الرئيسية / الخطب والمحاضرات/ الخطب /الارتقاء إلى معرفة المداهنة والمداراة والاتقاء
الارتقاء إلى معرفة المداهنة والمداراة والاتقاء 2022-12-29 03:40:33


*خطبة جمعة بعنوان:(الارتقاء إلى معرفة المداهنة والمداراة والاتقاء )*
 
*لشيخنا المبارك : أبي بكر بن عبده بن عبدالله الحمادي حفظه الله*
 
*سجلت بتأريخ ١٦ / ربيع الأول/١٤٤٣ من الهجرة*
 
*مسجد المغيرة بن شعبة، مدينة القاعدة، محافظة إب - حرسها الله وسائر بلاد المسلمين*
 
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد:فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
 
يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{ لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28)قُلْ إِن تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29)}[آل عمران:28،29].
حذر ربنا سبحانه وتعالى في هاتين الآيتين المباركتين من اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، ورخص سبحانه وتعالى في اتقاء شر الكافرين، إلا أن تتقوا منهم تقاة، فلا بد للمسلم أن يعرف وأن يميز في معاملاته للخلق بين أمور ثلاثة، بين الاتقاء، وبين المداراة، وبين المداهنة حتى لا تلتبس عليه الأمور، فيقع فيما حرم الله سبحانه وتعالى عليه من حيث لا يدري، ربنا سبحانه وتعالى نهى عن موالاة الكافرين، فقال سبحانه{لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} تبرأ الله سبحانه وتعالى ممن والى أعدائه من اليهود أو من النصارى أو من المجوس أو غيرهم من أنواع الكافرين، من تولى الكفار بمحبتهم وبنصرتهم وبإظهار عوارات المسلمين لهم وبمعاونتهم على المسلمين وغير ذلك من أنواع الموالات فإن الله سبحانه وتعالى بريء منه، فليس هو من ربه سبحانه وتعالى من شيء من قليل ولا من كثير، فالأمر عظيم جدا، قال سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)} الذي يتولى اليهود والنصارى من  المسلمين فهو منهم كما قال سبحانه وتعالى في هذه الآية:{وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
وقال الله :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ}[ الممتحنة:1].
فهم أعداء رب العالمين سبحانه وتعالى، وهم أعدائكم، فكيف توالون الأعداء، كيف تتخذ العدو صديقاً، {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73)}[ الأنفال:73].
الفتنة العظيمة أن يتولى المسلمون الكافرين، الفساد الكبير في الأرض بتولي المسلمين لأعدائهم من اليهود ومن النصارى ومن المجوس ومن غيرهم من الكافرين، {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73)} تنتشر الفتن في أوساط الأرض بموالاة الكافرين، وينتشر الفساد العريض المستطير في الأرض بسبب موالاة الكافرين، فمن والى الكافرين كان سببا في انتشار الفتنة والشرك والكفر في الأرض، فإن الفتنة هي الكفر والشرك، إن واليت أعداء الله عز وجل من اليهود ومن النصارى ومن المجوس ومن غيرهم فقد سعيت في انتشار الكفر والشرك في الأرض والعياذ بالله، وإذا ما انتشار الكفر والفساد في الأرض فإنه يحصل الفساد الكبير، فإنما فسدت أحوال الناس بسبب معاصيهم، وأعظم المعاصي الكفر بالله عز وجل والشرك به، قال الله :{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)}[ الروم:41].
 
