فتح المنان في بيان أسباب بناء البيوت في الجنان 9 جمادى الأولى 1447هـ 2025-11-01 19:34:56
خطبة جمعة بعنوان فتح المنان في بيان أسباب بناء البيوت في الجنان
لشيخنا المبارك أبي بكر الحمادي حفظه الله ورعاه
سجلت بتاريخ ٩ حمادى الأولى ١٤٤٧ه
مسجد السنة إب اليمن حفظها الله وسائر بلاد المسلمين
إن الْحَمْدُ للهِ نَحْمَدُه ونستعينُه ، ونستغفرُه ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ، ومن سيئاتِ أعمالِنا ، مَن يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له ، ومَن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[ آل عمران : 102] .
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًاكَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}[ النساء : 1 ]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}[الأحزاب : 70 ،71].
أما بعد : فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (25)}[يونس:25]
فرب العالمين سبحانه وتعالى يدعو جميع الخلق إلى دار السلام، ودار السلام هي الجنة، سميت بذلك لأن الله سبحانه وتعالى هو السلام، وسميت بذلك لأنها سليمة من الآفات والنقائص والهموم والغموم والأنكاد، وسميت بذلك لأن تحية أهلها السلام، وتحية الله سبحانه وتعالى لهم السلام، ولأنهم لا يسمعون فيها لغواً إلا سلاماً، فلا يسمعون إلا الكلام الطيب، هذه الدار يدعو إليه رب العالمين سبحانه وتعالى، دعوة عامة لجميع الخلق، لكنه سبحانه وتعالى يهدي من يشاء إلى طراط مستقيم، خص الهداية من شاء، وعم الدعوة لجميع الخلق، فهو يدعو جميع الخلق إليها، لكنه لا يهدي إليها إلا من شاء سبحانه وتعالى، فذلك عدله وهذا فضله، فربنا سبحانه وتعالى لا يدعو إلى الدنيا الزائلة، وإنما يدعو إلى دار السلام، إلى الدار الباقية، وقد جعل الله سبحانه وتعالى في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وكلامنا في هذا المقام على شيء من نعيم الجنة، والحديث عن بيوتها وعن قصورها، فإن كثيرا من الناس في الدنيا يحرصون على المساكن والبيوت حرصاً بالغاً، ويقضون السنين المتطاولة في الغربة والجد والاجتهاد في الدنيا من أجل أن يبني الشخص لنفسه بيتاً ومسكناً يأوي إليه، ربما مكث عشرين سنة مغتربا عن أهله وعن أوطانه وعن ولده من أجل أن يبني له مسكناً في الدنيا مع أن الدنيا زائلة، لا يبقى هو فيها ولا تبقى الدنيا لأحد، وكم من شخص اغترب السنين المتطاولة وبنى له بيتا في بلده ومات قبل أن يدخله، وقبل أن يسكنه، وأخبار الناس في ذلك كثيرة، ومن سكن بيته فإنما يسكن وقتاً يسيراً، أما دور الجنة فهي دور باقية ليس فيها فناء، من دخلها كان من الخالدين لا يموت فيها ولا يفنى ولا يبلى، فاهتمام المرء ببناء دور الآخرة ومساكن الآخرة وقصور الآخرة هو الذي ينبغي، فليحرص المسلم على تلك الدار، وعلى بناء المساكن والقصور في الدار الآخرة، قال سبحانه وتعالى عن تلك المؤمنة عن امرأة فرعون، قال سبحانه وتعالى:{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ}[التحريم:11].
فهذا هو حرص المؤمنين، وهذا طلب المؤمنين يحرصون على الآخرة وعلى قصورها وعلى دورها وعلى مساكنها، جاء في الصحيحين من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ومَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ في الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وما فيها.
هذا موضع السوط الذي يضرب به، موضع السوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها، وتأملوا في الدنيا وما فيها من النعيم، وما فيها من القصور، وما فيها من الملك، وما فيها من الأموال، وما فيها من الأمور الكثيرة جداً موضع السوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها، فكيف بقصورها، وكيف بدورها ومساكنها، موضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها، وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" جنَّتانِ مِن فضَّةٍ آنيتُهما وما فيهما وجنَّتانِ مِن ذهَبٍ آنيتُهما وما فيهما وما بَيْنَ القومِ وبَيْنَ أنْ ينظُروا إلى ربِّهم إلَّا رِداءُ الكِبْرِ على وجهِه في جنَّةِ عَدْنٍ.
وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إنَّ في الجَنَّةِ خَيْمَةً مِن لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ، عَرْضُها سِتُّونَ مِيلًا، في كُلِّ زاوِيَةٍ مِنْها أهْلٌ، ما يَرَوْنَ الآخَرِينَ، يَطُوفُ عليهمُ المُؤْمِنُونَ.
