الرئيسية / الخطب والمحاضرات/ الخطب /نصب المنار للتمييز بين أهل الجنة وأهل النار، خطبة 3 محرم 1445هـ
نصب المنار للتمييز بين أهل الجنة وأهل النار، خطبة 3 محرم 1445هـ 2023-07-23 23:22:58


خطبة جمعة بعنوان (نصب المنار للتمييز بين أهل الجنة و أهل النار)

لشيخنا المبارك أبي بكر الحمادي حفظه الله ورعاه
سجلت بتاريخ ٣ محرم ١٤٤٥ه‍
بمسجد الزهراء/القاهرة/جمهورية مصر العربية حفظها الله وسائر بلاد المسلمين 


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم 
 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].

 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]

أما بعد: اعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم :{فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)}[الشورى:7].
هذا هو مآل الناس، ينقسم الناس في الآخرة إلى قسمين فريق في الجنة وفريق في السعير، {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)}[آل عمران:185].
فالفائز يزحزح من عذاب الله عز وجل ويدخل الجنة، فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور.
وقال سبحانه وتعالى :{لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۚ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)}[الحشر:20].
قال:{قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ ۚ}[المائدة:100].
فالطيبون هم أهل الجنة، والخبثاء هم أهل النار،{لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37)}[الأنفال:37].
فمآل الخبثاء إلى نار جهنم، والجنة طيبة ولا يدخلها إلا من كان طيبا، فأهل الجنة هم الطيبون، وأهل النار هم الخبثاء والعياذ بالله، روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث عياض بن المجاشعي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"وَأَهْلُ الجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ القَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ.
فهؤلاء هم أصحاب الجنة كما أخبرنا بذلك النبي عليه الصلاة والسلام،قالَ: وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ: الضَّعِيفُ الذي لا زَبْرَ له، الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعًا، لا يَبْتَغُونَ أَهْلًا وَلَا مَالًا، وَالْخَائِنُ الَّذي لا يَخْفَى له طَمَعٌ، وإنْ دَقَّ إلَّا خَانَهُ، أي لا ينطلق على مطمع إلا وخانه، وَرَجُلٌ لا يُصْبِحُ وَلَا يُمْسِي إلَّا وَهو يُخَادِعُكَ عن أَهْلِكَ وَمَالِكَ، وَذَكَرَ البُخْلَ -أَوِ الكَذِبَ- ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام وَالشِّنْظِيرُ الفَحَّاشُ.
فبين النبي عليه الصلاة والسلام من هم أصحاب الجنة ومن هم أصحاب النار، فقال عليه الصلاة والسلام : وأهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط أي عادل إذا حكم بين الناس حكم بالعدل، وهو من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:" سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم الإمام العادل، قال : ذو سلطان مقسط متصدق أي كثير العطاء، موفق أي مسدد في أقواله وفي أفعاله فهذا من أهل الجنة، ثم ذكر النبي عليه الصلاة والسلام الصنف الثاني فقال عليه الصلاة والسلام: ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم ، فهذا أيضا من أهل الجنة من كان موصوفا بالرحمة، في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال:" إنما يرحم الله من عباده الرحماء. ارحم عباد الله عز وجل يرحمك الله، والجزاء من جنس العمل، إنما يرحم الله من عباده الرحماء، وفي الصحيحين من حديث جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" لا يرحم الله من لا يرحم الناس.
فمن نزعت من قلبه الرحمة فهو غير مرحوم ، ومن لم يكن مرحوما فلا يكن من أهل الجنة، لأن الجنة هي رحمة الله، قال يقول الله عز وجل عن جنته : أنت رحمتي أرحم بك من أشاء. فمن كان رحيما رحمه الله عز وجل، ومن رحمه الله سبحانه وتعالى كان من أهل الجنة، قال عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث: ورجل رحيم، يرحم الأقرباء ويرحم المسلمين عموما، قال : ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، فذكر النبي عليه الصلاة والسلام الأقرباء أولا لأن حق الأقرباء أعظم من حق غيرهم، ثم عمم النبي عليه الصلاة والسلام فذكر جميع المسلمين، ومن أعظم الأقرباء ومن أقرب الأقرباء الأبوان ، والواجب على الولد أن يرحم والديه ولا سيما عند الكبر:{وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)}[الإسراء:23،24].
