الغيث النازل في الحث على التوبة عند الزلازل ١٩ رجب ١٤٤٤ 2023-02-11 10:33:24
خطبة جمعة بعنوان (الغيث النازل في الحث على التوبة عند الزلازل)
لشيخنا المبارك أبي بكر الحمادي حفظه الله ورعاه
سجلت بتاريخ ٢٠رجب١٤٤٤ه
بمسجد 🕌 السنة 🕌 الأكمة مدينة القاعدة محافظة إب
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه و على آله وصحبه وسلم.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد:فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن. فأخبر النبي عليه الصلاة والسلام قال في آخره: ويكثر الهرج القتل القتل. فأخبرنا النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث عن أمور بين يدي الساعة، فلا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وقبض العلم يكون بموت العلماء كما أخبرنا بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام، جاء في الصحيحين من حديث عبدالله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:"إنَّ اللهَ لا يقبضُ العلمَ انتزاعًا ينتزعُهُ منَ النَّاسِ ، ولَكن يقبضُ العلمَ بقبضِ العُلماءِ ، حتَّى إذا لم يترُك عالمًا اتَّخذَ النَّاسُ رؤوسًا جُهَّالًا ، فسُئلوا فأفتوا بغيرِ عِلمٍ فضلُّوا وأضلُّوا.
فقبض العلم يكون بموت أهله، بموت أوعيته وهم العلماء، فلا تقوم الساعة حتى يحصل هذا الأمر وهو قبض العلم، وإذا ما قبض العلم فإن الناس يتخذون رؤوسا جهالا يسألونهم عن أمورهم فيفتونهم بالجهل فيضلوا في أنفسهم ويضلوا غيرهم والعياذ بالله، قال عليه الصلاة والسلام : وتكثر الزلازل ،فلا تقوم الساعة حتى تكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، قال بعض العلماء : أي يقصر الزمان، وقال بعض العلماء: أن يقرب الزمان من يوم القيامة، وقال آخرون المراد بذلك: قصر الأعمار، تقصر أعمار الناس فيقرب زمان وفاتهم، أو يقرب زمان قيام الساعة، أو تقصر الأيام والساعات، وهكذا الأشهر والسنوات، وهذا الأظهر، فإنه جاء في مسند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:" لا تقوم الساعة حتى تكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كالساعة، والساعة كاختراق السعفة، أي ورق النخل، وهذا يدل على أن السنين تقصر، وهكذا الأشهر، وهكذا الجُمع وهي الأسابيع، وهكذا الأيام، وهكذا الساعات، فلا تقوم الساعة حتى يحدث هذا الأمر الذي أخبر عنه نبينا عليه والسلام، وهكذا تكثر الفتن، تظهر الفتن، وهكذا يكثر القتل الذي قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام الهرج وهو القتل القتل، هكذا قال نبينا عليه الصلاة والسلام، وشاهدنا من هذا الحديث هو قول نبينا عليه الصلاة والسلام: وتكثر الزلازل، فالزلازل أو كثرة الزلازل من أمارات الساعة كما أخبرنا بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام، وأسبابها هو ذنوب العباد، أو هي ذنوب العباد ومعاصيهم، فإن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر أن الساعة لا تقوم حتى تكثر أو تظهر الفتن، وهكذا يكثر القتل الذي سماه عليه الصلاة والسلام الهرج، قال : ويكثر الهرج وهو القتل القتل، فإذا حصلت من هذه الأمور وكثرت الفتن في أوساط الناس فتن الشهوات وفتن الشبهات وكثر القتل وكثرت الذنوب والمعاصي فإن الله سبحانه وتعالى يجازي العباد على أعمالهم فتكثر فيهم الزلازل، وهذه عقوبة من الله عز وجل لعل العباد يرجعوا إلى ربهم، وفيها تكفير للذنوب والسيئات، ويرفع الله سبحانه وتعالى من شاء من عباده بالدرجات بهذه الابتلاءات والامتحانات العظيمة، كثرة الزلازل أسبابها ذنوب العباد، وما يقوله بعض الناس أن هذه أمور طبيعية هذا كلام لا يستقيم، فإن