خطبة بعنوان المورد الأمعن في بيان الأربع الصفات التي يستحق صاحبها أن يُلعن 2023-02-04 13:23:00
خطبة جمعة بعنوان (المورد الأمعن في بيان الأربع الصفات التي يستحق صاحبها أن يلعن)
لشيخنا المبارك أبي بكر الحمادي
سجلت بتاريخ ١٢رجب١٤٤٤ه
بمسجد 🕌 المغيرة بن شعبة 🕌 مدينة القاعدة/محافظة إب حفظها الله وسائر بلاد المسلمين
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد:فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي الطفيل عامر بن وافلة رضي الله عنه قال:"كُنْتُ عِنْدَ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، فأتَاهُ رَجُلٌ، فَقالَ: ما كانَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يُسِرُّ إلَيْكَ، قالَ: فَغَضِبَ، وَقالَ: ما كانَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يُسِرُّ إلَيَّ شيئًا يَكْتُمُهُ النَّاسَ، غيرَ أنَّهُ قدْ حدَّثَني بكَلِمَاتٍ أَرْبَعٍ، قالَ: فَقالَ: ما هُنَّ يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ؟ قالَ: قالَ: لَعَنَ اللَّهُ مَن لَعَنَ وَالِدَهُ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَن ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَن آوَى مُحْدِثًا، وَلَعَنَ اللَّهُ مَن غَيَّرَ مَنَارَ الأرْضِ.
فلعن الله سبحانه وتعالى من فعل هذه الأمور المنكرة، واللعن هو الطرد من رحمة الله عز وجل، وإذا طُرد العبد من رحمة الله عز وجل فقد خسر، فإن لا خير للعبد إلا برحمة الله عز وجل، وإذا رحم الله سبحانه وتعالى العبد فقد فاز وأفلح في الدنيا والآخرة، وسعد في الدارين، وإذا ما لعن فهو على العكس من ذلك، فمن أعظم العقوبات ومن أشدها عقوبة اللعن أن تُطرد من رحمة الله عز وجل، وتقع سخط الله سبحانه وتعالى، فلعن الله سبحانه وتعالى من اتصف بهذه الصفات أو بواحدة منها، قال عليه الصلاة والسلام : لعن الله من لعن والديه، فالذي يلعن والديه فهو ملعون لعنه رب العالمين سبحانه وتعالى، ولعن الوالدين قد يكون مباشرة، وقد يكون عن طريق التسبب، فقد جاء في الصحيحين من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:"إنَّ مِن أكبَرِ الكَبائِرِ أنْ يَلعَنَ الرجُلُ والِدَيه قالوا يا رسولَ اللهِ وكيفَ يَلعَنُ الرجُلُ أبَوَيه ؟ قال: يَسُبُّ الرجُلُ الرجُلَ فيَسُبُّ أباه ويَسُبُّ الرجُلُ أُمَّه فيَسُبُّ أُمَّه.
أن يتسبب في ذلك، والصحابة رضي الله عنهم أجمعين استعظموا هذا الأمر، فإن الناس كانوا في أول الأمر حتى في الجاهلية عندهم الإحترام والتعظيم والتبجيل للوالدين، حتى أن هنالك من أهل الجاهلية من ضل ووقع في الشرك وعاند الإسلام والسبب في ذلك هو التقليد للآباء والأجداد، من شدة تعظيمهم لآبائهم وأجدادهم أنهم ضلوا كما ضلوا، { إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَىٰ آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70)}[الصافات:69،70].
قال الله :{بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ (22)}
قال :{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ (23)}[ الزخرف:22،23].
فكان عندهم التعظيم للآباء والأجداد إلى هذا الحد وهو تعظيم غير شرعي، لكن الشاهد من ذلك أن إحترام تعظيم الوالدين كان موجوداً حتى في الجاهلية، وهكذا ازداد التعظيم على وفق الشريعة في الإسلام، فلما قال النبي عليه الصلاة والسلام : إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، استعظم الصحابة هذا الأمر واستنكروه، كيف يجرأ الولد أن يلعن والديه، فقالوا وكيف يلعن الرجل والديه؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه، أي عن طريق التسبب، تسب أبا الرجل فذاك الرجل يقابلك بالمثل فيسب أباك، وتسب أم الرجل فيقابلك ذلك الرجل بالمثل فيسب أمك، وهذا كان أمراً موجوداً ولهذا حذر منه النبي عليه الصلاة والسلام، وأن هذا من سب الوالدين، أما مباشرة ومواجهة الوالدين بالسب واللعن والشتم فلم يكن أمراً معهودا في ذاك الزمن، أما في أزماننا فالأمر أشد وأشد، فمواجهة الوالدين بالسب واللعن صار معتادا بين كثير من الناس إلا من رحم الله عز وجل، ومن الناس من يرفع يده على والديه بالضرب، ومنهم من يطرد والده أو يطرد أمه من بيته، ويمنع والده من أن يدخل في بيته، أو يمنع أمه، ومنهم من يهجر والديه ومنهم من بلغ به الحال إلى أن سفك دم والده أو والدته والعياذ بالله، هكذا الحال في كثير من الجاهلين في مثل هذه الأزمان، وقعوا في أمر لم يقع فيه حتى أهل الجاهلية والعياذ بالله، من التعدي والبغي على الوالدين وعدم معرفة المعروف، فالوالدان لهما المعروف العظيم على الولد،{وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)}[الإسراء:23،24].
