الدلالات والبينات على أن الزلازل والفيضانات قد تكون عقوبات أو رحمات ٧ ربيع الأول ١٤٤٥ه 2023-10-15 13:00:46
خطبة جمعة بعنوان (الدلالات والبينات على أن الزلازل و الفيضانات قد تكون عقوبات أو رحمات)
لشيخنا المبارك أبي بكر الحمادي حفظه الله ورعاه
سجلت بتاريخ ٧ ربيع الأول ١٤٤٥ه
مسجد آل عمران القاهرة جمهورية مصر العربية حفظها الله وسائر بلاد المسلمين
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد:فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
يقول سبحانه وتعالى كتابه الكريم:{أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99)}[الأعراف:97،99].
فأخبرنا ربنا - سبحانه وتعالى - في هذه الآية المباركة أنه لا يأمن مكر الله - عز وجل - إلا من كان من الخاسرين، والمؤمن في وجل وفي خوف من مكر الله - عز وجل - بسبب ذنوبه ومعاصيه، فلا يأمن من عقوبة الله - عز وجل - لا في ليله ولا في نهاره.
أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا: أي في الليل، وهم نائمون، أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحىً وهم يلعبون، أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، فلا تأمن يا عبد الله مكر ربك سبحانه وتعالى، وتب إلى الله - عز وجل - في ليلك وفي نهارك.
ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45)}[النحل:45].
يقول سبحانه وتعالى :{فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)}[العنكبوت:40].
فهنالك من الأمم من أخذته الصيحة، وهنالك من الأمم من جاءته الريح الشديدة فأهلكته، وهنالك من الأمم من خسف الله سبحانه وتعالى بهم الأرض، وهنالك من الأمم من أغرقهم رب العالمين سبحانه وتعالى، كل ذلك بسبب ذنوبهم، وربنا سبحانه وتعالى لا يظلم العباد لا يظلم أحدا، فلا يأمن العبد من مكر الله عز وجل، وهذه الأمور التي نسمعها من وقت لآخر من الزلازل ومن الفيضانات ومن الأعاصير ومن غير ذلك كل ذلك من تخويف الله عز وجل للعباد لعلهم يرجعون إليه سبحانه وتعالى، لعلهم يتوبون إلى ربهم سبحانه وتعالى، الآيات التي يرسلها رب العالمين سبحانه وتعالى هي من هذا القبيل،{وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59)}[الإسراء:59].
هكذا يقول ربنا سبحانه وتعالى، فيخوف الله - سبحانه وتعالى - عباده بأنواع الآيات من الزلازل ومن الفيضانات ومن الأعاصير ومن غير ذلك من أنواع الآيات، ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا، فقلة من الناس من يتعظ بمثل هذه المواعظ وبمثل هذه الآيات ، ومن ينزجر بزواجر رب العالمين سبحانه وتعالى وأكثر الخلق في غفلة إلا من رحم الله، وهنالك من يضيف هذه الأمور إلى الطبيعة ويقول : حوادث طبيعية، الطبيعة لا تتصرف بنفسها المتصرف بالكون هو رب العالمين سبحانه وتعالى، المتصرف في الليل النهار وفي حوادث الزمان هو رب العالمين سبحانه وتعالى، في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، عن الله عز وجل أنه قال:"يُؤْذِينِي ابنُ آدَمَ؛ يَسُبُّ الدَّهْرَ، وأنا الدَّهْرُ، بيَدِي الأمْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ والنَّهارَ.
