الرئيسية / الخطب والمحاضرات/ الخطب /إتحاف أهل التقى بمعنى آية والآخرة خير وأبقى
إتحاف أهل التقى بمعنى آية والآخرة خير وأبقى 2022-12-28 16:08:47


*خطبة جمعة بعنوان:(إتحاف أهل التقى بمعنى آية والآخرة خير وأبقى)*
 
*لشيخنا المبارك أبي بكر بن عبده بن عبدالله الحمادي حفظه الله*
 
*سجلت بتأريخ ٢٠/ذي الحجة/١٤٤٢ هجرية*
*مسجد الخير*
 
 
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم.
 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد:اعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم{(15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ (17) إِنَّ هَٰذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَىٰ (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ، وَمُوسَىٰ (19)}[الأعلى:15،19].
يخبرنا ربنا - سبحانه وتعالى - عن حال الخلق إلا من رحم الله سبحانه وتعالى،وأنهم قدموا العاجل على الآجل،وقدموا الحياة الدنيا على الآخرة،{بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ (17)}
فبين سبحانه وتعالى أن الآخرة خير من الدنيا،أي أنها أفضل من الدنيا،وبين - سبحانه وتعالى - أن الآخرة باقية،والدنيا زائلة،فكيف يؤثر العبد الفاني على الباقي؟وكيف يؤثر العبد الشيء التافه على الشيء الذي فيه ما فيه من الخير والفضل؟{بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ (17)}فهي خير من الدنيا، فنعيم الآخرة خير من الدنيا،روى البخاري(2892)من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام:"ومَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وما عَلَيْهَا،".
هذا المقدار اليسير من أمور الجنة وهو موضع السوط، المكان الذي يوضع فيه الصوت،والسوط العصا، فموضع السوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها،فلا مقارنة بين ذلك الموضع اليسير من الجنة وبين الدنيا وما فيها من الأموال،وما فيها من القصور،وما فيها من الأمتعة الكثيرة،  ولموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها،هذا موضع السوط، فكيف بالسوط؟ فكيف بمنازل الجنة؟ كيف بقصورها وما فيها من الملك العظيم؟ولموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها،وقال النبي عليه الصلاة والسلام كما في مسلم(2696) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:" لأَنْ أَقُولَ سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ ممَّا طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ".
والشمس تطلع على الدنيا وما فيها من الملك،وما فيها من الكنوز،وما فيها من أنواع الخيرات، هذه الكلمات المباركات خير من الدنيا وما فيها، وفي حديث عائشة في صحيح مسلم(725) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا".
والمراد بالركعتين سنة الفجر القبلية، هذه النافلة خير من الدنيا وما فيها، فكيف بالفريضة،فالفريضة أعظم وأعظم،فالآخرة خير من الدنيا،والذي يؤثر الدنيا على الآخرة فإنما أوتي من جهة جهله،من جهة الجهل؛فإن نبينا عليه الصلاة والسلام يقول كما في مسلم(2858) من حديث المستورد بن شداد رضي الله عنه قال:"واللهِ ما الدنيا في الآخرةِ إلا مثلَ ما يجعلُ أحدُكم إصبعَه في اليمِّ ، فلينظر بم يرجعُ".
هذه الدنيا بالنسبة إلى الآخرة كما يوضع الشخص إصبعه في اليم،أي في البحر،يدخل إصبعه في البحر ينظر بما يرجع ،يرجع بقطرات يسيرة، أين هذه القطرات من ماء البحر،  فالدنيا تافهة بالنسبة إلى الآخرة،"لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء" كما قال ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام فيما رواه الترمذي(2320)
