الرئيسية / الخطب والمحاضرات/ الخطب /خطبة التأملات الحسنة في آية{ الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} ٢٤ محرم ١٤٤٥
خطبة التأملات الحسنة في آية{ الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} ٢٤ محرم ١٤٤٥ 2023-08-12 03:12:13


خطبة جمعة بعنوان:

التأملات الحسنة في آية (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)


لشيخنا المبارك أبي بكر الحمادي حفظه الله ورعاه

سجلت بتاريخ ٢٤ محرم ١٤٤٥ه‍
مسجد آل عمران القاهرة جمهورية مصر العربية

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد:فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)}[الزمر:17،18].
فأثنى الله سبحانه وتعالى على عباده وبشرهم بالبشرى الحسنة، وبين سبحانه وتعالى أنهم هم أهل الهداية، وهم أهل العقول النيرة، وصفهم الله سبحانه وتعالى بأنهم يستمعون القول، وأنهم إذا استمعوا القول اتبعوا أحسنه، والقول الذي ذكره الله سبحانه وتعالى في هذه الآية هو القرآن الكريم، هو قوله سبحانه وتعالى، كما قال سبحانه وتعالى:{أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68)}[المؤمنون:68].
فالمراد بالقول هو كلامه سبحانه وتعالى، وهو وحيه، وهو القرآن الكريم، وكما قال سبحانه وتعالى:{وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55)}[الزمر:55].
والذي أنزل إلينا من ربنا سبحانه وتعالى هو القرآن العظيم، فأمرنا سبحانه وتعالى أن نتبع أحسن ما أنزل إلينا من ربنا، والذي أنزل إلينا من ربنا هو كلامه وهو كتابه وهو القرآن الكريم، فقوله سبحانه وتعالى : الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أي يستمعون للذي أنزل إليهم من ربهم وهو القرآن الكريم، وليس المراد ما يفهمه كثير من الجاهلين أن الشخص يستمع كل كلام ثم يأخذ من الكلام أحسنه ليس هذا هو المراد، فإن الباطل لا يسمع له، واللغو لا يسمع له،{وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)}
قال:{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ }[النساء:140].
فلا يستمع الإنسان الباطل وإنما المراد بالقول هو كلام الله عز وجل الذي هو أحسن الحديث:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ}[الزمر:23] فهذا هو القول الذي أمرنا ربنا سبحانه وتعالى باستماعه، وأمرنا سبحانه تعالى أن نأخذ أحسن ما فيه، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم، وربنا سبحانه وتعالى بين في كتابه الكريم، وهكذا بين في سنة رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام أمورا حسنة وبين أموراً أحسن من ذلك، فمن ترك الحسن إلى الأحسن فقد اتبع أحسن ما أنزل إليه من ربه، فما أمر الله به منه ما هو حسن ومنه ما هو أحسن، فإذا ترك الإنسان الحسن وأخذ بالأحسن مما أمر الله سبحانه وتعالى به فهو من من عباد الله عز وجل، الذين لهم البشرى وهم أهل الهداية وهم أهل العقول النيرة الصحيحة، اتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، إذا تأملنا إلى مجازاة المسيء بمثل إساءته فإن هذا حسن، قال سبحانه وتعالى:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} فهذا أمر حسن أن تجازي المسيء بمثل إساءته وليس هذا بأمر محرم، ولا بأمر قبيح، فإن هذا من العدل، وإن أحسنت لمن أساء إليك وصفحت وعفوت فهذا هو الأحسن،{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)}[فصلت:34،35].
قال:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ }[الشورى:40]
قال:{وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (22)}[النور:22].
فإذا جاز الشخص المسيء مثل إساءته هذا حسن ومذكور في كتاب الله عز وجل، وإن عفوت عمن أساء إليك وأحسنت إليه فهذا أحسن، فالذي يترك الحسن إلى الأحسن فإنه من عباد الله عز وجل الذين لهم البشرى الذين يستمعون القول فيستمعون أحسنه، استمعوا إلى كلام الله عز وجل فوجدوا الأمر الحسن والأحسن فاتبعوا الأحسن فكانوا من عباد الله عز وجل، من أصحاب العقول النيرة، ومن أهل الهداية، ومن أهل البشرى يبشرهم الله سبحانه وتعالى بالنعيم المقيم، وهكذا يقول سبحانه وتعالى :{وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }[الأنعام 152].
