الرئيسية / الخطب والمحاضرات/ نصائح وتوجيهات /وابل السحابة على حديث مثل الصائم كمثل رجل في عصابة
وابل السحابة على حديث مثل الصائم كمثل رجل في عصابة 2023-01-05 17:15:11


وابل السحابة على حديث مثل الصائم كمثل رجل في عصابة


لشيخنا المبارك: أبي بكر بن عبده بن عبدالله بن حامد الحمادي 


وهي عبارة عن كلمة كانت في تأريخ٥/رمضان/١٤٤٢ هجرية 

في مسجد السنة بخنوة.


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرا

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]

 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] 

 { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [الأحزاب: 70، 71]

أما بعد: 

اعلموا أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة.

روى الإمام أحمد في مسنده ،وابن ماجة في سنده، من حديث الحارث الاشعري رضي الله عنه،فيما يرويه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن يحيى ابن زكرياعليه الصلاة والسلام في حديثٍ طويل  وفي أثناء هذا الحديث الذي يرويه النبي عليه الصلاة والسلام عن يحيى ابن زكريا قال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن نبي الله يحيى أنه قال لبني اسرائيل :"وأمركم بالصِّيامِ ومَثلُ ذلك كمثلِ رجلٍ في عصابةٍ معه صُرَّةُ مِسكٍ كلُّهم يحبُّ أن يجدَ ريحَها وإنَّ الصِّيامَ أطيبُ عند اللهِ من ريحِ المسكِ" هذا الحديث الذي رواه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه هذا المثل المضروب في شأن الصيام، وأمركم بالصيام ، والأمر بالصيام منه ما هو على سبيل الوجوب، ومنه ما هو على سبيل الإستحباب،فإن الله سبحانه وتعالى أوجب الصيام على هذه الامة،  وعلى من مضى من الامم، كما قال سبحانه وتعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)}[ البقرة:183]. فكتب بمعنى فرض ووجب ، فالله عز وجل كتب علينا الصيام بمعنى فرضه وأوجبه علينا وعلى من مضى من الأمم، كتب عليكم الصيام وعلى الذين من قبلكم، ويحيى ابن زكريا يبلغ عن ربه سبحانه وتعالى هذا الامر، وأن الله سبحانه وتعالى أمرهم بالصيام،والصيام الذي أمرنا به هو صيام هذا الشهر الذي نحن فيه،

{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[البقرة:185].

  أي شهر رمضان، وأما سائر الأمم فقد يكون أمرهم الله سبحانه وتعالى بصيام شهر رمضان، وقد يكون أمرهم سبحانه وتعالى بصيام غير ذلك من الايام، فالأمر غير معلوم، غاية ما في الآية أن الله عز وجل كتب علينا الصيام وكتب الصيام على من مضى، هل المراد بذلك صيام شهر رمضان أو غيره من الشهور؟ الله اعلم ، أما بالنسبة  لهذه الامة؟ فالذي كتبه الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة هو صيام شهر رمضان، وآمركم بالصيام فإن مثل ذلك أي مثل الصيام كمثل رجلٍ في عصابة، العصابة الجماعة من الناس، كمثل رجلٍ في عصابة قال معه صرة مسكٍ، معه صرة مسك، الصرة شيء من الوعاء، قد يكون مصنوع من الجلد وقد يكون مصنوع من غير ذلك ، صرة يوضع فيها المسك، وقد يوضع فيها غير ذلك من الامور النفيسة، قد يوضع في الصرة الذهب، وقد يوضع في الصرة الفضة، وغير ذلك من الأمور النفيسة، وفي هذا الحديث أن هذا الرجل معه صرة مسك، صرة فيها مسك، ومعلوم من حيث العادة القديمة أن الصرة تخبأ تحت الثياب لنفاسة ما فيها، فلا تجعل الصرة ظاهرة للناس ، خشية السرقة او الإختلاس، فلو كانت ظاهرة للناس ربما أخذت عن طريق السرقة، أو أخذت عن طريق النهب والاختلاس، فكان الناس قديماً يخبئون الصرة تحت ثيابهم، وهكذا شأن الصائم الصائم في عبادة خفية، بعكس سائر العبادات، فسائر العبادات عبادات ظاهرة، فإن الإنسان إذا صلى شاهده الناس شاهده من حوله من الناس فإن الصلاة عبارة عن أفعال ظاهرة، وهكذا إذا تصدق ،وهكذا إذا أمر بالمعروف أو نهى عن المنكر،وهكذا إذا فعل غير ذلك من أفعال الخير فإنها تظهر، إما عن طريق القول وإما عن طريق الفعل، أما الصيام فإنه خفي لأن الصيام عبارة عن إمساك، ما هو أفعال ظاهرة ،هو مجرد امساك يتعبد العبد ربه سبحانه وتعالى بأن يمسك عن الشهوات من أجل الله عز وجل، يمسك عن المفطرات، وهذا الامساك شيء موجود في القلب، ما هو في في البدن ما هو ظاهر في البدن، فاذا نظر الإنسان إلى صائمٍ وإلى مفطرٍ لا يميز بين الرجلين، أن هذا صائم وأن هذا من المفطرين، لأن الصائم ما عنده أفعال ظاهرة تدل على صيامه، والمفطر قد يكون مفطراً ولا يشاهد الناس ذلك فيه، فالصيام عبادة خبية، يدع الإنسان الشهوات من أجل الله عز وجل، كما قال الله عز وجل في الحديث القدسي الذي أصله في الصحيحين وفي رواية البخاري قال الله عز وجل :"يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي" وهو مجرد ترك يدع هذه الشهوات من أجل الله عز وجل" يدع طعامه وشرابه وشهوته" الشهوة المراد بها شهوة النساء، شهوة الجماع، قيل لها شهوة لأنها أعظم الشهوات، وأشد الشهوات وابلغ الشهوات، وإن كان الطعام داخل في مسمى الشهوة والشراب داخل في مسمى الشهوة غير أن أبلغ الشهوات شهوة الجماع، شهوة الوطئ فلهذا سماه النبي عليه الصلاة والسلام شهوة ،وفي الحديث المعروف"أيُؤجَرُ أحَدُنا في شَهوتِه؟ قال: أرَأيْتَ لو وضَعْتَه في غيرِ حِلٍّ أكان عليكَ وِزرٌ؟ قال: نَعَمْ، قال: أفتَحتَسِبونَ بالشَرِّ، ولا تَحتَسِبونَ بالخَيرِ"أخرجه الترمذي (1956) بنحوه، وأحمد (21469) واللفظ له عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه. 

