فتح الباب لبيان حرمة الغيبة وما لها من المفاسد والمراتب والأسباب2 جمادى الاخرى 1445هـ 2023-12-16 15:09:45
خطبة جمعة بعنوان (فتح الباب لبيان حرمة الغيبة وما لها من المفاسد و المراتب و الأسباب)
لشيخنا المبارك أبي بكر الحمادي حفظه الله ورعاه
سجلت بتاريخ ٢ جماد الثاني ١٤٤٥ه
مسجد الفاروق محافظة إب حفظها الله وسائر بلاد المسلمين
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد:فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم :{وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (12)}[الحجرات:12].
ينهى الله سبحانه وتعالى في هذه الآية عباده أن يغتاب بعضهم بعضا، وشبه ربنا سبحانه وتعالى من يفعل ذلك بمن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه، فالذي يغتاب أخاه المسلم كالذي يأكل من لحمه وقد مات، فإن المسلم في حال غيبته كالميت في حال غيبة روحه، فالميت إذا مات خرجت منه روحه، وغابت روحه عن جسده، فإذا أكل منه من لحمه الآكل فقد أكل من لحمه له بعد غيبة روحه عن جسده.
وهكذا من اغتاب أخاه المسلم في حال غيبته، وانتهك من عرضه في حال غيبته هو شبيه بمن أكل من لحمه بعد أن غابت عنه روحه، وكل ذلك مذموم ومحرم وهذا التشبيه فيه ما فيه من التنفير عن هذه المعصية وعن هذا الأمر الذي حرمه رب العالمين سبحانه، وحرمه نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام، ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه، هذا أمر مكروه، ولا تطيقه النفوس، ومن شاهد إنسانا جاء إلى أخيه الميت فأخذ السكين وقطع من لحمه ثم قام بأكله فإن من شاهد ذلك استنكر عليه غاية الاستنكار، لما في هذا الفعل من الشناعة، ولما في هذا الفعل من القذارة، ويفعل هذا بأخيه، لا يفعل هذا بعدوه وإنما يأتي إلى أخيه، إنما المؤمنون إخوة، يأتي إلى أخيه وقد مات لا يستطيع أن يدافع عن نفسه لأن روحه قد خرجت، يأتيه في حال ضعفه وفي حال غياب روحه عنه ويأخذ السكين ويقطع من جسده بعد موته ويجلس ويأكل من لحم أخيه، فهذا الفعل في غاية من النكارة والقذارة، تشمئز النفوس من ذلك، وهكذا من يقع في عرض أخيه المسلم في حال غيبته لا يستطيع أن يدافع عن نفسه لأنه غائب، لا يدري بما يتكلم به ذلك المتكلم، وبما يطعن في عرضه فيطعن في عرضه وينهش من عرضه في حال غيبته، هذا كهذا كما بين لنا ربنا سبحانه وتعالى، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله فاجتنبوا هذه المعصية التي حرمها ربكم سبحانه، فهذه الآية فيها ما فيها من التحذير، وفيها ما فيها من الاستنكار لمن وقع في هذه المعصية، وفيها بيان لما في هذه المعصية من الشناعة والقذارة، وأن فيها مخالفة للفطرة، والأصل أن المسلم مع أخيه المسلم كالجسد الواحد، يتألم بألمه، ويكره أن يتكلم فيه في غيبته كما يكره ذلك لنفسه، فيحب الإنسان لأخيه المسلم ما يحب لنفسه، جاء في مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:"
أَتَدْرُونَ ما الغِيبَةُ؟ قالوا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: ذِكْرُكَ أخاكَ بما يَكْرَهُ. قيلَ: أفَرَأَيْتَ إنْ كانَ في أخِي ما أقُولُ؟ قالَ: إنْ كانَ فيه ما تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ فيه فقَدْ بَهَتَّهُ.
