إظهار الخبايا في فضل عرفة وأحكام الضحايا خطبة ٥ ذي الحجة ١٤٤٤ 2023-06-25 02:35:48
خطبة جمعة بعنوان (إظهار الخبايا في فضل عرفة وأحكام الضحايا)
لشيخنا المبارك أبي بكر الحمادي حفظه الله ورعاه
سجلت بتاريخ ٥ ذي الحجة ١٤٤٤
بمسجد السنة الأكمة مدينة القاعدة محافظة إب حفظها الله وسائر بلاد المسلمين
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد:فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4)}[الفجر:1،4]
أقسم ربنا سبحانه وتعالى في مبدأ سورة الفجر بهذا القسم العظيم، فأقسم سبحانه وتعالى بالفجر، قال جماعة من العلماء المراد بذلك فجر يوم النحر.
وأقسم سبحانه وتعالى بالليالي العشر وهي هذه الليالي مع أيامها التي نحن فيها وهي العشر الأول من شهر ذي الحجة، ونحن في أوساطها، وأقسم سبحانه وتعالى في هذا القسم بالشفع والوتر، قال جماعة من العلماء المراد بالشفع هو يوم النحر، لأنه اليوم العاشر وذلك شفع، والمراد بالوتر هو يوم عرفة وذلك أنه اليوم التاسع وذلك من الأوتار، فأقسم سبحانه وتعالى على هذا المعنى بيوم النحر في موضعين في هذا القسم في قوله والفجر وفي قوله والشفع، وأقسم سبحانه وتعالى بيوم عرفة وهو يوم التاسع من شهر ذي الحجة، وختام العشر بيوم النحر يوم العاشر، وقبل ذلك يوم عرفة ويوم عرفة يوم مبارك، يوم عظيم، وهو من جملة الأيام العشر، وسمي هذا اليوم بيوم عرفة قال بعض العلماء: لأن الناس يتعارفون فيجتمعون في ذلك المجمع العظيم في عرفات، يجتمع الحجاج من أطراف الأرض، ومن البلدان المختلفة، يجتمعون ويتعارفون فيما بينهم في ذلك اليوم وفي ذلك المكان فقيل له يوم عرفة، وقيل لأن الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام عرف المناسك حين علمه جبريل عليه الصلاة والسلام فكان يقول له عرفت فيقول عرفت عرفت، فقيل لذلك اليوم يوم عرفة، وقيل لأن آدم عليه الصلاة والسلام حين أهبط من الجنة مع زوجه تفرقا واجتمع في عرفات فعرفها وعرفته فقيل لذلك اليوم ولذلك المكان عرفه، على كل يوم عرفة من أيام العشر يوم مبارك، من فضائله أنه من الأيام الحرم، فإن الله سبحانه وتعالى جعل أشهراً حرمها واختصها بالتحريم منها أربعة حرم، بينها النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي بكرة فقال في الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام :"إنَّ الزَّمانَ قد استدار كهيئتِه يومَ خَلَق اللهُ السَّمواتِ والأرضَ، السَّنةُ اثنا عَشَرَ شَهرًا، منها أربعةٌ حُرُمٌ، ثلاثٌ متوالياتٌ: ذو القَعْدةِ، وذو الحِجَّةِ، والمحَرَّمُ، ورَجَبُ مُضَرَ الذي بين جُمادى وشَعبانَ.
والشاهد أن النبي عليه الصلاة والسلام ذكر ذا الحجة ونحن فيه في هذا الشهر وهو من الأشهر الحرم، ويوم عرفة من أيام الأشهر الحرم، وهذا من فضائل هذا اليوم.
ومن فضائل يوم عرفة : أن ربنا سبحانه وتعالى أقسم به كما في الآية التي تلوناها في قوله سبحانه:{والشفع والوتر} وهكذا في قول الله عز وجل {وشاهد ومشهود} قال جماعة من العلماء المراد بالشاهد يوم الجمعة، والمراد بالمشهود هو يوم عرفة، لأن الناس يشهدون يوم عرفة من أماكن متعددة، وتشهده الملائكة، فأقسم الله سبحانه وتعالى بيوم عرفة وهذا يدل على أنه من الأيام المباركة،
يوم عرفة هو اليوم الذي أكمل الله سبحانه وتعالى به الدين
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ }[المائدة :3].
في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنَّ رَجُلًا، مِنَ اليَهُودِ قالَ له: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، آيَةٌ في كِتَابِكُمْ تَقْرَؤُونَهَا، لو عَلَيْنَا مَعْشَرَ اليَهُودِ نَزَلَتْ، لَاتَّخَذْنَا ذلكَ اليومَ عِيدًا. قالَ عمر رضي الله عنه : أيُّ آيَةٍ؟ قالَ: {اليومَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ علَيْكُم نِعْمَتي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] قالَ عُمَرُ: قدْ عَرَفْنَا ذلكَ اليَومَ، والمَكانَ الذي نَزَلَتْ فيه علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهو قَائِمٌ بعَرَفَةَ يَومَ جُمُعَةٍ.
