أخذ العظات والعبر من أحوال اليهود فيما مضى وغبر خطبة ١٢ ربيع الثاني ١٤٤٥ه 2023-10-30 08:59:15
خطبة جمعة بعنوان (أخذ العظات والعبر من أحوال اليهود فيما مضى وعبر)
لشيخنا المبارك أبي بكر الحمادي حفظه الله ورعاه
سجلت بتاريخ ١٢ ربيع الثاني ١٤٤٥ه
مسجد النور/الزرعان/مدينة القاعدة/محافظة إب حفظها الله وسائر بلاد المسلمين
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد:فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في شأن اليهود :{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (112)}[آل عمران:112].
فهم أهل المعصية والعدوان، وهم قتلة الأنبياء كما أخبرنا الله عز وجل في هذه الآية وفي غيرها من الآيات، فمن أجل هذا أذلهم الله عز وجل، وغضب الله سبحانه وتعالى عليهم ولعنهم، وجعل منهم عبدة للطاغوت والعياذ بالله، فضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا في أي مكان وفي أي زمان، فهم أهل الذلة والمهانة كما أخبرنا بذلك ربنا سبحانه وتعالى، {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ ۖ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (167)}[الأعراف:167].
وهذا إعلام من رب العالمين سبحانه وتعالى أنه سوف يرسل عليهم من يقوم بإسامتهم وإذاقتهم العذاب الشديد إلى يوم القيامة، فاليهود هم أهل مذلة، وأهل مسكنة، وإنما يتقوون بغيرهم من الكافرين، وإلا فهم أهل مذلة ومسكنة، وأهل خوف ورعب، قال سبحانه وتعالى :{لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ (13)لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ (14)}[الحشر:13،14].
في قلوبهم الخوف الشديد من أهل الإيمان، يخافون من أهل الإيمان أشد من خوفهم من رب العالمين سبحانه، وإذا قاتلوا المسلمين إنما يقاتلونهم من مكان بعيد، يتحصنون في قتالهم لما في قلوبهم من الرعب، ولما في قلوبهم من الخوف من أهل الإيمان، لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد، وهذا هو حال اليهود في زمن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإن نبينا عليه الصلاة والسلام حين قدم المدينة كان هنالك مجموعة من اليهود حول المدينة، بنو قينقاع، ويهود بن النظير، ويهود قريظة، فهؤلاء الثلاثة كانوا من المجاورين لرسول الله عليه الصلاة والسلام، فلما قدم النبي عليه الصلاة والسلام المدينة عاهدهم وكان بينه وبين أولئك اليهود العهود والمواثيق، عهود أمان وكان ذلك في وقت الضعف لدى المسلمين، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قدم المدينة ولم يتقوى الإسلام بعد، فهادنهم وجعل بينه وبينهم العهود والمواثيق من عهود الأمان لكن كما قال الله عز وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام:{وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ}[المائدة:13].
وبعد أن حصل ما حصل من قتال رسول الله عليه الصلاة والسلام ومن معه من المسلمين في يوم بدر وأعز الله سبحانه وتعالى الإسلام وأذل الله سبحانه وتعالى كفار قريش، وقد خرجوا في بطرهم وخرجوا متظاهرين بالقوة والعدة والعتاد فأذلهم الله سبحانه وتعالى وأخزاهم،{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47)}[الأنفال:47]
فخرجوا بطرا غير شاكرين لنعمة الله سبحانه وتعالى عليهم، وخرجوا مرأة الناس حتى ينظر إليهم العرب ويهابونهم فأنكسهم الله سبحانه وتعالى وأذلهم في يوم بدر، وأعز الله سبحانه وتعالى جنده، أعز الله عز وجل رسوله الكريم ومن معه من الصحابة أجمعين رضي الله عنهم، وبعد ما حصل ما حصل من تلك العزة للإسلام المسلمين إذا بيهود بني قينقاع يتظاهرون بالعداوة لرسول الله عليه الصلاة والسلام، وينقضون العهد ويغلي في صدورهم الحسد والبغضاء لما حصل من رسول الله عليه الصلاة والسلام مع قريش من الغلبة والانتصار فأظهروا العداوة، وأظهروا الحسد في قلوبهم، ونقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاهروا للنبي عليه الصلاة والسلام بكلام