إتحاف السالك في شرح حديث لأنس بن مالك، خطية ١٧ محرم ١٤٤٥هـ 2023-08-09 18:05:25
خطبة جمعة بعنوان (اتحاف السالك في شرح حديث لأنس بن مالك)
لشيخنا المبارك أبي بكر الحمادي حفظه الله ورعاه
سجلت بتاريخ ١٧محرم ١٤٤٥ه
مسجد الزهراء/القاهرة جمهورية مصر العربية حرسها الله و سائر بلاد المسلمين
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد:فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
روى البخاري في صحيحه، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يكثر من قوله:" اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من البخل والجبن، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال.
فكان نبينا عليه الصلاة والسلام يستعيذ بهذه الكلمات المباركات الطيبات، يستعيذ من أصول الشر، فكان عليه الصلاة والسلام يستعيذ من المؤلمات والموجعات، ويقرن النبي عليه الصلاة والسلم بين كل قرينين في هذا الحديث ، استعاذ النبي عليه الصلاة والسلام من الهم والحزن وهما قرينان، واستعاذ النبي عليه الصلاة والسلام من العجز والكسل وهما قرينان، واستعاذ النبي عليه الصلاة والسلام من البخل والجبن وهما قرينان، واستعاذ النبي عليه الصلاة والسلام من ضلع الدين ومن قهر الرجال وهما قرينان، استعاذ من هذه الأمور المؤلمة للنفوس التي تسبب الضيق للصدور وتسبب الألم، فكان النبي عليه الصلاة والسلام يستعيذ من الهم والحزن وهما قرينان، وذلك أن الشيء المؤلم قد يكون عن أمر فات، وقد يكون عن أمر متوقع، متوقع أن يحصل فالأمر الذي فات يقع الإنسان في الحزن يحزن على ما فاته، وإذا كان الشيء الذي يكرهه يتوقع أن يحصل له ولن يحصل بعد فإنه يصيبه الهم، فالهم للشر الذي لم يأتي بعد وهو متوقع الحصول، والحزن لما مضى من الأمور المحزنة كأن يفوت الإنسان ما ينفعه فيحزن لما فاته، أو تحصل له مصيبة وقد مضت فيبقى حزينا عليها، فكان النبي عليه الصلاة والسلام يستعيذ من هذين وهما من أمر الشيطان، الهم والحزن من أمر الشيطان، فالشيطان يهيج الأحزان في صدر الناس حتى يفوت عليهم الصبر على قضاء الله وقدره، فلا ينال العبد الأجر ويفوته الأجر بسبب عدم صبره على قضاء الله وقدره، والواجب على العبد أن يصبر على مر القضاء وألا يحزن على ما فات مع حرصه على ما ينفعه، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:" المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، فإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل.
فلا تحزن على ما فات، فإن ما فات لا يأتي، فإن أصابتك مصيبة فاصبر وارضى بالقضاء ولا تحزن على شيء حصل لك فيما مضى فإن ذلك من الشيطان، فما مضى فإنه لا يرجع، فإن صبرت ورضيت بقضاء الله عز وجل وقدره نالك الأجر والثواب من الله عز وجل، وأما أن تبقى حزينا على مصيبة مضت فإنك لا تستفيد من ذلك شيئا وإنما هذا مما يدعو إليه الشيطان، وهكذا إذا فاتتك مصلحة من المصالح ولم تنلها فاعلم أن هذا بقضاء الله وقدره، لا تبقى حزيناً في حديث ابن عباس الذي رواه الترمذي في في جامعه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال له:" يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف.
ما مضى مضى فلا تحزن على مصيبة مضت، ولا على مصلحة فاتت وارضى بالقضاء تنال الأجر والثواب من الله عز وجل، فالحزن على أمر من أمور الدنيا فات أو مصيبة حصلت من أمر الشيطان.
وهكذا الهم لا تبقى مهموما لما لم يأتي بعد من الشدائد والمحن، وارضى بقضاء الله عز وجل، واعلم أن العبد مبتلى ليثاب
قال تعالى:{الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)}[العنكبوت:1،3].
