الرئيسية / الخطب والمحاضرات/ الخطب /خطبة بعنوان( وضع النقاط على الحروف في الحث على عدم احتقار المعروف) ١٠ محرم ١٤٤٥ هـ
خطبة بعنوان( وضع النقاط على الحروف في الحث على عدم احتقار المعروف) ١٠ محرم ١٤٤٥ هـ 2023-07-30 01:17:10


خطبة جمعة بعنوان (وضع النقاط على الحروف في الحث على عدم احتقار المعروف)

لشيخنا المبارك أبي بكر الحمادي حفظه الله ورعاه

سجلت بتاريخ ١٠ محرم ١٤٤٥ ه‍
مسجد آل عمران/القاهرة/جمهورية مصر العربية حرسها الله وسائر بلاد المسلمين 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم.

 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].

 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد:فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.

روى الإمام أحمد في مسنده من حديث رجل وهو جابر بن سليم رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لاتحقرنَّ من المعروف شيئًا ولو أن تُعطي صلة الحبل،ولو أن تُعطي شِسع النَّعل،ولو أنْ تَنزِع من دلوِك في إناء المُستَسقي،ولو أنْ تنحِّي الشيء من طريق الناس يؤذيهم،ولو أنْ تلقى أخاك ووجهك إليه منطلق،ولو أن تلقى أخاك فتسلم عليه،ولو أن تؤنس الوحشان، وإذا سبك رجل بشيء قد علمه فيك فلا تسبه بشيء وهو فيه فلا تسبه به فيكون أجره لك ووزره عليك، وما سر أذنك أن تسمعه فاعمل به، وما ساء أذنك أن تسمعه فاجتنبه.
فهذه وصايا عظيمة وصايا رسول الله عليه الصلاة والسلام لأبي جُري جابر بن سليم رضي الله عنه، أوصاه النبي عليه الصلاة والسلام بمعاني الأخلاق، وبمحاسن الآداب والقيم، فقال له النبي عليه الصلاة : لا تحقرن من المعروف شيئا أي ولو كان يسيرا، كل ما تستطيع أن تفعله من الخير والمعروف فقم بفعله، ولا تحتقر شيئا من المعروف، فقد يكون ذلك الشي يسيرا فينال العبد به مغفرة الله عز وجل، مع صدق الإخلاص، ومع النية الصالحة، فيغفر الله سبحانه وتعالى لك بالعمل اليسير، وقد يكون العمل كثيرا مع ضعف الإخلاص والصدق فلا ينال العبد به الأجر العظيم، رب عمل يسير أجره عظيم، ورب عمل كبير مع ضعف الإخلاص والنية يكون يسيرا باعتبار الأجر والثواب، فلا يحقر العبد شيئا من المعروف يفعل ما يستطيع أن يفعله من الخير ولو كان يسيرا، جاء في المسند من حديث عبدالله ابن عباس رضي الله عنهما، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:"مَن بنى للهِ مسجِدًا ولو كمَفْحَصِ قَطاةٍ بنى اللهُ له بيتًا في الجنَّةِ.
أي ولو كان ذلك المسجد يسيرا، ولو كان ذلك المسجد صغيرا باعتبار الحجم، وبالغ النبي عليه الصلاة والسلام فقال ولو كمفحص قطاة، والقطاة طير من الطيور، ولو مفحص قطاة لبيضها، وأراد النبي عليه الصلاة والسلام بذلك المبالغة في صغر المسجد قال : بنى الله له بيتا في الجنة، فلا يحقر الإنسان شيئا من الخير ولو كان يسيرا، وفي الصحيحين قال النبي الصلاة والسلام:" لا تحتقرن جارة لجارتها ولو كفرسن شاة، أي تهدي لجارتها ما تستطيع، وتهدي لجارتها ما تستطيع من الطعام ومن المتاع ولو كان يسيرا ولو فرسن شاة وهو ظلف الشاة، وأراد النبي عليه الصلاة والسلام بذلك المبالغة، وإلا فإن الظلف لا ينتفع به بأكل ولا يحصل به التغذية وإنما أراد النبي عليه الصلاة والسلام بذلك المبالغة وأن العبد لا يحتقر شيئا من الخير، ولا يحتقر شيئا من المعروف ولو كان يسيرا.