فهذه الغيبة أن تذكر أخاك بما يكره في حال غيبته، فلا تذكره بما يكره، لا بقولك ولا بفعلك، كل ذلك لا يجوز، لا تغتاب أخاك المسلم في حال غيبته لا بقولك ولا بفعلك فإن هذا مما نهي عنه، جاء عند أبي داود وعند الترمذي عن عائشة رضي عنها قالت للنبي عليه الصلاة والسلام :" يكفيك من صفية كذا وكذا تعني أنها قصيرة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته، قالت : وحكيت عنده إنسانا فقال: إني أكره أن أحاكي أحدا ولو كان لي كذا وكذا، فنهى النبي عليه الصلاة والسلام عن النوعين من أنواع الغيبة، الغيبة القولية، والغيبة الفعلية، الغيبة القولية لما قالت عائشة رضي الله عنها يكفيك من صفية كذا وكذا يعني أنها قصيرة فبالغ النبي عليه الصلاة والسلام في إنكار قولها وقال: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته، أي لو وضعت وخلطت بماء البحر لغيرت ماء البحر، وهذا يدل على أن الغيبة من الكلام القبيح المنتن، يحصل به هذا الإفساد الكبير يفسد ماء البحر، لو خلط بماء البحر مع سعته لتغير، مع أن ماء البحر تقع فيه أنواع النجاسات المتنوعة والمختلفة، ولا يتغير ماء البحر، هناك نعم من الناس من يجري القاذورات والنجاسات والبيارات والأوساخ إلى البحر ولا يتغير البحر لسعته ولكثرة مائه، وهذه الكلمة وهي الغيبة لو مزجت بماء البحر لمزجته، قالت وحكيت عنده إنسانا أي أنها قلدته أي بفعلها فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إني لأكره أن أحاكي أحدا ولي كذا وكذا، فلا تحاكي شخصا بما يكره بفعلك، ولا تتنقص منه بقولك، فإن فعلت ذلك في حال غيبته فهذه هي الغيبة التي نهى عنها ربنا سبحانه وتعالى، ونهى عنها نبينا عليه الصلاة والسلام.
إن غيبة المسلمين من أذيتهم، ومن تتبع عوراتهم، وهذا لا يجوز، محرم في دين الله عز وجل، جاء عند الترمذي من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه صعد المنبر فنادى بصوت رفيع :" صعد رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المنبر فنادَى بصوتٍ رفيعٍ فقال يا معشرَ من أسلمَ بلسانهِ ولم يُفضِ الإيمانُ إلى قلبهِ ، لا تُؤذُوا المسلمينَ ولا تُعيّروهُم ولا تَتّبعوا عوراتهِم ، فإنه من يتبِعْ عورةَ أخيهِ المسلمِ تتبعَ اللهُ عورتَهُ ، ومن يتبعِ اللهُ عورتهُ يفضحْه ولو في جوفِ رحله.
فالغيبة أذية للمسلمين، وفيها تتبع للعورات، تتكلم بأخيك المسلم فعل كذا وحصل منه كذا وكذا، تتنقص من أخيك المسلم تبحث عن عوراته وتقوم بنشرها وفضحه فإن ذلك مما فيه هذه العقوبة من فعل ذلك تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله، لأن الله سبحانه وتعالى هو اللطيف الخبير، وهو العليم الخبير لا يخفى عليه شيء وإن دق، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فإذا تتبع الله عورتك قام بفضيحتك مهما تسترت بأنواع الستر، فلا تؤذوا المسلمين يا عباد الله بالكلام فيهم والوقيعة في أعراضهم، فإن هذا مما هذا نهى عنه ربنا سبحانه، ونهى عنه نبينا عليه الصلاة والسلام، الغيبة ظلم في الأعراض، والظلم قد يكن في الدماء، وقد يكون في الأموال، وقد يكون في الأعراض، فإذا اغتبت أخاك المسلم فقد ظلمته في عرضه، جاء في البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"مَن كَانَتْ له مَظْلِمَةٌ لأخِيهِ مِن عِرْضِهِ أَوْ شيءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ منه اليَومَ، قَبْلَ أَنْ لا يَكونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إنْ كانَ له عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ منه بقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ، وإنْ لَمْ تَكُنْ له حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِن سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عليه.