المتصرف في الكون هو رب العالمين سبحانه وتعالى، وحده لا شريك له، وأما الطبيعة فليست خالقة، وليست متصرفة في الكون، المتصرف في الكون هو رب العالمين سبحانه وتعالى، وينزل مثل هذه الأمور والشدائد حين يحدث الناس الذنوب والمخالفات، وتكثر فيهم السيئات، ويكثر فيهم القتل، وتكثر فيهم الفتن، فيجازي الله سبحانه وتعالى العباد بأعمالهم، إن الزلازل داخلة في الأدلة التي ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام في الخسف، وذكرها ربنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، فإن الزلازل يحصل فيها الخسف، والخسف مذكور في كتاب الله عز وجل، ومذكور في سنة النبي عليه الصلاة والسلام، والسبب في ذلك هي الذنوب والمعاصي، قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45)أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ (46)أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ (47)}[النحل:45،47]
أفأمن الذين مكروا السيئات هذه العقوبات في حق من مكر السيئات، في حق من عصى وطغى وظلم وتعدى حدود الله سبحانه وتعالى، أفأمن الذين مكنوا السيئات أن يخسف بهم الأرض، ومن الخسف الزلازل، فإنه يحصل بها الخسف، أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون، من حيث لا يشعرون يأتيهم العذاب بغتة، من فوقهم أو من تحتهم وهم في أمن ولا يشعرون بذلك ويفاجئون بعقوبة من الله سبحانه وتعالى من حيث لا يشعرون، أو يأخذهم في تقلبهم أي في بيعهم وشرائهم وتنقلاتهم في حاجاتهم في دنياهم بينما في أسواقهم يبيعون ويشترون، بينما هم في أعمالهم يتقلبون يمنة ويسرة يأتيهم العذاب بغتة وهم لا يشعرون، والله سبحانه وتعالى لا يعجزه شيء، أو يأخذهم على تخوف أي وهم متوقعون لنزول العذاب في خوف شديد، قد توقعوا نزول العذاب من الله عز وجل فصاروا يرقبونه متى ينزل عليهم، فيعاقبه الله سبحانه وتعالى بالخوف الشديد قبل نزول العذاب، ثم يأتيهم العذاب بعد ذلك، غير أن ربنا سبحانه رؤوف رحيم بعباده، لكنه وعيد وتهديد من الله سبحانه وتعالى للعباد لعلهم يرجعوا إليه، ويبتعدوا ويتوبوا من ذنوبهم ومن معاصيهم، قال سبحانه وتعالى :{أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16)}[الملك:16].
أي فإذا هي تضطرب وتتحرك ،هل تأمن هذه العقوبة من الله عز وجل أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور، أي بسبب ذنوبكم، وبسبب معاصيكم، قال سبحانه وتعالى :{فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)}[العنكبوت:40].
فكلا أخذنا بذنبه، عاقب الله سبحانه وتعالى الناس بذنوبهم لا بذنوب غيرهم، وإنما أخذهم سبحانه وتعالى بذنوبهم بظلمهم ومعاصيهم، فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا وهي الحصباء، ومنهم من أخذته الصيحة وهو الصوت الشديد، ومنهم من خسفنا به الأرض، ومنهم من أغرقنا، كلها عقوبات من الله سبحانه وتعالى، وأسبابها هي الذنوب والمعاصي، قال سبحانه وتعالى في شأن قارون الذي طغى وبغى وكفر برب العالمين سبحانه وتعالى :{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} بسبب ذنبه وبسبب طغيانه وبسبب كفره وبسبب تكبره وتجبره عن عبادة رب العالمين سبحانه وتعالى، وعن الإيمان به، فهذه عقوبات من الله سبحانه وتعالى بسبب ذنوب العباد، لا يقال هذه أمور طبيعية فإن هذا غفلة عظيمة، هذه الغفلة تدعو العباد إلى أن يتمادوا في ظلمهم، ويتمادوا في غيهم، ويتمادوا في معاصيهم، وفي بغيهم، المتصرف بالكون هو رب العالمين سبحانه، كل هذا تخويف من الله سبحانه وتعالى، {وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60)}[الإسراء:60].
