الكلمات اليسيرات في حث المؤمن في رمضان على اغتنام الخيرات 2023-03-25 21:43:05
خطبة جمعة بعنوان (الكلمات اليسيرات في حث المؤمن في رمضان على اغتنام الخيرات)
لشيخنا المبارك أبي بكر الحمادي حفظه الله ورعاه
سجلت بتاريخ ٢ رمضان ١٤٤٤ه
مسجد السنة 🕌 الأكمة مدينة القاعدة محافظة إب
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد:فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
يقول سبحانه وتعالى في كتابه:{وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)}[آل عمران:133].
ويقول سبحانه وتعالى :{سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)}[الحديث:21].
ويقول سبحانه وتعالى :{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)}[المائدة:48].
وقال سبحانه وتعالى :{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)}[البقرة:148]
ويقول سبحانه وتعالى:{لَيْسُوا سَوَاءً ۗ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113)يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114)}[آل عمران:113،114].
فوصفهم الله سبحانه وتعالى بالمسارعة في الخيرات، وفي هذه الآيات المباركات حث ربنا سبحانه وتعالى عباده بالمسارعة في الخيرات، والمسابقة في طاعة الله عز وجل، حث الله سبحانه وتعالى عباده أن يبادروا بالأعمال الصالحة ولا سيما في هذا الشهر الذي نحن في أوائله وهو شهر رمضان، شهر المسارعة في مرضاة الله عز وجل، وشهر المسابقة في طاعة سبحانه وتعالى، شهر المبادرة إلى الطاعات وإلى الأعمال الصالحات، فإن الله سبحانه وتعالى جعله موسماً من مواسم الخير، وموسما من مواسم القربات، فهو غنيمة الدهر، وغنيمة السنة، فالذي ينبغي على العبد أن يحرص على هذا الشهر، ولا يضيع أيامه، ولا يضيع لياليه بما لا يعود عليه بالنفع، لا في الدنيا ولا في الآخرة، فإنه مغبون غاية الغبن، فالذي ينبغي على العبد أن يحرص على هذا الشهر الذي جعله الله سبحانه وتعالى موسماً للخيرات، يحرص على الأعمال الصالحة من واجبات ومن نوافل العبادات، وهنالك أعمال صالحة كثيرة ينبغي على العبد أن يحرص عليها، غير أن هنالك أعمال مختصة بهذا الشهر، أو أن لها مزية أعظم من غيرها في هذا الشهر، وإلا فالذي ينبغي على العبد أن يسارع بما استطاع من أنواع الخيرات في هذا الشهر، من هذه الأعمال التي لها نوع خصوصية بهذا الشهر قراءة القرآن، لأن ربنا سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[البقرة:185].
فهذا شهر هو شهر القرآن:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)}[القدر:1].
قال الله:{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ}[الدخان:3].
فأنزل الله سبحانه وتعالى القرآن في شهر رمضان، فللقرآن شأن عظيم في هذا الشهر، فالذي ينبغي على العبد أن يحرص على تلاوته في ليله وفي نهاره، لا يضيع وقته فيما لا يرجع عليه بالنفع، وقراءة القرآن تكون في ليالي رمضان وفي نهار رمضان، وقد جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يأتيه جبريل فيدارسه القرآن، وكان جبريل يأتيه في كل ليلة يدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح مرسلة، وشاهدنا من هذا أن جبريل عليه الصلاة والسلام كان يدارس رسول الله عليه الصلاة والسلام القرآن في كل ليلة من ليالي رمضان، فليالي رمضان للقرآن ونهار رمضان أيضاً للقرآن، يحرص العبد على تلاوة كتاب الله عز وجل في ليله وفي نهاره، ويكثر من ذلك ما استطاع، فإن تلاوة القرآن من أجل الأعمال الصالحة، ومن أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه سبحانه وتعالى، وكم ينال العبد من الأجور العظيمة والثواب الكثير إن هو تلى كتاب الله سبحانه وتعالى، في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه جاء مرفوعا وموقوفا والموقوف أصح، قال:"
منْ قرأَ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها لا أقولُ آلم حرفٌ ، ولَكِن ألِفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ.