لا تظلم أخاك في عرضه فإن حقه لا يضيع، حقه لا يضيع يأخذه يوم القيامة من حسناتك إن كانت لك حسنات، فإن لم تكن لك حسنات أخذ سيئاته ثم وضعت عليك وربما يكون مآلك إلى النار والعياذ بالله، فلا تستهن بهذا الأمر، فإذا ظلمت أخاك المسلم فتحلل منه الآن، فإن اغتبته وبلغه ذلك فاذهب واطلب منه المعذرة والعفو الصفح، وإن لم يبلغه ذلك فادعو له واستغفر له، واذكره بالخير عند من ذكرته بالشر، وافعل له ما تستطيع من الأعمال الصالحة كالصدقات تصدق عنه، وادع له حتى يكفر الله سبحانه وتعالى عنك تلك السيئة، وتكون تلك الحسنات مقابل تلك السيئة التي فعلتها مع أخيك المسلم، وهذا إذا لم يبلغ ذلك الأمر منك، وأما إذا بلغه الخبر فاذهب إليه واعتذر منه وتحلل منه قبل ألا يكون دينار ولا درهم، إنما الحسنات والسيئات كما أخبرنا بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام.
أسأل الله عز وجل أن يصرف عنا وعن المسلمين كل سوء ومكروه.
الخطبة الثانية
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
معاشر المسلمين: إن غيبة المسلم داخلة في الهمز واللمز، وربنا سبحانه وتعالى يقول:{وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (1)}[الهمزة:1]
ويقول سبحانه وتعالى :{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ}[التوبة:79].
ذكر ذلك في شأن المنافقين، الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات.
وقال سبحانه وتعالى :{وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3)}[الهمزة:1،3].
وقال :{وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ}[الحجرات:11].
فنهى ربنا سبحانه وتعالى عن الهمز، ونهى ربنا سبحانه وتعالى عن اللمز، ومنهم من يلمزك في الصدقات، وهذا في شأن المنافقين، فالهمز هو الطعن، الطعن في المسلمين بشدة، واللمز هو العيب وهو أخف من ذلك، وكل ذلك محرم في دين الله عز وجل، فإياك إياك أن تكون من هؤلاء من الهمزة اللمزة:{ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ(11)}[القلم:11].
فهذه صفة من صفات الكافرين، وصفة من صفات المنافقين، فتنزه عن ذلك، تنزه عن ذلك وابتعد عن ذلك، والمسلم من سلمه المسلمون من لسانه ويده هكذا يقول نبينا عليه الصلاة والسلام.
واعلموا معشر المسلمين أن من أعظم الغيبة: البهتان تذكر أخاك في غيبته بما ليس فيه، فهذا يدخل في مسمى الغيبة لأنه حصل في غيبته، ويدخل في مسمى البهتان لأنك بهته أي حيرته لما قلت فيه ما ليس فيه فيتحير من أين جاءك هذا الأمر، ولما قلت فيه هذا الأمر، ما الداعي لذلك؟ فيبقى المستمع متحيرا، والبهتان هو أعظم من أن تذكر أخاك بما فيه، قال: فإن لم يكن فيه فقد بهته، هكذا يقول صلى الله عليه وسلم ويقول سبحانه وتعالى:{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (58)}[الأعراف:58].
قال:{وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16)}[النور:16].
وهو قذف المحصنات بغير حجة ولا بينة، الغافلات عن الفاحشة، لا تطرأ الفاحشة في أذهانهن فتقذف من كانت من المحصنات أو من كان من المحصنين الذين لا يفكرون بالفاحشة، ذهلت أذهانهم عن التفكر فيها فضلا عن أن يقعوا فيها، فهذه كبيرة من كبائر الذنوب، قال سبحانه وتعالى:{وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (112)}[النساء:112].
تكسب الخطيئة ثم ترمي الخطيئة لغيرك فلان هو الذي فعل كذا وكذا، وتتكلم عليه في غيبته بذلك أو في حضوره، فإن كان في غيبته فهي غيبة وبهتان، تتكلم عليه وأنت الذي جنيت وأنت الذي فعلت، فإذا رميت أخاك بما ليس فيه فذلك هو البهتان وهو كبيرة من كبائر الذنوب، وهكذا مما يدخل في مسمى الغيبة بالمعنى اللغوي النميمة،النميمة وهي كبيرة من كبائر الذنوب، وهي تكون في حال الغيبة، في حال الغيبة يتكلم الانسان على أخيه المسلم وينقل الأخبار من هذا إلى هذا في حال غيبته قصد الإفساد فيما بينه وبين أخيه المسلم، وهذه كبيرة ومن صفات الكافرين والعياذ بالله، هماز مشاء بنميم، وفي الصحيحين من حديث حذيفة قال عليه الصلاة والسلام:" لا يدخل الجنة قتات.