قال الله:{وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59)}
فهو تخويف من الله سبحانه وتعالى، وزجر وردع للهاربين حتى يرجعوا إليه سبحانه، {وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168)}[الأعراف:168].
قال الله:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)}[الروم:41].
فعقوبات الله سبحانه وتعالى كالسياط الذي يُضرب بها من كان فارا حتى يرجع إلى ربه سبحانه وتعالى، ويتوب إليه، ويصلح العمل، فعلينا أن نتقِ ربنا سبحانه وتعالى، وأن نتوب إلى الله عز وجل، وأن نحسن العمل ،هذا هو المخرج من هذه الشدائد من شدائد الزلزال، ومن غيرها، هذا هو المخرج لا مخرج إلا هذا، حصلت الزلازل في الأزمنة المتقدمة كما ذكر ذلك علماء التاريخ، وإذا بالناس يتجهون إلى المساجد، وتمتلأ المساجد بالناس، وإذا بالناس يتوبون إلى ربهم سبحانه وتعالى، ويتصدقون، وإذا بهم يعتقون العبيد والإماء، ويفعلون الخيرات لأنهم يعلمون أن هذا هو المخرج من هذه الشدائد والمحن، أما الناس في هذه الأيام فهم في غفلة بعيدة، تأتي الشدائد فلا يرجعون إلى ربهم سبحانه وتعالى، {وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60)}
لا توبة ولا رجوع إلى الله سبحانه وتعالى إلا عند القلة من الناس، غفلة عظيمة في قلوب الناس وعدم اتعاظ بمثل هذه الشدائد والمحن والأمور العظام، فالواجب علينا أن نتوب إلى الله عز وجل، إن المتأمل في بلدان المسلمين يجد الأمور المنكرة التي انتشرت في أوساطهم، في كثير من البلدان التي نزلت بها من المحن، من الزنا، ومن شرب الخمور، بل في بعضها قد رخص للخمر علانية، يجاهر رب العالمين سبحانه وتعالى بهذه المعاصي، وفتحت أبواب الربا على مصراعيها في كثير من بلدان المسلمين، بل لا يكاد بلد من بلدان المسلمين يسلم من ذلك،{فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ}
من جاهر بالربا فقد أعلنه الله سبحانه وتعالى بمحاربته، وهكذا ظهر زواج المثلين حتى في بعض بلدان المسلمين والعياذ بالله، فاحشة قوم لوط، بل بصورة أبشع وأشد مما كان عليه أولئك القوم الذين فعلوا فعلة ما سبقهم بها من أحد من العالمين، فإن قوم لوط والعياذ بالله لم يفعلوا ذلك زواجا، وإنما فعلوا ذلك فاحشة، أما هؤلاء فيعقدون العقود ويجعلونه زواجا والعياذ بالله، فهو أشد جرما وخبثا مما كان عليه أولئك القوم الذين جعل الله سبحانه وتعالى قريتهم عاليها في سافلها ،وأمطر عليهم حجارة من سجيل منضود، وما هي من الظالمين ببعيد، كما أخبرنا ربنا سبحانه وتعالى، فهذه عقوبات من الله سبحانه وتعالى لعل العباد يرجعون إليه، ويتوبون إليه من ذنوبهم ومعاصيهم.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يصرف عنا كل سوء ومكروه، وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.
*الخطبة الثانية:*
الحمد لله ، نحمده تعالى ونسعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد : اعلموا معاشر المسلمين أن الزلزال عقوبات من الله سبحانه وتعالى، وليست بأمور طبيعية كما يقول ذلك كثير من الجاهلين، بل عقوبات يعاقب الله سبحانه وتعالى بها من يشاء من عباده، وقد عاقب الله عز وجل أمما بهذه العقوبة، عاقب الله سبحانه وتعالى قوم صالح، كما قال الله سبحانه وتعالى:{فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77)فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78)}[الأعراف:77،78].
