الرئيسية / الخطب والمحاضرات/ الخطب /حث الأجلة على إخراج اليهود من القلوب والأعمال قبل إخراجهم من الأراضي المحتلة ١٠ جمادى الاولى ١٤٤٥ه‍
حث الأجلة على إخراج اليهود من القلوب والأعمال قبل إخراجهم من الأراضي المحتلة ١٠ جمادى الاولى ١٤٤٥ه‍ 2023-11-24 22:16:01



حثُّ الأجلةِ علَى إخراجِ اليهودِ منْ القلوبِ والأعمالِ قبلَ إخراجِهم منَ الأراضِي المحتلةِ

(خطبة جمعة)

للشيخ الفاضل: أبي بكر الحمادي

(حفظه الله تعالى)

قام بتفريغها:

أبو عبد الله زياد المليكي


 الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70- 71].

أما بعد:

اعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.

يقول سبحانه وتعالى لنبيه -عليه الصلاة والسلام-: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: 18].

فأمره رب العالمين سبحانه وتعالى أن يتبع الشريعة التي أنزلت إليه، وألا يتبع أهواء الذين لا يعلمون، من اليهود ومن النصارى ومن غيرهم، ولقد أخذ نبينا عليه الصلاة بالشريعة التي أوحاها إليه ربه سبحانه وتعالى، وقام باتباعها، وابتعد عن هدي الكافرين من اليهود ومن النصارى ومن غيرهم، وحرص -عليه الصلاة والسلام- على مخالفتهم في جميع أمورهم، وقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن اليهود كانت إذا حاضت فيهم المرأة لم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يساكنوها! أي في البيوت! فسُئل النبي -عليه الصلاة والسلام- فأنزل الله سبحانه وتعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ} [البقرة: 222]؛ فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ»، فبلغ ذلك اليهود فقالوا: (ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئًا إلا خالفنا فيه)، فهكذا كان هدي رسول الله -عليه الصلاة والسلام- مخالفة اليهود ومخالفة النصارى في جميع أمورهم، وهكذا مخالفة سائر المشركين والكافرين، والمتأمل في هدي رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وفي سنته يجد ذلك ظاهرًا جليًّا، {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: 18].

المسلمون بحاجة أن يحرروا قلوبهم من اليهود والنصارى، وبحاجة أن يحرروا أعمالهم من اليهود ومن النصارى قبل أن يحرروا أراضيهم، المسلمون بحاجة ماسة إلى ذلك أن يتمسكوا بكتاب الله عز وجل، ويتمسكوا بسنة الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ويهتدوا بهدي رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، ويبتعدوا عن سنن اليهود والنصارى، عن المغضوب عليهم وعن الضالين، والمسلم يدعو في صلاته في كل قراءة يقرؤها في صلاته ويقول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6، 7].

والذين غضب الله سبحانه وتعالى عليهم هم اليهود، والضالون هم النصارى، بهذا يستقيم لنا الدين، وبهذا تكون لنا العزة، وبهذا يكون لنا العلو والرفعة في الدنيا والآخرة، إن تمسكنا بهدي المنعَم عليهم، وعلى رأسهم رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، وابتعدنا عن هدي المغضوب عليهم -وهم اليهود- وعن هدي الضالين -وهم النصارى- أعزنا الله سبحانه وتعالى في الدنيا وفي الآخرة، وإن كان اليهود قد طغوا على قلوبنا وعلى أعمالنا فأنى لنا أن ننتصر عليهم وما تحررت قلوبنا، ولا تحررت أعمالنا منهم ومن أفكارهم ومن عقائدهم ومن أمورهم، والعياذ بالله، وهذا هو الواقع من حال كثير من الناس إلا من رحم الله سبحانه وتعالى، هنالك من يواليهم بقلبه، ويحب بعض الكافرين من اليهود ومن النصارى، كبعض اللاعبين الذين يلعبون كرة القدم من اليهود أو من النصارى أو من غيرهم، هنالك من يكنُّ لهم الولاء! ويظهر لهم المحبة! والعياذ بالله، وكل هذا من الوهن، وكل هذا من الشر العظيم، ومن البلاء الكبير.

