الدر النفيس في التحذير من مقاعد إبليس خطبة ٨ شوال ١٤٤٤ 2023-05-01 10:09:49
خطبة جمعة بعنوان (الدر النفيس في التحذير من مقاعد إبليس)
لشيخنا المبارك أبي بكر الحمادي حفظه الله ورعاه
سجلت بتاريخ ٨شوال ١٤٤٤ه
مسجد السنة/خنوة/مدينة القاعدة محافظة إب حفظها الله وسائر بلاد المسلمين
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد:فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
روى الإمام أحمد في مسنده، والنسائي في سننه من حديث سبرة بن أبي فاكهة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" إنَّ الشَّيطانَ قعدَ لابنِ آدمَ بأطرُقِهِ ، فقعدَ لَهُ بطريقِ الإسلامِ ، فقالَ : تُسلمُ وتذرُ دينَكَ ودينَ آبائِكَ وآباءِ أبيكَ ، فعَصاهُ فأسلمَ ، ثمَّ قعدَ لَهُ بطريقِ الهجرةِ ، فقالَ : تُهاجرُ وتدَعُ أرضَكَ وسماءَكَ ، وإنَّما مثلُ المُهاجرِ كمَثلِ الفرسِ في الطِّولِ ، أي كالفرس المربوط في الوتد ربط من قدمه إلى وتد في الأرض فلا يستطيع أن يتنقل من موضع إلى موضع، وهكذا من غادر بلده وهاجر إلى بلد آخر هو كالفرس المقيد لا يعرف الناس، ولا يستطيع أن يتجول هنا وهناك، وأن يقضي حاجاته ومآربه فهو كالفرس المقيد، فهكذا يقول الشيطان لمن أراد أن يهاجر في سبيل الله عز وجل، إنما المهاجر كالفرس في الطّول قال : فعصاه فهاجر، قال: ثم قعد له بطريق الجهاد فقال: تجاهد فهو جهد النفس والمال، فتقاتل فتقتل وتنكح المرأة ويقسم المال، قال عليه الصلاة والسلام : فعصاه فجاهد، فمن فعل ذلك كان حقا على الله عز وجل أن يدخله الجنة، ومن مات كان حقا على الله أن يدخله الجنة، وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة، وإن وقصته دابته كان حقا على الله أن يدخله الجنة.
أي من فعل ذلك وعصى الشيطان فيما زينه وابتعد عن وساوسه وأطاع ربه سبحانه وتعالى واستمر في الخير وفي سيره إلى ربه سبحانه وتعالى فدخل في الإسلام وآمن برب العالمين سبحانه، وإذا وجبت عليه الهجرة هاجر من بلاد الكفار إلى بلاد المسلمين، وإن حصل الجهاد في سبيل الله عصى الشيطان وجاهد في مرضاة الله عز وجل، إن فعل ذلك كان حقا على الله أن يدخله الجنة، وإن مات على فراشه وإن مات غريقا وإن وقصته ناقته بمعنى أنه سقط من ناقته فدق عنقه فمات بسبب ذلك كان حقا على الله أن يدخله الجنة، من جاء بهذه الأمور الثلاثة وعصى الشيطان ولم يطع الشيطان في وسوسته.
وربنا سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم :{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (218)}[البقرة:218].
فهؤلاء عباد مرحومون رحمهم رب العالمين سبحانه وتعالى.
وقال سبحانه وتعالى :{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)}[آل عمران:195].
ويقول سبحانه وتعالى:{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)}[النحل:41].
وعدهم الله سبحانه وتعالى بنقيض ما أخبر الشيطان، فالشيطان أخبر أن المهاجر في سبيل الله عز وجل إنما هو كالفرس في الطول كالفرس المربوط لا تقضى له حاجته ولا يستطيع أن يقضي حاجة من حاجاته، فبين سبحانه وتعالى أن الأمر بخلاف ذلك، وأن له الوعد الحسن في الدنيا، وله الوعد الأعظم من ذلك في الدار الآخرة،{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)} هكذا وعدهم ربهم سبحانه وتعالى بهذا الوعد الحسن.
وفي هذا الحديث أن الشيطان يقعد لابن آدم بأطرقه أي بأطرق الخير حتى يصد ابن آدم عن الخير، وعن المسارعة في مرضاة الله عز وجل، والذي دفعه إلى ذلك هو الحسد لآدم عليه الصلاة والسلام ولذريته،{قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)}[الأعراف:16،17].