لم يقل بالحسن، لا تقرب مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، اترك الحسن في مال اليتيم إلى ما هو أحسن، فإن صادفك أمران في مال اليتيم وتجارتان في مال اليتيم تترك الأمر الحسن وخذ بالأمر الأحسن، ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، هكذا يأمرنا ربنا سبحانه وتعالى، وهكذا يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم :{وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا (53)}[الإسراء:53].
إذا تكلمت مع أخيك المسلم فإن تكلمت بالكلام الحسن فهذا مما يجوز، وإن تركت الكلام الحسن إلى الكلام الأحسن فأنت ممن اتبع أحسن ما أنزل إليه من ربه سبحانه وتعالى:{وقل لعبادي يقول التي هي أحسن} لم يقل يقول ما هو حسن، نقلهم إلى ما هو أعظم وأفضل وأشرف وأكمل،{وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا (53)} إذا من اتبع أحسن ما أنزل إليه من ربه سبحانه وتعالى له البشرى، وهو من أهل التقوى، وهو من أهل العقول السليمة، فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، خذ من الأعمال الصالحة ما هو أحسن وأفضل، وإن كان يجوز لك أن تأخذ من العمل الصالح ما هو حسن لكن الأكمل في حقك أن تأخذ ما هو أحسن، إن جئت إلى ذكر الله عز وجل فذكر الله حسن وعمل صالح ومن أعظم القربات، جاء عند الترمذي وعند ابن ماجة وعند الإمام أحمد من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"
ألا أنبِّئُكُم بخيرِ أعمالِكُم ، وأزكاها عندَ مليكِكُم ، وأرفعِها في درجاتِكُم وخيرٌ لَكُم مِن إنفاقِ الذَّهبِ والورِقِ ، وخيرٌ لَكُم من أن تلقَوا عدوَّكُم فتضرِبوا أعناقَهُم ويضربوا أعناقَكُم ؟ قالوا : بلَى . قالَ : ذِكْرُ اللَّهِ.
فذكر الله من أفضل الأعمال، ومن أفضل القربات، وفي ذكر الله عز وجل ما هو حسن وما هو أحسن، فإن أخذت بما هو أحسن من ذكر الله عز وجل فأنت ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، ومن أحسن ذكر الله عز وجل سبحان الله وبحمده من أفضل الذكر ومن أعظم الذكر، جاء في مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه، أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذكر أفضل؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام:" ما اصطفاه الله لملائكته أو قال لعباده: سبحان الله وبحمده.
فهذا أفضل الذكر التسبيح مع التحميد، اصطفاه الله سبحانه وتعالى للملائكته الذين يحملون عرشه ومن حوله يسبحون بحمد ربهم، ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، واصطفاه الله عز وجل لجميع الخلق، وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم، فجميع الخلق يسبحون بحمد الله عز وجل، والملائكة تسبح بحمد الله، والرعد يسبح بحمد الله، والتسبيح والتحميد هو الذكر الذي جعله الله سبحانه وتعالى لأهل الجنة، جعله الله لأهل الجنة كما أخبرنا بذلك النبي عليه الصلاة والسلام كما روى ذلك الإمام مسلم في صحيح عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال في أهل الجنة قال: يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس.
فأهل الجنة يسبحون الله عز وجل، ويحمدون ربهم سبحانه وتعالى من غير مشقة ولا كلفة، كما أن الإنسان إذا تنفس فإنه يتنفس بغير مشقة ولا كلفة يلهم النفس، فهكذا يلهم التسبيح والتحميد في الجنة فيبقى مسبحا حامدا لله عز وجل من غير مشقة ولا كلفة، وهذا يدل على أن التسبيح والتحميد من أعظم الذكر ومن أفضل الذكر، ولهذا اصطفاه الله سبحانه وتعالى لأهل الجنة، روى مسلم من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:"والحمدُ للهِ تملأُ الميزانَ ، وسُبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ تملأ أو تَملآنِ ما بين السماءِ والأرضِ.