وهكذا شابهَ كثير من المسلمين أعداءهم في أمور كثيرة، وما تحرروا منهم في قلوبهم ولا في أعمالهم، فمن ذلك -على سبيل المثال- فإن نبينا -عليه الصلاة والسلام- أخبرنا أن من شأن اليهود ومن شأن النصارى أنهم يبنون المساجد على القبور، فجاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: «قَاتَلَ اللهُ اليَهُودَ؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ».

وجاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ».

وجاء في الصحيحين من حديثها ومن حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لَعْنَةُ اللهِ عَلَى اليَهُودِ وَالنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ».

وجاء في مسلم من حديث جندب بن عبد الله رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ».

والمتأمل في أحوال كثير من الناس يجد على أن هذه السنة من سنن اليهود والنصارى موجودة في أوساطهم؛ فكم من مساجد بنيت على القبور، وكم من موتى دفنوا في القبور، وكل ذلك من هدي اليهود والنصارى، كل ذلك من أمرهم، وكل ذلك من دينهم، كما أخبرنا بذلك نبينا -عليه الصلاة والسلام-، فهذا من الأمور المنكرة، وهذا مما لا يجوز؛ فيجب على المسلمين أن يتحرروا من ذلك، فإن ذلك من أسباب الإشراك بالله عز وجل، والشرك بالله هو أظلم الظلم، {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].

وهكذا من الأمور التي هي من أمور اليهود والنصارى التصوير والصور، وهو بلاء منتشر في أوساط المسلمين، لا يكاد يسلم من ذلك أحد إلا من سلمه رب العالمين سبحانه وتعالى، وقد جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة وأم حبيبة ذكرتا للنبي -عليه الصلاة والسلام- كنيسة رأينها في أرض الحبشة وما فيها من التصاوير؛ فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ».

فبين النبي -عليه الصلاة والسلام- أن تصوير الصور من أمر أهل الكتاب من أمر شرار الخلق، ومع هذا فإن هذا البلاء وهذا الشر العظيم منتشر في أوساط المسلمين انتشارًا عظيمًا، مع شدة التحذير من رسول الله -عليه الصلاة والسلام.

ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة أنه قال: «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ المُصَوِّرُونَ».

وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللهِ».

والمراد بهم: المصورون.

وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: «كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ، يَجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسًا فَتُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّمَ».

هكذا يقول نبينا -عليه الصلاة والسلام-.

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: «قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ شَعِيرَةً».

«وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي».

وكم هي الأدلة المتكاثرة عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- بالنهي عن ذلك، فترك الناس -إلا من رحم الله- أحاديث رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وأخذوا بسنن من مضى من اليهود والنصارى ومن غيرهم الذين فعلوا ذلك ونشروه وروَّجوا له فراج ذلك في أوساط المسلمين، فشابهَ المسلمون أعداءهم من اليهود ومن النصارى في كثير من أمورهم، وفي كثير من أعمالهم، فتحرروا يا عباد الله، حرروا أنفسكم، وحرروا قلوبكم، حرروا أعمالكم، حرروا هديكم من التشبه بأعداء الله عز وجل من اليهود ومن النصارى، وتشبهوا بخير الخلق برسول الله -عليه الصلاة والسلام-، وخذوا دينكم من كتاب الله ومن سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وخذوا هديكم من هدي رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، فإن تحررتم من أعدائكم في قلوبكم وأعمالكم وفي سائر شؤونكم، حرر الله سبحانه وتعالى أراضيكم، وجعل الله سبحانه وتعالى لكم النصر والغلبة والمكنة، {وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الحج: 40]، وهذا وعد من رب العالمين سبحانه وتعالى، وهكذا إذا تأملنا إلى أشياء أخرى نجد أن كثيرًا من المسلمين قد وقعوا في شباك اليهود


والنصارى، وقعوا في شباكهم وما تحرروا، ما تحررت قلوبهم ولا أعمالهم من أمور اليهود والنصارى، والعياذ بالله، فكم من شخص قد يسر الله له الحج فلم يؤدِّ هذه الفريضة مع تيسير الحج عليه ومع قدرته على ذلك، فإذا به يترك ذلك عمدًا ويلتهي بشهوات الدنيا وملذاتها، حتى يأتيه الموت، مع كثرة ماله وقدرته واستطاعته أن يؤدي هذه الفريضة التي افترضها الله عز وجل على الناس، {وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97].

روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "من مات وهو موسر لم يحج فليمت على أي حال شاء يهوديًّا أو نصرانيًّا".

"من مات وهو موسر لم يحج" أي: مع قدرته على ذلك واستطاعته، قال: "فليمت على أي حال شاء يهوديًّا أو نصرانيًّا"؛ فإن ترك الحج من هدي اليهود والنصارى، وليس هو من هدي الحنفاء، ليس هو من هدي أهل الإسلام، وإنما هو من هدي اليهود والنصارى، فكيف تتشبه بأعداء الله عز وجل وتترك هذه الفريضة التي افترضها الله سبحانه وتعالى عليك؟! مع أنها ميسرة في حقك، فإذا كنت مستطيعًا قادرًا على الحج فإياك ثم إياك أن تفرط في هذه الفريضة؛ فتشابه اليهود والنصارى في ذلك، "فليمت على أي حال شاء يهوديًّا أو نصرانيًّا".

وهكذا إذا تأملنا في أشياء أخر، في أمور أخرى، نجد أن كثيرًا من المسلمين لم يتحرروا في أعمالهم من أعدائهم من اليهود ومن النصارى، قد أخبرنا ربنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم فقال: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 161].

فذكر الله سبحانه وتعالى من شأن اليهود أنهم يأكلون الربا، وأنهم يأكلون أموال الناس بالباطل، والمتأمل في أحوال كثير من الناس يجد أن هذا الأمر من الأمور المنتشرة في أوساطهم، فكم من ربا يؤكل! وكم من معاملات ربوية يجاهر بها! وهي محاربة لله ومحاربة لرسول الله -عليه الصلاة والسلام-، {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279]، وكم من أموال تؤكل بغير حق! يتقوى القوي على الضعيف فيأخذ ماله، يأخذ أرضه، ويأخذ ماله بقوته وبسلطانه! وكم من ظلم يحصل في جانب النساء في باب الميراث؛ يتسلط الذكور على مال الميراث، ويظلم بعضهم بعضًا! فالكبير يظلم الصغار، والذكور يظلموا النساء، وهذا موجود ومنتشر في أوساط الناس، ولا يسلم من ذلك الظلم إلا من رحم الله عز وجل، وهذا من أمر اليهود وأخذهم الربا وقد نهوا عنه، وأكلهم أموال الناس بالباطل، قال سبحانه وتعالى: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة: 42].

فيأكلون السحت، قال بعض العلماء: (المراد بذلك الرشوة)، والآية واردة في أهل الكتاب، واردة في اليهود، فهم يأكلون السحت، أي: يأكلون الرشوة، والعياذ بالله، والرشوة منتشرة في أوساط المسلمين، لا يسلم من ذلك إلا من سلمه الله عز وجل، فيأكلون السحت، يأكلون الرشوة، والسحت هلاك، {فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ} [طه: 61] أي: فيهلككم ويستأصلكم بعذاب، فالرشوة سحت، أي: أنها هلاك، هلاك للدين، وهلاك للبدن، وهلاك للمال، لما فيها من الظلم، ولما فيها من التعدي على حدود الله عز وجل، {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة: 42].

وقال سبحانه وتعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا الأَدْنَىٰ} أي: الرشوة, {وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ} أي: رشوة أخرى, يأخذوه, {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لَّا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ} [الأعراف: 169].

فأخذ الرشوة من أمر اليهود والنصارى, والعياذ بالله، في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص الذي جاء في المسند وفي السنن قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي".