الذي يقلب الدهر الذي يقلب الليل والنهار والذي يُصرف الأمور هو رب العالمين سبحانه وتعالى، فهذه الأمور يصرفها رب العالمين سبحانه وتعالى ولا تصرفها الطبيعة، فلا يجوز أن تنسب مثل هذه الأمور إلى الطبيعة، ويقال حوادث طبيعية بل هي آيات من رب العالمين سبحانه وتعالى، يخوف الله سبحانه وتعالى بها العباد، والمتصرف بالكون هو الله وحده لا شريك له وليست الطبيعة، فهذه آيات من رب العالمين سبحانه وتعالى، يخوف الله سبحانه وتعالى بها العباد، والواجب على العبد أن يتوب إلى ربه سبحانه وتعالى، فإن هذه الآيات وإن حصل فيها ما حصل من الشدة وإن حصل ما حصل من البلاء، وإن حصل فيها ما حصل من المحنة، وإن حصل ما حصل فيها من الآلام والشدائد، وإن حصل ما حصل فيها من الأوجاع والأمراض، وإن حصل ما حصل فيها من الموت والهلاك، فلله عز وجل في ذلك الحكمة البالغة، هذه الآيات العظام رحمة من رب العالمين سبحانه وتعالى بالمؤمنين، وانتقام منه سبحانه وتعالى بالكافرين والمنافقين، فمن كان من أهل الكفر والنفاق فهو غضب من رب العالمين سبحانه وتعالى، وعقوبة وانتقام من الله عز وجل لهؤلاء الكفرة الذين ما عبدوا ربهم سبحانه وتعالى، وما وحدوه، وما استقاموا على دينه، وإن حصل ذلك بالمؤمنين فإن ذلك من رحمة الله عز وجل بالمؤمنين، وقد يقل قائل: هذه شدائد ومحن فمن أين تأتي الرحمة من هذه الشدائد والمحن؟ والجواب على ذلك : أن الله سبحانه وتعالى له في ذلك الحكمة البالغة هي من هذا القبيل من قبيل الرحمة بالمؤمنين، فإن الله سبحانه وتعالى ينزل هذه الشدائد والمحن بالمؤمنين بسبب ذنوبهم ومعاصيهم، {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ (30)}[الشورى:30].
وربما العبد لا يتوب إلى الله- عز وجل - من ذنوبه ومعاصيه، وتكثر عليه السيئات، وتكثر عليه الذنوب والمعاصي ولا يتوب إلى ربه سبحانه وتعالى منها، إن فعل ذلك كان من الهالكين، وناله من عذاب الآخرة أشد وأشد، فرحم الله سبحانه وتعالى أولئك العباد المصائب والشدائد حتى يكفر عنهم من سيئاتهم، فإذا انتقلوا إلى الدار الآخرة انتقلوا وقد حطوا ذنوبهم في الدنيا، وكفر الله عنهم تلك السيئات في الدنيا، فانتقلوا إلى الآخرة وقد هذبوا ونقوا، وعذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا، فمن هذا القبيل كان ذلك رحمة من الله سبحانه وتعالى، فإن فيها كما عرفنا تكفير السيئات، جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :"ما يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِن نَصَبٍ ولَا وصَبٍ، ولَا هَمٍّ ولَا حُزْنٍ ولَا أذًى ولَا غَمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بهَا مِن خَطَايَاهُ.
المصائب النازلة على المؤمنين فيها هذه الرحمة يكفر الله سبحانه وتعالى بها الذنوب والخطايا، وتحط الذنوب والخطايا حتى يمشي على الأرض ما عليه خطيئة، كما جاء في حديث سعد بن أبي وقاص، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:"فما يبرحُ البلاءُ بالعبدِ حتَّى يترُكَهُ يمشي على الأرضِ ما عليْهِ خطيئةٌ.
وكل هذا من رحمة الله عز وجل،{وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)}[البقرة:155،157].
فإذا ما صبر العبد على المصائب والشدائد فله هذه المكرمات التي هي من رحمة الله عز وجل، له الصلوات من رب العالمين فينال القرب من ربه سبحانه وتعالى، وله الرحمة فينجو من عذاب الله، وله الهداية فلا يضل لا في الدنيا ولا في الآخرة، أولئك عليهم صلوات من ربهم، فبالصلوات ينال القرب من الله عز وجل ورحمة، وبالرحمة ينجو من عذاب الله عز وجل، وأولئك هم المهتدون ينجو من الغواية ومن الضلال في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ويكون ممن أنعم الله عليهم، {فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا (69)}[النساء:69].