فما زال العبد المؤمن حيا في الدنيا لابد أن يبتلى، فوطن نفسك على البلاء واصبر وارضى بالقضاء حتى يرفع الله سبحانه وتعالى لك الدرجات ويكفر عنك السيئات، ويثيبك بأنواع الحسنات، فلا تهم لا تبقى مهموما على أمر لم يحصل بعد، واعلم أن الأمر بيد الله عز وجل ولا مفر من القدر، ومن وطن نفسه على الصبر عاش عيشا هنيئا، ومن ضاق صدره من الصبر ضاقت عليه الدنيا بما رحبت، فالصبر سعة للصدر، وراحة للنفس، واتساع فيها القلب، وانشراح في الصدر، فليوطن العبد نفسه على الصبر وعلى الرضا بقضاء الله عز وجل، وليبتعد عن الهم والحزن فإن هذا مما يدعو إليه الشيطان، فكان النبي عليه الصلاة والسلام يستعيذ من هذين الأمرين، فكان يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، ويستعذ عليه الصلاة والسلام من العجز والكسل، فيقول : اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل وهما قرينان، العجز والكسل قرينان، فإن العبد قد يفوته أو قد تفوته مصلحة من المصالح ومنفعة من المنافع، قد تفوته بسبب عدم القدرة على ذلك الشيء وهذا هو العجز، وقد تفوته تلك المصلحة والمنفعة بسبب عدم إرادته لذلك الشيء، لعدم الإرادة وهذا هو الكسل، فالكسلان ليس عنده إرادة للفعل، فالمصلحة قد تفوت بسبب عدم القدرة وهو العجز، أو بسبب عدم الإرادة وهذا هو الكسل، ولا يذم العبد على العجز وإنما يذم على الكسل، لا يذم العبد إن فاته الخير بسبب عجزه لأن الله يقول:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ} وإنما يذم العبد على الكسل ألا يحرص على ما ينفعه، فالكسل مضيعة للدنيا والآخرة، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: واستعن بالله ولا تعجز، العبد المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، أي لا تكن كسلانا، احرص على ما ينفعك. واستعن بالله ولا تعجز، اترك الكسل، فالكسل مضيعة للدنيا ومضيعة أيضا للآخرة، فكان النبي عليه الصلاة والسلام يستعيذ منهما ولا ينال العبد خير الدنيا والآخرة بالكسل بل تفوته الدنيا والآخرة، والكسل من صفات المنافقين في باب الطاعات والقربات لرب العالمين سبحانه وتعالى، قال الله عز وجل :{وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142)}[النساء:142].
فهذا هو حال المنافقين عندهم الكسل في طاعة الله عز وجل، فلا ينشطون ولا يسابقون في مرضاة الله عز وجل كسل في باب الآخرة وإن كان عندهم النشاط في دار الدنيا، فلا يكون العبد كسلانا فيما يحتاج إليه من أمر دينه أو من أمر دنياه، إذاً العجز والكسل يفوتان على العبد المصالح والمنافع الدينية والدنيوية، فكان النبي عليه الصلاة والسلام يستعيذ منهما فيقول: وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من البخل والجبن، والبخل والجبن أيضا قرينان، فإن العبد قد يحبس نفعه عن الناس ، وقد يكون ذلك النفع أما بالبدن وهو الجبن، وقد يحبس نفعه عن الناس بماله وهو البخل، فحبس المنافع قد يكون من قبيل البخل وقد يكون من قبيل الجبن، فإن حبس منفعة بدنه فهو الجبن، وإن حبس عن الناس منفعة ماله فهو البخل، فالجبان مذموم، وهكذا البخيل مذموم، الجبن مذموم والبخل مذموم، والجود والشجاعة محمودان في دين الله عز وجل، والله سبحانه وتعالى يقول :{الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ۗ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24)}[الحديد:24].
ويقول سبحانه وتعالى :{وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ}[محمد:38].
ويقول سبحانه وتعالى:{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم ۖ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ ۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)}[آل عمران:108].
ويقول سبحانه وتعالى :{ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ (9)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ (10)}[الليل:8،10].
من بخل بما أوجب الله سبحانه وتعالى عليه بخل بماله فلم يؤدي ما أوجب الله سبحانه وتعالى عليه في ماله، وبخل أيضا بالطاعات والعبادات، فإن البخل لا ينحصر على البخل بالمال، فالبخيل بالمال داخل في مسمى البخيل، والبخيل في الطاعات الذي لا يجود بالطاعات والعبادات لربه سبحانه وتعالى فهو بخيل، فالبخل لا ينحصر على المال، ولهذا يقول سبحانه وتعالى :{وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77)}[التوبة:75،77].
