ربه من الحور بعد الكور، أي من الإنتكاسة بعد الإستقامة، وهكذا أخبر نبينا
عليه الصلاة والسلام ما سيكون في أمته من تقليد اليهود والنصارى، وكل هذا من
الإنتكاسة الذي يحصل في هذه الأمة في آخر الأزمان، يتجه كثير من أمته إلى تقليد
اليهود والنصارى، وإلى متابعة اليهود والنصارى في أمورهم، وإلى التشبه بهم في
أمورهم، والإقتداء بهم في صغار الأمور وكبارها، في الصحيحين من حديث أبي سعيد
الخدري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
قال:"لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُم شِبْرًا بشبْر، وذراعًا بذراع،
حتَّى لو سَلَكُوا جُحْر ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ))؛ قلنا: يا رسول الله؛ اليهودُ
والنَّصارى؟ قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((فَمَن؟!))،
رواه البخاري
(3456) في كتاب الأنبياء، ومسلم (2669) في كتاب العلم.
أي فمن هم القوم
غير هؤلاء، فأخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام عن حصول هذا الأمر في أمته، يتشبهون
بأعدائهم، يتشبهون بأعداء الإسلام والمسلمين من اليهود ومن النصارى الذين لا يودون
أن يبقى مسلم على وجه الأرض، يكيدون بالمسلمين في الليل والنهار، لا هم هم إلا
إبادة الإسلام، وإبادة أهله، يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، قال الله
:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ
اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ
ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)}[الأنفال:36].
وهذا شغل اليهود
والنصارى، كم لهم من مخططات لإفساد الدين والدنيا، لإفساد دين المسلمين، وينفقون
الأموال الكثيرة الطائلة تحت مسميات متعددة، وإنما مقصودهم محاربة الإسلام ومحاربة
المسلمين، وقد أخبرنا ربنا سبحانه وتعالى أن الأمر ويرجع عليهم، فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون،
والذين كفروا إلى جهنم يحشرون، وقال الله:{مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ
مِّن رَّبِّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو
الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)}[البقرة:105].
أهل الكتاب من
اليهود والنصارى وأهل الشرك ما يودون أن يصل إلى المسلمين من رب العالمين سبحانه
وتعالى أي فضل وأي خير وأي نعمة، فكيف يتجه المسلم إلى التشبه بهم، تتشبه بعدو
الله، وعدوك، وتتجه إلى عدو الله وعدك،
ولا تتشبه بخير الخلق وأكرم الخلق، لا تتشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم، لا
تتشبه برسول الله عليه الصلاة والسلام الذي أرسله الله هداية للخلق من الظلمات إلى
النور، أرسله الله سبحانه وتعالى لإخراجك من ظلمات الكفر ومن ظلمات الشرك ومن
ظلمات الباطل إلى نور الإسلام إلى الخير والهداية، وإن سلكت سبيله كنت من أهل
الجنة، تترك التشبه بخير الخلق، وتتشبه
بأعداء الله عز وجل، بأحفاد القردة والخنازير، فإن هذا من البلاء العظيم الذي حصل
ويحصل في أمته عليه الصلاة والسلام، "لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُم
شِبْرًا بشبْر، وذراعًا بذراع، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْر ضَبٍّ
لَسَلَكْتُمُوهُ"
حتى لو حصل منهم
الأمور الشاقة الأمور الشديدة الصعبة فإن من جهال المسلمين من يصبر، من يصبر على
الشدائد والأمور الصعبة من باب التشبه بأعداء الله، حتى لو فعلوا مافيه مشقة وما
فيه صعبة فإن هنالك من جهال الناس من يتحمل المشاق والشدائد من أجل أن يشتبه
بأعداء الله عز وجل، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، فقلنا يا رسول الله اليهود
والنصارى؟ فقال : فمن؟.