وفي لفظ" نمام"
والقتات هو : النمام لا يدخل الجنة من كان كذلك.
وفي مسلم من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال عليه الصلاة والسلام :"قالَ: أَلا أُنَبِّئُكُمْ ما العَضْهُ؟ هي النَّمِيمَةُ القالَةُ بيْنَ النَّاسِ.
أي هي السحر يحصل به التفريق بين المسلمين، فتفرق القلوب بعد ائتلافها، وتفرق القبائل بعد اجتماعها، وتفرق العشائر بعد تلاحمها، وربما حصل القتال وسفك الدماء بسبب ذلك، بسبب النميمة وهي داخلة في الغيبة بالمعنى اللغوي لأنها تحصل في حال الغيبة والعياذ بالله، فكل ذلك مما لا يجوز، وهكذا السخرية بالناس في حال غيبتهم يدخل في مسمى الغيبة لأنها تحصل في غيبة الناس، وذلك من صفات الكافرين ومن صفات المنافقين:{إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30)وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ (31)}[المطففين:29،31].
وقال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79)}[التوبة:79].
قال :{ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65)}[التوبة:65].
قال :{إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109)
فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110)إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111)}[المؤمنون:109،111].
فلا تسخر من أخيك المسلم، واعلم أيها المسلم الكريم أن من أسباب الغيبة من أسبابها الحسد، يحسد المسلم أخاه المسلم على نعمة فيقوم بغيبته، وبالكلام فيه لما في قلبه من الحسد والعياذ بالله، ومن أسباب ذلك الكبر يرى الإنسان نفسه رفيعا وغيره في سفل ووضيعة فيتكلم عن نفسه ويطعن في أخيه المسلم، فلان جاهل لا يعلم شيئا، فلان أحمق، وفلان أبله، وأنا كذا وكذل يظهر نفسه بمظهر الكمال، ويظهر غيره بمظهر النقص لما في قلبه من الكبر، وفي حديث ابن مسعود قال عليه الصلاة والسلام :" لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، ثم فسر ذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال : الكبر بطر الحق وغمط الناس، أي احتقار الناس، ذلك مرض خطير أن تحتقر الناس، وأن تستهزئ بهم، وأن تتعالى عليهم، وكل ذلك من وبال الغيبة والعياذ بالله، فالغيبة محرمة في دين الله عز وجل، إلا ما كان لمصلحة شرعية من التحذير من أهل الباطل، وأهل البدع والزيغ ممن يريدون الكيد بالإسلام والمسلمين، فالكلام فيهم نصيحة لله ولرسوله وللمسلمين، والتحذير من أهل الشر والباطل والفساد الذين يمكرون ويسعون بالفساد في أوساط المسلمين من النصيحة للإسلام والمسلمين وليس ذلك من الغيبة التي حرمها رب العالمين أو حرمها نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين، وأن يرحمنا برحمته إنه الغفور الرحيم، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها، ربنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم احفظ إخواننا المستضعفين في بلاد فلسطين في بلاد غزة يا رب العالمين، اللهم احفظهم من بين أيديهم، ومن خلفهم، وعن أيمانهم، وعن شمائلهم، ومن فوقهم، ونعوذ بعظمتك أن يغتالوا من تحتهم، اللهم كن لهم ولا تكن عليهم، اللهم انصرهم، اللهم انصرهم بنصرك وأيدهم بتأييدك إن على كل شيء قدير، اللهم يسر لهم أمورهم، واكشف همومهم وغمومهم، اللهم يسر لهم أمورهم واكشف همومهم وغمومهم، اللهم عليك بأعدائك وأعدائهم وأعداء المسلمين من اليهود والنصارى الذين تمآلووا على الإسلام المسلمين، اللهم عليك بهم وبالمنافقين الذين يتآمرون معهم ضد الإسلام والمسلمين، اللهم عليك باليهود الغاصبين المعتدين، اللهم عليك بهم، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، واجعلهم وما يملكون غنيمة للإسلام والمسلمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.