  فيدع الصائم هذه الأمور من أجل الله عز وجل يراقب ربه سبحانه وتعالى فيها،فلصيام شأن عظيم، يدع العبد ما يحب من الشهوات من أجل الله عز وجل.، وكأن الصائم يقول لربي سبحانه تعالى لا أبالي بالدنيا وما فيها لا أبالي بشهواتها وملذاتها، أنا تحت طاعتك، وأنا عبدٌ من عبيدك، ادع كل ما أشتهي من أجلك، فهي عبادة عظيمة، فيها ما فيها من الأمور العظيمة والمعاني العظيمة، يدع الإنسان ما يحب، يدع ما لا غنى له عنه من المطعم والمشرب والمنكح، من أجل الله عز وجل لأنه عبد لله عزوجل ما هو عبدٌ لشهواته، فهو يبرهن في صيامه أنه عبد لله عز وجل ما هو من عبيد الشهوات، يبرهن بصيامه بهذا الامر، وإذا ما صام العبد فإنه يرتفع عن مرتبة البهائم نعم يرتفع عن مرتبة التشبه بالبهائم إلى التشبه بالملائكة، فإن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون، فإذا ما صام العبد تشبه بالملائكة وارتفع عن التشبه بالبهائم لأن البهائم تتجه إلى الشهوات، شهوات المطعم وشهوات المشرب وشهوات الجماع، فهو يرتفع بذلك، فالصيام ينقي الروح، ويصفي الروح، ويجعل العبد يتجه إلى عبادة الله عزوجل اتجاهاً كبيراً، ويجعل العبد يبتعد عن معاصي الله سبحانه وتعالى، وفيما فيه من تضييق لمجاري الشيطان وما إلى ذلك من الأمور العظيمة الموجودة في الصيام، فالشاهد أن في الحديث قال:" أمركم بالصيام فإن مثل ذلك كمثل رجلٍ في عصابة معه صرة مسكٍ" وعرفنا أن الصرة مخفية، الصرة مخفية ؛ وهكذا الصائم يخفي عمله لا يشعر الإنسان بعمله، لأنه كما عرفنا مجرد ترك لشهواته في المطعم والمشراب والمنكح،قال معه صرة مسك قال كلهم يعجبه ريحها ،أي كل أولئك القوم الذين هو فيهم أعجبهم ريح ذلك المسك،اتفقوا على أن هذا الريح ريح طيب ،وهكذا الصائم شأنه كشأن الرجل الحامل للمسك،الصائم كما عرفنا قد نقى نفسه من الشهوات ،وذلل نفسه في عبودية رب العالمين سبحانه وتعالى، وكمال الصيام الواجب أن يترك الإنسان المحرمات ،يكون طيبا في ظاهره وفي باطنه، لا ينبعث منه إلا الشيء الطيب ،كحامل المسك، كحامل تلك الصرة بالمسك،فإنه ينبعث منه رائحة المسك، والصائم أيضا تنبعث منه الروائح الطيبة ،تنبعث منه الأمور الطيبة ،فإذا ما تكلم تكلم بكلام طيب ،هذا في كمال الصيام الواجب، وهكذا ينبغي أن يكون الصائم ،إذا تكلم تكلم بالكلام الطيب،وإذا فعل فعل طيباً،فليس الصيام أن يترك الإنسان المأكل والمشرب والجماع، ثم يقع في خبائث المحرمات من الأقوال ومن الأفعال،ليس هذا الصيام،قال عليه الصلاة والسلام،روى البخاري (1903) (6057) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْل فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ "

