الرئيسية / الخطب والمحاضرات/ الخطب /إزالة القذى لإبصار قبح الأذى 17 جمادى الأولى 1445هـ
إزالة القذى لإبصار قبح الأذى 17 جمادى الأولى 1445هـ 2023-12-02 00:37:30


خطبة جمعة بعنوان (إزالة القذى لإبصار قبح الأذى)


لشيخنا المبارك أبي بكر الحمادي حفظه الله ورعاه


سجلت بتاريخ ١٧ جماد الأول ١٤٤٥ه‍

مسجد النور/ الزرعان/ مدينة القاعدة محافظة إب حفظها الله وسائر بلاد المسلمين 


 إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم.

 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].

 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]

أما بعد:فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.


روى الإمام أحمد في مسنده، من حديث أبي ذر رضي الله عنه، أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم " أي العمل أفضل؟ فقال له النبي عليه الصلاة والسلام : إيمان بالله، وجهاد في سبيله، فقلت فأي الرقاب أفضل قال عليه الصلاة والسلام: أنفسها عند أهلها وأغلاها ثمنا، قال : فإن لم أجد؟فقال له النبي عليه الصلاة والسلام:

تعين صانعا أو تصنع لأخرق، قال فقلت: فإن لم أستطع ؟ قال له النبي عليه الصلاة والسلام : كف أذاك فإنها صدقة تتصدق بها على نفسك.

فأبو ذر رضي الله عنه يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل العمل، فيخبره النبي عليه الصلاة والسلام أنه الإيمان بالله عز وجل، والجهاد في سبيل الله، ثم يسأل رسول الله عليه الصلاة والسلام عن أفضل الرقاب، أي التي تعتق من أجل الله عز وجل، فقال : أنفسها عند أهلها وأغلاها ثمنا، ثم سأل رسول الله عليه الصلاة والسلام إذا لم يجد ذلك، أي كان فقيراً ليس عنده ما يعتق من الرقاب، فأخبره النبي عليه الصلاة والسلام أنه إن أعان صانعا على صنعته فذلك من الخير والصدقة، أو يصنع لأخرق أي الذي لا يستطيع الصنعة فيصنع له فذلك من الصدقة، فسأل أبو ذر النبي عليه الصلاة والسلام أنه إذا لم يستطع ذلك، فأخبره النبي عليه الصلاة والسلام بأنه إذا كف أذاه عن الناس فتلك صدقة يتصدق بها على نفسه، كف الأذى عن الناس صدقة من الصدقات، إن لم تبذل الخير للناس فلا تسيء إليهم، كف أذاك عن عباد الله عز وجل، كف أذاك عن المسلمين، كف أذاك جيرانك، كف أذاك عن إخوانك فهذا خير لك، وهي صدقة صدقة تتصدق بها على نفسك، سماها النبي عليه الصلاة والسلام صدقة.


معاشر المسلمين : إن الأذى أمره خطير ويستهين به كثير من الناس، في الترمذي من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:"صعد رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المنبر فنادَى بصوتٍ رفيعٍ فقال يا معشرَ من أسلمَ بلسانهِ ولم يُفضِ الإيمانُ إلى قلبهِ ، لا تُؤذُوا المسلمينَ ولا تُعيّروهُم ولا تَتّبعوا عوراتهِم ، فإنه من يتبِعْ عورةَ أخيهِ المسلمِ تتبعَ اللهُ عورتَهُ ، ومن يتبعِ اللهُ عورتهُ يفضحْه ولو في جوفِ رحلهِ.


الأذى ذنب من الذنوب المهلكة، قد يدخل العبد في نار جهنم بسبب ذلك، قد يحبط الله سبحانه وتعالى عملك بسبب أذيتك، ولا سيما إذا كانت الأذية لرب العالمين سبحانه وتعالى او لرسوله الكريم عليه الصلاة:{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا (57)}]الأحزاب:57].

ومن لعن في الدنيا والآخرة فهو الكافر الذي قد حبط عمله، ومن أعد له العذاب المهين فهو الكافر الذي قد أحبط الله سبحانه وتعالى عمله، قال سبحانه وتعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)}[الحجرات:2].