قال الله:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)}[الفاتحة:6،7].
فهذه رحمة من الله - عز وجل - ينالها المؤمن من هذه الشدائد والمحن، ومن هذه الآلام والمصائب النازلة من الزنازل والفيضانات ومن الأعاصير ومن غير ذلك من أنواع الابتلاءات، وهكذا من رحمة الله - عز وجل - بالعباد في هذه المصائب أن هذه الآيات تدعوهم إلى الرجوع إليه سبحانه وتعالى، فإن العبد إذا كان في نعمة مستمرة ربما طغى وبغى:{كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ (7)}[العلق:6،7].
فإذا كان في سعة من العيش وفي رخاء وفي نعمة من غير شدة وبلاء ربما طغى على ربه سبحانه وتعالى فعصاه، وتكبر وتمرد عن ربه سبحانه وتعالى، وسارع في السيئات وتباطأ عن الحسنات، فهذه الشدائد والمحن كالسياط التي يضرب بها الفار، فإذا فر العبد من ربه سبحانه وتعالى أرجعه الله عز وجل بسياط الشدائد والمهن، بسياط الابتلاءات والفتن يرجعه إليه سبحانه وتعالى حتى يعود إليه، ولا يفر فإن العبد إذا فر من ربه سبحانه وتعالى من طاعته إلى معصيته فإنما يفر إلى الهلاك، ويفر إلى الدمار فيخسر الدنيا والآخرة، فيرجعه ربه سبحانه وتعالى إلى الصراط المستقيم، ويرجع رب العالمين سبحانه وتعالى إلى الخير بسياط الشدائد والمحن والابتلاءات والفتن، قال ربنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم :{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)}[الروم:41].
هذه هي حكمة الله عز وجل، وهذه رحمته، قال : لعلهم يرجعون أي من بغيهم ومن ظلمهم ومن فسادهم ومن معاصيهم، فيرجعون إلى ربهم سبحانه وتعالى،{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)}
وقال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم :{وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168)}[الأعراف:168].
قال الله:{وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)}[السجدة:21].
وقال سبحانه :{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَىٰ وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27)}[الأحقاف:27].
فهذا مراد الله عز وجل أن نرجع إليه، ينزل الله سبحانه وتعالى الشدائد والمحن فتأتي الزلازل، وتأتي الفيضانات، وتأتي الأعاصير، وتأتي الابتلاءات، ويريد الله سبحانه وتعالى أن يرحم عباده المؤمنين، فيرحم المعرضين، ويرحم المذنبين حتى يتوبوا إليه ويرجعوا إليه وهذا من كان حيا منهم، من نزل البلاء وهو حي ولم يهلك مع الهالكين فهذه من حكمة الله عز وجل به إذا أصاب الهلاك في أهله أو ولده، أو في أقربائه، أو في ماله، او غيره ذلك من أموره ولم يهلك مع الهالكين فمن رحمة الله سبحانه وتعالى به أنه أراد أن يرجعه إليه، أن يرجع إليه بالتوبة والإنابة والاستغفار، ويقبل بقلبه وهو وإن خسر شيئا من الدنيا فإن الآخرة تبقى له إن تاب إلى الله عز وجل، وانتفع بهذه الفتن والشدائد والمحن غاية ما يكون أن شيئا من الدنيا فاته وذهب وعاد إلى ربه فكانت له الآخرة، وللآخرة خير لك من الأولى، والدنيا تعوض، والعبد في الدنيا تتقلب به الأمور ما بين غنى وفقر، وما بين صحة ومرض، وما بين عافية وابتلاء، وهذه حكمة الله عز وجل، والدنيا دار الابتلاء والامتحان، ودار الفتن، والعبد لا بد أن يبتلى ولابد أن يمتحن{الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)}[العنكبوت:1،3].