إذا قال العبد الحمد لله كان له من الحسنات العظيم يمتلئ الميزان بالحسنات، والميزان جاء بالحديث أنه لو وضعت في كفته السماوات والأرض لوزن الميزان السماوات والأرض لعظمه، فإذا قال العبد الحمد لله فهذه الكلمة تملأ الميزان من الحسنات، وإذا قال سبحان الله والحمد لله فتملآن ما بين السماء والأرض، فالتحميد والتسبيح من أفضل الذكر ومن أعظم الذكر ومن خير الذكر، وكل ذكر لله عز وجل فهو حسن، وهو عمل صالح، وهو من أعظم القربات، ومن أعظم الأعمال الصالحات غير أن الذكر يتفاوت، روى البخاري في صحيحه معلقا بصيغة الجزم، وجاء موصولا في مسند الإمام عن بعض أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال:" أفضل الذكر سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
فخذ من الأعمال الصالحة ما هو أحسن حتى تدخل في قول الله عز وجل: الذين يستمعون القول فييتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرحمنا برحمته وأن يغفر لنا ذنوبنا إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد : يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{فَبَشِّرْ عِبَادِ (17)الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)}
معاشر المسلمين : إن الصدقة من الأعمال الحسنة ومن القربات ومن الطاعات، وفيها ما هو حسن وفيها ما هو أحسن، فإذا أخذ الإنسان ما هو أحسن فهذا أعظم في أجره، ويكون ممن استمع القول فاتبع أحسنه، ومن أحسن الصدقات أن يتصدق الإنسان بما يحب، قال سبحانه وتعالى :{لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}
فالشيء الذي تحبه قم بإنفاقه ولا تنفق الشيء الخبيث، الشيء الذي تبغضه ولا تحبه {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)} فهو غني عن أموالكم، غني عن صدقاتكم، وهو حميد سبحانه وتعالى بماله من الأسماء والصفات، فهذا من أفضل أن يتصدق الإنسان بما يحب، وأن يتصدق العبد سرا لا علانية، وصدقة العلانية مع الإخلاص حسن، وصدقة السر أحسن، والأكمل للعبد أن يستمع القول فيأخذ ما هو في كتاب الله عز وجل وما هو أحسن في سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام:{إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ } فإذا أعلن الإنسان بصدقته تصدق علانا مع الإخلاص لله عز وجل ولم يكن مرائيا فهذا أمر حسن، إن تبدوا الصدقات فنعما هي، لكن إن أخفى ذلك فهو الأفضل وهو الأكمل وهو الأعظم في الأجر، والذي ينبغي للعبد أنه يتبع ما هو أحسن مما أمر الله سبحانه وتعالى به، وهكذا جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:" أفضل الصدقة ما ترك غنى واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول.
افضل الصدقة ما ترك غنى، أي ما يبقى الشخص غنيا بعد إخراجه، أما أن يتصدق الإنسان بكل ماله أو بأكثر ماله ويبقى فقيرا يسأل الناس فليس هذا بحسن، أن الانسان يتصدق ويبقى فقيرا ويتكفف الناس، أفضل الصدقة ما ترك غنى، وقال سبحانه وتعالى :{ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو أي الفضل، المراد بالعفو أي الفضل أي ما زاد عن حاجته وعن حاجة من تعول، فهذه هي أفضل الصدقة كما دلت على ذلك الأدلة، أفضل الصدقة ما ترك غنى، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:"جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ فَقالَ: أَما وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأنَّهُ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الفَقْرَ، وَتَأْمُلُ البَقَاءَ، وَلَا تُمْهِلَ حتَّى إذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ.قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا، وَلِفُلَانٍ كَذَا، وَقَدْ كانَ لِفُلَانٍ، فقال عليه الصلاة والسلام في بيان أفضل الصدقة وأعظم الصدقة أجرا قال : أن تتصدق وأنت صحيح، صحيح البدن، لم ينزل بك الموت، فإن المتصدق بعد نزول الموت نعم كالمتصدق بالطعام وهو شبعان، فإن من أكل وامتلأ طعاما وتصدق بالباقي فقد أخرج ما لا يريده ولا يحبه، والله يقول :{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8)}[الإنسان:8].
