الرئيسية / الخطب والمحاضرات/ الخطب /إتحاف العابد بحديث أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ٢ صفر ١٤٤٥
إتحاف العابد بحديث أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ٢ صفر ١٤٤٥ 2023-08-20 02:34:42


خطبة جمعة بعنوان (اتحاف العابد بحديث أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)

لشيخنا المبارك أبي بكر الحمادي حفظه الله ورعاه

سجلت بتاريخ ٢ صفر ١٤٤٥ه‍
بمسجد الصحابة/الفيصل/مدينة الجيزة جمهورية مصر العربية حرسها الله وسائر بلاد المسلمين

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد:فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم.
أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد هكذا يقول نبينا عليه الصلاة والسلام، فإذا ما سجد العبد لرب العالمين سبحانه وتعالى فإنه يقترب من ربه عز وجل ويكون أقرب ما يكون من رب العالمين سبحانه وتعالى، وذلك أن السجود لله عز وجل هو غاية الذل والتواضع لرب العالمين سبحانه وتعالى، فلا يسجد لله عز وجل إلا من كان متواضعا ذليلا خاضعاً لرب العالمين عز وجل، وذلك أن العبد في سجوده يضع أشرف ما فيه على الأرض، يضع أشرف ما فيه وهو وجهه وجبهة في موضع قدميه، وكل هذا من قبيل التواضع لرب العالمين سبحانه وتعالى، ورأس الإنسان هو أعلى ما فيه، وقدم الإنسان أخفض ما فيه، فيتواضع العبد بربه سبحانه وتعالى فيضع أرفع ما فيه في موضع قدميه أي في الأرض تواضعاً لرب العالمين سبحانه وتعالى، وذلا وخضوعا لله عز وجل، فإذا تواضع العبد لربه سبحانه وتعالى هذا التواضع كان قريباً من ربه عز وجل، فحث نبينا عليه الصلاة والسلام على كثرة الدعاء في هذا الموضع لأن العبد يكون قريبا من رب العالمين سبحانه وتعالى، أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم، أي جدير وحري أن يستجيب الله عز وجل لكم، السجود لرب العالمين سبحانه وتعالى من أعظم القربات، ومن أعظم الطاعات، السجود لله عز وجل عبادة عظيمة وهي أشرف ما في الصلاة، فأشرف ما في الصلاة السجود لرب العالمين سبحانه وتعالى، ولهذا لا يشرع السجود إلا في الصلاة، لا يشرع السجود إلا عبادة لله عز وجل سواء كانت الصلاة أو في غيرها فلا يكون السجود إلا عبادة الله عز وجل، فهو حق خالص لرب العالمين سبحانه وتعالى، ولا يجوز أن يصرف لغيره، قال سبحانه وتعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ۚ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ ۩ (38)}[فصلت:37،38].
فأمر الله سبحانه وتعالى بالسجود له، وألا يسجد الإنسان لغيره سبحانه وتعالى، لا للشمس، ولا للقمر، ولا لغيرهما، فهو حق خالص لرب العالمين سبحانه وتعالى، وإذا ما صرف لغير الله فهو شرك بالله عز وجل، ولقد أنكر بعض الحيوان السجود لغير الله عز وجل كما حصل من الهدهد فيما قصه رب العالمين سبحانه وتعالى حيث قال لسليمان عليه الصلاة والسلام :{إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ۩ (26)}[النمل:23،26].
فلما شاهد الهدهد ملكة سبأ ومن معها من الناس يسجدون للشمس من دون الله عز وجل أنكر ذلك غاية الإنكار، وبين أن هذا مما زينه الشيطان لأولئك القوم وكيف أنهم لا يسجدون لله عز وجل ويسجدون لغيره فأنكر هذا الحيوان وهذا الطير أنكر على أولئك القوم لما صرفوا هذه العبادة لغير الله عز وجل، فعبادة السجود لا تكون إلا لله عز وجل، وهي ذل وخضوع لرب العالمين سبحانه وتعالى، والساجد لله عز وجل كما عرفنا في الحديث قريب من رب العالمين سبحانه وتعالى، وهذه العبادة عبادة عظيمة، ولهذا جعلها الله سبحانه وتعالى لجميع خلقه، إلا من كان متكبرا من الثقلين:{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَىٰ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِّلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِن دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ۩ (50)}[النحل:48،50].
أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون، فالظل يسجد لله عز وجل، بل جميع المخلوقات يسجد لله سبحانه وتعالى، أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجد لله، الظل الذي يتجه عن يمين الأجسام وعن شمالها يسجد لرب العالمين سبحانه وتعالى، وهم داخرون أي خاضعون ذليلون صاغرون لرب العالمين سبحانه وتعالى، وهكذا الملائكة تسجد لرب العالمين سبحانه، وجميع الخلق يسجدون لله سبحانه وتعالى إلا من كان متكبرا من الثقلين من الجن والإنس:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ۩ (18)}[الحج:18]
فهذه المخلوقات العظيمة لا تتكبر على رب العالمين سبحانه وتخضع لربها من السماوات ومن الأرض وما فيهما من المخلوقات الكثيرة، وهكذا الشمس تسجد لله عز وجل، وهكذا القمر، وهكذا النجوم، وهكذا الجبال، وهكذا الشجر، وهكذا الدواب، ولما ذكر الله عز وجل الأنس قال وكثير من الناس، لأن هنالك من هو متكبر عن ربه سبحانه وتعالى لا يخضع ولا يذل لرب العالمين سبحانه وتعالى، ولا يسجد لربه عز وجل، قال وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم، الذي لا يسجد رب العالمين سبحانه وتعالى هو عبد مهين هين حقير لا قيمة له عند رب العالمين سبحانه وتعالى، وليس بعبد كريم، والذي يسجد لرب العالمين سبحانه وتعالى هو العبد الكريم عند ربه عز وجل، وهو العبد الرفيع عند رب العالمين سبحانه وتعالى، فاسجدوا لله عز وجل، والسجود لله عز وجل يكون في الصلوات بأن يؤدي العبد الصلوات المكتوبات التي افترضها رب العالمين سبحانه وتعالى، وهكذا في سائر النوافل، وهكذا في شؤون التلاوة، وهكذا في شؤون الشكر، يسجد العبد لربه عز وجل ولا سيما السجود الواجب بأن يحافظ على فرائض الله عز وجل، بأن يحافظ على الصلوات الخمس التي افترضها رب العالمين سبحانه وتعالى، وجعلها الفيصل بين المسلم وبين الكافر، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام :" بين الرجل وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة، وقال عليه الصلاة والسلام :" العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر.
وأعظم ما في الصلاة السجود لرب العالمين سبحانه، لقد تكبر إبليس عن سجود أمره الله به عن سجود واحد أمره الله به فطرده الله سبحانه وتعالى من رحمته، وكان من أهل النار والعياذ بالله، فكيف بمن يتكبر عن سجدات كثيرة أمر الله سبحانه بها ليتعالى على رب العالمين سبحانه وتعالى ولا يخضع ويذل لربه عز وجل،{وإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)}[البقرة:34].
روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" إذا قرأ ابن آدم السجدة اعتزل الشيطان يبكي ويقول : أُمر ابن آدم بالسجود فسجدا فله الجنة، وأمرت بالسجود فلم أسجد فلي النار، أمر بن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فلم أسجد فلي النار، فتكبر عن سجود أمره الله به فكان من أهل النار، ومن سجد لله وأطاع الله عز وجل فيما أمر الله به من السجود وأدى الفرائض المكتوبة التي افترضها الله سبحانه وتعالى عليه مخلصا لله عز وجل فإنه موعود بالجنان ،السجود لله عز وجل عبادة عظيمة لا يتكبر عنها أحد من الخلق إلا الثقلين، وإلا فإن جميع الخلق يسجد لله عز وجل، قال الله سبحانه وتعالى :{الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6)}[الرحمن:5،6].