هو خلاف الواقع، كما جاء عن ابن عباس عند أبي داود وعند غيره أنهم خاطبوا النبي عليه الصلاة والسلام وقالوا إنما قاتلت أناس لا خبرة لهم بالقتال والحرب وبالسلاح فإن قاتلتنا علمت أنا نحن الناس، فاتجه النبي عليه الصلاة والسلام بمن معه من المؤمنين اتجه إليهم بجنود الإسلام فإذا بهم يتحصنون، قذف الله سبحانه وتعالى الرعب في قلوبهم فتحصنوا في حصونهم، ولم يحصل منهم ما زعموا من البأس والقتال والمعرفة بالسلاح وأنهم هم الناس، بل كانوا هم الجبناء فتحصنوا بحصونهم المنيعة فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خرجوا على حكمه، ثم خرجوا من ديارهم إلى أضلعات الشام، فغادروا مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم في ذلة ومهانة كما كتبها الله سبحانه وتعالى عليهم، وهذا حصل منهم بعد غزوة بدر، ولما حصلت غزوة أحد وحصل ما حصل فيها لرسول الله عليه الصلاة والسلام وللمؤمنين من البلاء العظيم إذا بيهود بني النظير ينقضون العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتمالؤوا على قتله حين دخل فيهم لأمر من الأمور، دخل فيهم وفي أرضهم، رسول الله عليه الصلاة والسلام وبعض من معه من الصحابة الكرام فتمالؤوا على الغدر به وعلى قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه الخبر بما أرادوا فرجع إلى مدينته سالماً عليه الصلاة والسلام، ثم جهز المسلمين وأعد العدة واجتمع جيوش الإسلام مع رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى بني النظير، فلم يحصل منهم كبير قتال بل تحصنوا في حصونهم المنيعة وحاصرهم رسول الله عليه الصلاة والسلام ومن معه من المؤمنين فأرادوا في أول الأمر أن يخرجوا وأن يصالحوا رسول الله علي والسلام فأبى عليهم المنافقون واعدوهم بالنصرة والتأييد وأن معهم كذا وكذا من الجند سوف يؤازرونهم فأبوا إلا البقاء وخانهم أولئك اليهود ولم يفعلوا لهم شيئا، هيجوهم على المسلمين ولم يقوموا بنصرهم، وأنزل الله سبحانه وتعالى فيهم تلك السورة العظيمة وهي سورة الحشر، وكان عبد الله ابن عباس رضي الله عنه ما يسميه بسورة بني النظير، فبعد ذلك نزلوا على حكم رسول الله عليه الصلاة والسلام وأجالهم رسول الله عليه الصلاة والسلام من المدينة، وغنم ما معهم من الأموال وما معهم من السلاح وكان ذلك فيئاً لرسول الله عليه الصلاة والسلام وللمسلمين، فخرجوا من ديارهم وخربوا مساكنهم كما أخبرنا ربنا سبحانه وتعالى :{يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2)وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3)ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۖ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4)}[الحشر:2،4].
فبين الله سبحانه وتعالى ما حصل لهم من الخزي، وما حصل من المذلة، وما حصل لهم من المهانة والإجلاء من ديارهم بين ربنا سبحانه وتعالى السبب في ذلك بأنهم شاقوا ربهم عز وجل وشاقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين أن من كان كذلك فهو متوعد بالعذاب الأليم، فحل بأولئك القوم ما حل من النكال والخزي، وما حل لهم من الدمار بسبب أنهم شاقوا الله وشاقوا رسوله عليه الصلاة والسلام، أي كانوا في شق وربهم ورسوله عليه الصلاة والسلام في شق آخر، فلم يكونوا مع الله ومع رسوله عليه الصلاة والسلام بل عادوا ربهم وعادوا رسول الله عليه الصلاة والسلام، وتكبروا عن دين الإسلام، وعن شرائعه وعن أحكامه مع أنهم يعرفون رسول الله عليه الصلاة والسلام حق المعرفة، يعرفونه كما يعرفون أبنائهم، وفي البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" لو آمن بي عشرة من اليهود لآمن بي اليهود. أي جميعا، وهم كبراء اليهود وعلماء اليهود الذين يعرفون رسول الله عليه الصلاة والسلام كما يعرفون أبنائهم، لكن في قلبهم الكبر وفي قلبهم الحسد فأذلهم لهم الله عز وجل لأنهم شاقوه وشاقوا رسوله، فحصل لهم ما حصل من البلاء والشدة فلا نكن كما كانوا فيصيبنا ما أصابهم.