قال:{قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)}[الحجر:39،40].
فتوعد آدم وذريته بأن يقعد لهم في الصراط المستقيم وهو الطريق الموصل إلى مرضاة الله عز وجل، من أجل أن يصدهم عما يرضي رب العالمين سبحانه وتعالى، وعما يحبه الله سبحانه وتعالى فيقعد لهم بباب الخيرات، يقعد لهم بطريق الخيرات، يقعد لهم بطريق الإسلام، ويقعد لهم بطريق الهجرة، ويقعد لهم بطريق الجهاد في سبيل الله عز وجل، ويقعد لهم بسائر الطرق التي هي موصلة إلى مرضاة الله عز وجل، من أجل أن يصدهم عن الخير، فيقعد لهم أيضا في طريق الصدقة فإذا أراد العبد أن يتصدق بشيء من ماله في مرضاة الله عز وجل قعد له في ذلك الطريق وثبطه عن المسارعة في طريق الصدقات والخيرات كما قال سبحانه وتعالى :{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268)}[البقرة:268]
فإذا العبد أن يسلك هذا الطريق وهو طريق الصدقات والنفقات في مرضاة الله عز وجل قعد له الشيطان في ذلك الطريق ووعده الفقر، وقال له تنفق مالك ثم تصير فقيراً تسأل الناس، يصير حالك بعد الغنى إلى الفقر فتصير سائلاً للناس بعد أن كنت معطيا وباذلا فيعده الفقر والله سبحانه وتعالى يعد المنفق الفضل منه سبحانه وتعالى، قال سبحانه وتعالى:{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268)}[البقرة:268].
قال :{وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)}[سبإ:39].
جإن أنفقت نفقة أخلفها الله سبحانه وتعالى لك بما هو أعظم وأفضل وأكبر من نفقتك، والله سبحانه وتعالى شكور، قال سبحانه وتعالى :{مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)}[البقرة:161].
فيضاعف الله سبحانه وتعالى الصدقات، وفي حديث أبي هريرة الذي في الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال:"مَن تَصَدَّقَ بعَدْلِ تَمْرَةٍ مِن كَسْبٍ طَيِّبٍ، ولَا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا الطَّيِّبَ، وإنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كما يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، أي كما يربي فرسه في الدنيا حتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ.
فينمي الله سبحانه وتعالى الصدقات، ويخلف الله سبحانه وتعالى للعبد ما هو أفضل له وأعظم في الدنيا وفي الآخرة، والله سبحانه وتعالى شكور، وفي البخاري من حديث أسماء رضي الله عنها، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لها:"لا تُوكِي فيُوكَى عَلَيْكِ .
بمعنى أنك لا تمنعي فضلك عن الناس، لا تمنعي فضلك عن الناس فيمنع الله سبحانه وتعالى فضله عليك، فإن الجزاء من جنس العمل، إن أعطيتِ أعطاك الله عز وجل ووسع الله سبحانه وتعالى عليكِ في الرزق، وإن منعتِ منعك الله سبحانه وتعالى فضله، لا توكي فيوكى عليك.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ما مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلَّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ
مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا.
الله معطي منفقا خلفاً يخلفه الله عز وجل بالخير، ويقول الملك الآخر: اللهم اعط ممسكاً تلفا، يدعو عليه بنقيض ما قصد، هو قصد أن يحافظ على ماله فلم يؤدي حق الله سبحانه وتعالى عليه في ماله فيعاقب بنقيض قصده الذي هو التلف، اللهم اعط ممسكاً تلفا هكذا يقول الملك الآخر، فالشيطان يقعد لابن آدم بأطرق الخير بطريق الإسلام، وبطريق الجهاد، وبطريق الهجرة، وبطريق الصدقات، وبغير ذلك من الطرقات.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، نحمد تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ،صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد: اعلموا معاشر المسلمين أن الشيطان كما أنه يقعد لابن آدم في طرق الخير من أجل أن يصد ابن آدم عن طرق الخير والمسارعة في مرضاة الله عز وجل، فإنه أيضا يقعد لابن آدم في طريق الشر من أجل أن يزين لابن آدم طريق الشر، فيقعد ابن آدم في طرق الشر ويقوم بتزيينها حتى يسلك ابن آدم تلك الطرق، ويأتي إلى طرق الخير ويقوم بتشويهها حتى يصد ابن آدم عن طرق الخير، فيقف في طرق الشر ومن أعظمها طريقان وهما طريق الشهوات وطريق الشبهات، ويزين للعبد هذين الطريقين، فإذا ما سلك العبد في هذين الطريقين هلك كما هلك من مضى، قال سبحانه وتعالى:{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)}[مريم:59].