في كل حرف من حروف القرآن تنال حسنة والحسنة بعشر أمثالها، فهي حسنات كثيرة وأجور عظيمة، يناله العبد إن هو أكثر من من تلاوة القرآن، فتلاوة القرآن مع التدبر والتأمل من أعظم القربات، يقرأ الإنسان كتاب الله عز وجل متدبرا متأملا، فإن ربنا سبحانه تعالى يقول:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)}[محمد:24]
قال:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)}[النساء:82].
قال:{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)}[ص:29].
قال:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (22)}[القمر:22].
يتلو العبد كتاب الله عز وجل متدبرا متأملا حتى ينتفع بآياته، يمر على المواعظ فيتعظ، ويمر على الزواجر فينزجر، ويمر على الأوامر فيمتثل، فهذه القراءة النافعة التي ينتفع بها العبد ويؤجر عليها وينال الدرجات العالية عند ربه سبحانه وتعالى، فقراءة القرآن في هذا الشهر من العبادات المختصة، بمعنى أن لها مزية وخصوصية على غيرها من العبادات، وكل العبادات مرغب فيها في هذا الشهر وفي غيره، وهكذا من جملة العبادات التي لها شأن في شهر رمضان العبادات التي قرنها رب العالمين سبحانه وتعالى مع الصيام، كما في قوله سبحانه :{وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)}[الأحزاب:35].
فهذه عبادات قرنها رب العالمين سبحانه وتعالى مع الصيام،فذكر المتصدقين والمتصدقات، فالصدقة لها شأن عظيم في شهر رمضان، ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام أجود بالخير من الريح المرسلة حين يلقاه جبريل في شهر رمضان فيدارسه القرآن، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي ذكرناه فيما مضى، فالصدقة لها شأن في هذا الشهر في شهر رمضان، ولهذا قرنها رب العالمين سبحانه وتعالى مع الصيام والصدقة برهان كما قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، قال عليه الصلاة والسلام :" والصدقة برهان.
فهي دليل واضح على إيمان العبد، فإن المال محبوب لدى النفوس ولا يقدم الإنسان محبوبه إلا لما هو أحب إليه منه وهو ربه سبحانه وتعالى، فيحب ربه عز وجل، ويحب ثواب ربه سبحانه وتعالى، فيبذل المحبوب لما هو أحب إليه، فهي برهان على إيمان العبد وعلى صدقه في إيمانه، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:" كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة.
هكذا يقول نبينا عليه الصلاة والسلام، فهذه عبادة لها شأن في هذا الشهر، فليحرص الإنسان على ذلك ما استطاع، وهي كما قلنا برهان على صدق العبد، وكم للعبد من الأجور العظيمة إن هو تصدق في مرضاة الله عز وجل:{مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) }[البقرة:261].
إذا تصدقت بالشيء اليسير ضاعفه الله سبحانه وتعالى ،كالحبة تضعها في الأرض فتنبت سنبلة وفي سنبلة مئة حبة، وهكذا يضاعف الله سبحانه وتعالى الحسنات لمن يشاء، من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الله عز وجل بيده فرباها كما يربي أحدكم فلوه في الدنيا أي فرسه حتى تصير كالجبل، هذا الشيء اليسير من الصدقة ولو بعدل تمرة يربي الله سبحانه وتعالى تلك الصدقة حتى تكون كالجبل، فيأتي العبد إلى ربه سبحانه وتعالى فيجد العمل اليسير قد صار كثيراً مباركاً وهذا بشرط أن يكون طيبا ومن الطيب الحلال، فلا يتصدق الإنسان بالمال الحرام، ومن الطيب أن يكون العبد مخلصاً لله عز وجل في صدقته غير مراء لأحد من الخلق، ومن الطيب أن العبد ينفق ما يحب:{لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92)}[آل عمران:92].
وقال:{وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)}[البقرة:267].
