الرئيسية / الخطب والمحاضرات/ الخطب /فتح الرب الودود في بيان أن الشيطان يلقي أتباعه في بحار الأماني والوعود ١٤ ربيع الأول ١٤٤٥هـ
فتح الرب الودود في بيان أن الشيطان يلقي أتباعه في بحار الأماني والوعود ١٤ ربيع الأول ١٤٤٥هـ 2023-10-15 13:07:09


خطبة جمعة بعنوان (فتح الرب الودود في بيان أن الشيطان يلقي أتباعه في بحار الأماني والوعود)


لشيخنا المبارك أبي بكر الحمادي حفظه الله ورعاه


سجلت بتاريخ ١٤ربيع الأول ١٤٤٥ه‍

مسجد المغيرة بن شعبة/مدينة القاعدة محافظة إب حفظها الله وسائر بلاد المسلمين


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم.


 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].


{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].


 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]


أما بعد:فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.


يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَّرِيدًا (117) لَّعَنَهُ اللَّهُ ۘ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120)}[النساء:117،120].

حذر ربنا سبحانه وتعالى في هذه الآيات المباركات من الشيطان، من وعده وأمانيه الكاذبة، وبين سبحانه وتعالى في أوائل هذه الآيات أن الذين يدعون غير الله عز وجل إنما يدعون الشيطان، ويدعون الإناث قيل المراد بذلك الأوثان، وصفها الله عز وجل بذلك لأن أسماءها مؤنثةفالعزى ومناة مؤنثة وإن يدعون من دونه إلا إناثا، وإن يدعون إلا شيطانا مريدا، وذلك لأن الشيطان هو الذي زين لهم ذلك، وهو الذي أمرهم بعبادة غير الله عز وجل، فهو الذي زين لهم الباطل وهو الذي زين لهم الشرك، فمن عبد غير الله عز وجل فإنما في الحقيقة يعبد الشيطان، وإن عبد حجراً أو شجرا أو عبد إنسانا أو شمسا أو قمرا أو غير ذلك فهو في الحقيقة يعبد الشيطان، وهكذا من عصا الرحمن سبحانه وتعالى هو في الحقيقة مطيع للشيطان وعابد للشيطان، كما قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا ۖ أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)}[يس:60،62].

فعهد الله سبحانه وتعالى إلينا أن لا نعبد الشيطان ومعلوم أن الناس لا يسجدون للشيطان ولا يدعون الشيطان من دون الله عز وجل، ولا يتجهون إليه بأنواع القرب وإنما يعصون الرحمن سبحانه وتعالى في كثير من الأمور، وهم إن الرحمن قل عبدوا الشيطان وأطاعوا الشيطان في معصيتهم للرحمن سبحانه وتعالى، وهذه عبادة الشيطان.{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا ۖ } أي خلق كثير{

أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَٰذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (63)}[يس:60،63].

من لم يعقل عن ربه سبحانه وتعالى فسوف يعقل في نار جهنم والعياذ بالله، هذه جهنم التي كنتم توعدون، {إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَّرِيدًا (117)لَّعَنَهُ اللَّهُ ۘ}طرده الله سبحانه وتعالى من رحمته{وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا (118)}

أي نصيبا مقدرا، وهذا النصيب من كل ألف وتسعمائة وتسعة وتسعين، ولا ينجو من الألف إلا الواحد، فهذا هو نصيب الشيطان والعياذ بالله من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، وينجو الواحد من عباد الله المخلصين، فنصيب الشيطان بهذا المقدار، كما جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أن الله سبحانه وتعالى يقول لآدم يوم القيامة: أخرج بعث النار، فيقول آدم عليه الصلاة والسلام لربه عز وجل وما بعث النار ؟ فقال له : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، من كل ألف هذا المقدار، فهؤلاء هم أهل النار وهم نصيب الشيطان المفروض والمقدر والناجي واحد من هذا المقدار الهائلة، وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا يخاطب ربه سبحانه وتعالى بهذا الخطاب قبل أن يرى ذرية آدم وإنما شاهد آدم ولم يرى الذرية :{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)} فظنا ظناً ولم يكن عالماً للغيب، علم الغيب يختص الله به{قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)}[النمل:65].