إياكم معاشر المسلمين إن تشاقوا ربكم، أو تشاقوا رسول الله عليه الصلاة والسلام، تمسكوا بدين الله ظاهراً وباطنا، وتمسكوا بسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا تتكبروا على أوامر الله، ولا تتكبروا على أوامر رسول الله عليه الصلاة والسلام، إن جاءكم الأمر من رب العالمين أو من رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام تقولوا سمعنا وأطعنا، ولا تقولوا سمعنا وعصينا كما قالت اليهود فيصيبكم ما أصابهم من الذل والهوان، وإنما أصاب المسلمون ما أصابهم من تسلط الأعداء عليهم ومن البلاء والشدة والمحنة بسبب بعدهم عن دين ربهم عز وجل، وبسبب ذنوبهم ومعاصيهم،{وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ (30)}[الشورى:30].
قال الله:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)}[الروم:41].
قال الله :{وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129)}[الأنعام:129].
إن رجعنا إلى ديننا أعزنا الله عز وجل، وأعلانا ونصرنا وإن جندنا لهم الغالبون، ولينصرن الله من ينصره، فمن نصر دين الله عز وجل نصره رب العالمين سبحانه وتعالى، فأولئك اليهود أذلهم الله عز وجل على أيدي المؤمنين على يد رسول الله عليه الصلاة والسلام ومن معه من الصحابة الكرام، وحصل لهم ما حصل من الذلة والمهانة، وأخبر الله سبحانه وتعالى عن مكر المنافقين بهم وبالمؤمنين، وأنهم وعدوهم بالنصر والتأييد ولم يحصل من ذلك شيء كما قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في هذه السورة وبين ذلك وأوضح :{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11)لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ (12)لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ (13)لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ (14)كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ۖ ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15)}[الحشر:11،15].
ضرب الله لهم مثلا بكفار قريش الذين من قبلهم قريباً في يوم بدر كيف أن الشيطان زين لهم أن يقاتلوا رسول الله عليه الصلاة والسلام والمؤمنين، ووعدهم النصر ثم مكر بهم،{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) }[الأنفال:47،48].
تبرأ منهم وما ناصرهم، وهكذا المنافقون تبرأوا من اليهود حين حصلهم ما حصل من الشدة والبلاء ولم يقوموا بنصرهم فضرب الله عز وجل لهم مثلا بكفار قريش،{كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ۖ ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15)}[الحشر:15].
فما انتفعوا بأولئك الذين وعدوهم الباطل، وحصل لهم ما حصل من الذلة والمهانة، وبعد أن حصل ما حصل لرسول الله عليه الصلاة والسلام وللمسلمين في يوم الخندق وكفى الله سبحانه وتعالى المسلمين شر الكافرين الذين اجتمعوا من كل مكان على الإسلام والمسلمين إذا بيهود بني قريظة وهم الطائفة الثالثة من يهود المدينة يتمالئون مع أعداء الله، وينقضون العهد الذي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم، فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق توجه إليهم وحاصرهم حصارا شديداً حتى استسلموا فقتل مقاتليهم وسبا نسائهم وأموالهم وذرياتهم، وحصل لهم الذلة والمهانة في الدنيا، وهكذا لهم الذلة والمهانة في الآخرة فعلى كل بين لنا التاريخ ما حصل من اليهود من المكر والخداع والكيد بالإسلام والمسلمين، وجعل الله سبحانه وتعالى لهم المذلة، ولم يتمكنوا من قتال المسلمين وإنما تحصنوا بحصونهم المنيعة لكنها لم تكن منيعة من جيش الإسلام من رسول الله عليه الصلاة والسلام ومن معه من المؤمنين، فطهر الله سبحانه وتعالى مدينة رسول الله عليه الصلاة والسلام من أولئك اليهود الذين في قلوبهم ما فيه من الغل والحسد على أهل الإسلام والمسلمين، وكفى الله سبحانه وتعالى المسلمين شرهم، والله على كل شيء قدير، واستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، يقول سبحانه وتعالى في شأن بني قريظة وكيف أذلهم الله سبحانه وتعالى وأخزاهم حين تمالؤوا مع أعداء الله ضد المسلمين ونقضوا العهود والمواثيق، قال :{وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ} أي من حصونهم{ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26)وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27)}[الأحزاب:26،27].