فنزلت هذه الآية على رسول الله عليه الصلاة والسلام في يوم عرفه،{اليومَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ علَيْكُم نِعْمَتي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].
يوم عرفة يوم عيد للحجاج من الأعياد المكانية، جاء في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:"
يومُ عرفةَ ويومُ النَّحرِ وأيَّامُ التَّشريقِ عيدُنا أهلَ الإسلامِ وهي أيَّامُ أكلٍ وشربٍ.
أما يوم النحر فهو عيد عام لجميع الناس، وهكذا أيام التشريق هي أيام أكل وشرب ، وأما عيد عرفة هو عيد مكاني يجتمع فيه الحجاج لأداء المنسك العظيم من مناسك الحج، يوم عرفة هو أكثر يوم يعتق الله سبحانه وتعالى به العباد من نار جهنم كما جاء في مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها، عن رسول عليه الصلاة والسلام أنه قال:"ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ، وإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهِمُ المَلَائِكَةَ، فيَقولُ: ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟.
فهو يوم مبارك يستحب للعبد أن يصوم ذلك اليوم، فقد جاء في مسلم من حديث أبي قتادة، أن النبي عليه الصلاة والسلام سئل عن يوم عرفة فقال: احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده. يكفر الله سبحانه وتعالى بصيامه ذنوب سنتين، سنة ماضية وسنة باقية، فليحرص العبد على صيام يوم عرفة وصيامه داخل في صيام التسع من العشر، ويدخل ذلك في عموم العمل الصالح كما في حديث عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:"ما من أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيَّامِ العشرِ . قالوا : يا رسولَ اللهِ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ إلَّا رجل خرج بنفسِه ومالِه فلم يرجِعْ من ذلك بشيءٍ.
فهذه فضيلة عامة للعشر، ومن ذلك هذا اليوم يوم عرفة فإنه يوم عظيم، وليحرص العبد على جميع العشر، يحرص على العمل الصالح فيها ولا سيما في يوم عرفة، ويوم عرفة يبتدأ فيها التكبير المقيد، وأما العشر ففيها التكبير المطلق، والتكبير المطلق يكون في جميع الأوقات، وأما التكبير المقيد فيكون في أدبار الصلوات إذا صلى الناس جماعة في بيوت الله عز وجل فإنهم يكبرون من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق، فيبتدأ التكبير المقيد من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق يكبر الناس بالمأثور عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، كتكبير عبد الله ابن مسعود الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، وغير ذلك من المأثور عن الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين، والتكبير عبادة عظيمة فيها بيان أن الله سبحانه وتعالى أكبر من كل شيء، فإذا كان هنالك من هو موصوف بالكبر فالله هو الأكبر، وإن كان هنالك من هو موصوف بالرحمة فالله سبحانه وتعالى هو الأرحم، وإن كان هنالك من هو موصوف بالكرم فالله سبحانه وتعالى هو الأكرم، وإن كان هنالك موصوف بالعلم فإن الله سبحانه وتعالى هو الأعلم، كل هذا مدلول كلمة أكبر، فهو أكبر في ذاته، وأكبر في أسمائه، وأكبر في صفاته، ففي التكبير بيان لعظم رب العالمين سبحانه وتعالى، وفيه دعا للعباد أن يتجهوا إليه وحده لا شريك له في جميع أمورهم، لأن الله سبحانه وتعالى هو الأكبر، ولهذا شرع التكبير في النداء للصلوات ينادي المنادي ويستفتح أذانه بالتكبير ويختتم أذانه بالتكبير، وإذا دخل الإنسان في صلاته افتتح صلاته بالتكبير، وانتقل من ركن إلى ركن بالتكبير، وإذا أراد الطواف حول البيت فإنه يستفتح الطواف بالتكبير، ويستلم الحجر ويكبر، ويكبر كلما حاذ الحجر، وإذا علا على الصفا استقبل البيت وكبر، وهكذا يفعل على المروة، وإذا رمى الجمار فإنه يكبر عند كل حصاة كما كان يفعل ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإذا ركب الإنسان مركوبه للسفر كبر ربه سبحانه وتعالى، وإذا ارتفع في سفره وصعد في سفر إلى مكان مرتفع كبر ربه سبحانه وتعالى، وإذا أراد أن يذبح ذبيحته من الهدي أو الأضحي أو غير ذلك فإنه يسمي الله سبحانه وتعالى ويكبر، فالتكبير عبادة عظيمة فيها تعظيم لرب العالمين وحده لا شريك له، فليحرص العبد على تكبير الله عز وجل في هذه العشر ولا سيما التكبير المقيد من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق، احرصوا على الخير فأنتم في موسم عظيم، في موسم مبارك، في موسم الخيرات، في موسم الطاعات، أيام مباركات العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من غيرها كما بين لنا ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، نحمده سبحانه وتعالى ونسنغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، أما بعد:{ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۗ}[الحج:34]
من العبادات العظيمة في ختام هذه العشر عبادة النحر والذبح، ولهذا سمي ذلك اليوم بيوم النحر، ويوم النحر هو أفضل الأيام مطلقا، وأفضل أيام العشر، فقد جاء في حديث عبدالله بن قرط، عن رسول عليه الصلاة والسلام أنه قال:"إنَّ أفضلَ الأيَّامِ عندَ اللَّهِ يومُ النَّحرِ ثمَّ يومُ القرِّ.