من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.
فالذي يؤثر الحياة الدنيا ويتغافل عن الآخرة ويقدم الحياة الدنيا على الآخرة فإنما أوتي من جهة جهله،وعدم تعقله لحقائق الأمور،فإن ربنا سبحانه وتعالى يقول{وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32)}[الأنعام:32].
فإنما أوتي الإنسان من عدم تعقله للأمور من جهله البالغ،وإلا فإن العبد لو علم حقيقة الأمر فإنه لا يقدم الدنيا على الآخرة،{وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32)}
وقال الله{وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا ۚ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (60)}[القصص:60].
متاع الدنيا زائل، قل متاع الدنيا قليل،والآخرة متاعها عظيم وباق،قال مالك ابن دينار رحمة الله عليه:لو كانت الدنيا من ذهب والآخرة من خزف لوجب على العبد أن يقدم الآخرة على الدنيا لأن الآخرة باقية والدنيا فانية،فكيف والآخرة من ذهب والدنيا من خشب،فكيف يقدم الإنسان الشيء النفيس الغالي الباقي بالشيء التافه الزائل الذي لا بقاء له،فإن العبد لا يبقى في الدنيا ولا تبقى الدنيا للعباد، فالعبد يموت إذا جاء أجله ويترك ما خلف من مال ومتاع لمن جاء بعده،والدنيا أيضاً لا تبقى لأهلها،فإن الله - سبحانه وتعالى - يفني الدنياولا تبقى إلا الدار الآخرة، إما دار النعيم وهي الجنة،وإما دار الجحيم وهي نار جهنم والعياذ بالله،  فأما الدنيا فإنها زائلة{بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16)وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ }
أي أفضل من الدنيا وهي باقية،خير وابقى،{ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ (17)إِنَّ هَٰذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَىٰ (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ (19)}[الأعلى:16،19].
ما ذكر هذه الآيات في هذه السورة وما ذكر في هذا الموضع مما وعد الله-سبحانه وتعالى-به عباده في الكتب السابقة، في صحف إبراهيم وموسى،أخبر ربنا - سبحانه وتعالى - من مضى من الأمم عن حالهم وأنهم يؤثرون الفانية على الباقية،يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة،هذا حال أكثر الخلق،ولا ينجوا من ذلك إلا من رحم الله سبحانه وتعالى،والسبب هو الجهل كما قال سبحانه وتعالى{ أفلا تعقلون}وهكذا من الأسباب في ذلك أن الدنيا تزينت وهي حاضرة،والآخرة غائبة،والنفوس الضعيفة تُقبل على الشيء الموجود ولو كان زهيداً،وهذا من جهل الإنسان،قال الله{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَٰلِكُمْ ۚ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)}[آل عمران:14،15].
فلا يقدم الفاني على الباقي إلا من كان من الجاهلين من اغتر بزخرف الدنيا وما فيها من البهاء الزائل فقدم ذلك على الآخرة{بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16)وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ (17)}من تأمل في أحوال الناس وجد أن هذا هو الواقع في أحوال الناس إلا من رحم الله سبحانه وتعالى،فمن ذلك أن كثيراً من الناس إذا ابتهلوا إلى ربهم ورفعوا أيديهم بالدعاء إنما يسألون ربهم سبحانه وتعالى الدنيا،يسألون ربهم الدنيا ولا يسألون ربهم سبحانه وتعالى