قال الله:{ {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73)}}
 
قال الله:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ}
هكذا يقول ربنا سبحانه وتعالى، بعضهم أولياء بعض، اليهود يوالون اليهود، والنصارى يوالون النصارى، والمجوس يوالون أجناسهم من المجوس، والمسلم يجب عليه أن يوالي المسلمين، وأن يعادي الكافرين، وفي هذه الآية يقول سبحانه وتعالى:{لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً}.
يتقي الإنسان شر الكافرين إذا كان تحت سلطانهم، إذا كان تحت سلطان الكافرين فله أن يتقي شرهم، وما معنى اتقاء الشر معنى اتقاء أنه لا يظهر ما عنده من الإسلام والإيمان، يخفي ما عنده من الإسلام والإيمان إذا كان في سلطان الكافرين، وليس المعنى أنه يوافق الكافرين على كفرهم، ويناصر الكافرين على المسلمين، ويعاون الكافرين على المسلمين، ويدل الكافرين على عورات المسلمين، وإنما يتقي شرهم بعدم إظهار المخالفة، لا يظهر المخالفة لهم، ويكتم ما عنده من الإيمان، هذا إذا كان في سلطانهم مستضعفا لم يتمكن من الهجرة من بلاد الكافرين إلى بلاد المسلمين، فإذا لم يتمكن من الهجرة من بلاد الكافرين إلى بلاد المسلمين وهو مستضعف فله أن يتقي شرهم ويكتم إيمانه كما كان المستضعفون من المؤمنين في مكة الذين ما تمكنوا من الهجرة، لم يتمكنوا من الهجرة إلى مدينة رسول الله عليه الصلاة والسلام فكتموا إيمانهم ولم يظهروا مخالفة المشركين، غير أنهم ما أظهروا الكفر والعياذ بالله، وما وقعوا فيه، وما ناصروا الكافرين على المسلمين، ولا دلوا على عورات المسلمين، غاية ما في الأمر أنهم اتقوا الشر ولم يقعوا في الباطل، اتقوا الشر ولم يقعوا في الباطل، فهذا يجوز إذا كان العبد مستضعفا، وفي سلطان الكافرين له أن يتقي الشر ولا يقع في الباطل، لا يقع في باطل الكافرين، لا يقع في كفرهم ولا في شركهم، ولا في شيء من باطلهم، لكن لا يظهر المخالفة، ولا يظهر ما معه من الإيمان من باب الإتقاء، فهذا الذي رخص الله سبحانه وتعالى به لمن كان مستضعفاً، ومن لم يكن مستضعفا وقادر على الهجرة فالواجب عليه أن يهاجر من بلاد الكافرين إلى بلدان المسلمين،{ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28)}.
إذا أنتم لم تستجيبوا لأمر الله ولم تنتهوا عن نهي الله عز وجل فالله سبحانه وتعالى عنده العذاب الأليم، عنده العذاب الشديد، يحذركم الله نفسه، فإن الله سبحانه وتعالى عزيز ذو انتقام، قال الله:{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49)وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)}[ الحجر :50،49].
عذاب الله سبحانه وتعالى لا يطاق، هو العذاب الأليم، قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ۚ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26)}[ الفجر:26،21].
ويحذركم الله نفسه إذا أنتم واليتم الكافرين وتركتم موالاة المسلمين لكم العذاب الأليم من رب العالمين سبحانه وتعالى، العذاب الذي لا يطاق،{وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28)}.