هذه خيمة من خيام الجنة، و الخيمة يطلق عليها الشيء المربع من جلود ونحو ذلك، شيء من مربع من جلود ونحو ذلك أي باعتبار الدنيا، أما في الجنة فهذه خيمة من خيم المؤمنين، فكيف بقصورها وبيوتها، خيمة من خيام المؤمنين، أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنها" لؤلؤة مجوفة" عرضها سبعين ميلا، أكثر من عشرة كيلوهات، هذا هو عرضها أما طولها فلا يعلمه إلا رب العالمين سبحانه وتعالى، عرضها سبعون ميلاً في كل زاوية منها أهل، أهل لأهل الجنة يطوفون عليهم لا ينظر بعضهم إلى بعض، فإذا كانت هذه خيام أهل الجنة فكيف بقصورها وكيف بمساكنها العظيمة، وجاء في مسند الإمام أحمد، وعند الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: حدثنا عن الجنة؟ فقال عليه الصلاة والسلام:"لبِنةٌ من فضَّةٍ ولبنةٌ من ذَهَبٍ ، وملاطُها المسكُ الأذفرُ ، أي طينها، وحصباؤُها اللُّؤلؤُ والياقوتُ ، وتُربتُها الزَّعفرانُ، مَن دخلَها ينعَمُ ولا يبأسُ أبدا ، ويخلدُ ولا يموتُ أبدا ، لا تبلَى ثيابُهُم ، ولا يفنى شَبابُهُم.
فهذه هي الجنة قصورها مبنية بلبنة من ذهب ولبنة من فضة، ليست من طين وتراب، ولا من حجارة، ولا من أسمنت، وإنما من الذهب والفضة، لبنة من ذهب ولبنة من فضة، ملاطها أي طينها المسك الأذفر، حصباؤها اللؤلؤ والياقوت، ترابها الزعفران، هكذا يقول نبينا عليه الصلاة والسلام، هذه الدار هي يدعو إليه رب العالمين سبحانه وتعالى، والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى طراط مستقيم، هذه القصور العالية وهذه المساكن الطيبة ينالها المؤمن بأعمال يسيرة، ينالها بالإيمان والعمل الصالح،{وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)}[التوبة:72].
هذه هي المساكن الطيبة في جنات عدن، وعدها الله المؤمنين والمؤمنات الذين آمنوا وعملوا صالحاً، قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10)تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11)يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)}[الصف:10،12].
بالإيمان بالله ورسوله، وبطاعة الله عز وجل ينال العبد هذه المساكن الطيبة، وهذه القصور الرفيعة، والمباني العالية، جاء في الصحيحين من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"مَن بَنَى مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ له مِثْلَهُ في الجَنَّةِ.
وفي لفظ" يبتغي به وجه الله " أي لا رياء ولا سمعة بنى الله له بيتاً في الجنة.
وعند ابن ماجة من حديث جابر رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من بنَى مسجدًا للهِ كمَفحَصِ قَطاةٍ بنَى اللهُ له بيتًا في الجنَّةِ. أو ولو كان صغيرا ينتفع الناس به بنى الله له بيتاً في الجنة، فبيوت الجنة تنال بمثل هذه الأعمال الصالحات والقربات، في مسلم من حديث أم حبيبة رضي الله عنها، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" ما من عبد يصلي لله ثنتي عشر ركعة تطوعاً من غير الفريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة، أو بني له بيت في الجنة، تصلي في اليوم ثنتي عشر ركعة تطوعاً من غير الفريضة يبني الله سبحانه لك تلك القصور العالية، تصلي ركعتين قبل الفجر، وأربع قبل الظهر، وتصلي ركعتين بعدها، وتصلي ركعتين بعد المغرب، وتصلي ركعتين بعد العشاء، يبني الله سبحانه وتعالى لك قصراً وبيتاً من بيوت الجنة، تلك القصور العالية الرفيعة، هذا العرض لو حصل للناس في الدنيا لزدحام الناس على ذلك، ولحرص الناس على ذلك، غير أن اليقين ضعف في القلوب باعتبار الآخرة، اليقين ضعيف في القلوب باعتبار الآخرة، أما الدنيا وشهوات الدنيا لو عرضت على الناس لتزاحم الناس عليهم، ولحرص الناس عليه غاية الحرص، وإذا سمعوا مثل هذه الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي لا ينطق عن الهوى فإن كثيراً من النفوس لا تتجه لذلك لضعف اليقين للدار الآخرة والعياذ بالله، إلا من رحم الله سبحانه وتعالى، وجاء في المسند، وعند الترمذي من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إذا قبض الله ولد العبد المؤمن، يقول الله لملائكته: "قبضتم ولد عبدي؟"، فيقولون: نعم. فيقول: "قبضتم ثمرة فؤاده؟"، فيقولون: نعم. فيقول: "ماذا قال عبدي؟"، فيقولون: "حمدك واسترجع". فيقول الله عز وجل: "ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة، وسمّوه بيت الحمد".