فعلينا أن نتقي الله في أمورنا، إن أردنا أن يرفع الله سبحانه وتعالى عنا البلاء والشدة، وألا يسلط علينا الأعداء.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم.


 الخطبة الثانية:

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

أما بعد:

اعلموا معاشر المسلمين: إن من الأمور التي لم يتحرر منها المسلمون -وهي من أمر اليهود والنصارى- الاحتيال على شرع الله عز وجل.


جاء في الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: «قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ؛ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا [جَمَلُوهُ]، ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ» أي: احتالوا على ما حرم الله سبحانه وتعالى عليهم، فحرم الله سبحانه وتعالى عليهم الشحوم فلم يتناولوا شحمًا؛ لأن الله نهى عن ذلك، أذابوا ذلك الشحم حتى صار زيتًا, ثم لم يأكلوا ذلك الزيت؛ أرادوا أن يبتعدوا في الحيلة, باعوا ذلك الزيت ثم أكلوا الثمن، فاحتالوا على ما حرم الله سبحانه وتعالى عليهم بهذه الحيلة؛ فلعنهم رب العالمين سبحانه وتعالى، «قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ؛ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا [جَمَلُوهُ]، ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ».

وربنا سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 163].

حرم الله سبحانه وتعالى عليهم الصيد في يوم السبت؛ فنصبوا الشباك في يوم الجمعة؛ فدخلت الأسماك فيها في يوم السبت, ثم أخذوا الشباك في يوم الأحد، وقالوا: (ما اصطدنا في يوم السبت!)، أرادوا أن يحتالوا على شرع الله؛ فمسخهم الله إلى قردة وإلى خنازير!

وكم هي الاحتيالات في أوساط الناس على المحرمات الشرعية، فيأكلون الربا ويسمون ذلك: القرض الحسن! يأكلون الربا ويسمون ذلك: مضاربة شرعية! يأكلون الربا ويسمون ذلك: بيعًا وتجارة! يحتالون على كثير من المسائل الربوية التي حرمها رب العالمين سبحانه تعالى بأنواع الحيل، يطلق الرجل امرأته ثلاث تطليقات, ثم يأتي بالتيس المستعار يتفق معه على أن يدخل بتلك المرأة التي طلقها, ثم يقوم بتطليقها حتى ترجع إلى زوجها! وهذا هو التحليل, ولعن الله المحل والمحلل له, كما ثبت ذلك عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام، وهو التيس المستعار, يحتالون على شرع الله عز وجل بأنواع الحيل, والحيل إنما جاءت من جهة اليهود، روى ابن بطة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال -عليه الصلاة والسلام: «لَا تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَتِ الْيَهُودُ, فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللهِ بِأَدْنَى الْحِيَلِ».

وهكذا إذا تأملنا إلى أشياء أخرى, نجد أن كثيرًا من المسلمين لم يتحرروا عن سَنن اليهود والنصارى فيها, فمن ذلك التفرق والتحزب، التفرق والتحزب إنما جاء من جهة أهل الكتاب، من جهة اليهود ومن جهة النصارى، {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105].

وجاء في حديث عوف بن مالك عند ابن ماجة وجاء في حديث غيره، قال -عليه الصلاة والسلام-: «افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «الْجَمَاعَةُ».

فبين نبينا -عليه الصلاة والسلام- أن التفرق والاختلاف من شأن اليهود والنصارى، وهذا المرض انتشر في أوساط المسلمين: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام: 65].

فأذاقنا الله سبحانه وتعالى بأس بعض لما تفرقنا واختلفنا، وتفرقنا إلى أحزاب متعددة وإلى فرق مختلفة متناحرة, وكل ذلك من أمر اليهود والنصارى.