وعند ابن خزيمة (1996)، وابن حبان (3479)، والحاكم (1570) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ليس الصيامُ من الأكلِ و الشربِ ، إنما الصيامُ من اللَّغوِ و الرفَثِ "

هذا هو الصيام الذي أمر الله به ،فلابد للصائم أن يكون كذلك ،إذا تكلم تكلم بكلام الطيب فإن لسانه يصوم ،كما أن بطنه تصوم كذلك لسانه يصوم،بطنه يصوم من الأكل والشرب ،وفرجه يصوم من الوطء، ولسانه تصوم من الرفث ،تصوم من الجهل ،تصوم من السب والشتم، تصوم من اللعن، تصوم من الكذب ،تصوم من الغيبة والنميمة؛ هذه هو كمال الصيام الواجب،قال عليه الصلاة والسلام كما في حديث أبي هريرة "إذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ"أخرجه البخاري (1894)، ومسلم (1151)،.

فهذا هو الصيام الواجب ،وهكذا تصوم جوارحه من المعاصي والذنوب ،فليس مجرد ترك الطعام والشراب،فيكون العبد في أوساط الناس في اوساط الجماعة من الناس لا تنبعث منه إلا الأمور الطيبة، إن فعل فعل طيباً يحمد عليه، وإن قال قال طيباً يحمد عليه لا يجد جلسائه منه إلا الشيء الطيب ،كالذي عنده صرة من مسك لا يجد الناس منه الرائحة الخبيثة ،وإنما يجدون منه الرائحة الطيبة،وهذه الأقوال الطيبة والأفعال الطيبة تصير رائحة طيبة حقيقية وتكون أطيب عند الله سبحانه وتعالى من ريح المسك،  لخلوف الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وخلوف عبادة ،قال في هذا الحديث كلهم يعجبه ريحه، قال وإن ريح الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، ماهو كريح المسك بل أطيب عند الله عزوجل من ريح المسك، وذكر المسك في الحديث لأنه سيد الأطياب،وأعظم الأطياب وأفضل الأطياب، ومع هذا يقول أطيب من ريح المسك، وفي حديث أبي هريرة في الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام:" فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَخُلْوف

 فَمِ الصَّائِمِ، أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِن رِيحِ المِسْكِ"البخاري (1904)، ومسلم (1151).وتُقرأ بالفتح لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يقسم النبي عليه الصلاة والسلام على ذلك، فالصائم تنبعث منه هذه الرائحة وهي رائحة عبادة،رائحة طاعة من الطاعات تنبعث منه وهي عند الله أطيب من ريح المسك، ويقسم على ذلك النبي عليه الصلاة والسلام، فيقل "فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَخُلوف فَمِ الصَّائِمِ، أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِن رِيحِ المِسْكِ"

وهذا الطيب من أهل العلم من قال هو في الدنيا،هذا الطيب يكون في الدنيا، كما قال ذلك ابن الصلاح رحمة الله عليه ،احتجاج ما رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ولا ريح فم الصائم حين يخلف أطيب عند الله من ريح المسك " قال حين يخلف أي يخرج منه، فقال ابن الصلاح رحمة الله عليه:أن هذا الأمر يحصل له في الدنيا حين يخلف أي حين يخرج منه يكون على هذه الحال أطيب عند الله من ريح المسك، ومن أهل العلم من قال بل هذا يقوم يوم القيامة،كما جاء في مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِن رِيحِ المِسْكِ يوم القيامة"

هكذا يقول النبي عليه الصلاة والسلام، فهذه الرائحة الطيبة تنبعث وتظهر للناس في يوم القيامة، كما قال عليه الصلاة والسلام يوم القيامة، وأما في الدنيا فإنها لا تنبعث للناس ولا يشعرون بها،لكن قد يقال أن الله عزوجل يستطيبها في الدنيا أيضا لقوله حين يخلف ،فالله عزوجل يستطيبها في الدنيا، وأما ظهورها  للناس فإنما ذلك يوم القيامة،كالمكلوم الذي يُكلم في سبيل الله فإن دمه لونه لون الدم وريحه ريح المسك يوم القيامة، كما جاء ذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح الإمام البخاري، فالدم دم المكلوم في سبيل عزوجل الله يوم القيامة تكون في هذه الميزة، اللون لون الدم والريح ريح المسك، هذا هو الأصل، أن ظهور ذلك يكون يوم في القيامة، وقد تظهر الريح في الدنيا من باب الكرامات ،تظهر الريحة الطيبة للمؤمن في الدنيا من باب الكرامات، والأصل أن ظهور ذلك يكون في يوم القيامة، 

