فتح الكربم البر في السبع الأوامر لأبي ذر 2 محرم 1446هـ 2025-06-29 08:31:20
خطبة جمعة بعنوان فتح الكريم البر في السبع الأوامر لأبي ذر
لشيخنا المبارك أبي بكر الحمادي حفظه الله ورعاه
سجلت بتاريخ ٢ محرم ١٤٤٧ه
مسجد النور الزرعان
إن الْحَمْدُ للهِ نَحْمَدُه ونستعينُه ، ونستغفرُه ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ، ومن سيئاتِ أعمالِنا ، مَن يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له ، ومَن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[ آل عمران : 102] .
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًاكَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}[ النساء : 1 ]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}[الأحزاب : 70 ،71].
أما بعد : روى أحمد في مسنده من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال:"أمَرَني رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بسَبعٍ: أمَرَني بحُبِّ المَساكينِ، والدُّنُوِّ منهم، وأمَرَني أنْ أنظُرَ إلى مَن هو دوني، ولا أنظُرَ إلى مَن هو فَوْقي، وأمَرَني أنْ أصِلَ الرحِمَ وإنْ أدبَرَتْ، وأمَرَني ألَّا أسأَلَ أحَدًا شيئًا، وأمَرَني أنْ أقولَ بالحقِّ، وإنْ كان مُرًّا، وأمَرَني ألَّا أخافَ في اللهِ لَومةَ لائمٍ، وأمَرَني أنْ أُكثِرَ من قولِ: لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ؛ فإنَّهُنَّ من كَنزٍ تحتَ العَرشِ.
فأمر نبينا عليه الصلاة والسلام أبا ذر بهذه الأوامر النافعة العظيمة، أمر النبي عليه الصلاة والسلام أبا ذر بسبع أمور، الأمر الأول: قال أمرني بحب المساكين وأن أدنو منهم، أمر نبينا عليه الصلاة والسلام أبا ذر بحب المساكين وأن يدنو منهم، وذلك أن المساكين غالباً هم أهل التقوى، وأهل الورع، وأهل الخوف من الله عز وجل، وأهل الذل والمسكنة، وهم أتباع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حين سأل هرقل أبا سفيان كما جاء في الصحيحين أضعفاء الناس يتبعونه أم أشرافهم ؟ قال : بل ضعفاء الناس، فقال هرقل : أولئك أتباع الأنبياء، فمساكن الناس وفقراء الخلق هم أتباع الأنبياء والرسل، لم تلههم الدنيا ولم يلههم المال عن طاعة الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، فإن المال يُطغي كما قال الله عز وجل :{كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ (7)}[العلق:6،7].
وقال سبحانه وتعالى:{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13)
وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا ۖ إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16)}[المدثر:11،16]
قال:{وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ (13) أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15)}[القلم:10،15].
فالمال يُطغي بصاحبه، والفقر والمسكنة لا يحصل بها الطغيان غالبا، ولهذا أتباع الأنبياء والرسل هم ضعفاء الناس وهم أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال سبحانه وتعالى عن بعض الكافرين عن قوم نوح أنهم قالوا لنوح عليه الصلاة والسلام{قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111)} أي ضعفاء الناس ومساكين الناس ، فهؤلاء هم أتباع الرسل، ولهذا أمر الله عز وجل نبيه عليه الصلاة والسلام أن يصبر نفسه مع الضعفاء والفقراء فقال سبحانه وتعالى :{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)}[الكهف:28].
وقال سبحانه وتعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام :{وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ}[الأنعام:52].
فأمره الله عز وجل بتقريبهم وعدم طردهم، وأمره سبحانه وتعالى بمجالستهم، وقال سبحانه وتعالي لنبيه عليه الصلاة والسلام :{عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ (1) أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَىٰ (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَىٰ (5) فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّىٰ (7) وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَىٰ (8) وَهُوَ يَخْشَىٰ (9) فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ (10) كَلَّا}[عبس:1،10].
فبين الله سبحانه وتعالى له أن الأمر على خلاف ذلك، فاستقام نبينا عليه الصلاة والسلام على أمر ربه عز وجل فكان يقترب من الفقراء والمساكين ويبتعد ممن كان من الطاغين وإن كان كبيرا عظيما، أتباع الأنبياء والرسل هم هؤلاء القوم، ليس عندهم من الدنيا ما تطغيهم عن طاعة الله عز وجل، فأمر نبينا عليه الصلاة والسلام أبا ذر أن يدنوا من المساكين ومن دنا من المساكين سعى في الإحسان إليهم من أجل الله عز وجل، فإن المسكين لا ترجو منه منفعة، ما عنده سلطان ترجو من سلطانه، ولا عنده جاه ترجو من جاه، ولا عنده مال تلتمس شيئا من دنياه، فإن أحسنت إليه فإنما تحسن إليه من أجل الله عز وجل غالبا، قال سبحانه وتعالى :{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10)} فأحسنوا إليهم من أجل الله عز وجل قال الله:{فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12)}[الإنسان:8،11]. إلى آخر الآيات.