لا تخرج المال الخبيث الذي لا ترغب فيه، وإن أعطيته أخذته وأنت في كراهية له ليس هذا من الطيب الذي يتقبله رب العالمين سبحانه وتعالى، وهكذا في هذه الآية ذكر سبحانه وتعالى الذكر، قال سبحانه وتعالى:{وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} وذكر الله سبحانه وتعالى حفظ الفروج والله أعلم باعتبار أن الصيام من أعظم أسباب حفظ الفروج، ولهذا ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله وسلم:"يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، ومَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ؛ فإنَّه له وِجَاءٌ.
وهنا قال سبحانه وتعالى:{وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ}
فأكثر من ذكر الله عز وجل في ليلك وفي نهارك، فإن ذكر الله سبحانه وتعالى من أشرف العبادات ومن أجل ومن أجل الطاعات والقربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه سبحانه وتعالى، في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، قال عليه الصلاة والسلام:"أَلَا أُنَبِّئُكم بِخَيْرِ أعمالِكُم ، وأَزْكاها عِندَ مَلِيكِكُم ، وأَرفعِها في دَرَجاتِكُم ، وخيرٌ لكم من إِنْفاقِ الذَّهَب والوَرِقِ ، وخيرٌ لكم من أن تَلْقَوا عَدُوَّكم ، فتَضْرِبوا أعناقَهُم ، ويَضْرِبوا أعْناقكُم ؟ ! ، قالوا : بَلَى ، قال : ذِكْرُ اللهِ.
وفي الحديث المشهور في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، عن الله عز وجل أنه قال:"أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ.
وهذا من أجل الأحاديث في فضل الذكر، وفي الترغيب في ذكر الله عز وجل، فإن الله سبحانه وتعالى يقول : أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، إذا ذكرت ربك سبحانه وتعالى كان معك، وهذه المعية تقتضي النصر والتأييد، وتقتضي الحفظ من الله عز وجل، وتقتضي العون من رب العالمين سبحانه، فإذا كان الله معك فمن تخاف، إذا كان الله سبحانه وتعالى معك فهو مؤيدك وهو ناصرك وهو معينك على كل أمر من الأمور، وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، فهذا الحديث كما قلنا من أجل الأحاديث المرغبة في ذكر الله عز وجل.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرحمنا برحمته، وأن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين، واستغفر الله إنه غفور رحيم.
*الخطبة الثانية:*
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد: اعلموا معشر المسلمين أن من جملة العبادات التي ينبغي أن يحرص عليها العبد في شهر رمضان ولها خصوصية في هذا الشهر عبادة الدعاء، فإن ربنا سبحانه وتعالى لما ذكر آيات الصيام في سورة البقرة قال سبحانه وتعالى في أثنائها:{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)}[البقرة:186].
فحث ربنا سبحانه وتعالى على الدعاء في أثناء آيات الصيام، وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان، فربنا سبحانه وتعالى قريب من الداعين، ويستجيب دعاء الداعين، لكن لا بد من تحقق شرطين، قال سبحانه وتعالى:{فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)} فلابد من الاستجابة لله عز وجل، استجب لربك سبحانه وتعالى أولا، كم يدعوك ربك سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، يدعوك لإقامة الصلاة، ويدعوك لأداء الزكاة، يدعوك إلى أمور كثير، وينهاك سبحانه وتعالى عن أمور كثيرة، فكيف لا تستجيب لربك سبحانه وتعالى وتريد من الله عز وجل أن يستجيب لك، استجب لربك سبحانه وتعالى أولا وسوف يستجيب الله سبحانه وتعالى لك إن استجبت له، فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي، ولابد من الإيمان بالله عز وجل، الإيمان بإلوهية الله وربوبيته وبأسمائه وصفاته، لابد أن تؤمن بالله عز وجل، فإن من لم يكن مؤمنا بالله عز وجل فهو غير موعود بالإجابة من الله سبحانه وتعالى، فلابد من تحقيق هاذين الشرطين الإستجابة لله عز وجل مع الإيمان به، {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)}كم من أناس يقولون دعونا الله عز وجل فلم يستجب لنا، فانظر إلى نفسك فإنما العيب من جهة نفسك لا من ربك سبحانه وتعالى وحاشاه، انظر إلى نفسك مع كتاب الله عز وجل، مع أمر الله ونهيه، هل أنت من المسارعين والمسابقين لأمر الله عز وجل لله و المستجيبين لله في أمره بالامتثال وفي نهيه من انتهاء أو لا، كيف تريد أن يستجيب الله سبحانه وتعالى لك وأنت لا تستجيب لربك سبحانه وتعالى، والدعاء له شأن في الصيام كما قلنا، وقد جاء عند ابن ماجة وعند غيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ثلاثة لا ترد دعوتهم، الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم.