فالمخلوقات ساجدة لله عز وجل طائعة منقادة لله عز وجل، جاء في الصحيحين من حديث أبي ذر رضي الله عنه:"
قالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأبِي ذَرٍّ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ: أتَدْرِي أيْنَ تَذْهَبُ؟ قُلتُ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: فإنَّهَا تَذْهَبُ حتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ العَرْشِ، فَتَسْتَأْذِنَ، فيُؤْذَنُ لَهَا، ويُوشِكُ أنْ تَسْجُدَ، فلا يُقْبَلَ منها، وتَسْتَأْذِنَ فلا يُؤْذَنَ لَهَا، يُقَالُ لَهَا: ارْجِعِي مِن حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِن مَغْرِبِهَا، فَذلكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس: 38]
فذلك هو مستقرها حين يأمرها رب العالمين سبحانه وتعالى أن تطلع من مغربها، الشاهد من ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام سأل أبا ذر عن الشمس إذا غربت أين تذهب فقال أبو ذر الله ورسوله أعلم فأجابه النبي عليه الصلاة والسلام بأنها تذهب وتسجد تحت العرش، تسجد لرب العالمين سبحانه وتعالى، هذا هو حال الخلق من السماوات، ومن الأرض، ومن الشمس، ومن القمر، ومن النجوم، ومن الجبال، ومن الشجر، ومن الدواب يسجدون لله عز وجل، إلا من كان عاصيا من الثقلين متكبرا على رب العالمين سبحانه وتعالى، فيا عبد الله لا تتكبر على ربك عز وجل وحافظ على فرائض الله، وأدي الصلوات المكتوبات، وتواضع لرب العالمين سبحانه وتعالى، وضع جبهتك في الأرض متذللا خاضعاً لربك سبحانه وتعالى يرفعك الله، يرفعك الله ويعلي قدرك ويكرمك الله عز وجل في الدنيا والآخرة والكرامة كل الكرامة في بطاعة الله عز وجل، والكرامة كل الكرامة بالذل والخضوع لرب العالمين سبحانه وتعالى وعدم التكبر عليه، ومن تكبر على ربه سبحانه وتعالى فإنه لا قيمة له عند رب العالمين سبحانه تعالى وهو عبد ذليل الحقير، في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:" لا يدخلُ الجنَّةَ من كانَ في قلبِه مثقالُ ذرَّةٍ مِن كِبرِ.
هذا المقدار اليسير من الكبر مانع من دخول الجنة، فكيف بمن في قلبه أعظم من ذلك والعياذ بالله، فكن عبدا متواضعاً ذليلا لرب العالمين سبحانه وتعالى، إن كنت كذلك فأنت الكريم على ربك عز وجل.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرحمنا برحمته، وأن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين، إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية:

إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: قال سبحانه وتعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام :{كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب ۩ (19)}[العلق:19].
الساجد لربه سبحانه وتعالى قريب من ربه عز وجل، إذا أردت أن تكون قريبا من ربك سبحانه وتعالى فاسجد له وحافظ على فرائض الله عز وجل، وأكثر من النوافل فإنك قريب وحبيب وولي لله عز وجل، في البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال : قال الله عز وجل:": مَن عادَى لي وَلِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به،وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ.
فيكون العبد ولي لله وقريب منه بالسجود لله عز وجل، بأداء الفرائض والإكثار من النوافل، والسجود هو أكثر ما في الصلاة، القيام في كل ركعة مرة واحدة، والركوع مرة واحدة، وأما السجود فهو مرتين، يسجد العبد السجدة
ألأولى لله عز وجل ثم يجلس ثم يرجع، ويسجد السجدة الثانية لله عز وجل فيسجد مرتين في ركعة واحدة وهذا يدل على عظم هذه العبادة، وعلى أنها عبادة محبوبة لرب العالمين سبحانه وتعالى، السجود لله عز وجل من أسباب استنارة الوجوه من أسباب النور والضياء في الدنيا وفي الآخرة، قال سبحانه وتعالى:{سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ} وهو النور والبهاء في الوجوه، في الدنيا ويظهر ذلك في الآخرة:{يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا}[الحديد:12،13].