فكل هذا من
الإنتكاسة في الدين، لتكفأن أمتي عن دينها كما تكفأن الإناء بالبطحاء، هذا واستغفر
الله إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، نحمده
تعالى ونستعذه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهديه
الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك،
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه
وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
معاشر المسلمين،
وإن من جملة هذه الإنتكاسة عن الدين، أو عن بعض أحكامه، وعن بعض واجباته، وعن بعض
أموره، الإنتكاسة بالفطر إلى حد أن يبقى الإنسان أشبه بالحيوان، وهذا سوف يحصل في
هذه الأمة كما أخبرنا بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام، روى الإمام مسلم في صحيحه
من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه حين ذكر النبي عليه الصلاة والسلام خروج
الريح الطيبة في آخر الزمان قبل قيام الساعة، وأنها تأخذ أرواح المؤمنين، قال :
فيبقى شرار الخلق يتهارجون كما تتهارج الحمر وعليهم تقوم الساعة.
فيبقى شرار الخلق
يتهارجون: أي يتسافدون، أي تحصل فيهم الفواحش، يحصل منهم الزنا علانية، كما يفعل
الحمر في الطرقات والشوارع من غير حياء ولا خجل، عيشة حيوانية، يحصل للناس في آخر
الزمان غير أن هذا الأمر يكون بعد أن يقبض الله سبحانه وتعالى أرواح المؤمنين،
يتهارجون كما تتهارج الحمر أي يتسافدون ويقعون في الفاحشة في الطرقات أمام مرأى
الناس تبلغ بهم الحال إلى هذا الخلق، لكن هؤلاء هم شرار الخلق وعليهم تقوم الساعة
كما أخبرنا بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام، قال عليه الصلاة والسلام :"
لتكفأن أمتي عن دينها كما تكفأن الإناء في البطحاء.
إن السبب في
انتكاسة هذه الأمة أو انتكاسة بعض هذه الأمة في آخر الزمان انتكاسة القلوب بسبب
الذنوب والمعاصي، جاء في مسلم(144) من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، عن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:"تُعْرَضُ الفِتَنُ علَى القُلُوبِ
كالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فأيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَها، نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ
سَوْداءُ، وأَيُّ قَلْبٍ أنْكَرَها، نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ بَيْضاءُ، حتَّى تَصِيرَ
علَى قَلْبَيْنِ، علَى أبْيَضَ مِثْلِ الصَّفا فلا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ ما دامَتِ
السَّمَواتُ والأرْضُ، والآخَرُ أسْوَدُ مُرْبادًّا كالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لا
يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، ولا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إلَّا ما أُشْرِبَ مِن هَواهُ.
كالكوز المجخيا،
وهذا هو الكوز المقلوب، والإناء المقلوب في البطحاء، كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا
ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه، فتنقلب القلوب وتصير كالإناء الأسود المقلوب
الذي صار فمه إلى جهة الأرض، لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه،
ما الذي أوصل القلوب إلى هذا الحد هي الفتنة، هي الذنوب والمعاصي، حين يتسافط
الناس في أحوال الذنوب والمعاصي، ويتسارعون في ميدان الذنوب والمعاصي فتصير القلوب
إلى هذا الحد، ويحصل ما يحصل من الحور بعد الكور، ويحصل ما يحصل من الإنتكاسة بعد
الإستقامة، فحافظوا على قلوبكم معشر المسلمين، ونقوا قلوبكم من الذنوب والمعاصي،
واستقيموا على دين ربكم، استقيموا على دين ربكم وعلى سنة نبيكم عليه الصلاة
والسلام، احرصوا على طهارة القلوب من أمراضها، على طهارتها من أوساخها، ومن
أضرارها، حافظوا على قلوبكم فأن القلوب تتقلب في الذنوب، وتنتكس بسبب الذنوب
والمعاصي كما أخبرنا بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام، اسأل الله عز وجل أن يغفر
لنا ذنوبنا أجمعين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا أجمعين، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم
الراحمين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها
وعلانيتها، اللهم اهدنا إلى الصراط المستقيم، واجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا
مضلين، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها
من قول وعمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم يسر على المعسرين
واقض الدين عن المدينين، وعف مبتلى المسلمين، واشف مرضاهم وارحم موتاهم إنك أنت
الغفور الرحيم، اللهم عافنا واعفوا عنا، اللهم عافنا في الدنيا والآخرة، اللهم إنا
نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والأخرة، ربنا آتنا في
الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.