حب المساكين عمل صالح يحبه الله عز وجل، يحبه الله وأمر الله به وأمر به نبينا عليه الصلاة والسلام كما في هذا الحديث يأمر أبا ذر بحب المساكين وأن يدنو منهم، المساكين هم أكثر أهل الجنة، جاء في البخاري وأصله في الصحيحين عن عمران بن حصين رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" أطلعت على الجنة فوجدت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت على النار فوجدت أكثر أهله الأغنياء.
وجاء ذلك أيضا في مسلم من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بنحو حديث عمران اطلع النبي عليه الصلاة والسلام على أهل الجنة فوجد أن أكثر أهلها الفقراء واطلع على أهل النار فوجد أكثر أهلها الأغنياء وذلك أن الدنيا تلهي، قال الله عز وجل :{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)} أي تكاثر بالأموال والأولاد وغير ذلك من متاع الدنيا، ألهاكم عن العمل للدار الآخرة، ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر أي حتى صرتم أمواتا في القبور استيقظتم بعد أن ذهبت عنكم الدنيا وصرتم من أهل القبور،{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)}[التكاثر:1،8].
وفي حديث حارثة بن وهب في الصحيحين، قال النبي عليه الصلاة والسلام:"
أَلَا أُخْبِرُكُمْ بأَهْلِ الجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُستَضَعِّفٍ، لو أقْسَمَ علَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ
ألا أنبيكم بأهل الجنة كل ضعيف مستضعف لكنه عزيز عند ربه سبحانه وتعالى، وكريم عند الله عز وجل، قال: لو أقسم على الله لأبره، هؤلاء هم أهل الجنة، الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بسنين كثيرة، جاء في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال:" يدخل فقراء المهاجرين الجنة قبل الأغنياء بأربعين خريفا، أي بأربعين سنة، ومآل أولئك إلى الجنة إن كانوا من الصالحين أعني الأغنياء، لكن يسبق الفقراء إلى الجنة قبل الأغنياء بهذه المدة العظيمة بأربعين خريف أي بأربعين سنة، نبينا عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث يحث أبا ذر ويوصيه بهذه الوصية النافعة قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحب المساكين وأن أدنو منهم، الذي يدنو من المساكين يريد الله عز وجل والدار الآخرة، والذي يقترب من السلاطين ومن الأمراء ومن الملوك ويقترب من الأغنياء إنما يريد الدنيا، وفرق بين من يريد الدار الآخرة ومن يريد الدنيا، شتان ما بين الإرادتين وما بين الرجلين، فلهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام أبا ذر أن يحب المساكين وأن يدنو منهم، قال : وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي، وذلك أن الإنسان إذا نظر إلى الأغنياء وإلى الملوك والسلاطين فإنه يزدري نعمة الله سبحانه وتعالى عليه، ويرى أن الله سبحانه وتعالى لم ينعم عليه إلا بالشيء اليسير، وإذا نظر إلى من هو دونه في الفقر والحاجة فإنه يشكر ربه سبحانه وتعالى على منته وعلى عطائه وجوده، جاء في مسلم حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم، إن كان فيك شيء من الفقر والحاجة انظر إلى من هو أفقر منك تشكر ربك سبحانه وتعالى على العافية، إن كان فيك شيء من المرض فانظر إلى من به مرض أشد منك فإنك تشكر ربك سبحانه وتعالى على العافية، وإذا نظرت إلى من هو فوقك فإنك تتسخط نعمة ربك سبحانه وتعالى، وتزدري نعمة ربك وتتطلع إلى الدنيا وإلى شهواتها وإلى ملذاتها فتهلك والعياذ بالله، فلهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام أبا ذر أن ينظر إلى من هو دونه وأن لا ينظر إلى من هو فوقه.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرحمنا برحمته وأن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد: قال أبو ذر رضي الله عنه" وأمرني يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أصل الرحم وإن أدبرت، صل رحمك وإن قامت بهجرك والإساءة إليك فإن هذا عمل صالح يحبه الله عز وجل،{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)}فهذا لا يجوز حرمه رب العالمين سبحانه وتعالى، جاء في البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال :ليسَ الواصِلُ بالمُكافِئِ، ولَكِنِ الواصِلُ الذي إذا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وصَلَها.
فليس الواصل بالمكافئ أي تصل من وصلك وتقطع من قطعك وإنما الواصل في الحقيقة من إذا قطعته رحمه قام بوصلها.