وفي الصحيحين من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن النذر وقال:" لا تنذروا إن النذر لا يرد شيئا أي من القدر، وإنما يستخرج به من البخيل، والمراد بالبخيل في هذا الحديث البخيل بالطاعات، فتستخرج الطاعات من البخيل بنذره، فينذر بكذا إن شفى الله مريضي فعلي كذا وكذا من العبادات والطاعات ، كأن ينذر بصيام أو بحج أو بعمرة أو بقراءة للقرآن فهذا هو البخيل الذي لا يجود بالعبادات إلا بالنذر، إن نزلت به مصيبة اتجه إلى النذر ونذر لربه سبحانه وتعالى بأنواع من العبادات ولولا ذلك لما جاد بأي نوع من أنواع العبادة، فهذا بخل بالعبادة إنما يستخرج به من البخيل، وفي حديث الحسن رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:" البخيل من ذكرت عنده فلم يصلي علي.
فهذا بخل في باب العبادات والقربات، الذي لا يصلي على رسول الله عليه الصلاة والسلام فإنه من البخلاء، فالبخل قد يكون في باب العبادات وقد يكون في باب الأموال، وكل ذلك مذموم، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يستعيذ من البخل ويستعيذ من الجبن، والبخل هو ثمرة الشح فالشح شجرة خبيثة وثمرتها البخل، وفي حديث جابر في مسلم عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:" اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشخ فإنه الشح أهلك من كان قبلكم.
فالشح أهلك من قبلنا، أمرهم بالقتل فقتلوا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، فقطعوا أرحامهم بسببه، وسفكوا دماءهم بسببه والعياذ بالله، فكان النبي عليه الصلاة والسلام يستعيذ من هذه الأمور، يستعين من الهم والحزن، ويستعيذ من الجبن والعجز، وكان النبي عليه الصلاة والسلام أيضا يستعيذ النبي عليه الصلاة والسلام من الجبن والبخل، فكان يستعيذ من هذه الأمور وهي من الشرور التي يستعاذ بها، فليستعيذ العبد بما استعاذ به رسول الله عليه الصلاة والسلام فإن الخير في ذلك، الخير في الإهتداء بهدي رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأن يدعو العبد بدعاء رسول الله، وأن يستعيذ بإعاذة رسول الله عليه الصلاة والسلام.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا، واستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد : أخبرنا أنس رضي الله عنه بما سمعه من استعاذة رسول الله عليه والسلام، وأنه كان يستعيذ ويقول اللهم : إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من البخل والجبن، وأعوذ بك من ضلع الدين وغلبة الرجال ، فكان النبي عليه الصلاة والسلام يستعيذ من ضلع الدين وهو ثقل الدين، ومن غلبة الرجال أي من قهرهم، فكان النبي عليه الصلاة والسلام يستعيذ من هذين وهما قرينان، وذلك أن الإنسان قد يقهر غيره إما بحق وإما بغير حق، فإن قهره بالدين لمطالبته به فهو بحق، وإن قهره بغير حق فهي غلبة الرجال التي كان عليه الصلاة والسلام يستعيذ منها، فاستعذ النبي عليه الصلاة والسلام من ضلع الدين وهو ثقل الدين، فالدين فيه ثقل على القلوب، ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام كان يدعو ربه سبحانه وتعالى أن يقضي عنه الدين، يدعو الله عز وجل كلما اتجه إلى فراشه واضطجع على جنبه الأيمن، فإنه كما جاء ذلك في صحيح الإمام مسلم، من حديث أبي هريرة، كان النبي علي والسلام يقول:"اللَّهُمَّ أَنْتَ الأوَّلُ فليسَ قَبْلَكَ شَيءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فليسَ بَعْدَكَ شَيءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فليسَ فَوْقَكَ شَيءٌ، وَأَنْتَ البَاطِنُ فليسَ دُونَكَ شَيءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الفَقْرِ.