فجاء الإسلام بمعرفة المعروف لأهله، وبمعرفة النعمة لأهله، ومن أعظم النعم بعد نعمة الله عز وجل نعمة الوالدين على الولد، {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا}
قال الله:{وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ۖ}
وقال الله:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[البقرة:83].
وقال الله:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[النساء:36].
وقال الله:{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ }[الأنعام:51].
فكم هي الآيات في كتاب الله عز وجل في الحث على الإحسان للوالدين، وكم هي الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فمن اجترأ على والديه باللعن فقد وقع في كبيرة هي من أكبر الكبائر والعياذ بالله، إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه هكذا يقول نبينا عليه الصلاة والسلام، فقال النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث: لعن الله من لعن والديه، لعن الله لمن ذبح لغير الله، ومن يذبح لغير الله فهو ملعون مطرود من رحمة الله عز وجل، لأنه صرف عبادة لا تكون إلا لله، صرفها لغير الله عز وجل، فإما عبادة النسك كعبادة الصلاة، فكما أنه لا يجوز لك أن تسجد لغير الله ، وأن تصلي لغير الله، فهكذا لا يجوز لك أن تذبح لغير الله، لا فرق بينهما، قال سبحانه وتعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)}[الكوثر:2].
كما أنك تصلي لله فانحر لله، كما أنك إذا صليت لغير الله كفرت وأشركت فإذا ذبحت لغير الله فقد كفرت وأشركت، { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)}[الأنعام:162،163].
صلاتك لله ونسكك وهو ذبحك لله عز وجل، فكم من أناس صرفوا الذبح لغير الله عز وجل، هنالك من يذبح للأموات بما يسمونه بالأولياء والصالحين، يذبحون لهم الذبائح عند قبورهم، ويتقربون إليهم بأنواع الذبائح مالا يتقربون إلى ربهم سبحانه وتعالى، وهنالك من يذبح للجن في صور مختلفة متنوعة، هنالك من يذبح للجن خوفا من ذهاب ماء البئر، فيذبحون حتى يبقى الماء في البئر ولا يذهب ذبيحة للجن، يتقربون إلى الجن، ومنهم من يذبح للعيون الجارية حتى لا ينقطع ماؤها، ومنهم من إذا دخل بيتا جديدا ذبح حتى يقِ نفسه أذية الجن، فيتقرب إلى الجن والشياطين بأنواع الذبائح، وهنالك من يذبح بين يدي العروس قبل أن تدخل إلى الدار، فيذبح ذبيحة حتى يتقرب بها إلى الجن حتى لا تحصل أذية من الشياطين للعروسين، وكل هذا من الشرك العظيم والكفر العظيم برب العالمين سبحانه وتعالى، وهكذا ذبيحة الهجر عند التخاصم والتنازع في أوساط الناس ذبح لغير الله عز وجل، وهو شرك بالله سبحانه وتعالى، فالذبح لا يكون إلا لله، كما أنا الصلاة لا تكون إلا لله، {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)}.
فصل لربك وانحر، فعلينا أن نتقِ الله عز وجل، وأن نحافظ على توحيدنا، وأن نبتعد كل البعد من الشرك بالله عز وجل فإنه الخراب والدمار، والهلاك والخسران في الدنيا والآخرة، {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72)}[المائدة:72].
وقال الله:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ (66)}[الزمر:65].
وقال الله:{وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88)}[الأنعام:88].
فلنتق الله سبحانه وتعالى جميعا في عباداتنا، ولا نصرف العبادة إلا لربنا وحده لا شريك له، بهذا أمرنا ربنا، ومن أجل هذا أرسل الله الرسل، وأنزل الله الكتب، هذا وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين، وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم.