اتبعوا الشهوات فألهتهم الشهوات عن الطاعات فضيعوا الصلوات المفروضات المكتوبات فهؤلاء زين لهم الشيطان هذا الطريق وهو طريق الشهوات المحرمة، وفي مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:"بَادِرُوا بالأعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا.
زاد الإمام أحمد في مسنده قليل يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل، وهذه هي الشهوات، كم من شخص باع دينه من أجل تلك الشهوات المحرمة والعياذ بالله، فإذا انفتح هذا الباب على العبد أضاع العبد دينه وأقبل على ما يضره وما لا ينفعه، وهكذا يفتح له ويزين له باب الشبهات فيولج هذا الباب الذي يفسد عليه الدين، فإن الشبهات تصد العبد عن الدين، وتشكك العبد في دينه بعد أن كان متيقنا صار شاكا مرتابا شأنه كشأن المنافقين والعياذ بالله، وهذا باب يقع فيه كثير من الناس لا سيما في هذه الأزمان بعد وجود هذه الشبكات ووسائل التواصل الإجتماعي فإذا بكثير من مرضى النفوس يتجهون إلى بعض المواقع وبعض وسائل التواصل ويسمعون الشبهات التي تعلق على القلوب في أمر دينهم، فبعد أن كانوا على يقين في أمر دينهم إذا بالشك يدخل في قلوبهم والعياذ بالله، وربما خرجوا من الإسلام بالكلية، أمور كانوا فيها على يقين منها وقلبهم ثابت راسخ فيها فدخلوا في هذا الباب الذي زينه الشيطان وهو باب الشبهات فدخل لهم الشك في دينهم ودخل لهم الباطل في دينهم والعياذ بالله فضلوا كما ضل من مضى، قال سبحانه وتعالى :{كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُم بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا ۚ }[التوبة:69].
والاستمتاع بالخلاق أي الاستمتاع بالنصيب أي الاستمتاع بالشهوات،
فاستمتعوا بالشهوات كم استمتع من مضى بالشهوات، وخاضوا أي بالشبهات والباطل كما خاض من سبق بالشبهات والباطل فضلوا كما ضل من مضى، ضلوا من هذين البابين من باب الشهوات المحرمة ومن باب الشبهات المضلة، وهذان البابان يصدان الناس عن الخير، ولهذا ربنا سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم:{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}[العصر:1،3].
تواصوا بالحق من أجل صد باب الشهوات المحرمة، من باب صد باب الشبهات المضلة، وتواصوا بالصبر من باب صد الشهوات المحرمة فيوصي العبد أخاه المسلم بالحق حتى يبتعد عن الشبهات المضلة، وبالصبر حتى يبتعد عن الشهوات المحرمة، فلابد على العبد أن يقطع على نفسه هذين البابين من أبواب الشيطان، لا تفتح لسمعك ولا لبصرك شبهات أهل الشبهات من أهل الباطل فتصير من الشاكين والمرتابين وتصير إلى النفاق والعياذ بالله بعد أن استقر الإيمان في قلبك، ولا تتبع تزين الشيطان لباب الشهوات ولا لباب الشبهات أغلق على نفسك الشر فكم من أناس يدخلون في بعض القنوات والمواقع وإذا بهم يتشككون لضعف علمهم ولضعف إيمانهم، ويرتابون بعد ذلك وربما ينكرون الأمور المقطوع بها والمجزوم بها والعياذ بالله لأنهم اتبعوا الشيطان في تزيينه في هذين البابين في باب الشهوات المحرمةوفي باب الشبهات المضلة، إذاً الشيطان يقعد لابن آدم بأطرقه، فاحذروا من كيد الشيطان،{قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)}
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ علينا ديننا، اللهم احفظ علينا ديننا، اللهم احفظ علينا ديننا، اللهم ثبت قلوبنا بالإيمان، اللهم ثبت قلوبنا بالإيمان، اللهم ثبت قلوبنا بالإيمان، اللهم اصرف عن قلوبنا الشهوات المحرمة والشبهات المضلة، اللهم ارحمنا برحمتك إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم ارحمنا واهدنا واهد بنا واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.