وهكذا في الصحيحين من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:" اتقوا النار ولو بشق تمرة.
ولو بهذا الشيء اليسير من الخير والمعروف والصدقة، اتق النار بكل ما تستطيع أن تتقيها به ولو كان يسيرا، اتقوا النار ولو بشق تمرة، ولو بهذا العمل اليسير، في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:" من تصدق ولو بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب فإن الله يتقبلها بيده فينميها كما يربي أحدكم فلوه، أي فرسه الصغير كما يربي أحدكم فلوه حتى تصير كالجبل، ولو تصدق بهذا الشيء اليسير بما يعادل تمرة، لكن بهذا الشرط من كسب طيب، فإن الله سبحانه وتعالى لا يقبل إلا الطيب، فينمي الله سبحانه وتعالى تلك الصدقة الصغيرة كما يربي أحدنا فرسه فينمو الفرس حتى يكبر، وهكذا تلك التمرة الصغيرة أو ما يعدل التمرة الصغيرة من الخير يربيها الله سبحانه وتعالى حتى تصير كالجبل، فلا يحتقر العبد شيئا من المعروف ولو كان يسيرا، فأوصى النبي عليه الصلاة والسلام هذا الصحابي رضي الله عنه بهذه الوصية العظيمة لا تحتقرن من المعروف شيئا، لا في نفسك ولا في غيرك، لا تحتقر المعروف اليسير في نفسك فلا تقوم به، ولا تحتقر غيرك إذا فعل معروفا يسيرا، {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79)}[التوبة:79].
فكان الواحد من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ربما جاء بالتمر اليسير على قدر جهده فيأتي بالتمر اليسير فيقول المنافقون: لا حاجة لله عز وجل بهذه الصدقة، يحتقرونها لقلتها وهم لا يجدون إلا ذلك، لم يأتوا بذلك بخلا وإنما هذا الذي يجدونه وهذا هو جهدهم، فعاب الله سبحانه وتعالى المنافقين وتوعدهم بالعذاب الأليم:{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79)}
يقول النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث : لا تحتقرن من المعروف شيئا، ثم ضرب النبي عليه الصلاة والسلام أمثلة للمعروف، والمعروف كثير، وكل معروف صدقة كما قال ذلك النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام البخاري من حديث جابر، وفيما رواه الإمام مسلم من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، قال عليه الصلاة والسلام :" كل معروف صدقة.