وإنما ظن ظناً أنه سوف يتمكن من إغواء ذرية آدم:{لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62)} 

فكان مجرد ظن، قال سبحانه وتعالى :{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ (20)}[سبإ:20].


فصدق في ظنه وإن كان من الكاذبين، صدق في ظنه فاتبع إبليس أكثر الخلق ولم ينجو إلا من كان مخلصاً ومخلصا لرب العالمين سبحانه وتعالى، فبعزتك لأغوينهم أجمعين، إلا عبادك منهم المخلصين، فهذا هو نصيب الشيطان بني الإنسان {وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}[النساء:118،119].

هكذا يخاطب الشيطان رب العالمين سبحانه وتعالى بهذا الخطاب وأنه سوف يكيد ببني آدم هذا الكيد منذ ذلك الزمن القديم، ولأضلنهم أي عن الصراط المستقيم، سوف يسعى في انحراف الناس عن صراط الله عز وجل،{لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)}[الأعراف:16،17]

هكذا توعد ذرية آدم أنه سوف يقعد عليهم في كل صراط مستقيم وهو الطريق الموصل إلى الله عز وجل، الطريق الموصل إلى الجنة، وأنه سوف يأتيهم من جميع الجهات، من جهة الحسنات، ومن جهة السيئات، فيثبطهم عن الحسنات، ويهجيهم إلى السيئات، ومن جهة الدنيا يرغبهم في الدنيا ومن جهة الآخرة يزهدهم عن الآخرة يأتيهم من جميع الجهات،{ لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)}[الحجر:39،40].

كيد عظيم وسعي عظيم من الشيطان ومن أعوانه في إغواء ذرية آدم عليه الصلاة والسلام، والذي دفعه إلى ذلك الحسد، حسد آدم حيث أكرمه الله عز وجل بأن خلقه بيده وأسجد له ملائكته، وشرفه وكرمه، فدعاه الحسد إلى هذه المكيدة العظيمة لأدم ولذريته، {وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا (118)وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ} يجمع لهم بين الأمرين بين الإضلال وبين الأماني، يصدهم عن الصراط المستقيم ويمنيهم بالباطل، فيمنيهم أنهم هم المفلحون، وأن الذي هم فيه هو الحق، وأنهم على خير وهداية، وأن ما هم فيه من الكفر والشرك أفضل مما عليه المسلمون من الإيمان والتوحيد برب العالمين سبحانه وتعالى، يمنيهم الأماني الباطلة والأماني الكاذبة، فجمع لهم بين الضلال وبين تزينه،{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)}[الكهف:103،104].

هؤلاء هم الأخسرون الذين وقعوا في شباك الشيطان وفي مكره وكيده حيث أضلهم الشيطان عن الصراط المستقيم، وزين لهم الباطل، ودعاهم إلى الأماني الكاذبة إلى الأماني الباطلة، نصيب الشيطان يسبحون في بحار الأماني، يسبحون في بحار الأماني ولا يخرجون منها إلا إذا صاروا من أهل القبور، فيتيقنون حقيقة، وأما في الدنيا فهم في بحار الأماني، فالأماني الباطلة من الشيطان، يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا، فالأماني الباطلة من الشيطان وهي أنواع كثيرة، وأنواع مختلفة، هنالك من الناس من هو بعيد عن دين الله عز وجل، قد يكون يهودياً أو نصرانيا أو مجوسيا وهو في بحار الأماني، أغرقه الشيطان في بحر الأماني، فيظن أنه من الناجين وأنه من المفلحين وأنه من السعداء، يمنيهم الشيطان بالأماني الكاذبة كما قال سبحانه وتعالى عن اليهود والنصارى :{وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)}[البقرة:111،112].