*الخطبة الثانية:*
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد : فيقول نبينا عليه الصلاة والسلام " لعن الله من آوى محدثا، أي من نصر وآزرا وأعان وحمى من كان محدثا، والمحدث هو المفسد في أوساط الناس، كقطاع الطرق، وكالسرق الذين يأخذون أموال الناس، والمتهمين والمختلسين، وكالزناة وأنواع المجرمين، وهكذا من أحدث في دين الله عز وجل البدع والخرفات، أو أحدث ما هو أشد من ذلك من الشرك بالله عز وجل، فمن كان ناصرا لهؤلاء ومعينا لهم ومدافعا عنهم ومحاميا عنهم فإنه ملعون لعنه رب العالمين سبحانه وتعالى، فهؤلاء هم المحدثون في الأرض الذين أفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، بعد أن أصلحها رب العالمين سبحانه وتعالى بالطاعة، فأسدوها بالمعصية بعد أن أصلحها الله سبحانه وتعالى بالتوحيد، أفسدوها بالشرك بعد أن أصلحها الله سبحانه وتعالى بالسنة أفسدوها بالبدع والمحدثات والعياذ بالله، لعن الله من آوى محدثا هكذا يقول نبينا عليه الصلاة والسلام، فلا تكن عونا ولا موآزرا ولا معاونا ولا محاميا عمن ظهر شره وظهر فساده وظهر مكره وظهر ضرره على الإسلام والمسلمين، إن تكن كذلك فأنت معلون لعنك رب العالمين سبحانه وتعالى، وطردك من رحمته، قال عليه الصلاة والسلام في ختام هذا الحديث:" لعن الله من غير منار الأرض، وهي تخوم الأرض بمعنى العلامات، واختلف العلماء في معنى ذلك، فقال كثير من أهل العلم علامات الأراضي التي تفصل أرض الشخص عن أرض جاره، وتحدد الأراضي فمن أزال هذه العلامات حتى يدخل في أرض جاره فإنه ملعون، أو أزالها حتى تقع الفتن في أوساط الناس وكل من يدعي أن أرضه إلى كذا كذا، والآخر يدعي إلى كذا ، فأيضا هو معلون لعنه رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقال بعض العلماء: المراد بذلك بعض الطرق التي يهتدي الناس بها في أسفارهم، فمن أزالها حتى يتيه الناس ويضلوا في طرقاتهم ولا يهتدوا إلى مقاصدهم فهو معلون لعنه رب العالمين سبحانه وتعالى، وقال الآخرون: المراد بذلك علامات الحرم التي وضعت بحدود الحرم حتى تتميز الأرض الحرام من غيرها، وكل ذلك داخل في عموم قوله عليه الصلاة والسلام: لعن الله من غير منار الأرض، فمن غير منار الأرض فهو ملعون لعنه الله عز وجل، فإن غير ذلك من أجل أن يأخذ حق أخيه فهذا ظلم عظيم، في الصحيحين من حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:"مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الأرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَومَ القِيَامَةِ مِن سَبْعِ أَرَضِينَ.
وفي الصحيحين من حديث عائشة:"مَن ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ طُوِّقَهُ مِن سَبْعِ أرَضِينَ.
أي جعل طوقا في عنقه وخسف به إلى سبع أرضين يوم القيامة، فهذا ظلم عظيم، ولما قال النبي عليه الصلاة والسلام:مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بيَمِينِهِ، فقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ له النَّارَ، وَحَرَّمَ عليه الجَنَّةَ فَقالَ له رَجُلٌ: وإنْ كانَ شيئًا يَسِيرًا يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: وإنْ قَضِيبًا مِن أَرَاكٍ"؛ أخرجه مسلم عن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي.
أراد بذلك عود السواك، ولو كان شيئا يسيرا كما روى ذلك كما روى مسلم في صحيحه من حديث أبي أمامة رضي الله عنه.
فلا تستهن بهذا الأمر ولا تأخذ حق أخيك في الدنيا فإن وبال ذلك عظيم في الآخرة، ووبال ذلك شديد في الآخرة، واتق ربك سبحانه وتعالى، وأدي الحقوق إلى أهلها، وإذا كانت هذه عقوبة من غير منار الأرض فكيف بمن غير منار القرآن، فإن للقرآن منار كما قال عبد الله بن مسعود كمنار الطريق، وكيف بمن غير منار الإسلام فإن للإسلام منار كما جاء ذلك عن رسول الله في حديث أبي هريرة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام إن للإسلام صوى ومنار كمنار الطريق، فالذي يغير ويبدل ويحرف في كتاب الله عز وجل، وفي دين الله سبحانه وتعالى من أجل أن يضل الناس عن كتاب الله، وأن يضل الناس عن سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأن يصد الناس عن الهدى، وأن يوقع الناس في الغي والردى، فإنه أعظم ظلما وأشد جرما ممن غير منارات الطريق، لأن من غير منارات الطريق إن ضل الناس فإنما يضل في دنياهم، ومن غير منار القرآن ومنار الإسلام فإنما يضل الناس عن جنة ربهم، ويوقع الناس في نار جهنم والعياذ بالله.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين، وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها، اللهم اهدنا إلى الصراط المستقيم واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم عافنا واعف عنا، اللهم عافنا في الدنيا والآخرة، اللهم اغفر لموتى المسلمين أجمعين، ربنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.