ومن الأرض التي لم يطأها المسلمون أرض خيبر، وهي أيضا بلاد من بلدان اليهود، غير أنها كانت بعيدة عن مدينة رسول الله عليه الصلاة والسلام، فبعد أن حصل ما حصل في يوم الحديبية في تلك القصة المشهورة وذلك العهد الذي بين رسول الله عليه الصلاة والسلام وبين كفار قريش إذا برسول الله عليه الصلاة والسلام ينطلق ومن معه من المؤمنين إلى خيبر ففاجئهم في الصباح الباكر كما جاء في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان ينتظر الصباح فإن وجد آذاناً أمسك وإلا غار، فصبحهم في صباحهم وخرج اليهود ومعهم المساحي ومعهم الفؤوس ومعهم آلالات للحراثة، خرجوا صباحا إلى مزارعهم تفاجأوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معهم من المؤمنين، فنادوا بأعلى أصواتهم وفزعوا واتجهوا إلى حصونهم وهم يقولون : محمد والخميس، والخميس هو الجيش، أي قدم إلينا محمد عليه الصلاة والسلام بالجيش محمد والخميس، فتحصنوا في حصونهم، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : الله أكبر خربت خيبر، فكبر النبي عليه الصلاة والسلام وبشر بخراب خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين، أو كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام، فحاصرهم النبي عليه الصلاة والسلام ولم يكن منهم كبير قتال بل تحصنوا حصونهم ولم يتجرأوا على قتال المسلمين وجها لوجه كشأن إخوانهم من بني قينقاع ومن بني النظير ومن بني قريظة، جميع هؤلاء لم يتمكنوا ولم تكن في قلوبهم الشجاعة أن يواجهوا رسول الله صلى الله وسلم ومن معه من المسلمين، وإنما تحصنوا بحصونهم فحاصرهم النبي عليه الصلاة والسلام حتى نزلوا على حكم رسول الله عليه الصلاة والسلام، فأذلهم الله وأخزاهم فهذا هو تاريخ اليهود، تاريخ المذلة والهوان، لكن الله سبحانه وتعالى يذل أولئك القوم على أيدي المؤمنين الصادقين الذين تمسكوا بكتاب الله عز وجل، وتمسكوا بسنة رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، الذين يحبون الموت أكثر من محبة غيره من الحياة، الذين حكم الله عز وجل في ظواهرهم وباطنهم، لم يتبعوا أهواءهم، ولم يتبعوا الشهوات والملذات، لم يكن فيهم الخور والضعف وإنما هم أهل إيمان صادقين، وأهل تقوى لرب العالمين سبحانه وتعالى، فمن كان كذلك نصره الله سبحانه وتعالى وجعل أعدائه هم الأذلاء، وإن كنا على خلاف ذلك سلط الله علينا الأعداء، إن كنا بعيدين عن دين الله عز وجل سلط الله علينا الأعداء، وتكالب علينا الأعداء من كل مكان، كما جاء في حديث ثوبان رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام :"
يُوشِكُ الأممُ أن تداعَى عليكم كما تداعَى الأكَلةُ إلى قصعتِها . فقال قائلٌ : ومن قلَّةٍ نحن يومئذٍ ؟ قال : بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ ، ولكنَّكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيلِ ، ولينزِعنَّ اللهُ من صدورِ عدوِّكم المهابةَ منكم ، وليقذِفَنَّ اللهُ في قلوبِكم الوهْنَ . فقال قائلٌ : يا رسولَ اللهِ ! وما الوهْنُ ؟ قال : حُبُّ الدُّنيا وكراهيةُ الموتِ.