فهؤلاء اصطادهم الشيطان وأوقعهم في بحار الأماني والعياذ بالله، فظنوا أنهم أهل الجنة، وأنه لن يدخل الجنة إلا من كان منهم، فاليهود يقولون لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا، والنصارى يقولون لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا، فقال لهم ربهم سبحانه وتعالى : قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، فإن الدعاوى المجردة لا تقبل ممن يدعيها من غير حجة ولا برهان، ثم قطع الله سبحانه وتعالى في هذه المسألة فقال : بلى من أسلم وجهه لله ومحسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الثناء لمن وحد الله عز وجل وأخلص بالعبادة لرب العالمين سبحانه وتعالى، وهو محسن أي اتبع رسول الله عليه الصلاة والسلام، ليبلوكم أيكم أحسن عملا، أصوبه وأحسنه، فما كان على توحيد الله عز وجل فهو الصواب، وما كان على سنة النبي عليه الصلاة والسلام فهو الحسن، فمن أسلم وجهه لله عز وجل واتبع رسول الله عليه الصلاة والسلام ظاهراً وباطناً فهذا هو السعيد، وهذا من أهل الجنة، وما سوى ذلك فإنما هي أماني من جهة الشيطان والعياذ بالله.

وهنالك من أهل الإسلام من انغمس في أماني الشيطان والعياذ بالله، فمن أماني الشيطان أمنية الباطل بعض الناس ينظر إلى الكفار وما هم به من الحضارة، وما هم فيه من الأموال، وما هم فيه من الملك، وما هم فيه من الدنيا الزائلة الفانية تمنى ما عند أولئك ولا ينظر إلى ما هم فيه من الكفر وما هم فيه من الضلال، ولا ينظر إلى أن مصيرهم إلى النار والعياذ بالله، وأن الدنيا حقيرة لا تزن عند الله عز وجل جناح بعوضة، وأن أولئك القوم أعطاهم الله عز وجل من الدنيا زيادة في عذابهم وفي إضلالهم.{فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)}[التوبة:55].

هم معذبون بأموالهم، معذبون بما عندهم من الملك العظيم في هم وغم ونكد وألم كما أخبرنا بذلك رب العالمين سبحانه وتعالى، السعيد من آمن بالله، من آمن بالله له الحياة الطيبة في الدنيا وفي الآخرة، {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)}

فالمؤمن الذي عمل صالحاً له الحياة الطيبة في الدنيا وفي الآخرة، وأولئك القوم في ظنك وفي ألم وفي هم وحزن كلما كثرت أموالهم كلما ازداد غمهم وهمهم لا يتمتعون بما لديهم من المال، يجمعون ويمنعون لا ينتفعون به ويتركونه لمن جاء بعدهم، ومن جاء بعدهم يسير بسيرهم حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فهناك من الناس من ينظر إلى أولئك القوم بهذه النظرة الدنيوية كما قال سبحانه وتعالى عن قارون وعن ضعفاء الإيمان قال { فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82)}[القصص:79،82].

فهؤلاء تمنوا ما عند قارون من المال ولم ينظروا إلى كفره وإلى شركه، ولم يعلموا أن هذه الدنيا يعطيها الله سبحانه وتعالى من يحب ومن يبغض، وهي في حق من يبغض أكثر كما قال سبحانه وتعالى:{وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33)وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا ۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35)}[الزخرف:33،35].

فلولا أن يجتمع الناس على الكفر ويصيروا ملة واحد على الكفر لوسع الله سبحانه وتعالى على الكافرين في الدنيا أعظم مما هم فيه، ولجعل لهم السرر من الفضة ومن الذهب، وجعل لهم السلاليم من الفضة من الذهب، ولجعل لهم السقف من الفضة ومن الذهب، لكن الله سبحانه وتعالى لم يفعل ذلك حتى لا يكون ذلك فتنة للمسلمين وربما اجتمع الناس وصاروا أمة واحدة على الكفر لحب الدنيا في أنفس أكثر الناس إلا من رحم الله عز وجل، فلا تتمنى ما عند الكافرين من الدنيا، واستقم على دين الله عز وجل، وللآخرة خير لك من الأولى، فهذه من أماني الشيطان الباطلة والعياذ بالله، يعدهم ويمنيهم وما يعده الشيطان إلا غرورا.


أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم. 


الخطبة الثانية:


الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله

 وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد : قال الله سبحانه وتعالى عن الشيطان أنه قال:{وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ} أي ليقطعن آذان الأنعام والبتك بمعنى القطع، وهذا مما زين الشيطان على المشركين حيث أنهم قطعوا آذان أنعامهم في صفة معينة، وقالوا هذه بحيرة، وهذه سائبة، وهذه وسيلة، وهذه حام،{مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ ۙ}

فهؤلاء القوم زين لهم الشيطان هذه الأمور وحرموا تلك البهائم، حرموا ركوبها وحرم ألبانها، وحرموا لحومها، وافتروا على رب العالمين سبحانه وتعالى في ذلك، وكل هذا من أمر الشيطان:{وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} يدخل في ذلك دين الله عز وجل، ويدخل ذلك النفس والصورة الظاهرة، فخلق الله عز وجل يدخل في ذلك الفطرة التي فطر الله سبحانه وتعالى عليها الناس، كما قال الله عز وجل:{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ} أي لا تبدلوا فطرت الله سبحانه وتعالى، ففطرة الله عز وجل يدخل فيها الدين، فطرت الله التي فطر الناس عليها الإسلام وهي الحنيفية السمحة، وهي توحيد الله عز وجل وحده لا شريك له، ويدخل في ذلك تغيير الصورة الظاهرة كالوشم على الجسم، وهذا فلج الأسنان، وهكذا النمص إزالة شعر الحواجب أو بعض شعر الحواجب ،بعض شعر الحاجبين، وغير ذلك من تغيير خلق الله عز وجل، وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه "لعنَ الواشماتِ ، والمسْتَوْشِماتِ ، والنامِصاتِ ، و الْمُتَنَمِّصاتِ ، والْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ ، الْمُغَيِّراتِ خلْقَ الله.

فلعن رسول الله عليه الصلاة والسلام من غَيرَ خلق الله عز وجل، سواء كان في النمص أو كان بفلج الأسنان أو كان بالنمص وغير ذلك من الأمور التي فيها تغيير لخلق الله عز وجل، فكل ذلك مما يأمر به الشيطان تغيير الفطرة السليمة إلى أمور معكوسة منتكسة، وهكذا تغيير الصورة الظاهرة فهناك من الناس من انتكست فطرته وصار معاديا لدين الله عز وجل بعد أن كان من أهله من أهل الدين من أهل الإسلام، وهنالك من كان موحداً انتكست فطرته إلى الشرك، وهناك من كان متبعاً لرسول الله عليه الصلاة والسلام فانتكست فطرته إلى البدعة والضلالة، وهنالك من كان مسارعا في الخيرات وبعيداً عن المعاصي والسيئات فانتكست فطرته إلى المعصية والبعد عن الله عز وجل، وهنالك من انتكست فطرته الظاهرة كالذين يعبثون بشعورهم والبستهم وبأظفارهم يغيرون الفطرة التي فطر الله سبحانه وتعالى عليها الخليقة، خمس من الفطرة:" قص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة، وتقليم الأظافر، هذه من الفطرة، هناك من الناس من يربي شاربه ولا يقم بأخذه، ويربي أظفاره ويغير الفطرة التي فطر الله سبحانه وتعالى عليها الخلق، كل هذا مما يدعو إليه الشيطان، وكل هذا مما زينه الشيطان، وكل هذا من طاعة الشيطان والعياذ بالله،{وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا (119)}


قال :{أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)}[الكهف:50].


يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا. 

{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)}[إبراهيم:22].


أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين، وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها ، اللهم اجعلنا هداة مهدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وارحمنا برحمتك، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، ربنا إننا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين. 


*فرغها : أبو عبدالله زياد المليكي*



جميع الحقوق محفوظة لـ الموقع الرسمي للشيخ أبي بكر الحمادي