لما في ذلك من أذية لرسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد يدخل العبد نار جهنم والعياذ بالله بسبب أذيته للمسلمين، وإن كان صائما ومصليا ومتصدق فبسبب أذيته للمسلمين قد يدخل نار جهنم والعياذ بالله، في المسند من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قيل للنبي عليه الصلاة والسلام:" إن فلانة وذكروا من صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هي في النار.

هي في النار مع كثرة صلاتها ومع كثرة صيامها ومع كثرة صدقتها غير أنها تؤذي جيرانها ما كفت أذاها عن الجيران، فأخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنها في النار، فلا تغتر بذلك، لا تغتر بصلاتك وصيامك وبعملك الصالح، لا تغتر بذلك ربما تدخل النار بهذا الذنب والعياذ بالله، تدخل النار بسب الأذية، ولا تستهن بأذية المسلمين، ولا تستهن بأذية الجيران، ولا تستهن بأذية الإخوان، لا تستهن بذلك، فلا تؤذي أحدا، فأذى الناس ذنب عظيم، وقد يدخل العبد بسببه النار والعياذ بالله، ربنا سبحانه وتعالى أحبط صدقة من آذى الفقراء والمساكين، تصدق عليهم وآذاهم، قال

سبحانه وتعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ}[البقرة:264]

فبين سبحانه وتعالى أن المن والأذى من أسباب إبطال صدقة، فلا تبطل صدقتك باذى من تصدقت عليه، فتتصدق بالمال الكثير ثم تؤذي من تصدقت عليه فلا يقبل الله سبحانه وتعالى منك تلك الصدقة، فالأذية أمرها خطير وشأنها كبير وهي ذنب من الذنوب المهلكة والعياذ بالله، إن كنت مؤذيا لعباد الله عز وجل فغاية ما تكون أن مثلك كمثل الفواسق، فإن الفواسق التي أمر النبي عليه الصلاة والسلام بقتلها في الحل والحرم خرجت عن طباع سائر الحيوان بالأذية، جاء في مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها، عن النبي عليه الصلاة والسلام قال :"خمسٌ فواسقُ يُقتَلْنَ في الحِلِّ والحَرَمِ : الحيةُ والفأرةُ والغرابُ الأبقعُ والكلبُ والحِدَأَةُ.

فبين النبي عليه الصلاة والسلام أن هذه الفواسق وفي بعض ألفاظ الحديث ذكر الحدية، فبين النبي عليه الصلاة والسلام أن هذه الفواسق تقتل في الحل والحرم، حتى في الحرم مع أن الله سبحانه وتعالى قد نهى عن قتل الصيد في الحرام وجعل الحرم بلدا آمنا، ونهى النبي عليه الصلاة والسلام عن قطع شجر الحرم كما هو معلوم في صحيح سنته عليه الصلاة والسلام، لكن هذه الفواسق تقتل في الحل والحرام لما خصت هذه الفواسق بالقتل في الحل والحرام، قال العلماء : لأنها خرجت في طباعها في أذيتها عن سائر الحيوان، والفسق هو الخروج، فمن خرج من الإيمان إلى الكفر فهو الفاسق الفسق الأكبر، ومن خرج من الصدق إلى الكذب وأظهر الصدق وأبطن الكذب وأظهر الإيفاء بالعهد وأبطن الخيانة فإن هذا الخروج من الفسق الأصغر وهو من صفات المنافقين، ومن خرج من الطاعة إلى المعصية فهو أيضا فاسق الفسق الأصغر، فهذه الحيوانات وهذه الدواب سماها النبي عليه الصلاة والسلام الفواسق، وأمر النبي عليه الصلاة والسلام بقتلها في الحل والحرام لأن من طبعها البغي، من طبعها الأذية، تحرص على الأذية بطبعها، بعكس الكثير من الحيوان فإنه يؤذي دفاعا عن نفسه، ومن أراد به الأذى فإنه يدافع عن نفسه ويحصل منه الأذى في باب الدفاع، أما هذه الحيوانات فهي مؤذية بطبعها، فلهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام بقتلها في الحل والحرام، فإن كنت مؤذيا لعباد الله عز وجل، إن كنت مؤذيا للمسلمين، إن كنت مؤذيا لجيرانك فمثلك كمثل هذه الفواسق فصرت متشبها بها، ولا أعني أن من كان مؤذيا يقتل، فإن هذا لم يأتي به دليل لا من كتاب الله ولا من سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وما انتشر في أوساط كثير من الجاهلين اقتلوا المؤذي ولو كان من أولادكم فإن هذا من الكذب على رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن الكذب على شرع الله عز وجل، من الكذب على دين الله عز وجل، فليس هذا بحكم من أحكام الشريعة، لا أصل في ذلك لا في كتاب الله ولا في سنة النبي عليه الصلاة والسلام، لكن هذه الحشرات لا حرمة لها فأمر النبي عليه الصلاة والسلام بقتلها في الحل والحرم، ومن كان مؤذيا فيشبه هذه الحيوانات بهذا الفسق، فغاية من كان مؤذيا أن يكون متشبها بهذه الفواسق التي ذكرها نبينا عليه الصلاة والسلام.