فذكر الله سبحانه وتعالى حق الوالدين بعد أن ذكر حقه، وقضى بذلك وأوجب، وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف، لا تتأفف في وجه والديك، لا تتلفظ بالكلام السيء وإن كان من أقل الكلام ومن أدنى الكلام فإن أف كلمة من حرفين، فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما أي لا تنفض يديك في وجه والديك، لا تسيء إليهما بأدنى الفعل، ولا بأدنى أدنى القول، أدنى القول أف، وأدنى الفعل نفض اليدين، فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما، ابتعد عن التأفيف وتكلم بالكلام الحسن الجميل الكريم مع والديك، وقل لهما قولا كريما ابتعد عن النهر وعن نفض اليدين في وجه الوالدين، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا، والداك ربياك في الصغر وكنت في ضعف لا حول لك ولا قوة إلا بالله، فيسر الله سبحانه وتعالى لك الوالدين وجعل في قلوبهما الرحمة والشفقة لا حراك لك لا تستطيع أن تأكل بمفردك، ولا أن تشرب بمفردك، ولا أن تستنجي من حاجتك ولا تستطيع أن تقترب يمنة ولا يسرة في أول أمرك في غاية من الضعف
 فيسر الله سبحانه وتعالى لك الوالدين فقاما بالعناية بك غاية العناية مع المحبة والشفقة والرحمة، فإذا بلغ في الكبر إلى الضعف الذي كنت فيه في أول حياتك فجازي الإحسان بالإحسان ولا تتأفف ،وأحسن إليهما في وقت كبرهما وضعفهما فقد أحسنا إليك في وقت صغرك وضعفك مع المحبة لك والرحمة، وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا، فالرحماء من أهل الجنة، ارحم والديك ارحم الأقرباء عموما، ارحم الصغار والكبار، في مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها، أن امرأة مسكينة جاءت إلى عائشة رضي الله عنها ومعها ابنتان فأعطتها عائشة رضي الله عنها ثلاث تمرات، فأخذت تمرتين وجعلتهما لابنتيها وأخذت الثالثة ورفعتها إلى فمها لتأكلها فاستطعمتها أو استطعما ابنتاها تلك التمرة أي طلبت منها تلك التمرة التي هي من نصيبها فأشفقت على ابنتيها فأخذت التمرة وشقتها نصفين وأعطت كل واحدة نصفا منها، قالت عائشة رضي عنها: فأعجبني ما صنعت، آثرت ابنتيها على نفسها بتلك التمرة، قالت : فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي عليه الصلاة والسلام:" إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو قال أعتقها من النار، رحمها الله عز وجل لأنها رحمت مع ابنتيها، فالرحماء من أهل الجنة، قال عليه الصلاة: ورجل رحيم رقيق القلب أي عنده الشفقة واللين، ليس في قلبه غلظة، وليس في قلبه قسوة، وإنما في قلبه الرقة للأقرباء عموما، وللمسلمين عموما، ومن كان كذلك فإن الناس لا ينالون منه إلا الخير، قال : ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، ثم قال عليه الصلاة والسلام : وعفيف متعفف ذو عيال، هذا الصنف الثالث من أصناف أهل الجنة، وعفيف متعفف ذو عيال، عفيف أي أنه يبتعد عن الحرام، وعن ما لا يجمل أي عما لا يستحسن وإن لم يكن حراما، يبتعد عن الأمور القبيحة وإن لم تكن من الحرام، ويبتعد عن الأمور المحرمة، فهذا عفيف ومتعفف أي أنه لا يسأل الناس شيئا، مبتعد عن سؤال الناس، متنزه عن سؤال الناس، إن احتاج شيئا أتجه إلى ربه سبحانه وتعالى، كما في حديث ابن عباس عند الترمذي قال عليه الصلاة والسلام له: إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. فهو متعفف عن سؤال الناس، في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من يستعفف يعفه الله ومن يستغني يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر.
من يستعفف يعفه الله عز وجل، يغنيه الله سبحانه وتعالى من فضله، من استعف عن أموال الناس وعن سؤال الناس وتوكل على ربه وسأل ربه وحده لا شريك له أغناه الله من فضله، وسد الله سبحانه وتعالى حاجته، وأعفه عن سؤال الناس، وهكذا من استغنى بربه سبحانه وتعالى عن الخلق أغناه الله سبحانه وتعالى عن خلقه، وربنا مالك كل شيء، إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، فهؤلاء هم أهل الجنة كما أخبرنا بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام.
 