قال :{لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}[آل عمران:8].
قال :{وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ}[الحشر:9].
أما إذا كان الإنسان لا حاجة له في المال إذا نزل به الموت فتصدق بماله في الوقت الذي هو غير محتاج ومستغنى عن ذلك المال فهذه صدقة نازلة من حيث المرتبة ومن حيث الأجر والثواب، لكن إن تصدق الإنسان وهو محتاج للمال في حال صحته يخشى الفقر ويأمل الغنى فهذا من أعظم الصدقات لأنه بذل المحبوب لنفسه من أجل الله عز وجل، والمال محبوب وتحبون المال حبا جما، فالمال محبوب لدا النفوس، فإذا كان الشخص صحيحا معافى فتصدق بماله المحبوب هذا يدل على أنه أراد القرب إلى الله عز وجل، فبذل المحبوب لما هو أحب إليه وهو طاعة الله عز وجل ورضوان الله سبحانه وتعالى، فقال عليه الصلاة والسلام:" أن تتصدق وأنت صحيح شحيح، أي عندك محبة المال تخشى الفقر وتأمل الغنى ولا تمهل أي لا تؤخر الصدقة حتى إذا بلغت الحلقوم، أي حتى ينزل بك الموت، ثم تخرج مالك حين أن تصير غنيا ومستغنيا عنه ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا أي من المال، ولفلان كذا ، وفلان كذا فهذه صدقة نازلة من حين المرتبة الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وهكذا إذا نظرنا إلى نوافل العبادات ونوافل الطاعات والقربات فإن العبد إذا تنفل بالنوافل في المسجد فإن هذا حسن، والمساجد هي بيوت الله عز وجل، وبنيت للصلوات، فإذا تنفل العبد بالنوافل في بيوت الله عز وجل فهذا حسن، وإذا تنفل في بيته فهذا أحسن، وكون العبد يأخذ بما هو أحسن فهذا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، وهذا في النوافل، أما الفرائض فإنها واجبة في بيوت الله عز وجل، جاء في الصحيحين من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" صلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل الصلاة صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة.
أي إلا الفرائض والواجبات فإنها واجبة في بيوت الله عز وجل، فصلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة، إلا الفريضة فإنها واجبة في بيوت الله عز وجل، فإذا صلى الإنسان في بيوت الله عز وجل النوافل فهذا حسن، وإذا صلى في بيته النوافل فهذا هو الأحسن والأكمل، جاء عند ابن ماجة من حديث عبد الله بن سعد رضي الله عنه أنه سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن صلاته في بيته أفضل أو في المسجد ؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أرأيت بيتي هذا ما أقربه من المسجد ،فإن بيت النبي عليه الصلاة والسلام كان مرافق المسجد، فإن صلاتي في بيتي أحب إلي إلا صلاة الفريضة أو كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، فكان يصلي النوافل في بيته مع قرب بيته من المسجد، فصلاة النافلة في البيت أفضل من المسجد، أما الفريضة فإنها واجبة في بيوت الله عز وجل، فعلى كل حال يأخذ العبد بما هو أحسن وما هو أفضل مما أمر الله به الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اتبعوا أحسن ما أنزل اليكم من ربكم.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين، وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها، اللهم اهدنا إلى الصراط المستقيم واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم يسر على المعسرين واقض الدين عن المدينين وعاف مبتلى المسلمين واشف مرضاهم وارحم موتاهم إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم عافنا في الدنيا والآخرة، اللهم عافنا في الدنيا والآخرة، اللهم نسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، ربنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.



جميع الحقوق محفوظة لـ الموقع الرسمي للشيخ أبي بكر الحمادي