يدعو الله سبحانه وتعالى بهذا الدعاء في كل ليلة إذا اضطجع واتجه للنوم واستعدا للنوم، فيدعو الله عز وجل أن يزيل عنه هذا الثقل، فالدين ثقل على القلوب ، وهو من أسباب قصر الأعمار، ومن الهم والحزن، ومن أسباب الكربات، ولهذا ينقل عن الحارث أحد أطباء العرب كما ذكر ذلك العلامة ابن القيم رحمة الله عليه في زاد المعاد أنه قال من أراد البقاء ولا بقاء فليباشر بالغداء وهو طعام أول النهار، وليعجل العشاء، وليخفف الرداء، وليقلل من معاشرة النساء. والشاهد من ذلك أنه كان يقول وليخفف الرداء، قال العلماء المراد بذلك الدين، فالرداء يطلق على الدين، والمراد بقوله وليخفف الرداء أن يخفف على نفسه الدين، فإن الدين ثقيل، وهو من أسباب سرعة الهلاك، ولهذا قال : من أراد البقاء ولا بقاء فليباشر بالغداء وليعجل العشاء وليخفف الرداء أي يخفف على نفسه الدين، فالدين ثقل، كان النبي عليه الصلاة والسلام يستعيذ من الدين فيقول : وأعوذ بك من ضلع الدين أي من ثقل الدين، فالدين فيه ثقل، ومن أخذ أموال الناس واستدانها وهو لا يريد أن يؤدي الحق الواجب عليه فقد دعا عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام بالهلاك، روى الإمام البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"مَن أخَذَ أمْوالَ النَّاسِ يُرِيدُ أداءَها أدَّى اللَّهُ عنْه، ومَن أخَذَ يُرِيدُ إتْلافَها أتْلَفَهُ اللَّهُ.
من أخذ أموال الناس وهو يريد أن يؤديها أدى الله عنه أعانه الله عز وجل على قضاء دينه، إن أخذ مال الناس واستقرض مال الناس وهو يريد القضاء، ومن أخذ اموال الناس وهو يريد أن يتلفها أتلفه الله، دعاء من رسول الله الصلاة والسلام بالتلف لمن أخذ أموال الناس واستدان واقترض من الناس وهو لا يريد الأداء يريد أن يأكل أموال الناس ، وأن لا يرد الحق إلى أهله أتلفه الله، دعاء عليه بالتلف في ماله، بالتلف في نفسه إما بالموت أو بالأمراض، بالتلف في ما يملك أو في أولاده أو في أهله إما بالأمراض وإما بالموت، دعاء للتلف أتلفه الله، من أخذ أموال الناس ويريد أن يؤديها أدى الله عنه، ومن أخذها وهو يريد أن يتلفها أتلفه الله، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يكثر من أن يستعيذ من المغرم والمأثم كما في حديث عائشة في الصحيحين، فجاء رجل وسأل النبي عليه الصلاة والسلام عن كثرة استعاذته من المغرم وهو الدين ويكثر من ذلك، فقال النبي عليه الصلاة والسلام:" إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف.
فلهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يستعيذ من المغرم من الدين، وذلك أن الشخص إذا استدان إلى أجل معلوم ولم يستطع القضاء في الأجل المعلوم وجاءه من يطالب بالدين ربما يحدث فيكذب ويذكر أعذارا ليس لها وجود، ويعد بمواعيد ليس لها حقيقة، فيقع في الكذب ويقع في إخلاف الوعد بسبب الدين، فالدين من أسباب الكذب، ومن أسباب إخلاف الوعد وهما من صفات المنافقين والعياذ بالله، فكان النبي عليه الصلاة والسلام يكثر من الاستعاذة من المغرم ثم بين السبب في ذلك فقال: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف، فكان النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث يستعيذ من ضلع الدين، ويستعيذ من غلبة الرجال، أي من قهر الرجال ومن ظلمهم، أن يتسلط عليك بعض الناس بقوته فيقوم بظلمك إما ببدنك وإما بعرضك وإما بمالك يتسلط عليك وأنت ضعيف لا تستطيع أن ترد شره على بدنك أو على مالك أو على عرضك فإن هذا من الأمور المؤلمة، ومما كان يستعيذ منه النبي عليه الصلاة والسلام، فهذه استعاذات نافعات مباركات كان النبي عليه الصلاة والسلام يستعيذ بها فهذه استعاذات نافعات مباركات كان النبي عليه الصلاة والسلام يستعيذ بها ويستعيذ من أنواع الشرور، ومن الأمور المؤلمة للنفوس فنستعيذ بالله سبحانه وتعالى من البخل والجبن، ونستعيذ بالله من الهم الحزن، ونسعيذ بالله من العجز والكسل، ونستعيذ بالله من ضلع الدين ومن قهر الرجال.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين، وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها، اللهم اهدنا إلى الصراط واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، ربنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم يسر على المعسرين واقضي الدين عن المدينين، وعاف مبتلى المسلمين، واشفي مرضاهم وارحم مواتهم إنك أنت الغفور الرحيم، والحمد لله رب العالمين.