فكل معروف داخل في مسمى الصدقة غير أن النبي عليه والسلام ضرب أمثلة للمعروف فقال : فلا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تعطي صلة الحبل، أي من كان عنده حبل قصير يريد أن يربط به شيئا أو يريد أن يدلي بحبله إلى البئر ليأخذ الماء غير أن حبله فيه صغر لا يحصل به المقصود فلو أعطيته قطعة من الحبل يضم تلك القطعة من الحبل إلى حبله فيحصل له المقصود بإخراج الماء من البئر أو بربط شيء من أمتعته إن فعلت هذا المعروف اليسير فلك الأجر والثواب عند الله عز وجل، ولا تحتقر مثل هذا المعروف، قال: ولو أن تعطي صلة الحبل، ولو أن تعطي شسع النعل وهو السير الذي يوضع بين الأصبعين في النعال، فهذا هو السير وهو حبل يسير شيء يسير يوضع بين الأصبعين في النعال، إذا احتاج أخوك إلى هذا الشيء اليسير فأعطيته فهذا معروف وخير ولك الأجر من الله سبحانه وتعالى ولا تحتقر المعروف ولو كان من هذا القبيل، ولو أن تعطي شسع النعل، ولو أن تنزع من دلوك في إناء المستسقي، ولو تفعل هذا المعروف يأتي شخص يريد أن يأخذ الماء من البئر فتدلي بدلوك وبحبلك إلى البئر وتخرج الماء من البئر ثم تصب الماء من إناءك في إناء لأخيك فتعينه على هذا الأمر الذي يحتاجه فهذا خير وإحسان ،وهذا بر وصدقة ومعروف، إن فعلت ذلك فهو من الخير والمعروف، ولا تحتقر مثل هذا الخير والمعروف فتدلي بدلوك وتنزع بدلوك في إناء المستسقي الذي يستسقي أن يطلب الماء فإن هذا من الخير والمعروف وقد يغفر الله لك بهذا الفعل وبهذا العمل الصالح، وقد غفر الله سبحانه وتعالى لامرأة بغي من بغايا بني إسرائيل أسقت كلبا فشكر الله لها فغفر لها، وفي بعض الروايات في الصحيحين أن ذلك أنه كان رجل وفي بعضها أنها امرأة بغي من بغايا بني إسرائيل، أسقت كلبا من البئر فشكر الله لها فغفر لها وهي من بغايا بني إسرائيل، واقعة في جريمة من الجرائم وفي فاحشة من الفواحش ففعلت هذا الفعل مع الإخلاص ومع الصدق مع الله عز وجل وتريد بذلك الثواب من الله سبحانه وتعالى فشكر الله لها فغفر لها، فكيف إذا فعل ذلك العبد مع أخيه المسلم أسقاه ماء من البئر وكان لا يتمكن من ذلك فأعانه على ذلك وكان مخلصا في هذا المعروف وفي هذا الخير فهو أولى وأولى، فإن الإحسان إلى المسلمين أعظم من الإحسان إلى الحيوان، فشكر الله سبحانه وتعالى لها فغفر لها، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ولو أن تنزع من دلوك في إناء المستسقي. فهذا من الخير والإحسان وهذا من المعروف وهذا من العمل الصالح، قال عليه الصلاة والسلام : ولو أن تنحي الشيء من طريق الناس يؤذيهم، أي لا تحتقر هذا المعروف إن مررت طريق فرأيت ما يؤذي الناس في طريقهم من الشوك ومن الزجاج ومن الأحجار وما إلى ذلك من الأمور التي تؤذي الناس في طرقاتهم فأزحت ذلك الأذى عن طريق الناس فهذا معروف وهذا خير وهذا عمل صالح فلا تحتقر مثل هذا المعروف وقم به، فإن من احتقر شيئا ابتعد عنه، ومن عظم شيئا في قلبه أقبل عليه، فالمعروف ولو كان يسيرا هو عظيم عند الله عز وجل، فأزل ذلك الأذى من طريق الناس، فأزل ذلك الأذى راجيا الثواب من رب العالمين سبحانه وتعالى، ولا تحتقر ذلك المعروف فقد يغفر الله لك بهذا المعروف، جاء في مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس.
فرأى النبي عليه الصلاة والسلام رجلا يتقلب في الجنة بمعنى أنه يتنقل من موضع إلى موضع، ويتنعم في أنهارها وفي قصورها وفي ما فيها من الملذات ومن النعيم العظيم والسبب في هذه النعمة التي نالها ذلك العبد أنه رأى شجرة تؤذي الناس في طريقهم فقطع تلك الشجرة، يريد إزالة الأذى عن الناس والإحسان إلى عباد الله عز وجل، وكان مخلصا في عمله فغفر الله له وأدخله الجنة بهذا العمل الذي يراه العبد من المعروف اليسير وهو عظيم عند الله عز وجل، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:" بينما رجل يمشي بطريق إذ وجد غصن شوك في طريقه فنحاه فغفر الله له.