وهكذا ما يتعلق بلباس الناس، وبهيئات شعورهم، وبكثير من أمورهم، نجد أن كثيرًا من الناس ابتعدوا عن هدي رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، وعن هدي الخلفاء الراشدين، وعن هدي الصحابة أجمعين، بألبسة مشابهة لما عليه اليهود والنصارى، وبقصات شعر مشابهة لما عليه اليهود والنصارى، وهكذا حلق للِّحى تشبهًا باليهود والنصارى, إلى غير ذلك، وفي المسند من حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال: "خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَشْيَخَةٍ مِنَ الأَنْصَارٍ بِيضٌ لِحَاهُمْ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ حَمِّرُوا وَصَفِّرُوا، وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ». قَالَ: فَقُلْنَا: (يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَسَرْوَلَونَ وَلْا يَأْتَزِرُونَ)؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَسَرْوَلُوا وَائْتَزِرُوا, وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ».


قَالَ: فَقُلْنَا: (يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَخَفَّفُونَ وَلَا يَنْتَعِلُونَ). قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَتَخَفَّفُوا وَانْتَعِلُوا, وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ». قَالَ: فَقُلْنَا: (يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَقُصُّونَ عَثَانِينَهُمْ -وهي: اللحى- وَيُوَفِّرُونَ سِبَالَهُمْ -أي: الشوارب-). قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُصُّوا سِبَالَكُمْ وَوَفِّرُوا عَثَانِينَكُمْ -أي: لحاكم-, وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ»".

وكم هي الأمور المنتشرة في أوساط المسلمين من هدي اليهود ومن هدي النصارى, اتباع لهم حذو القذة بالقذة, كما جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ»، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ, اليَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمَنْ؟!».

أي: (فمن القوم غير هؤلاء؟!)، تشبه بأعداء الله عز وجل في كثير من الأمور، نحن معشر المسلمين -إلا من رحم الله- لم تتحرر قلوبنا من اليهود والنصارى، ولم تتحرر أعمالنا من اليهود والنصارى، ولم نتحرر في جميع أمورنا من اليهود والنصارى, إلا من رحم الله عز وجل، ثم نريد أن نحرر أراضينا من اليهود والنصارى، حرروا قلوبكم أولًا، وحرروا أعمالكم أولًا، وحرروا هديكم أولًا من أعدائكم، إن فعلتم ذلك أعزكم الله، وجعل الله لكم الغلبة، وجعل لكم النصر، وجعل لكم التمكن على أعدائكم، {وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الحج: 40]، {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51], {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 173].

إن كنا كذلك رفعنا الله، وأعزنا الله كما أعز رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وكما أعز الصحابة رضي عنهم أجمعين، وإن لم نكن كذلك أذلنا الله سبحانه وتعالى، وجعل لنا الذلة والمهانة بسبب ذنوبنا وأعمالنا، وتفريطنا في ديننا، واتباعنا لهدي من مضى من أهل الكتاب, والعياذ بالله.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها، دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها، اللهم عليك باليهود والنصارى المتآمرين على الإسلام والمسلمين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر, وأنت عليهم قادر، اللهم إنا نعوذ بك من شرورهم وندرأ بك في نحورهم، اللهم مكن المسلمين من رقابهم، اللهم مكن المسلمين من رقابهم، اللهم فشِّل خططهم، اللهم فشِّل خططهم، واجعلهم وما يملكون غنيمة للإسلام والمسلمين، اللهم انصر عبادك المستضعفين في بلاد فلسطين، وفي غزة، وفي سائر بلاد المسلمين، اللهم كن لهم ناصرًا ومعينًا ومؤيدًا ونصيرًا، اللهم أعزهم بعزتك، اللهم انصرهم بنصرك، اللهم انصرهم بنصرك، اللهم أطعم جائعهم، وأمِّن خائفهم، واكسُ عاريهم، وداوِ مرضاهم، اللهم كن لهم ولا تكن عليهم، اللهم احفظهم بحفظك، اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم ونعوذ بعظمتك أن يغتالوا من تحتهم، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وارحمنا برحمتك؛ إنك أنت الغفور الرحيم.



جميع الحقوق محفوظة لـ الموقع الرسمي للشيخ أبي بكر الحمادي