يوم النحر هو يوم العاشر، ويوم القر هو يوم الحادي عشر حين يستقر الحجاج في منى لرمي الجمرات، معاشر المسلمين: الأضحية عبادة من العبادات، من تيسر له أن يضحي وامتلك الأضحية إذا دخلت عليه العشر فلا يأخذ شيئا من شعره، ولا من أظفاره، كما جاء في حديث أم سلمة في مسلم قال عليه الصلاة والسلام:" إذا دخَل العَشرُ الأوَلُ فأراد أحدُكم أن يُضَحِّيَ فلا يَمَسَّ من شعَرِه ولا من بشَرِه شيئًا.
فلا تأخذ من شعرك ولا من أظفارك إذا كنت مالكا للأضحية، والذي يمنع من ذلك هو مالك الأضحية وليس الذابح لها، فإن هنالك من الناس من يجهل هذا الأمر ويقول قد وكلت غيري في الذبح فيأخذ من شعره وأظفاره باعتبار أن الذي يقوم بالذبح هو غيره كالجزار مثلا، أو يوكل ولدا من أولاده فيأخذ من شعره ومن أظفاره في هذه العشر بحجة أنه لن يباشر الأضحية بنفسه وهذا خطأ، فإن مالك الأضحية سواء هو الذي ذبحها أو ذبحها غيره، واجب عليه أن يمسك عن شعره وعن أظفاره سواء كان هو الذابح لها أو ذبحها غيره أو وكل غيره بالذبح، فإن النبي عليه الصلاة والسلام بين ذلك وأوضحه، وهذا هو مراد رسول الله عليه الصلاة والسلام، وليس المراد ما يفهمه جهال الناس، ومن كان ذابحا لأضحية غيره ولا يملك أضحية له أن يأخذ من شعره وأظفاره، من كان موكلا بذبح الأضحية للغير غير أنه لا يملك أضحية لنفسه فله أن يأخذ من شعره ومن أظفاره، فالذي يمنع هو مالك الأضحية التي اشتراها وكانت في ملكه فهذا الذي يمنع من أن يأخذ شيئا من شعره ومن أظفاره، ومن اشترى أضحية لابد يراعي فيها الأحكام الشرعية فتكون من بهيمة الأنعام، وتكون قد بلغت السن الشرعي، فإن كانت من الغنم فلابد أن تستكمل سنة وأن تشرع في الثانية في مذهب جمهور العلماء، وفي مذهب الإمام الشافعي لابد أن تستكمل سنتين وتدخل في الثالثة، وأما البقر فلا بد أن تستكمل سنتين وتدخل في الثالثة، وأما الإبل لابد أن تستكمل خمس سنين وتشرع في السادسة، وأما الكباش فالأمر أهون من ذلك، واختلف العلماء في سن الكماش المجزئ، فاختلفوا من سبعة أشهر إلى سنة، فإذا أجذع ونامت الصوف على ظهره فإنه يجزئ، وما سوى ذلك فلابد أن تكون مسنة، والمسنة هي الثني سقطت ثناياها، قال عليه الصلاة والسلام:" لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا الجذع من الضأن، قال عليه الصلاة والسلام كما في حديث مجاشع بن مسعود:"إنَّ الجَذَعَ يوفِّي ممَّا يوفِّي منهُ الثَّنيُّ.
فلا بأس أن يذبح الإنسان الجذع من الضأن إذا نامت الصوف على ظهره وهو من سبعة أشهر كما عرفنا خلاف العلماء فيه من سبعة أشهر إلى سنة، فلابد من مراعاة السن، ولابد أيضا من مراعاة العيوب، فلا يضحي الإنسان بمعيب، والعيوب المعتبرة ما ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام في حديث البراء حين قال :" أربعٌ لا تجوزُ في الأضاحيِّ فقالَ العوراءُ البيِّنٌ عورُها والمريضةُ بيِّنٌ مرضُها والعرجاءُ البيِّنٌ عرجها، والعجفاء الَّتي لا تَنقى. أي هزيلة لا مخ في عظامها، فإذا كانت عوراء قد بان وظهر عورها إما ببياض عينها، وإما بنتوء العين أو بغورها فإنها لا تجزئ، أما إذا كانت عوراء وعينها كالسليمة لا يعرف العور عند مشاهدتها فإنها مجزية، والأكمل ألا يضحي بها، لكن إن ضحى بها فهي مجزية، وإذا كانت عمياء فلا تجزئ من باب أولى.