مرجعكم إلى ربكم سبحانه وتعالى لا إلى غيره، إليه ترجعون وحده لا شريك له، وسوف يحاسبكم على أعمالكم، وسوف يحاسبكم على هذا الأمر الذي حصل منكم من موالاة أعدائه وترك الموالاة لأوليائه، وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28)].
لابد من رجوع إلى رب العالمين سبحانه وتعالى، وإن طال العمر فالموت آت، قال الله:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[ آل عمران:185].
لابد من مصير إلى رب العالمين سبحانه وتعالى وإليه ترجعون، وسوف يحاسب العباد على أعمالهم، ومن وقع في هذا الأمر العظيم فله العذاب الأليم من رب العالمين سبحانه وتعالى، توعده الله بذلك، وبين سبحانه وتعالى أن المصير له، وبين سبحانه وتعالى أن من أخفى في قلبة موالاة الكافرين أو أبدء ذلك فإن ذلك لا يخفى على رب العالمين سبحانه وتعالى، من أظهار العداء للكافرين وأبطن موالاة الكافرين في قلبه فإن ذلك لا يخفى على ربه، يعلم الله سبحانه وتعالى السر وأخفى، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، قال الله:{قُلْ إِن تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29)يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)}[ آل عمران:29،30].
حذرنا ربنا سبحانه وتعالى من هذا الأمر العظيم الذي تساهل فيه كثير من الناس، بل بلغ الحال لكثير من الجاهلين الاغترار بأعدائهم وصاروا يمدحونهم، ويثنون عليهم الثناء الذي لا يليق بهم، ويصفونهم بالمكارم، وبالصفات الرفيعة، وكل هذا من الأمور العظيمة، تمدح من؟  تمدح عدو الله سبحانه وعدوك؟ تحب من؟  تحب عدو الله وعدوك تحب الكافرين الذين كفروا بالله وبرسوله بل وبرسله، الذين سبو رب العالمين سبحانه وتعالى، الذين يكيدون للمسلمين العداء في كل حين وفي كل وقت من الأوقات، تثني على هؤلاء؟ وهنالك من جهال الناس من يقول في شأن الكافرين أنهم أفضل من المسلمين، كبرت كلمة تخرج من فيه، المسلم وإن كان عاصياً فعنده توحيد رب العالمين سبحانه وتعالى ينجو به من الخلود في ناره وإن عذب، والكافر خسر الدنيا والآخرة، قال الله:{أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)}[ الأعراف:179].
الكفار شأنهم كشأن الأنعام بل هم أضل، فكيف تفضل من كان كافرا على من كان مسلماً، قال الله:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (51)أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52)}[ النساء:52،52]
من فضل الكافرين على المسلمين لعنه رب العالمين سبحانه وتعالى، ومصيره إلى ربه وسوف يجازيه على هذه المقولة المنكرة، وعلى هذا الكلام القبيح السيء، وعلى هذا الكلام الذي هو في غاية الجهل والظلم والبغي، فهذا مما لا يجوز، وهذا مما يتلفظ به كثير من الناس ولا يتقون ربهم سبحانه وتعالى فيما يتحدثون به، وفيما يتلطفون به، و هو من الكلام العظيم، ومن الكلام المنكر الشنيع، اسأل الله سبحانه و تعالى أن يغفر لنا ذنوبنا، وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم .
 
