الرئيسية / الفتاوى / الفتاوى المتنوعة/نريد منكم نصيحة في الحث على الخروج الدعوي وأهميته وحاجة الناس لذلك ؟ 19 شعبان 1443هـ
نريد منكم نصيحة في الحث على الخروج الدعوي وأهميته وحاجة الناس لذلك ؟ 19 شعبان 1443هـ 2023-01-25 15:56:11


السؤال :

نريد منكم نصيحة في الحث على الخروج الدعوي وأهميته وحاجة  الناس لذلك ؟  

الجواب :

فنقول مستعينين بالله عز وجل :  الدعوة إلى الله عز وجل كما هو معلوم من القربات العظيمة ومن الأعمال الصالحة ،  وهو طريق الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام ،  قال الله عز وجل : {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } فالدعوة إلى الله عز وجل هي سبيل النبي عليه الصلاة والسلام ،  وسبيل أتباعه كما  أخبرنا بذلك سبحانه وتعالى ،  على بصيرة ، أي :  على علم ،  فالدعوة تكون على علم ما تكون على جهل ،  فهذه طريقة النبي عليه الصلاة والسلام وطريقة أتباع رسول الله  عليه الصلاة والسلام ، وقد أخبر الله عز وجل عن فضل من يدعو إليه ،  فقال : {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله  وعمل صالحا ،  قول وعمل ،  فالدعوة إلى الله عز وجل تحتاج إلى العلم ، تحتاج إلى بصيرة. وهذه الأماكن هي أماكن العلم ،  مثل هذه المساجد مثل هذه الأماكن يتعلم الإنسان فيها العلم النافع من كتاب الله عز وجل ومن سنة النبي عليه الصلاة والسلام ثم بعد العلم يكون التعليم ودعوة الناس ،  دعوة الناس إلى الخير ، بعد العلم تكون الدعوة فالدعوة إلى الله عز وجل على بصيرة ،  والداعية إلى الله عز وجل يحتاج إلى أن يعمل بعلمه ،  وأن يعمل بما يقول ، "  وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا  " ،  أما أن يدعو  الناس إلى الجنة وأفعاله تدعو الناس إلى النار ،  هذا ما هو صحيح ،  نعم ،  هذا ما هو صحيح يدعو الناس إلى الخير وأفعاله تدعو الناس إلى الشر ،  هذا الفعل ما هو صحيح ، يحرص الإنسان على نفسه أولا  ثم يحرص على الناس. والدعوة إلى الله عز وجل   كما تكون بالقول تكون بالفعل وربما كانت الدعوة بالفعل أبلغ من الدعوة بالقول ، والناس يتأثرون بخلق الشخص ،  بأخلاقه الحسنة  ، وبأفعاله الجميلة ،  ربما يتأثرون به  أكثر من قوله ،  أما إذا كان يقول ويخالف ما يقول فإنه في الحقيقة  ينفر الناس عن الخير ،  وينفر الناس عن الدين ،  فلا بد من هذين الأمرين  ، لا بد من العلم ،  ولابد من العمل ،  ولابد أن يقول الإنسان ما يفعل :  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}  ومن يدعو إلى الله عز وجل  يحتاج إلى الحلم كما أنه يحتاج إلى العلم ، لابد أن يتخلق بالحلم ،  يكون عنده الحلم والصفح  عن الناس ،  وعنده تحمل الأذى ،  وعنده  الشفقة ، يكون عنده الحلم على الناس  ، فإنه يواجه أصناف الناس ،  من خرج للناس فإنه يعاشر ويواجه  أصناف الناس ،  فهنالك من هو غضوب شديد الغضب ما يتحمل ، وهناك من هو سفيه بذيء  اللسان ،  قبيح القول والفعل ،  وهنالك من فيه الكبر والعلو ،  وهناك من هو صاحب رئاسة ومكانة  ووجاهة ،  وهناك الجاهل ،  فالناس يتفاوتون،  فمن واجه الناس يلقى من هذه الأمور المتعددة المتغيرة فيحتاج إلى الحلم والعلم، ويحتاج إلى الشفقة عنده الرحمة بالناس ،  يدعوهم وهو رحيم بهم ، ويحتاج  إلى الصبر على أذى الناس فإن  الداعي إلى الله عز وجل لابد أن يؤذى " إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزيلا فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا " والله عز وجل يقول :  " خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ  "  ويقول الله سبحانه وتعالى : "  وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ "  فيحتاج الإنسان إلى أن يدفع  بالتي هي أحسن ، فلا يعامل المسيء بإساءته ، وهو في مقام الدعوة إلى الله عز وجل   يحتاج إلى العفو والصفح ومعاملة المسيء بالإحسان ،  وأقل ما في الأمر  أن يصبر على أذى المؤذي ، ويحتاج من يدعو  إلى الله عز وجل أن يكون رفيقًا بالناس ، ففي الصحيحين   عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى إِلَى اليَمَنِ قَالَ: « يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلاَ تَخْتَلِفَا»