أسأل الله عز وجل أن يغفر لنا ذنوبنا وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية: الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد معاشر المسلمين : الأذية محرمة في كتاب الله، ومحرمة في سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام.


ومن الأذية التي هي محرمة في دين الله عز وجل: اذية المسلمين في أماكن عباداتهم، أذية المسلمين في مكن عباداتهم، أذية المسلمين في المساجد، فالمساجد محترمة، المساجد بيوت عز وجل، أمر الله سبحانه وتعالى برفعها :{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ}[النور36].

أي تنزه وتطهر، فأذية المسلمين في أماكن عبادتهم أعظم من غيرها، ولهذا جاء النهي عن ذلك في أحاديث متعددة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فجاء في مسلم، من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:" من أكل الثُّومِ والبصلِ والكرَّاثِ - فلا يقربنا في مساجدنا؛ فإنَّ الملائِكَةَ تتأذَّى ممَّا يتأذَّى منهُ بنو آدم.


وفي مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:"من أكل الثوب فلا يقربن مسجدنا ولا يؤذينا بريحة الثوم.

فهذه الأشجار وهذه المأكولات وهذه البقوليات مؤذية فمن أكلها فلا يؤذي المسلمين في بيوت الله عز وجل، ولا يؤذي الملائكة في بيوت الله عز وجل، لا تكن مؤذيا في بيوت الله سبحانه وتعالى، وهكذا جاء عند أبي داود، من حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه، أن رجلا دخل المسجد والنبي عليه الصلاة والسلام يخطب وكان يتخطى رقاب الناس يؤذيهم بقدمه، يمر بقدمه بين رقابهم يريد أن يتقدم إلى أوائل الصفوف، فرآه النبي عليه الصلاة والسلام فقال له النبي عليه الصلاة والسلام : اجلس فقد آذيت.

وهكذا جاء في الصحيحين، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إنَّ الملائكةَ تصلي على أحدِكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه، تقول : اللهم اغفر له، اللهم ارحمْه ولم يحدث فيه ما لم يؤذي فيه.

فالملائكة تصلي على من كان منتظرا للصلاة، فتصلي عليه وتقول اللهم صلي عليه، اللهم ارحمه، فإذا آذى في مجلسه ذلك مسلما فإن الملائكة لا تصلي عليه، ولا تدعو له بالرحمه، ما لم يحدث فيه ما لم يؤذي فيه، فأنت في صلاة ما دمت منتظرا للصلاة في بيوت الله عز وجل، والملائكة تدعو لك بالدعاء المبارك العظيم اللهم صلي عليه اللهم ارحمه، فإن آذيت مسلما وأنت في موضع العبادة أو أحدثت فإن الملائكة لا تصلي عليك، ولا تدعو لك بالرحمة، فلا تكن مؤذيا في بيوت الله عز وجل، وفي أماكن العبادة.


إذا معاشر المسلمين : إن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، هذا هو المسلم، كما أخبرنا بذلك النبي عليه الصلاة والسلام، فليسلم المسلمون من أذاك وهذه صدقة تتصدق بها على نفسك.


أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين، وأن يرحمنا برحمته إنه الغفور الرحيم، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها، دقها وجلها، وأولها وآخرها، وعلانيتها وسرها، اللهم اهدنا إلى الصراط المستقيم واجعلنا هداة المهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، اللهم اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في أمرنا إنك أنت الغفور الرحيم، ربنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك انت الغفور الرحيم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.


فرغها/ أبو عبدالله زياد المليكي



جميع الحقوق محفوظة لـ الموقع الرسمي للشيخ أبي بكر الحمادي