فهؤلاء لا ترد دعوتهم كما أخبرنا بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام، وشاهدنا من هذا هو قول النبي عليه الصلاة والسلام:" والصائم حتى يفطر.
أي في سائر نهاره إلى أن يفطر، فنهار رمضان محل للدعاء والله سبحانه وتعالى يستجيب دعاء الداعين فيه حتى يفطر، فتنتهي ساعة الإجابة أو ينتهي وقت الإجابة بالإفطار، وليس المعنى كما يظنه بعض الناس أن الدعاء المستجاب إنما هو عند الإفطار ليس هذا بصحيح، وإنما الدعاء في أثناء الصوم من أول النهار إلى آخره، وينتهي ذلك بالإفطار، ثلاث دعوات مستجابات قال : والصائم حتى يفطر، أي يستجاب له ما دعا في نهار صومه إلى أن يحصل له الإفطار، فإذا أفطر انتهى وقت الإجابة المذكور في هذا الحديث، وهكذا من العبادات التي لها شأن في شهر رمضان عبادة القيام
مع عبادة الصيام، والصيام هو الفرض الواجب وهو الركن الأعظم في هذا الشهر، قال سبحانه وتعالى :{فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}
قيام رمضان والمراد بذلك صلاة التراويح من الأعمال الصالحة التي لها اختصاص وشأن في هذا الشهر، فلا يبخل الإنسان على نفسه وليحرص على صلاة التراويح، ليحرص عليها جماعة مع المسلمين في بيوت الله عز وجل، في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال عليه الصلاة والسلام :" من صام رمضان إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
وفي الصحيحين أيضا من حديثه قال عليه الصلاة والسلام:" ومن قام رمضان إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، من قام رمضان أي جميع رمضان، لا تقم ليلة وتترك ليال وإنما استمر على قيام الليالي إلى أن ينتهي شهر رمضان، صلي مع الناس جماعة، صلي مع الإمام حتى ينصرف، لا تبخل على نفسك بأن تصلي ركعتين أو اربع ركعات ثم تنصرف لدنياك، الدنيا وما فيها لا تعدل عند الله سبحانه جناح بعوضة، لا تضيع على نفسك الخير في هذا الشهر المبارك من أجل حطام الدنيا ومن أجل شيء من شهواتها، صلي مع الإمام حتى ينصرف، في حديث أبي ذر عند أهل السنن، قال عليه الصلاة والسلام:" إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة.
فيكتب له قيام ليلة إن استمررت في القيام مع الإمام حتى ينصرف من آخر صلاته.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم إلى كل خير، وأن يغفر لنا ذنوبنا كلها، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها، دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها، إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم اغفر لموتى المسلمين أجمعين، اللهم اغفر لموتى المسلمين أجمعين، اللهم يسر على المعسرين، واقض الدين عن المدينين، وعاف مبتلى المسلمين واشف مرضاهم، اللهم عافنا في الدنيا والآخرة، اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، ربنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم أعنا على صيام هذا الشهر ولقيامه إيمانا واحتسابا، اللهم أعنا لصيام هذا الشهر ولقيامه إيمانا واحتسابا، إنك على كل شيء قدير، اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا هداة مهتدين غير ضال ولا مضلين ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.