الآخرة،لا يسألون ربهم الفردوس الأعلى،لا يسألون ربهم الجنة وما فيها من النعيم،لا يسألون مغفرة الذنوب،لا يسألون الهداية، لا يسألون ما يتعلق بأمر الآخرة،وإنما يتجهون بالدعاء إلى ربهم سبحانه وتعالى في أمر الدنيا، إما يدعون بالتوسعة في الرزق،أو بإزالة ما نزل بهم من الشدائد والمصائب الدنيوية، فإذا نزلت المصائب الدنيوية ابتهلوا إلى ربهم،وإذا نقص شيء من أرزاقهم ابتهلوا إلى ربهم سبحانه وتعالى بالدعاء،ولا يسألون ربهم سبحانه وتعالى الآخرة، قال الله سبحانه وتعالى{فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200)وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)أُولَٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا ۚ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202)}[البقرة:200،203].
هناك من الناس من إذا دعا ربه دعا العيشة الطيبة في الدنيا،يسأل ربه -سبحانه وتعالى- الدنيا ولا يسأل ربه الآخرة{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} أي ليس له نصيب في الآخرة وهو غير مبال بآخرته، المهم يريد الدنيا،لكن هناك صنف من الناس من يسأل الخيرين ،بل يدعو ربه - سبحانه وتعالى - بالعيشة الطيبة في الدنيا وفي الآخرة وهؤلاء ينالهم ثواب الدنيا وثواب الآخرة،قال سبحانه وتعالى{مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ (20)}[الشورى:20].
الذي يريد حرث الآخرة أي كسب الآخرة يزد له ربه-سبحانه وتعالى- في حرثه أي في كسبه،قال بعض العلماء: بمضاعفة الحسنات،فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.
وقال آخرون :يقويه على الطاعة، يقوي العبد الذي يريد الآخرة على الطاعة.
وقال بعض العلماء: يزد له ربه في حرثه أي يجعل الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة.
الذي يريد الآخرة يزيد الله سبحانه وتعالى وفي حرثه أن يزد له الآخرة مع الدنيا جزاء على حسن إرادته، فيجعل الله - سبحانه وتعالى - له الحياة الطيبة في الدنيا ويجعل له ربه - سبحانه وتعالى -الحياة الطيبة في قبره،ويجعل له الحياة الطيبة إذا انتقل إلى جنات النعيم ،فيزد له ربه سبحانه وتعالى في حرثه،قال الله{مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا (18)وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا (19)}[الإسراء:18،19].
سعى لها سعيها الذي تستحقه،ما كان من الكسالى في طاعة الله عزوجل، ولا من المتماوتين في فرائض الله سبحانه وتعالى،وإنما سعى لها السعي الذي تستحقه،فإن ربنا سبحانه وتعالى شكور يجازيه بأكثر مما عمل، فلا يطلب الإنسان الدنيا وينسى الآخرة،من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة،لما تسأل ثواب الدنيا فقط؟والله - سبحانه وتعالى - عنده ثواب الدنيا والآخرة، ادعو ربك - سبحانه وتعالى- بالحسنيين كما كان دعاء رسول الله عليه الصلاة والسلام،في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه قال:"كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً، وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وقِنَا عَذَابَ النَّارِ:"أخرجه البخاري (4522)، ومسلم (2690) واللفظ له.
فكان النبي عليه الصلاة والسلام يدعو  بالعيشة الحسنة في الدنيا وفي الآخرة،هذا أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم،فهذا الذي ينبغي،لا يكن الإنسان عبداً لدنياه وينسى آخرته،
هذا واستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم
 