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرحمنا برحمته، وأن يغفر لنا ذنوبنا إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية:

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد : قال نبينا عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي ذكرناه آنفا، قال: وأهل النار خمسة وذكر منهم عليه الصلاة والسلام فقال: الضعيف الذي لا جبر له، الذي لكم تبعا لا يبغون أهلا ولا مالا، الضعيف الذي لا جبر أي لا عقل له، ليس له عقل صحيح يزجره عن القبائح، ليس له عقل سليم يبتعد عن المحرمات وعن الرذائل، وإنما هو سفيه العقل لا يسعى في صلاح دينه ولا دنياه، فاسد في دينه وفي دنياه، بعد شهواته المحرمة، وبعد ملذاته السيئة، فلا يسعى في صلاح دينه ولا يسعى في صلاح دنياه، وهو تبع لغيره يجري بعد شهواته وملذاته، الذين هم لكم تبعا لا يبغون أهلا ولا مالا، فهؤلاء من أهل النار كما أخبرنا بذلك النبي عليه الصلاة والسلام، قال: ورجل لا يخفى عليه مطمع وإن دق إلا خانه، أي لا يقف ولا يطلع على مطمع ولو كان يسيرا إلا سعى في الخيانة فيه غير أمين، إذا استؤمن على أمر يسير خانه، ليس في قلبه أمانة لعباد الله عز وجل، ولا لربه سبحانه وتعالى، رجل خائن لا يستأمن على شيء لا على عظيم الشيء ولا على يسير الأشياء فهو خائن في الأشياء العظيمة وفي الأشياء الدقيقة، فأهل الخيانة من أهل النار، لا تخن في عملك، لا تخن في بيعك وشرائك، لا تخن في نصيحتك، كن أمينا مع ربك سبحانه وتعالى، وكن أمينا مع عباد الله عز وجل، جاء عند أبي داود وعند النسائي وعند ابن ماجة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئسة البطانة، وبطانة الرجل هم أصحاب سره من يقوم بتصديقهم والوثوق بهم، فإذا كان صديقك ومن تثق به خائنا تظن أنه أمينا وهو يخونك فبئس البطانة هذه، لما في ذلك من الظلم العظيم، فإنه قد استأمنته وهو يسعى في خيانته، روى الطبراني في كتاب الدعاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو ويقول:"اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَارِ السُّوءِ ، وَمِنْ زَوْجٍ تُشَيِّبُنِي قَبْلَ الْمَشِيبِ ، وَمِنْ وَلَدٍ يَكُونُ عَلَيَّ رِبًا ، وَمِنْ مَالٍ يَكُونُ عَلَيَّ عَذَابًا ، وَمِنْ خَلِيلٍ مَاكِرٍ عَيْنَهُ تَرَانِي وَقَلْبُهُ يَرْعَانِي، إِنْ رَأَى حَسَنَةً دَفَنَهَا ، وَإِذَا رَأَى سَيِّئَةً أَذَاعَهَا.
فكان النبي عليه الصلاة والسلام يستعيذ من هؤلاء من جار السوء، ويستعيذ من الزوج التي تشيب زوجها قبل المشيب بسوء خلقها، ويستعيذ عليه الصلاة والسلام من الولد الذي يكن على والده ربا أي يكن عليه سيدا يأمر وينهى أباه في غاية العقوق لوالديه، واستعاذ النبي عليه الصلاة والسلام من المال الذي يكون عذابا لصاحبه في الدنيا والآخرة، وكما قال الله عز وجل :{فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)}[التوبة:55].
فاستعاذ النبي عليه الصلاة والسلام من المال الذي يكون عذابا لصاحبه، واستعاذ النبي عليه الصلاة والسلام من الخليل الماكر أي الصديق الذي تحسن به الظن وهو يسعى في خيانتك وفي مخادعتك وفي المكر بك في ليله ونهاره، عينه تراني ينظر إليك نظر الإخوة والشفقة والمحبة وقلبه يرعاني أي يراقبني في المكر والمكيدة، يسعى في المكر والمكيدة في ليله ونهاره، فإن وجد منك خيرا قام بكتمانه، وإن وجد سوءا قام ببثه ونشره بين الناس، فهؤلاء من أهل النار كما أخبرنا بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام، قال عليه الصلاة والسلام في أهل النار أيضا قال: ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك في مالك وأهلك، فأهل الخداع والمكر من أهل النار كما ذكر ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث، ثم ذكر النبي عليه الصلاة والسلام البخل والكذب ، فمن كان بخيلا أو كان كذابا فإنه من أهل النار إن لم يتب الله سبحانه وتعالى عليه، وذلك أن الكذب يدعو إلى جميع السيئات، فهو أصل السيئات واساسها، الكذب أصل السيئات وأساسها، كما أن الصدق هو أساس الحسنات ونظامها، فجميع السيئات منشأها من الكذب، في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال :" إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، فالكذب يهدي إلى كل معصية، وإلى كل ذنب، وإلى كل رذيلة، وإلى كل قبيحة، وأما الصدق فإنه يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، فالكذب يهدي إلى النار والعياذ بالله، فمن كان كذلك فإنه من أهل النار إن لم يتب إلى ربه سبحانه وتعالى، فذكر النبي عليه الصلاة والسلام الكذاب، وذكر أيضا البخيل الذي لا يؤدي ما أوجب الله عليه في ماله، لا يؤدي الزكاة الواجبة، ولا يؤدي حق الأقرباء، ولا حق المساكين، عنده البخل في ماله فلا يؤدي ما أوجب الله عليه :{وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا ۖ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4)} أي في نار جهنم، الجموع المنوع يجمع المال ويعده عدا ويكنزه ولا يؤدي ما أوجب الله سبحانه وتعالى عليه، {كَلَّا ۖ إِنَّهَا لَظَىٰ (15) نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَىٰ (18)} أي جمع المال وأوعاه بالأوعية ولم يؤد ما أوجب الله سبحانه وتعالى عليه:{ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ (9)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ (10)} أي للحالة العسرى إلى نار جهنم والعياذ بالله، فالبخل والكذب والبخلاء والكذابون من أهل النار، ثم ختم النبي عليه الصلاة والسلام الحديث الذي ذكر فيه أصحاب النار فقال : والشنظير الفحاش، أي سيء الخلق، الفحاش الذي يتكلم بالكلام القبيح من السب واللعن وغير ذلك من الألفاظ القبيحة المنتنة، فمن كان كذلك فإنه من أهل النار، والشنظير الفحاش فالخلق الحسن من أسباب دخول الجنة، والخلق السيء من أسباب دخول النار، في مسند الإمام أحمد من حديث عائشة رضي الله عنها، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم، فيرتفع درجات في الجنة بحسن خلقه، وإن كان سيء الأخلاق فحاش يبتعد الناس عن شره ويبتعد الناس من لسانه فإنه من أهل النار، قال والشنطير الفحاش فهؤلاء أهل النار، وقد ذكر ربنا سبحانه وتعالى أناس آخرين من أهل النار في كتابه الكريم، والكلام في ذلك مما يطول

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرحمنا برحمته إنه الغفور الرحيم، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها، اللهم اهدنا إلى الصراط المستقيم واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، ربنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم يسر على المعسرين ،واقضي الدين عن المدينين، وعاف مبتلى المسلمين واشف مرضاهم وارحم موتاهم إنك أنت الغفور الرحيم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.

جميع الحقوق محفوظة لـ الموقع الرسمي للشيخ أبي بكر الحمادي