 هذه  وصية النبي عليه الصلاة والسلام لأصحابه ،  يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا : على وفق الشريعة ما هو على أهواء الناس ،  التيسير على وفق  الشريعة لا على أهواء الناس ،  يسرا ولا تعسرا وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا : ما يكون الإنسان منفرًا ،  كيف يدعو إلى الله عز وجل وهو ينفر الناس   عن الدين ؟! فالنبي عليه الصلاة والسلام كان حريصًا على أن لا ينفر الناس  مهما كان الأمر يحرص  على عدم تنفير الناس ، ففي الصحيحين عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ مُعَاذٌ، يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَأْتِي فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ، فَصَلَّى لَيْلَةً مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ ثُمَّ أَتَى قَوْمَهُ فَأَمَّهُمْ فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَانْحَرَفَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ وَانْصَرَفَ فَقَالُوا لَهُ: أَنَافَقْتَ؟ يَا فُلَانُ، قَالَ: لَا. وَاللهِ وَلَآتِيَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَأُخْبِرَنَّهُ. فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا أَصْحَابُ نَوَاضِحَ نَعْمَلُ بِالنَّهَارِ وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى مَعَكَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ أَتَى فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُعَاذٍ فَقَالَ: « يَا مُعَاذُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟ اقْرَأْ بِكَذَا وَاقْرَأْ بِكَذَا» قَالَ سُفْيَانُ: فَقُلْتُ لِعَمْرٍو، إِنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ، حَدَّثَنَا عَنْ جَابِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: اقْرَأْ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالضُّحَى، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى فَقَالَ عَمْرٌو نَحْوَ هَذَا