 
الخطبة الثانية:
 
الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد،
معاشر المسلمين : يقول ربنا سبحانه وتعالى{بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16)وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ (17)}
وإن مما يدل على إيثار كثير من الناس الحياة الدنيا على الآخرة أنهم يحرصون على علوم الدنيا ولا يحرصون على علم الآخرة،وعلم الدنيا ينتهي بالموت وينتهي عموماً بإنتهاء الدنيا،ينتهي علم الشخص بموته إذا كان عالماً في أمور الدنيا،  وينتهي علم الدنيا بالكلية بزوال الدنيا وفنائها،وإما علم الآخرة فإنه يستمر مع العبد إلى أن يدخله جنات النعيم،  قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المشهور لأبي هريرة رضي الله عنه  في مسلم(2669)
:"من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقاً إلى الجنة".
فهو طريق موصل إلى الجنة،أما علم الدنيا فينتهي بانتهائها،قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم{فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29)ذَٰلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَىٰ (30)}[النجم29،30].
منتهى علمهم الدنيا،فلا يعلمون عن الآخرة،ولا يحرصون على علم الآخرة، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، أي علم الآخرة،ولكن أكثر الناس لا يعلمون، يعلمون ظاهر من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون،هذا حال أكثر الناس،يتجه الناس إلى علوم الدنيا ويتغافلون عن علوم الآخرة كما أخبرنا بذلك ربنا سبحانه وتعالى،وهذا من الغفلة العظيمة التي حلت  في كثير من الناس.
وهكذا مما يدل على إيثار كثير من الناس الحياة الدنيا على الآخرة أن هناك من الناس من يحرص على العمل الصالح إذا نال شيئاًمن الدنيا، إذا نال شيئاً من الدنيا حرص على العمل الصالح،وإذا لم ينل شيئاً من الدنيا في ذلك العمل الصالح إذا به يزهد فيه،ويدع ذلك العمل،فإنما عمل ذلك العمل الصالح لا من أجل الآخرة وإنما من أجل الدنيا،وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال:"أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَالَ: والذي نَفْسِي بيَدِهِ لقَدْ هَمَمْتُ أنْ آمُرَ بحَطَبٍ، فيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بالصَّلاَةِ، فيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إلى رِجَالٍ، فَأُحَرِّقَ عليهم بُيُوتَهُمْ، والذي نَفْسِي بيَدِهِ لو يَعْلَمُ أحَدُهُمْ، أنَّه يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا، أوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ، لَشَهِدَ العِشَاءَ" واللفظ للبخاري(644).
لو يَعْلَمُ أحَدُهُمْ، أنَّه يَجِدُ :أي في المسجد.
عَرْقًا سَمِينًا: أي عظم فيه لحم عظيم.
أوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ: أي يجد سهمين في المسجد.
قال لَشَهِدَ العِشَاءَ.
أي أن كثيراً من الناس إذا علم أنه يجد شيئاً من حظوظ الدنيا في بيوت الله - عزوجل - فإنه سوف يشهد الصلوات في بيوت الله لرغبته في الدنيا،ولرغبته في شهوات الدنيا وفي ملذاتها،وكل هذا من إيثار الحياة الدنيا على الآخرة، وكل هذا داخل في قوله سبحانه وتعالى{بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16)وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ (17)}.
وهكذا من حرص الناس على الحياة الدنيا أن الناس إذا نزلت بهم الأمراض البدنية إذا بهم يتجهون إلى المستشفيات والعيادات ويشترون الأدوية ويحرصون على زوال ما بهم من الأمراض،والمستشفيات مزدحمة والعيادات مزدحمة بالأمراض وإذا ما مرض قلب الإنسان واذا ما مرضت روح الإنسان بالذنوب المعاصي والشبهات والشهوات لا يحرص على علاج روحه وقلبه بدين الله عزوجل، بالأدوية الشرعية من كتاب الله،ومن سنة النبي عليه الصلاة والسلام،ولا يتجه إلى أهل العلم ويستفتي عن حاله وعن أمره،وعن ما حصل له من أمراض قلبه وروحه،ولا يهتم بأمر روحه وقلبه،ويهتم بأمر بدنه مع أن البدن إن انتهى فإنما تنتهي الدنيا،والروح إن ماتت والقلب إن مات خسر العبد الدنيا والآخرة،وكل هذا داخل في قوله سبحانه وتعالى{بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16)وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ (17)}.
ومن ذلك أن كثيراً من الناس مستعد أن يتنازل عن شيء من دينه عظم أو صغر من أجل بعض متاع الدنيا  وبعض شهواتها،فيقدم شهوات الدنيا على طاعة ربه سبحانه وتعالى،قال الله {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)}[مريم:59].
مستعد أن يضيع الصلوات بشيء من شهوات الدنيا،بالبيع، أو الشراء،أو غير من شهوات الدنيا وملذاتها،مستعد وغير مبال بذلك،{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)}
وفي مسلم(118) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:"بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم, يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً, أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً, يبيع دينه بعرض من الدنيا".
زاد الإمام أحمد في مسنده:" بعرض من الدنيا قليل"يبيع دينه بعرض من الدنيا هكذا في مسلم،وعند الإمام أحمد قليل يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل،{بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ (17)}
كان نبينا عليه الصلاة والسلام يقرأ هذه السورة سورة الأعلى في كل جمعة لما فيها من العظة وما فيها من العبرة،لعل الناس يتعظون بما فيها من الأمور العظيمة،فيسمع الناس في صلاة الجمعة هذه السورة المباركة، وكثير من الناس في هذه الأزمان وفي غيرها في غفلة عن معانيها،
 اسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين،وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين،اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها،اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل،  ربنا ظلمنا أنفسنا ظلماً كثيراً وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم،ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.



جميع الحقوق محفوظة لـ الموقع الرسمي للشيخ أبي بكر الحمادي