من أحسن إلى عباد الله أحسن الله إليه، والجزاء من جنس العمل، والله يقول :{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)} فمن أحسن إلى عباد الله عز وجل أحسن الله إليه، فيجازي الله العبد بمثل ما صنعت، ومن أساء إلى عباد الله عز وجل جازاه الله سبحانه وتعالى بنظير فعله، فإن الجزاء من جنس العمل، من عفا عن الناس عفا الله عنه، ومن آخذ الناس بذنوبهم وتقصيرهم جازاه سبحانه وتعالى كما يجازي عباد الله عز وجل، وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم، إن عفوت عن أخطاء الناس في حقك عفا الله عنك، وإن عاقبتهم ولم تتغاضى عنهم جاز الله سبحانه وتعالى بنظير ما تفعل مع عباد الله، ومن أحسن إلى الناس أحسن الله إليه، ومن أساء إلى الناس جازاه الله سبحانه وتعالى بنظير ما فعل، والجزاء من جنس العمل.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية:

إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، أما بعد معاشر المسلمين: إن من جملة وصايا رسول الله عليه الصلاة والسلام لجابر بن سليم رضي الله عنه أن قال له عليه الصلاة والسلام حين أمره بالمعروف وألا يحتقر شيئا من المعروف قال: ولو أن تلقى أخاك بوجه إليه منطلق، ولو تفعل هذا الشيء من المعروف لا تحتقر هذا المعروف، ولو أن تلقى أخاك بوجه إليه منطلق، أي تتبسبش في وجه أخيك المسلم، وتتبسم في وجه أخيك المسلم فهذا معروف وهذا خير وهذا عمل صالح يأجرك الله سبحانه وتعالى عليه، في الصحيح من حديث أبي ذر رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال :" لا تحتقرن من المعروف ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق.
وعند الترمذي من حديث أبي ذر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" تبسمك في وجه أخيك لك صدقة.
فإذا لقيت أخاك المسلم وتبشبشت في وجهه وتبسمت في وجهه فهذا خير وصدقة لأنك تدخل السرور في قلبه وينشرح صدره بذلك، وإدخال السرور في قلوب المسلمين من الأعمال الصالحة، وإزالة ما في نفوس الناس من الألم والشدة من الأعمال الصالحة، ومن تبشبش في وجه أخيه أدخل السرور في وجهه وهذا من الخير ومن الإحسان ومن المعروف ومن العمل الصالح، قال النبي عليه الصلاة والسلام لجابر بن سليم في هذه الوصايا قال : ولو أن تلقى أخاك فتسلم عليه، أي هذا معروف ولا تحتقر مثل هذا المعروف تلقى أخاك المسلم فتسلم عليه وهذا من أسباب أيضا إدخال السرور والمحبة في أوساط المسلمين، جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:" لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم.
فهذا من أسباب المحبة، لا يدخل العبد الجنة حتى يكون مؤمنا، ولا يحقق العبد الإيمان حتى يحقق المحبة، ومن أسباب تحقيق المحبة إفشاء السلام في أوساط المسلمين، والسلام اسم من أسماء الله عز وجل، إن السلام اسم من أسماء الله وضعه في الأرض فأفشوه بينكم ، كما جاء في حديث مسعود، وجاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنهما، فهو اسم من أسماء الله، وفي حديث عبد الله ابن مسعود في الصحيحين قال النبي عليه الصلاة والسلام : إن الله هو السلام، والله يقول : السلام المؤمن المهيمن، فالسلام اسم من أسماء الله عز وجل، وإفشاءه من الخير ومن الصدقة، في الصحيح من حديث عبد الله ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن رسول الله أن رجلا سأل النبي عليه الصلاة والسلام فقال: وأي الإسلام خير؟ فقال : تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف، تطعم الطعام للفقراء والمساكين وتفشي السلام في أوساط الناس على من عرفت ومن لم تعرف، هكذا يقول النبي عليه الصلاة والسلام، فالسلام من أسباب المحبة وهي تحية آدم، والسلام هو تحية آدم وتحية ذريته من بعده كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال:" إن الله خلق آدم طوله ستون ذراعا في السماء فقال له اذهب إلى أولئك النفر من الملائكة فسلم عليهم فانظر بما يحيونك، فإن تحيتك وتحية ذريتك من بعدك، فذهب آدم عليه الصلاة والسلام إلى أولئك النفر فقال: السلام عليكم، فقالوا : السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله.