بيت الحمد لمن حمد الله عز وجل عند هذه المصائب العظام، واسترجع وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، تبنى له بيت في الجنة وتسمى تلك البيت ببيت الحمد،
وجاء في المسندعن
ﻣﻌﺎﺫ ﺑﻦ ﺃﻧﺲ اﻟﺠﻬﻨﻲ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺎﻝ: " ﻣﻦ ﻗﺮﺃ: ﻗﻞ ﻫﻮ اﻟﻠﻪ ﺃﺣﺪ ﺣﺘﻰ ﻳﺨﺘﻤﻬﺎ ﻋﺸﺮ ﻣﺮاﺕ، ﺑﻨﻰ اﻟﻠﻪ ﻟﻪ ﻗﺼﺮا ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ " ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎﺏ: ﺇﺫا ﻧﺴﺘﻜﺜﺮ (2) ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ؟ ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: " اﻟﻠﻪ ﺃﻛﺜﺮ ﻭﺃﻃﻴﺐ "
وفي هذا الحديث الذي تلوناه قال عمر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا نستكثر؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام:" الله أكثر وأطيب،
وجاء في المسند، وعند الترمذي، وابن ماجة، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" من قال في سوقَ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له له الملكُ وله الحمدُ يحيى ويميتُ وهو حيٌ لا يموتُ بيدِه الخيرُ وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ كُتِبَ له ألفُ ألفِ حسنةٍ ومُحِيَ عنه ألفُ ألفِ سيئةٍ وبنى له بيتا في الجنة.
هذا الثواب العظيم لمن ذكر الله عز وجل في أماكن الغفلة، والأسواق هي أماكن الغفلة فمن كان ذاكرا لله عز وجل نال هذه الحسنات العظيمات، وهذه المكرومات الرفيعات العاليات، ويبني الله سبحانه وتعالى له بيتا في الجنة، فاحرص يا عبد الله على مساكن الآخرة فإن تلك الدار هي دار الإقامة وأنت في الدنيا مرتحل، كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، كما جاء في البخاري عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له ذلك:" كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل.
دار المقامة إنما هي الجنة، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34)
الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)}[فاطر:34،35].
تلك الدار هي دار المقامة، هناك الإقامة، أما الدنيا فهي دار سفر وارتحال ترتحل منها اليوم أو في الغد أو بعد الغد، والناس يرتحلون في كل يوم لكن كثيراً منا لا يتعظ في ذلك، ونتكالب على الدنيا وشهواتها وكأننا لن نرتحل مع من نرتحل، وهذه هي الغفلة السحيقة التي طغت على القلوب والعياذ بالله،
أسأل الله عز وجل أن يرحمنا برحمته وأن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد: روى الإمام أحمد في مسنده، من حديث معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} حتى يختِمَها عشرَ مراتٍ بنى اللهُ له قصرًا في الجنَّةِ.
عمل يسير تنال به قصراً من قصور الجنة، ما هو من قصور الدنيا الفانية، وإنما تنال قصراً من قصور الجنة بهذا العمل اليسير، تقرأ قل هو الله أحد عشر مرات حتى تختمها يبني الله سبحانه وتعالى لك قصرا في الجنة، وجاء في المسند من حديث أبي مالك الأشعري، وجاء بنحوه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، ومن حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:"إِنَّ في الجنةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُها من باطِنِها ، و باطِنُها من ظَاهِرِها، أعدَّها اللهُ لمَنْ أطعم الطَّعامَ وأفشى السَّلامَ وصلَّى بالليلِ والنَّاسُ نيامٌ.
هذه الغرفة العالية أعدها الله سبحانه وتعالى لهؤلاء، والغرفة المراد بها المنازل العالية، وليس المراد بذلك الحجرة من حجرات البيوت، الغرفة هي المنازل العالية، وهي القصور العالية، وهي المساكن العالية الرفيعة في الجنة، أعدها الله سبحانه وتعالى لهؤلاء، فليحرص المسلم على تلك الدار، على دار المقامة، احرص يا عبد الله على تلك الدار الباقية ولا تغتر بالدنيا وزخرفها وشهواتها وزينتها، لا تغتر بها أن مرتحل اليوم أو في غد، وأنت في الدنيا في سفر والآخرة هي دار المقام، فاحرص على العمل الصالح، واحرص على هذه القصور العالية وهذا المساكن الرفيعة، احرص على ذلك ولا تحرص على الدنيا، لا تحرص على الدنيا فتضيع الآخرة فإن الدنيا هي ضرة الآخرة، إن عملت للدنيا ضررت بأخراك، وإن عملت لأخراك لا بد أن تفرط في شيء من دنياك، فخذ شيء من الدنيا ما تستعين به في سفرك إلى الدار الآخرة ولا تكن في الدنيا كالمقيم فتكن من الغافلين عن الدار الآخرة.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا، وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها، اللهم اهدنا إلى الصراط المستقيم واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين
فرغها أبو عبد الله زياد المليكي حفظه الله