فالصيام طيب وأهله طيبون ،وما ينبعث منهم ينبعث الشيء الطيب الذي هو أطيب عند الله عز وجل من ريح المسك، وهكذا يكون يوم القيامة، الصائمون تخرج من أفواههم تلك الروائح الطيبة، والشهداء تخرج من دمائهم تلك الروائح الطيبة، وكل هذا من كرامات الله عز وجل، ومن  إظهاره لفضل هؤلاء ،لفضل الصائمين ولفضل الشهداء في سبيل الله، وقوله عليه الصلاة والسلام "والذي نفسي بيده لخلوف فم صائم اطيب عند الله من ريح المسك" لا يفهم من هذا ما فهمه بعض العلماء، أنه لا يستحب السواك من بعد الزوال، هذا ما هو صحيح أنه لا يستحب السواك من بعد الزوال، أن هذا ليس بصحيح،فان السواك مستحبٌ في جميع الاوقات، وفي جميع الصلوات وعند كل وضوء، في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال عليه الصلاة والسلام: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة"البخاري(887) وميلم(252)

 لم يقل إلا صلاة الظهر والعصر في رمضان أو في حال الصيام،  ما استثنى النبي عليه الصلاة والسلام الصائم من غيره، بل عمم الخبر، وهكذا جاء في مسند الإمام أحمد(7513)

 من حديث أبي هريرة قال عليه الصلاة والسلام:" لولا أن اشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء" ومعلوم أن الوضوء فيه مضمضة، الوضوء فيه مضمضة، وربما هو مثيل السواك في هذا الأمر، فلو كان المطلوب من العبد ألا يطهر فمه بعد الزوال من أجل الخلوف لقيل له لا تتمضمض ولا تستاك، وهذا غير صحيح، هذا غير صحيح، وله هذا الفضل وإن حصل له التمضمض وإن حصل له الإستياك ، فله هذا  الفضل ولا ينقص له من الفضل شيء، بل يزداد أجراً لأنه أتى بما أمر به من السواك ومن المضمضة،وهناك من أهل العلم من يقول أن الخلوف أو الخلوف ينبعث من المعدة فإذا ما استاك الإنسان فإن ذلك لا يزول، لا يذهب عنه الخلوف، لأنه منبعث من المعدة بسبب خلوها من الطعام، وبناء على ذلك فإنه إذا تمضمض أو استاك  فانه لا يحصل له أي تأثير لخلوفه، وعلى كل الفضائل لا تعني أن الإنسان يزيل عنه ما يستقذر ، فإن رائحة الفم المتغيرة مستقذرة وإن كان لها فضل ، لكن لا يعني هذا أن الإنسان لا يزيل عنه الأمر المستقذر من أجل  ما فيه من الفضل، ولهذا كما هو معلوم أن دم الشهداء يأتي يوم القيامة اللون لون الدم والريح ريح المسك ، لكن مع هذا إذا وقع ذلك على الثوب أو على البدن فإنه يزال، أي إذا أصيب الإنسان بدم شهيد بثوبه أو بدنه فإنه يزيل ذلك الدم من ثوبه ومن بدنه ،وهكذا المجروح وإن لم يمت، فإذا الحديث جاء في المكلوم أي المجروح سواءً مات شهيداً أو مات على فراشه، إذا سال الدم على ثوبه وعلى بدنه لا يقال له أبقي الدم على ثوبك وعلى بدنك لما له من الشرف والكرامة، بل هو مأمور بإزالة الدم لأنه من الخبائث، او دماً مسفوحاً او لحم خنزير فإنه رجس، هكذا يقول ربنا سبحانه وتعالى، وإن كان له فضل يوم القيامة لكن الإنسان يزيل عنه الخبائث  باعتبار الدنيا، فهذا من هذا الباب، فعلى كلٍ هذا مثلٌ عظيم يرويه لنا النبي عليه الصلاة والسلام عن نبي الله يحيى ابن زكريا عليه الصلاة والسلام وهو يبلغ هذا  عن ربي سبحانه وتعالى، فان الله سبحانه وتعالى أمره بذلك،  وأمره أن يأمر بني اسرائيل بذلك، اسأل الله عز وجل أن ينفعنا بما سمعنا وأن يرحمنا برحمته وأن يغفر لنا ذنوبنا اجمعين.


جميع الحقوق محفوظة لـ الموقع الرسمي للشيخ أبي بكر الحمادي