وهكذا قوم شعيب، قال سبحانه وتعالى:{وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ (90)فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91)الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا ۚ الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (92)}[الأعراف:90،92].
قال الله:{وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ }.
قال سبحانه وتعالى:{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78)}
رجفت بهم الأرض فأهلكهم الله سبحانه وتعالى دمرهم بسبب كفرهم وظلمهم وبغيهم، بسبب عنادهم لربهم سبحانه وتعالى، بسبب ذنوبهم ومعاصيهم، فهي عقوبات من رب العالمين سبحانه وتعالى، ينزلها على من يشاء ، وفيها ما فيها أيضا من الابتلاء والامتحان للمؤمنين، ومن تكفير السيئات لأهل الإيمان، ومن رفع الدرجات، إلى غير ذلك من المقاصد العظيمة، لكن من أعظم مقاصدها هو هذا الأمر أن ينزجر العباد عن الذنوب والمعاصي، وأن يرجعوا إلى ربهم سبحانه وتعالى، {وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168)}
هذا هو المقصد العظيم من هذه المحن، ومن هذه الشدائد التي ينزلها رب العالمين سبحانه وتعالى، ينزلها رب العالمين على العباد، زلازل في أوقات يسيرة يحصل ما يحصل من الدمار والهلاك، حتى يعلم العباد ضعفهم، يعلم العباد حقارة ما عندهم، ويعرفوا عظمة ربهم سبحانه وتعالى، ثوان وأوقات يسيرة يحصل فيها ما يحصل من الدمار، فكيف إذا أقام الله سبحانه وتعالى الساعة، وجاءت الزلزلة العظمى،{إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2)}[الزلزلة:2].
قال الله:{إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)}[الحج:2].
تلك الزلزلة العظمى، وهذه الزلزلة تذكر بتلك الزلزلة العظمى، أوقات يسيرة ودقائق معدودة يحصل ما يحصل من الفزع العظيم، ويحصل ما يحصل من الدمار والهلاك لكثير من الناس، فالله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، ففي ذلك ما فيه من العبرة والعظة بقدرة الله عز وجل وضعف الخلق، فلا يتكبر العبد على ربه سبحانه وتعالى، ولا يتعالى على ربه سبحانه وتعالى وليرجع إليه، حدثت زلزلة في زمن عمر بن الخطاب رضي الله، كما روى ابن أبي شيبة في مصنفه، وأبو نعيم في كتاب الفتن، وابن المنذر في الأوسط، والبيهقي في سننه الكبرى بإسناد صحيح، حصلت زلزلة في زمنه رضي الله عنه فقال رضي الله عنه: لقد أحدثتم وعجلتم لئن عادت لأخرجن من بين ظهرانيكم، فبين رضي الله عنه أن سببها هو ما أحدثه الناس من الشر، ما أحدثه الناس من المنكرات، ما أحدثه الناس من الذنوب والمعاصي، ليست بأمور طبيعية، بل لذلك سبب والمتصرف في ذلك هو رب العالمين سبحانه وتعالى، يخوف العباد حتى ينتبهوا من رقدتهم، ويتوبوا إلى ربهم سبحانه وتعالى، قال : لئن عادت أي الزلزلة أخرى لأخرجن من بين ظهرانيكم، لأنكم أحدثتم شيئا أغضبتم ربكم سبحانه وتعالى، فزلزل الأرض من تحتكم، فعلينا أن نتوب إلى ربنا سبحانه وتعالى، وأن نرجع إليه، وأن نتوب وننيب إلى ربنا سبحانه وتعالى، ونقلع من الذنوب والمعاصي إن أردنا أن يرحمنا الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة، فإنما نؤتى من ذنوبنا، كل شر يأتي علينا من ذنوبنا ومعاصينا وسيئاتنا، وكل رحمة تنزل علينا فمن طاعتنا واستقامتنا على كتاب ربنا ،وعلى سنة نبينا عليه الصلاة والسلام، {وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا (16)}
قال الله:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)}[الأعراف:96].
فعلينا أن نرجع إلى الله عز وجل، وأن ننيب إليه.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها، ربنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.