وهكذا المريضة أي الذي اشتد بها المرض فأثر في لحمها، أما المرض اليسير الذي تكون الشاة قريبة من العافية فإن ذلك مما يجزئ، وإنما الكلام في المرض الشديد الذي يؤثر على جسدها ويؤثر على لحمها، فهذا الذي لا يجزئ، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : والمريضة البين مرضها، ليس أي مرض وإنما المرض الذي بان وظهر على جسدها تسبب في هزالها وفي تغير لحمها، فهذا الذي يضر ولا يجزئ في الأضاحي.
وهكذا قال : والعرجاء البين عرجها، أما العرج اليسير فإن ذلك لا يضر، والعرج الشديد إذا كانت لا تستطيع أن تمشي بقدمها العرجاء تمشي بثلاثة أقدام فقط فقد بان عرجها، وهكذا إذا كانت تحط القدم المريضة حطا يسيرا لا تستطيع أن تعتمد على ذلك الشياه إلى المرعى وتبقى متخلفة لا تصل إلى المرعى إلا وقد سبقت فهذه أيضا عرجاء قد ظهر وبان عرجها، وأما العرج اليسير الذي لا يمنعها من السير مع الشياه الصحيحات وتسير معهن إلى المرعى فإن ذلك لا يضر.
والعجفاء التي لا تنقي أي شد هزلها، إذا كان الهزال يسير فإن ذلك لا يضر، وأما إذا بلغ بها الهزال إلى مخ عظامها فهي كما قال العلماء عبارة عن عظام قد ركب بعظها على بعض، إذا بلغت إلى هذا الحد فإنها لا تجزئ، وأما الضعف اليسير فإنه لا يضر، وما كان أشد من ذلك فهو ممنوع بطريق الأولى، فهذه العيوب التي نص عليها النبي عليه الصلاة والسلام، وأما مشقوق الأذن أو مثقوب الأذن فإن ذلك يجزئ، وأما مكسور القرن فذلك مما يجزئ على الصحيح، واتقاء ذلك هو الأكمل والأحسن، فلابد من مراعاة الكمال في الأضحية، وكلما كانت الأضحية أكمل كان هذا هو الأحسن، وهكذا أيضا لا يجزئ الاشتراك في الأغنام من المعز والضأن لا يجوز الاشتراك فيها، وإنما يضحي الإنسان بالشاة عن نفسه، وعن أهله بيته، وإذا ضحى عن نفسه وعن أهل بيته لابد أن يكون المالك واحد كرب الأسرة، ولا يملك الشاة أكثر من واحد من أصحاب الأسرة، تكون لأحدهم ويشترك الباقون في الأجر فقد لا في التملك، التملك لأحدهم والأجر للجميع، هذا في الشاة، وأما البقر والبدن وهي الأبل فيجوز الاشتراك فيها إلى سبعة كما قال جابر:"اشتركنا بيوم الحديبية في البدنة على سبعة، وفي البقرة عن سبعة، فيجوز الاشتراك عن سبعة والمراد أن لكل شخص سبع، فمن نقص عن السبع فإن ذلك لا يجزئه، ومن كان له سبع كامل لا يبالي بغيره، فمن كان له سبع كامل فأضحيته صحيحة، وإن كان غيره معهم دون السبع كالثمن والتسع والعشر فإنه لا يضره فساد أضحية غيره، من كان له سبع كامل فأضحيته صحيحة كاملة، ويشتري السبع في حال حياة الحيوان لا بعد موته، فإن هنالك من الناس من يأتي إلى الجزار وقد ذبح الذبيحة ويشتري سبعا ويقول أضحية ليس هذا بصحيح، وإنما يشتري السبع في الحيوان الحي قبل أن يذبح، فإن اشترى سبعا من حيوان قد ذبح فإن ذلك لحم ولا تعد أضحية، وكذلك مما يجب أن يراعى أن الأضحية تذبح بعد صلاة العيد، فمن ذبحها قبل صلاة العيد فليست بأضحية بل هو لحم يقدمه إلى أهله ويجب عليه أن يعيد الذبح مرة أخرى وجوبا، يجب عليه أن يعيد الذبح وأن يذبح في الوقت وجوبا كما أوجب ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرحمنا برحمته، وأن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين، وأن يهدنا إلى الصراط المستقيم، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها، اللهم إن نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم اهدنا وجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم عافنا في الدنيا والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.