الخطبة الثانية:
 
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
اعلموا معاشر المسلمين أن من جملة المعاملة مع الخلق وهي من المعاملة التي لا تجوز المداهنة، أن يداهن العبد من كان كافرا، وأن يداهن من كان باغيا، وأن يداهن من كان ظالما، وأن يداهن من كان مشركا، أو كان واقعا في أي نوع من أنواع الأخطاء، فإن المداهنة بمعنى الملاينة، قال سبحانه وتعالى:{وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9)}[ القلم:9].
هذا مما يحبه الكفار من أهل الإسلام أن يميلوا إليهم، أن يملوا إلى باطلهم، وأن يشاركهم في بعض أمورهم الباطلة حتى يميلون إليهم، ويميلون إليهم وليس هذا من دين الله عز وجل، ليس هذا من دين الله سبحانه وتعالى، الذي أمر الله به هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله:{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[ آل عمران:110].
فأثنى الله عز وجل على هذا الأمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"، أخرجه مسلم(49).
إن لم يتمكن أن يغير المنكر بيده انتقل إلى تغيره بلسانه، وإن لم يتمكن أن يغير المنكر بلسانه انتقل إلى تغير المنكر بقلبه وذلك أضعف الإيمان، أما أن يداهن الكافرين والمشركين والضالين، ويداهن أصحاب المخالفات والأخطاء فيميل إليهم حتى يميلون إليه، ويشارك المبطلين في باطلهم، ويوافق أهل الباطل على باطلهم فإن هذا من المداهنة التي لا تجوز، أقل ما يفعله العبد أن ينكر المنكر بقلبه إن لم يستطع أن ينكره بلسانه ولا بيده، أما أن يداهن فإن هذا مما نهى عنه ربنا سبحانه وتعالى، لا تعامل الخلق بالمداهنة فإنه خلق سيء، وخلق يحبه الكافرون، يحبون من المسلمين المداهنة، وأن يميلوا إلى شيء من باطلهم، وهم مستعدون أن يميلوا، إن مال المسلمين فإنهم مستعدون أن يميلوا حتى يوقعوا المسلمين في أنواع الضلال والانحراف عن دينهم، والخلق الثالث وهو خلق حميد، يستحب للعبد أن يستعمله مع الناس وهو خلق المداراة، المداراة بمعنى الملاطفة، يلاطف الناس حتى يميلهم من الباطل إلى الحق، حتى يجعل نفوسهم تقبل الحق وتميل إلى الحق وترك الباطل بشيء من المساسية، بشيء من المداراة، بشيء من الملاطفة، بشيء من الرفق، فإن المدارات في معاملة الناس من العقل الحميد، قال الحسن البصري رحمة الله عليه: يقولون أن المداراة نصف العقل أنا أقول إن المداراة هي العقل كله، وهي سبيل المرسلين عليهم الصلاة والسلام، عاملوا قومهم بأنواع الرفق واللطف، قال سبحانه وتعالى لموسى وهارون :{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ (44)}[ طه:44].
قولا لينا هذه هي المداراة، وهذا هو الرفق، وهذا هو اللطف، وقال الله:{ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[ النحل :125].
فالمدارات محمودة، وقد سلكها وفعلها نبينا عليه الصلاة والسلام، في البخاري(6032) من حديث عائشة رضي الله عنها،:" أنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ علَى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمَّا رَآهُ قالَ: بئْسَ أخُو العَشِيرَةِ، وبِئْسَ ابنُ العَشِيرَةِ، فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في وجْهِهِ وانْبَسَطَ إلَيْهِ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قالَتْ له عَائِشَةُ: يا رَسولَ اللَّهِ، حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ له كَذَا وكَذَا، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ في وجْهِهِ وانْبَسَطْتَ إلَيْهِ؟ فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا عَائِشَةُ، مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا؟ إنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَومَ القِيَامَةِ مَن تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ.
فداره النبي عليه الصلاة والسلام وتلطف به، وهذا من العقل والحكمة ومن الخلق الذي تخلق به رسول الله عليه الصلاة والسلام، كان يتخلق بمثل هذه الأخلاق الرفيعة، ومن حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"إنا لنكشر في وجوه أقوام ونضحك إليهم، وإنَّ قلوبنا لتلعنهم"،
رواه البخاري معلقا، وجاء موصلا خارج الصحيح.
إنا لنكشر في وجوه أقوام: بمعنى ننبسط ونبتسم وقلوبنا تلعنهم، وكل هذا من المداراة من مداراة الخلق وهو خلق حسن.
جاء في البخاري من حديث عبدالله بن أبي مليكة، أن النبي عليه الصلاة والسلام أهديت له بعض القباء من حرير فيها أزرار مذهبة، أزرار من ذهب، وهذا لعله قبل تحريم الذهب والحرير على الرجال، لعله كان قبل ذلك فإن الناس كانوا يلبسون الذهب والحرير ثم جاء النهي عن ذلك،خبأ النبي عليه الصلاة والسلام واحدة، قسمها بين أصحابه وخبأ واحدة فجاء مغرمة بن نوفل رضي الله عنه مع ولده المسور بن مخرمة إلى باب بيت رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكان مخرمة كما قال الراوي فيه شدة في الخلق، قال مخرمة لولده ادعوه، أي ادعو رسول الله عليه الصلاة والسلام، فسمع النبي عليه الصلاة والسلام صوته فأخذ تلك القباء وفتح الباب واستقبله بأزراره وقال يا مخرمة خبأت لك هذه، عامله النبي عليه الصلاة والسلام بالمدارة واللطف، استقبله بتلك القباء وجعل يريه أزرارها المذهبة ويقول يا مخرمة خبأت لك هذه، قال الرواي وكان في خلقه شدة، فكان هذا من خلق رسول الله عليه الصلاة والسلام في المدارة،فالمدارة في معاملة الخلق خلق حسن، والمداهنة مما لا يجوز، واتقاء شر عند الإكراه فإنه يجوز لكن كما قلنا يتق الشر ولا يقع في الباطل، اسأل الله سبحانه و تعالى أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين، وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها، ربنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم يسر على المعسرين، واقض الدين عن المدينين، واعف مرض المسلمين واشف مرضاهم وارحم موتاهم إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، اللهم أصلح البلاد والعباد، اللهم من أراد ببلادنا كيدا ومكرا فجعل كيده في نحره واجعل تدميره في تدبيره واكف المسلمين شره إنك على كل شيء قدير، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.



جميع الحقوق محفوظة لـ الموقع الرسمي للشيخ أبي بكر الحمادي