فهذه تحية آدم عليه الصلاة والسلام، وتحية ذرية آدم من بعده، والسلام كما عرفنا اسم من أسماء الله، وإذا قال العبد لأخيه المسلم السلام عليكم نشر هذا الاسم ودعا لأخيه المسلم بالسلامة، فإن مر على شخص غريب فاستوحش منه فقال السلام عليكم اطمأنت نفسه أن هذا الرجل لا يريد شرا به فالسلام يدخل الأمن في أوساط الناس، ويدخل المحبة في أوساط الناس، فلهذا حث عليه النبي عليه الصلاة والسلام وجعله من المعروف ومن الصدقة، قال : ولو أن تلقى أخاك فتسلم عليه، ولو أن تؤنس الوحشان في الأرض، أي إذا وجدت شخصا غريبا مستوحشا من أهل القرية أو من أهل المدينة لا يدري الصديق من العدو لا يدري المحسن من المسيء فدخل وهو مستوحش فأدخلت الطمأنينة في نفسه جئت إليه وأدخلت الطمأنينة في قلبه وأزلت ما في نفسه من الوحشة فهذا من المعروف ومن العمل الصالح ومن الخير فلا تحتقر مثل هذا المعروف ولو أزلت الوحشة من صدر أخيك المؤمن، فهذا من الخير ومن المعروف، ثم ختم النبي عليه الصلاة والسلام وصيته لجابر بن سليم فقال: وإن سابك رجل بشيء قد علمه فيك فلا تسبه بشيء قد علمته فيه، اجتنب السب ولو سبك شخص بشيء يعلمه فيك فلا تقابل المسيء بمثل إساءته، في مسلم من حديث أبي هريرة، عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : المتسابان ما قالا فعل البادئ منهما ما لم يتعدى الآخر، أي الإثم على من بدأ، فلا تكن بادئا للسب ومن سبك فالأكمل في حقك ألا تقم بسبه وإن جازيته بمثل فعله فإن ذلك مما يجوز، وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله، غير أن الأكمل أن لا تسب من سبك فإن هذا هو الأكمل والإحسان، وما سر أذنك أن تسمعه فاعمل به، وما ساء أذنك أن تسمعه فابتعد عنه أي ما كان قبيحا مستنكرا لا تحب أن تسمعه فابتعد عنه ولا تعمل الشيء القبيح ، وما أدخل في قلبك السرور حين سماعه من الخير والمعروف فسارع في الأمر الحسن وابتعد عن الأمر القبيح، فهي وصايا عظيمة من وصايا رسول الله عليه الصلاة والسلام لجابر بن سليم وهي وصية له، ولسائر الناس وهي من خير الوصايا وأنفعها، وقد حث النبي عليه الصلاة والسلام فيها على جملة من المعروف.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين، وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور رحيم، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها، اللهم اهدنا إلى الصراط المستقيم واجعلنا هداة مهتدين غير الضالين ولا مضلين، اللهم يسر على المعسرين واقضي الدين عن المدينين وعافي مبتلى المسلمين واشفي مرضاهم وارحم موتاهم إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم اهدنا واهدي بنا واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة. ربنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، والحمد لله رب العالمين.


جميع الحقوق محفوظة لـ الموقع الرسمي للشيخ أبي بكر الحمادي