فأدبه النبي عليه الصلاة والسلام بهذا الأدب والصحابة كانوا  إذا  علموا عملوا واستقاموا. رضي الله عنهم أجمعين، فالشاهد أن  النبي عليه الصلاة والسلام لما شاهد  أن هذا الفعل فيه تنفير للناس أغلض بالقول على معاذ رضي الله عنه واستنكر عليه هذا الأمر ،  « يَا مُعَاذُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟  وفي الصحيحين  ،  لما قال  عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ  أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعْهُ، لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ »   فرأى النبي عليه الصلاة والسلام أنه  يحصل من هذا الفعل تنفير  للناس عن الدخول في الإسلام ،  فإن من كان بعيدًا من الكافرين ،  ما يفرق بين  المنافقين وبين الصحابة ، ما عنده تفريق ، الكل عنده من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ،  هذا محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام وهؤلاء هم أصحابه ما عنده تفريق ،  ينظرون إلى الناس أن هؤلاء هم جميعًا أصحاب هذا الرجل أصحاب هذا النبي ،  فإذا كان هذا النبي يقتل أصحابه ويفعل بهم هذا الفعل فكيف بغيرهم ؟!  يحصل تنفير  للناس عن الدخول في الإسلام ،  ويوصف  النبي عليه الصلاة والسلام بعدم الرحمة وبالشدة والغلظة والجفاء ، إذا كان يحصل  هذا الأمر لأصحابه فكيف يفعل بغير أصحابه ؟!  فلما رأى النبي عليه الصلاة والسلام حصول  مفسدة  وهي التنفير  عن الإسلام ، امتنع النبي عليه الصلاة والسلام من قتل المنافقين ومن قتل رأس المنافقين درءًا لهذه المفسدة التي يحصل منها  تنفير الناس عن الدين ،  وفي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: «يَا عَائِشَةُ، لَوْلاَ أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ، فَهُدِمَ، فَأَدْخَلْتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ، وَأَلْزَقْتُهُ بِالأَرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ، بَابًا شَرْقِيًّا، وَبَابًا غَرْبِيًّا، فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ " فأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يفعل هذه المصالح الشرعية ، فالبيت لما بُني بقي جزء لم يدخل في البيت فأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يهدم الكعبة وأن يُدخل ذلك الجزء في بناء البيت ، وأن يجعل الباب إلى الأرض ، والباب بني بناءً مرتفعًا لأن كفار قريش أرادوا  أن يدخلوا  من شاءوا وأن يمنعوا من شاءوا ، لأنه إذا مستويًا على الأرض دخله كل الناس وهم لا يريدون هذا فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعله مستويا على الأرض وأن يجعل له بابين باب يدخل الناس وباب يخرجون منه حتى لا يحصل الازدحام ، لكن مالذي منع النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ؟ حتى لا ينفر من كان قريبا بإسلام ويقول بعض من قرب عهده من الجاهلية : هذا النبي لا يعظم البيت ، ولا يحترم الكعبة ، وربما حصلت ردة من بعض الناس وفتنة لهم ، ونفور عن الدين بسبب هذا الفعل ، ممن لا يدرك الأمور ، شاهدنا من هذا أن النبي عليه الصلاة والسلام كان حريصًا على عدم تنفير الناس بكل ما يستطيع ، ولا أعني أن الإنسان يتنازل عن الواجبات ، لكن قد يترك الإنسان بعض المستحبات درءًا لبعض المفاسد العظام ، وبعض ما يجوز تركه دفعًا لمفاسد أعظم من ذلك ، فلا بد من مسايسة الناس وعدم تنفيرهم في حق من يدعو إلى الله عز وجل فهذا مما لابد منه ، وهكذا يحتاج الإنسان أن يهتم بأهم الأمور في دعوته إلى الله عز وجل ، ينظر ما يحتاج الناس إليه ، وأهم الأمور توحيد الله عز وجل ،

فإذا كان الإنسان في قرية من القرى ، وخاصة القرى،  يكثر فيها  الجهل فتكثر فيها الشركيات والخرافات فليكن أوفر حظ في من يخرج دعوة إلى الله عز وجل أن يهتم بهذا الباب ، بباب التوحيد فإنه دعوة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ويحذر الناس من أنواع الشرك ، وينظر بعد ذلك في حال القرية ،  وفي  المخالفات  التي هم فيها فيعالج المرض الموجود في ذلك المكان  فلابد أن يعرف أحوال لمكان الذي ينزل إليه حتى يستطيع أن يتعامل مع الناس المعاملة الصحيحة ، ولَمَّا بَعَثَ النبي صلى الله عليه وسلم  مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى اليَمَنِ، قَالَ: «إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ، فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا، فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ»

فابتدأ بتوحيد الله عز وجل ، فيهتم في هذا الباب ،  فما يتعلق بتوحيد الله سبحانه وتعالى يكون له الحظ الأوفر في حق من يدعو إلى الله عز وجل أسأل الله أن ينفعنا بما سمعنا وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم . 


جميع الحقوق محفوظة لـ الموقع الرسمي للشيخ أبي بكر الحمادي