بهذا أصابنا الوهن وتسلط علينا الأعداء، ولكن مع ذلك فالأمل كبير بمجيء النصر من رب العالمين سبحانه وتعالى، ولابد أن يهين الله سبحانه وتعالى اليهود، لأن الله وعد بذلك:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۗ }[الأعراف:167].
وفي آخر الزمان جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي عليه الصلاة والسلام قال:"تقاتِلُكمْ يهودُ فتُسلَّطونَ عليهِم حتى يقولَ الحجرُ : يا مسلمُ هذا يهوديٌّ ورائي فاقتُلْه.
وجاء بنحوه في مسلم حديث أبي هريرة رضي الله عنه:" وأن الحجر والشجر ينادي بذلك إلا شجرة الغرقد فإنها من أشجار اليهود.
فلهم المذلة وإن حصل لهم شيء من البغي والعلو في وقت من الأوقات فلله في ذلك الحكمة البالغة، ومآلهم إلى المذلة والهوان، وإلى الذل وإلى القهر وإلى أن يكونوا مقهورين على أيدي المؤمنين، وعلى أيدي غيرهم كما هو حالهم فيما مضى، كما هو مذكور في تاريخ الإسلام، وفيما ذكرناه من تلك المواقع العظام بينهم وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام، وبين الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين، فهؤلاء اليهود وإن حصل ما حصل منهم من البغي كما هو موجود في هذه الأيام من البغي العظيم، ومن الظلم الكبير للضعفاء والمساكين للنساء والشيوخ والأولاد الصغار حصار ودمار من جهة اليهود على أهل فلسطين، حصار ودمار ليس في قلوبهم شيء من الرحمة، لا على كبير ولا على صغير لا على امرأة ولا على رجل، ولا على طفل، جمعوا لهم أنواع الشدة والبلاء من الحصار ومنع الطعام والغذاء والماء والدواء، ومن الرمي عليهم والقذف من أماكن بعيدة ،دمروا منازلهم وأحرقوا أجساد المسلمين ومآلهم بعد ذلك إلى الخزي والعار والله سبحانه وتعالى هو المنتقم، الله سبحانه وتعالى هو المنتقم لعباده المؤمنين، وهو المنتقم للضعفاء، {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43)}[إبراهيم:42].
فالله سبحانه وتعالى لا يغفل عن ظلم أولئك الكافرين، وعن ظلم أولئك المجرمين، وعن ظلم أولئك الباغيين على أهل الإسلام والمسلمين، مآلهم إلى ربهم سبحانه وتعالى، سيوف يجاز المؤمنين الجزاء الحسن على صبرهم وعلى ما حل بهم من البلاء والشدة، وسوف يجاز أعدائهم عذابا أليم والنكال العظيم كما وعدنا بذلك ربنا سبحانه وتعالى.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يدمر اليهود، اللهم دمر اليهود، اللهم دمر اليهود، اللهم دمر اليهود إنك على كل شيء قدير، اللهم دمرهم شر تدمير، اللهم اجعل أسلحتهم عليهم دمارا، اللهم خالف بين قلوبهم، وزلزل الأرض من تحت أقدامهم، واجعلهم وما يملكون غنيمة للإسلام والمسلمين، اللهم أذلهم، اللهم أذلهم، اللهم أذلهم وانصرك عبادك المؤمنين الصادقين عليهم، انصر أهل الإسلام عليهم، وأذل اليهود والنصارى ومن تعاون معهم ، ومن تمالأ معهم على الإسلام والمسلمين ، اللهم الطف بعبادك المؤمنين في أرض فلسطين، وفي غيرها من بلدان المسلمين، اللهم الطف بهم وكن لهم ولا تكن عليهم، وانصرهم على من بغى عليهم، اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم، ونعوذ بعظمتك أن يغتالوا من تحتهم، أسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ينصر الإسلام والمسلمين، وأن يذل اليهود وسائر الكافرين والمشركين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.
*فرغها: أبو عبدالله زياد المليكي*