فهذه بعض رحمات رب العالمين سبحانه وتعالى بالمصائب والشدائد والمحن التي ينزلها على عباده.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا وأن يهدنا إلى الصراط المستقيم، وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
معاشر المسلمين : إن هذه الشدائد والمحن كما قلنا هي من رحمة الله عز وجل بالمؤمنين، يكفر الله سبحانه وتعالى بها السيئات، ويرجع الله سبحانه وتعالى من فر من طاعته إلى معصيته حتى يرجع من المعصية إلى الطاعة، فيرجع إلى ربه سبحانه وتعالى، وينتفع بهذه الآيات من كان مؤمنا من كان حي القلب، وأما من كان ميت القلب فإنه لا ينتفع بذلك كما قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم :{وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76)}[المؤمنون:76].
فهنالك من أخذه الله عز وجل بأنواع العقوبات والشدائد والمحن ما رجع إلى ربه سبحانه وتعالى، وما تضرع إليه، وما ذل وما خضع، وما استكان إلى ربه سبحانه وتعالى،{فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43)}[الأنعام:43].
فهنالك من قست قلوبهم فإذا ابتلاهم الله عز وجل بالشدائد والمحن حتى يتوبوا إليه ويرجعوا إليه ويتضرعوا ويستكينوا ويذلوا لرب العالمين سبحانه وتعالى إذا بهم لا ينتفعون بذلك، ولا ينزجرون، ولا يتوبون إلى الله سبحانه وتعالى بسبب قسوة القلوب، وبسبب موت القلوب والعياذ بالله، فمن كان حيا القلب مجرد ما تأتيه المصيبة يقول بسبب ذنبي، بسبب معصيتي وذنبي فيفزع إلى ربه سبحانه وتعالى، قال سبحانه وتعالى عن أبينا آدم وأمنا حواء حين أصابتهم تلك المصيبة التي قدرها الله سبحانه وتعالى عليهما:{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)}[الأعراف:23].
علما أن ذلك بسبب الذنوب، وبسبب ما حصل منهما من ذلك الذنب من أكل الشجرة، فتابا إلى الله عز وجل، واستكانا إلى رب العالمين سبحانه وتعالى.
وهكذا قال ربنا سبحانه وتعالى حين قص لنا قصة ذي النون يونس عليه الصلاة والسلام حين ابتلاه الله سبحانه وتعالى بالغرق، وابتلاه الله سبحانه وتعالى بذلك الحوت الذي التقمه :{فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)}[الأنبياء:87،88].
وعد من الله سبحانه وتعالى للمؤمنين أنهم إن أصابتهم الشدة والمحنة فاعترفوا بذنوبهم وأقروا بها واستغفروا ربهم سبحانه وتعالى نجاهم من الشدائد والكربات ومن المحن والآلام،{وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)}
فهذا هو الواجب على المؤمن أن يعرف وأن يعلم أن المصائب النازلة به من جهة ذنوبه ومعاصيه فيرجع إلى ربه سبحانه وتعالى، ويتوب إلى الله عز وجل.
إن الزلازل والفيضانات والأعاصير والمحن كما قلنا من رحمة الله عز وجل بالمؤمنين، يكفر الله عز وجل بها السيئات، ويرفع الله عز وجل بها الدرجات، وينال العبد بصبره الصلوات والهداية والرحمة من رب العالمين سبحانه وتعالى، وهكذا يرجع من كان مذنبا وبعيدا عن الله عز وجل يرجع إلى ربه سبحانه وتعالى وهذا خير له، ومن مات في هذه الزلازل والفيضانات والأعاصير وغير ذلك من الابتلاءات وهو من المؤمنين فهو مرحوم برحمة الله عز وجل، فإن هذه الشدائد فيها تكفير للسيئات، وتكفير للذنوب، وهذه من رحمة الله عز وجل، وكون العبد ينتقل إلى ربه سبحانه وتعالى وقد كفر الله عنه السيئات أو جملة من السيئات هذا خير له من أن تطول به الحياة وتكثر عليه الذنوب والسيئات، والعبد لابد أن يموت ولا مفر من الموت، سوف تموت اليوم أو غدا أو بعد غد، الموت لا مفر منه، كل نفس ذائقة الموت لا مفر من ذلك، فكون الله سبحانه وتعالى يكفر عنك سيئاتك بالشدائد والمحن فتموت وقد كفر الله عنك السيئات فهذا من رحمة الله عز وجل، وإن بقيت فكم تبقي والنهاية هي الموت، قرب الزمن أم بعد، فهذه من رحمة الله عز وجل بالمؤمنين إن ماتوا في هذه الشدائد والمحن.