وفي مسلم حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أن رجلاً جاء إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: يا رَسُولَ اللهِ، إنَّ لي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إليهِم وَيُسِيؤُونَ إلَيَّ، وَأَحْلُمُ عنْهمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقالَ: لَئِنْ كُنْتَ كما قُلْتَ، فَكَأنَّما تُسِفُّهُمُ المَلَّ ، أي الرمل الحار وتطعمه الرمل الحار بهذا الفعل بإحسانك إليهم وهم يسيئون إليك، بحلمك عنهم وهم يجهلون عنك، بصلتك وهم يقطعونك، فَكَأنَّما تُسِفُّهُمُ المَلَّ وَلَا يَزَالُ معكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عليهم ما دُمْتَ علَى ذلكَ. أي لا يزال معين لك من الله عز وجل ما دمت على هذا الخلق العظيم، تصل رحمك وهم يقطعونك تحسن إليهم وهم يسيئون إليك، وهكذا تحلم عنهم وهم يجهلون عليك لا يزال معك من الله ظهير ما دمت كذلك.
وأوصى نبينا عليه الصلاة والسلام أبا ذر بأن لا يسأل الناس شيئا، أوصاه أن لا يسأل الناس شيئا أن يتعفف عن الناس ولا يضع حاجته على الخلق وإنما يضع حاجته على ربه سبحانه وتعالى، كما قال عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عباس عند الترمذي وغيره وإذا سألت فاسأل الله، وقال الله :{أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ}[النمل:62].
وقال سبحانه :{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)}[غافر:60].
وفي حديث حكيم بن حزام في الصحيحين، وفي حديث أبي سعيد الخدري أيضا في الصحيحين، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" من يستعفف يعفه الله ومن يستغني يغنيه الله، من يستعفف أي عن مسألة الناس يعفه الله بأن يفتح له بابا من أبواب الرزق يغنيه عن الناس، ومن يستغني أي بالله عز وجل يستغني بقلبه عن الناس ويتجه إلى ربه ويستغني بربه عن الناس يغنيه الله سبحانه وتعالى من فضله، من يستعفف يعفه الله ومن يستغني يغنه الله سبحانه، هكذا يقول نبينا عليه الصلاة والسلام، فأوصى نبينا عليه الصلاة والسلام أبا ذر أن لا يسأل الناس شيئا.
وأوصاه بوصايا عظيمة نافعة في هذا الحديث، أوصاه أن يقول الحق ولو كان مرا، وأن لا يخاف في الله لومة لائم، وقد جاء في الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنهما قال : أوصانا نبينا عليه الصلاة والسلام بالسمع والطاعة في المنشط والمكره، وأن لا ننازع الأمر أهله، قال وأن نقول الحق ولو كان مرا، ولا نخاف في الله لومة لائم، وأوصاه أيضا بكلمة عظيمة بأن يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله، وأن يكثر من ذلك، فقال : وأمرني أن أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز تحت العرش، وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال النبي عليه الصلاة والسلام:" ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ قلت : بلى يا رسول الله، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، بمعنى لا أستطيع أن أتحول من حال إلى حال ولا قوة لي على ذلك إلا بمعونة من الله عز وجل، ففيها افتقار العبد إلى ربه سبحانه وتعالى، وطلب العون من الله سبحانه وتعالى لا تستطيع أن تتحول من حال إلى حال إلا بمعونة من الله عز وجل، لا قوة لك على ذلك، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكون، كلمة عظيمة كنز من كنوز الجنة كنز تحت العرش كما أخبرنا بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام، إن نزلت بك المضائق والشدائد فقل لا حول ولا قوة إلا بالله، إن نزلت بك الأمراض والأوجاع فقل لا حول ولا قوة إلا بالله، إن تكالب عليك الأعداء من كل مكان فقل لا حول ولا قوة إلا بالله، إن اشدت عليك الأمور من كل وجه فقل لا حول ولا قوة إلا بالله يعينك الله عز وجل على أمورك لأنك استعنت به وفوضت أمرك إليه واتجهت إليه وحده لا شريك له، فهي من أعظم الكلام ومن أحسنه، فأكثر من هذه الكلمة النافعة المباركة كما أوصى نبينا عليه الصلاة والسلام أبا ذر قال وأمرني أن أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها من كنز تحت العرش.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين، وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وارحمنا واهدنا واهد بنا وجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بالله من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، اللهم يسر على المعسرين واقضي الدين عن المدينين، وعافي مبتلى المسلمين، واشف مرضاهم وارحم موتاهم إنك أنت الغفور الرحيم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.
فرغها أبو عبد الله زياد المليكي حفظه الله