أي إلى الدنيا، المؤمنون التمسوا نورهم في الدنيا بطاعة الله عز وجل، وبالسجود لله عز وجل، سيامهم في وجوههم من أثر السجود أي البهاء والنظرة والنور الذي في وجوههم بسبب تواضعهم لربهم سبحانه وتعالى، وسجودهم لرب العالمين سبحانه وتعالى، السجود لله عز وجل من أسباب انشراح الصدور، إن كان في قلبك ضيق إن كان في صدرك ضييق إن كثرت عليك الهموم واشتدت عليك الهموم وكثرت عليك الآلام فضع جبهتك على الأرض مصليا ساجداً لرب العالمين سبحانه وتعالى، صل لله عز وجل ما كتب الله لك، واسجد لله عز وجل وادع الله عز وجل يشرح الله سبحانه وتعالى صدرك ويذهب ما في قلبك من الضيق والحرج والألم والشدة،{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)}[الحجر:97،99]
هكذا يقول ربنا سبحانه وتعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام، حين ضاق صدره مما يقوله الكافرون وبما يقوله المشركون تارة يقولون ساحر وتارة يقولون كاهن وتارة يقولون ماجاء به الأساطير الأولين، إلى غير ذلك من الأكاذيب والافتراءات ضاق رسول الله عليه الصلاة والسلام فأمره ربه عز وجل أن يسجد له حتى يذهب الله عز وجل ما في صدره من الضيق،{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)}
من سجد لله عز وجل رفعه الله درجه وحط عنه خطيئة، جاء في مسلم من حديث ثوبان رضي الله عنه أنه سأل النبي عليه الصلاة والسلام فقال أخبرني بعمل يدخلني الله الجنة أو بعمل يحبه الله عز وجل، فقال النبي عليه الصلاة والسلام:"عَلَيْكَ بكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ، فإنَّكَ لا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً، إلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ بهَا دَرَجَةً، وحَطَّ عَنْكَ بهَا خَطِيئَةً.
كثرة الصلاة والسجود لله عز وجل من أسباب مرافقة رسول الله عليه الصلاة والسلام في الجنان، روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال:"كُنْتُ أبِيتُ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فأتَيْتُهُ بوَضُوئِهِ وحَاجَتِهِ فَقالَ لِي: سَلْ فَقُلتُ: أسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ في الجَنَّةِ. قالَ: أوْ غيرَ ذلكَ قُلتُ: هو ذَاكَ. قالَ: فأعِنِّي علَى نَفْسِكَ بكَثْرَةِ السُّجُودِ.
يا عباد الله عبادة السجود عبادة عظيمة وقربة عظيمة يتقرب بها العبد لرب العالمين سبحانه وتعالى، هي دليل التواضع والذل لرب العالمين ، وهي دليل أن العبد ليس في قلبه كبر على ربه عز وجل، فكم لهذه العبادة من الفضائل والمكرومات، وكم فيها من من المزايا، وكم فيها من الأجور العظيمة، فاحرصوا على هذه العبادة، احرصوا عليها في صلواتكم وليس المعنى أن الإنسان يكثر من السجود من غير صلاة، وإنما المراد من ذلك أن يكثر من الصلاة فيؤدي الفرائض التي الله عز وجل عليه ويسجد فيها لرب العالمين، ويتنفل بالنوافل ويسجد فيها لرب العالمين سبحانه وتعالى، حافظوا على فرائض الله عز وجل، حافظوا على الصلوات المكتوبات في بيوت الله عز وجل حيث أمر بها ربنا سبحانه وتعالى أن تقوم في بيوت الله{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36)رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ}[النور:36،37].
وإنما بنيت هذه المساجد من أجل الصلوات، فحافظوا على الصلوات في بيوت الله عز وجل كما أمر الله بذلك وكما أمر بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر ذنوبنا أجمعين، وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها، ربنا إننا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم اجعلنا لك ساجدين عابدين، اللهم اجعلنا لك ساجدين عابدين، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم اغفر لموتى المسلمين أجمعين وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.


جميع الحقوق محفوظة لـ الموقع الرسمي للشيخ أبي بكر الحمادي