وهكذا من رحمة الله عز وجل لمن مات منهم أن من مات بالغرق أو مات بالحرق أو مات بالهدم فإنه من جملة الشهداء، وهذه مكرمة من رب العالمين سبحانه وتعالى للمؤمنين الذين ماتوا في هذه الأمور وانتقلوا إلى ربهم سبحانه وتعالى، جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"الشُّهداءُ خمسةٌ : المطعونُ والمبطونُ والغرِقُ وصاحبُ الهدمِ والشَّهيدُ في سبيلِ اللهِ.
الشهداء خمسة : المطعون الذي مات بالطاعون، والمبطون الذي مات بداء بطنه كالإسهال وغيره، قال والغريق الذي مات غرقا، وصاحب الهدم الذي انهدم عليه البناء فمات أو انهدم عليه البئر وغير ذلك فمات بسبب الهدم، هؤلاء من الشهداء، وهكذا من قتل في سبيل الله فهو من الشهداء.
وفي بعض الأحاديث ذكر نعم الحريق من مات بالحريق أنه من الشهداء، وهكذا المرأة إذا ماتت جمعا أي ولدها في أثناء حملها فإنها من الشهداء، وهكذا من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، فالشهداء كثر بينهم النبي عليه الصلاة والسلام، وفي مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لأصحابه:" ما تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ؟ قالوا: يا رَسولَ اللهِ، مَن قُتِلَ في سَبيلِ اللهِ فَهو شَهِيدٌ، قالَ: إنَّ شُهَداءَ أُمَّتي إذنْ لَقَلِيلٌ، قالوا: فمَن هُمْ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: مَن قُتِلَ في سَبيلِ اللهِ فَهو شَهِيدٌ، ومَن ماتَ في سَبيلِ اللهِ فَهو شَهِيدٌ، ومَن ماتَ في الطَّاعُونِ فَهو شَهِيدٌ، ومَن ماتَ في البَطْنِ فَهو شَهِيدٌ. قالَ ابنُ مِقْسَمٍ: أشْهَدُ علَى أبِيكَ في هذا الحَديثِ أنَّه قالَ: والْغَرِيقُ شَهِيدٌ. وفي روايةٍ: قالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مِقْسَمٍ: أشْهَدُ علَى أخِيكَ أنَّه زادَ في هذا الحَديثِ: ومَن غَرِقَ فَهو شَهِيدٌ.
فكل هؤلاء من الشهداء، سواء قتل في سبيل الله، أو مات من غير قتل، أو مات بالطاعون، أو مات بالغرق هؤلاء من الشهداء، فهذه من رحمة الله عز وجل بمن مات منهم.
فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يرحم أموات المسلمين في كل مكان، وأن يغفر لهم ذنوبهم، وأن يرفع من درجاتهم، وأن يرحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها،دقها وجلها، وأولها وآخرها، وعلانيتها وسرها، اللهم اهدنا إلى الصراط المستقيم واجعلنا هداة المهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، ربنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم يسر على المعسرين، واقضي الدين عن المدينين، وعاف مبتلى المسلمين، واشف مرضاهم، وارحم موتاهم، إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.
*فرغها: أبو عبدالله زياد المليكي*